أتمتة الإجراءات ورفع كفاءة رعاية وتأهيل “ذوي الإعاقة”.. صورة من التزام الحكومة بـ “التنمية الشاملة”
ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
6 أبريل 2025مـ – 8 شوال 1446هـ
تقريــر|| إبراهيم العنسي
في ظل عدوان وحصار مستمر على اليمن منذ عشرة أعوام، تصاعدت أرقام ضحاياه من المدنيين، وازداد حجم الإعاقات في أوساط المجتمع مضافة إلى الإعاقات المتراكمة في ظروف اللاحرب.
وفي ظل توجه ومسار شامل لأتمتة عمليات مؤسسات وقطاعات الدولة، وما تقدمه من خدمات، يترجم صندوق رعاية وتأهيل المعاقين، توجهات الدولة وتوجيهات القيادة الثورية والسياسية بتحسين الأداء وتجويد الخدمات، باعتماده اليوم لنظام آلي هو في أمس الحاجة إليه لارتباط نشاطاته بشريحة “المعاقين” تلك الشريحة التي يسعى التوجه العام لأن تحظى بالأولوية، في تسهيل معاملاتها وضمان سرعة توفير احتياجاتها.
إن أتمتة أعمال صندوق رعاية وتأهيل المعاقين هي خطوة هامة نحو تعزيز فعالية الدعم والرعاية للأشخاص ذوي الإعاقة في اليمن، من خلال تحسين إدارة البيانات وتقديم الخدمات، وتعزيز الشفافية والكفاءة، وعكس التزام الحكومة بتحقيق التنمية الشاملة لجميع أفراد المجتمع بما فيها هذه الشريحة ذات الإمكانات الخاصة والمدهشة.
بالأمس كانت هناك كثير من العوائق والإشكاليات تواجه المستفيدين من ذوي الإعاقة، كما تواجه صندوق رعاية وتأهيل المعاقين، كضياع المعاملات وعشوائية سير خط المعاملات، وثقالة الروتين الممل لإكمال الإجراءات والتنقل بين المكاتب والإدارات من وقت لآخر، في زحام المستفيدين وزحام الملفات والاستمارات التي لا تسلم من أن تتوه في أدراج وأرشيف صندوق رعاية وتأهيل المعاقين، حيثُ المعاملات اليدوية والعمل التقليدي كان السائد في إنجاز نشاط الصندوق، في ظل إقبال متزايد لهذه الشريحة، خاصة ما بعد سنوات الحصار والعدوان، واليوم تغيرت تلك الصورة الى حدٍّ كبير؛ فالهدف هو تحقيق تنمية حقيقة لا تستثني أياً من شرائح وفئات المجتمع ومنها شريحة ذوي الإعاقة في إطار التركيز على جانب التنمية البشرية وما تملكه هذه الشريحة من إمكانات كبيرة، في خط موازٍ لتطوير جوانب العمل الإداري المالي على نحو مواكب لتطورات العالم وتوظيف جوانب التكنولوجيا ذات المستوى المتقدم.
يذكر علي شعبان -أحد المستفيدين- يعاني من إعاقة حركية أنه كثيراً ما كان يتعرض لضياع معاملاته ولأكثر من مرة “حيثُ كانت المعاملات لا يرافقها إعطاء المستفيد سند معاملة برقم محدد، وإنما كانت تتم عشوائياً، ولأن بعض المعاملات تستغرق وقتاً ليس بقصير في السابق، في ظل الأعداد الكبيرة للمعاملات، وأكوام الأوراق التي تنتظر الإنجاز وقتها، كان من الصعب جدًّا، بل من المستحيل أن تجدها، خاصة إذا مر عليها أسبوع أو شهر أو يزيد”.
هذه المشكلة -بحسب علي شعبان- لم تعد موجودة اليوم (بعد أن أدخلت بياناته ضمن النظام الآلي)، وكما يقول: “بمجرد أن أصل لخدمة الجمهور يتم إعطائي سنداً برقم محدد، ومن ثم تنتقل معاملتي إلى الإدارات المختصة وتتم بوقت قياسي في الغالب لا يتجاوز نهاية الدوام الرسمي لموظفي الصندوق.
ويضيف: “وفي حال توقفت المعاملة في إدارة من إدارات الصندوق، فبمجرد إعلام إدارة الشكاوي برقم السند الخاص بالمعاملة، يتم تحديد الإدارة التي توقفت عندها المعاملة إن كانت بحاجة لأية معالجة، والمهم أنك لا تعود من جديد لتقديم معاملة أخرى، فيما تمضي معاملتك ضمن الإجراءات المحددة بمعايير واضحة تضمن لك المساواة والعدالة في إكمال الإجراءات والحصول على الخدمات.
معاملة تنجز في يوم
في جانب توفير الخدمات يشير أحمد على التبعي -وهو مستفيد يعاني إعاقة حركية- إلى أنه كان من الصعب إتمام المستفيد للمعاملة في يوم واحد، فضلاً عن أنه قد يحصل على حاجته في نفس اليوم؛ فقد كانت المعاملات تستغرق وقتاً طويلًا، مقارنة بما يحصل اليوم تماماً، حيثُ يستطيع المعاق أن يحصل على الخدمة في نفس يوم إجراء المعاملة وهذا يعتمد على مدى توفر الخدمات والمعدات التي يحتاجها المستفيد كالعربات، السماعات، مساعدة مالية… إلخ، وفي حال توفر الخدمة لدى الصندوق يمكن للمستفيد الحصول عليها في نفس اليوم كما هو الحال مع طلبات عربات التنقل، وإذا كانت مساعدة مالية فقد تستغرق يومين إلى ثلاثة أيام، وهكذا.
يضيف التبعي: كنا في السابق بعد إكمالنا المعاملات، ننتظر للتأكد من توفر الخدمة (المعدات والتجهيزات) التي يحتاجها المستفيد المعاق، في مخازن الصندوق، حيثُ يعطى مسؤول المخازن والمشتريات نفسه بعض الوقت، قد يكون يوماً أو أكثر، للتأكد من وجود الخدمة في المخازن أم لا، أما اليوم يمكننا ملاحظة أنه بضغطة زر يتأكد مسؤول المشتريات من الخدمات المتوفرة لديهم ساعة بساعة، ويوم بيوم وأسبوع بأسبوع، ولهذا في حال توفر السيولة المالية للصندوق تكون تلك الأجهزة والخدمات متوفرة ولا تحتاج سوى الانتظار لدقائق معدودة للحصول عليها.
لقد كان من أول أهداف الرؤية الوطنية وأهمها، أتمتة المؤسسات والجهات الحكومية والربط الشبكي الذي يسهل عملية تبادل المعلومات فيما بينها، حيثُ كان الصندوق وفقًا للمهندس أسامة المنصور -مدير نظم وتقنية المعلومات– “كان من أول الجهات التي وصلت لهذا الهدف عبر النظام الآلي المتكامل، وقد كان من أهم أهداف النظام الآلي المتكامل ترشيد موارد الصندوق عبر تفعيل أدوات الرقابة والمراجعة للعمليات والإجراءات، حيثُ أدى ذلك إلى منع التكرار والازدواجية في فتح ملفات للأشخاص ذوي الإعاقة، وكذلك في تقديم المساعدات لهم، إضافة إلى تسهيل وضع آلية وضوابط ومعايير لعملية تقديم الخدمات، بتوزيع الخدمات بين الأشخاص ذوي الإعاقة حسب فئات الإعاقة، ونسبة العجز.
وأضاف أن أتمتة العمليات وفرت البيانات والمعلومات عن المعاقين بشكل واضح ودقيق، وسهلت عملية تبادل المعلومات بين الصندوق والجهات الخارجية، التي تشمل الفروع والمستفيدين ذوي الإعاقات والشركاء وغيرهم (بانتظار الانتهاء من أعمال البوابة الإلكترونية للصندوق) واكتمال قاعدة بينات الصندوق، حيثُ ساهم هذا النظام في خدمة أغلب المعاقين دون تمييز منهم “90 ألف معاق تم إدخال بياناتهم للنظام”، إلى جانب أنه سهل عمليات المتابعة لتقديم الخدمات من قبل المستفيدين والتواصل بهم في حالة انتهاء معاملاتهم، وسهل جدولة تقديم الخدمات في النظام عبر تحديد زمن تقديم الخدمات.
وقد حسنت أتمتة الإجراءات من مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة ومن تواصلهم مع الصندوق، فقد تم تجديد بيانات ما يزيد عن 50 ألف معاق ضمن عملية الأتمتة في المركز الرئيسي في العاصمة، وهم الذين تم إدخال بياناتهم حتى اليوم، من حوالي 114 ألف معاق مسجلين لدى الصندوق بالأمانة، إلى جانب 40 ألف حالة في سبعة فروع خارج العاصمة، بانتظار اكتمال البوابة الإلكترونية في القريب العاجل، والتي ستعمم عبرها كلّ عمليات الصندوق مع كلّ الجهات والفروع في بقية المحافظات، بما فيها حوالى 250 جمعية لذوي الإعاقة الحركية، السمعية والبصرية، وغيرها من الجمعيات، ضمن قاعدة بيانات ستكون موحدة، ترتبط بجميع الفروع ومع كلّ الشركاء بما فيهم تلك الجمعيات، التي تعمل بالتكامل وبدعم من صندوق رعاية وتأهيل المعاقين، حيثُ سيؤدي هذا إلى ترشيد موارد الصندوق وخدمة الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل أوسع، والتخلص من جوانب فساد ترتبط بممارسات وهمية باسم المعاقين، وتلافي تكرار حصول مستفيدين للخدمات من أكثر من جهة منها جمعيات المعاقين.
من أولى ثمار الأتمتة
يقول عثمان الصلوي – نائب مدير صندوق رعاية وتأهيل المعاقين: “إنه بمجرد العمل بالنظام الآلي، كانت أولى ثماره أن ظهرت قرابة 5 آلاف حالة مكررة لمعاقين مسجلين، وهذا رقم كبير، يوفر أموالاً كبيرة كانت تذهب نتيجة لممارسة البعض للاحتيال، ومع السير في استكمال أتمتة عمليات هذه المؤسسة الراعية للمعاقين، نكون قد اختصرنا الكثير من وقت وجهد هذه الشريحة؛ فبدلاً من انتظار المعاق لبضعة أيام لإنجاز معاملته، أصبح بمقدوره إنجازها بنفس اليوم دون انتظار لليوم الثاني، حيثُ تمر هذه المعاملات اليوم عبر ثلاث نقاط فقط وهي خدمة الجمهور والإدارة المختصة وصولًا إلينا للموافقة عليها، ثم يذهب لاستلام الخدمة التي طلبها أو يحتاج إليها”.
يضيف: “بمجرد أن يتم استكمال إدخال بيانات المعاق، يكون من السهل عليه إنجاز معاملته على نحو سريع وسلس، ولا حاجة للانتقال ما بين الإدارات بأوراقه واستماراته كما كان في السابق”.
ويتابع: “وحينما يتم تفعيل البوابة الإلكترونية للصندوق، التي نحن بصدد الانتهاء من إنجازها، يستطيع المعاق أن يقدم للخدمة التي يحتاجها من الصندوق عن بعد ومن أية محافظة كان فيها، ويتم وقتها التواصل معه من قبل الصندوق وإبلاغه للذهاب لاستلام الخدمة، دون عناء المتابعة الروتينية التي كان يعمل بها، حيثُ نسعى لربط النظام بفروع الصندوق ومقدمي الخدمات وشركاء العمل الاجتماعي كالمراكز والجمعيات العاملة مع الأشخاص ذوي الإعاقة، كذلك ربطه مع الموقع الإلكتروني للصندوق وشركات الاتصالات حتى يتمكن المستفيد من متابعة معاملته دون الحضور إلى مقر الصندوق، وإعلامه برسالة إس إم إس، وهذا الإنجاز والتطوير الحاصل يتم ترجمته بخطوات واثقة، وهو للأمانة كتوجه عام للدولة يعتبر توجهاً طموحاً وقفزة نوعية نقوم بها اليوم.
ويردف: لقد تم إنجاز معظم مراحل النظام الإلكتروني رغم الصعوبات والمشاكل والتحديات التي واجهتنا في هذا الجانب من قبل أصحاب المصالح والمعيقين للتصحيحات المختلفة التي قامت بها الإدارة التنفيذية الحالية.
الأتمتة والشفافية
يمكن فهم أن النظام الآلي أدى إلى تحسين إدارة المعلومات المتعلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة عبر قاعدة بيانات مركزية، حيثُ يتيح تسجيل معلومات دقيقة وشاملة تشمل البيانات الشخصية، نوع الإعاقة، والخدمات التي يتلقونها، وهذه الخطوة تسهم في تسهيل الوصول إلى المساعدات وتجنب التكرار أو الاحتيال؛ مما يعزز فعالية توزيع الموارد بشكل عادل، ويساعد في تحسين الشفافية عبر تقديمه معلومات دقيقة وموثوقة عن توزيع المساعدات والخدمات، ويعزز من كفاءة العمل عبر تسريع إجراءات تقديم الطلبات والمساعدات، مما يوفر الوقت والجهد للمستفيدين والعاملين على حدٍّ سواء، كما يوفر النظام آلية فعالة للتواصل مع المستفيدين حول الخدمات المقدمة والتحديثات المتعلقة بالدعم، مما يعزز فعالية الدعم ويساعد في بناء علاقة أكثر شفافية بين الصندوق والمستفيدين، ويعكس التزام الحكومة بتحقيق التنمية الشاملة والمتكافئة لجميع أفراد المجتمع.
ومع أتمتة أعمال صندوق المعاقين يمكن اليوم وبكل سهولة -كما يقول عثمان الصلوي- تقديم تقارير وتحليلات وخلاصات حول استخدام الموارد وتأثير الخدمات المقدمة، ونوع الخدمات والاحتياجات التي تقدم للمستفيدين، فاليوم على سبيل المثال هناك 7 آلاف مسجل بحاجة لسماعات، كذلك الحال لمن يحتاجون لخدمات أخرى، بمجرد ضغطة زر نراقب الأرقام والعمليات ساعة بساعة ويوم بيوم وشهر بشهر وهكذا.
ويضيف: هذه الأرقام تسهل لنا تقديم التقارير المساعدة في اتّخاذ قرارات مستنيرة وبما يحسن الاستراتيجيات المستقبلية، والتكامل مع أنظمة الجهات الحكومية الأخرى لتحسين التنسيق وتبادل البيانات، بما يسهم في تقديم خدمات متكاملة وفعالة… وبفضل هذا النظام، يمكننا الآن متابعة احتياجات المعاقين بشكل أفضل، وإدارة الموارد بكفاءة أعلى، وضمان تقديم خدمات عالية الجودة؛ فالهدف تحسين الكفاءة والإنتاجية واتخاذ القرارات الدقيقة من خلال توفير مجموعة كاملة من البيانات الموحدة.
لقد كانت معظم عمليات الصندوق المختلفة من البداية إلى النهاية، تعتمد على العمل اليدوي؛ ما جعلها عملية شاقة وتستهلك الكثير من الوقت والجهد وتسبب في فقدان المعاملات وعدم الشفافية في تقديم الخدمات للأشخاص ذوي الإعاقة، بينما يقوم النظام الإلكتروني اليوم بحل الإشكاليات التي ترافق العمل اليدوي، وعدم ثبات معايير تقديم الخدمة، حيثُ حدد النظام الآلي فئات الإعاقة، وقسمها إلى مستويات داخل الفئات نفسها، وعلى ذلك الأساس تعطى كلّ فئة وكلّ مستوى ما يتناسب معه من خدمات، دون تمييز؛ الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على كافة الخدمات التي يقدمها الصندوق لذوي الإعاقة.
معالجة الإشكاليات
ومع اعتماد أتمتة عمليات وإجراءات صندوق رعاية المعاقين فقد حلت إشكاليات عميقة كانت تواجه العمل في هذه المؤسسة، منها تكرار بيانات المستفيدين والتي أدت إلى ازدواجية الصرف وهدر الموارد، وهذا ما تتم لأجله عملية التصحيح، كذلك تسريع إنجاز معاملات المعاقين بعد أن كانت معالجة الطلبات تستغرق الكثير من الوقت، حيثُ كان الاعتماد على المعالجات اليدوية، وحيثُ كان هناك ضعف في تواصل إدارات الصندوق، والتي كانت تعمل بنوع من الاستقلالية مما كان يعيق التنسيق وتبادل البيانات فيما بينها، إضافة الى أنه كان هناك ضعف في إدارة احتياجات المستفيدين “المعاقين”، إلى جانب فقدان المعاملات بسبب الاعتماد على الأرشفة اليدوية، وصعوبة إعداد التقارير التي تستغرق وقتاً وجهداً كبيرين فيما يخص إعداد تقارير الأداء والمراجعة، وفي ظل الاعتماد اليوم على أتمتة عمليات الصندوق فإن ذلك يعزز من الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد والتقليل من الأخطاء وتحسين إدارة المعلومات المتعلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة عبر قاعدة بيانات مركزية، وتتبع ومراقبة الأعمال على مستوى الإدارات والفروع والمستفيدين، وتتبع حركة الأموال وضمان كفاءة إدارة الموارد المالية، ومتابعة المشاريع وقياس مدى تحقيق الأهداف.
ختاما: يمكن القول إن النظام الآلي الجديد لصندوق رعاية وتأهيل المعاقين يمثل نقلة نوعية حاله كحال مؤسسات الدولة وهياكلها التي سرعت الخطى في الانتقال إلى النشاط الإلكتروني، ومع هذا الانتقال نحو تحسين جودة الخدمات المقدمة للأشخاص ذوي الإعاقة في اليمن، من خلال كفاءة النشاط، وتنظيم البيانات والمساهمة في تيسير تقديم المساعدات وتطويرها، ومع قرب إطلاق البوابة الإلكترونية، هناك توقعات أن يكون للنظام الإلكتروني تأثيرٌ إيجابي أكبر في حياة المستفيدين ذوي الإعاقات، إلى جانب أن هذه القفزة النوعية كنموذج من نماذج التطوير في مؤسسات الدولة تعكس مدى التزام الحكومة والشركاء بتقديم دعم شامل وفعّال، يعزز إمكانيات تحقيق تنمية مستدامة للجميع.