نتعاطف مع ضحايا حلب في جانبي خطوط القتال مثلما نتعاطف بالقدر نفسه مع ضحايا “عاصفة الحزم” الذين لا بواكي لهم..
والغضب يجب ان يتوجه الى امريكا وحلفائها العرب الذين لم يتدخلوا عسكريا لوقف المجزرة.. الشعبان السوري واليمني مثل الفلسطيني والعراقي والليبي ضحايا “لعبة امم” دموية..
بقلم / عبد الباري عطوان
بات الوضع اكثر هدوءا في مدينة حلب بشقيها الغربي الخاضع للسلطة، والشرقي الواقع تحت سيطرة قوات المعارضة المسلحة، بشقيها “المعتدل”، و”الجهادي” المتشدد، بعد المجازر التي وقعت طوال الايام الماضية، وادت الى مقتل 350 شخصا نتيجة القصف من الجانبين للاحياء المدنية، حسب بيانات المصدر السوري لحقوق الانسان الذي يتزعمه السيد رامي عبد الرحمن المعارض.
الحكومة السورية التي تحاصر مدينة حلب شنت طائراتها 260 غارة و110 قصف مدفعي، واطلقت 18 صاروخا منذ انهيار وقف اطلاق النار قبل ثمانية ايام، حسب منظمة الدفاع المدني، وردت قوات المعارضة بقصف صاروخي ومدفعي على الاحياء الواقعة تحت سيطرة قوات النظام.
كان لافتا ان الدول الداعمة للمعارضة السورية المسلحة اكتفت بـ”الهجمات الاعلامية” على شاشات تلفزيوناتها، ووسائط التواصل الاجتماعي كرد فعل على الخسائر الكبيرة، المؤلمة والوحشية، التي وقعت في اوساط المدنيين في الجانب المعارض، ولم تتدخل مطلقا بطائراتها لحماية هؤلاء، وهي موجودة في الاجواء السورية والعراقية في اطار التحالف الستيني ضد “الدولة الاسلامية” بزعامة امريكا.
غارات طائرات النظام وبراميلها احدثت الكم الاكبر من الدمار والخسائر البشرية، خاصة قصفها لمستشفى القدس الميداني، الذي ادى الى مقتل خمسين شخصا على الاقل، من بينهم اطفال ومرضى ومصابين، ولكن صواريخ المعارضة التي استهدفت المواقع المدنية الخاضعة لسيطرة النظام، احدثت ايضا خسائر كبيرة في صفوف المدنيين، وتعرضت محطة “بي بي سي” البريطانية الى حملة شرسة على وسائل التواصل الاجتماعي لانها تحدثت عن هذه الخسائر في الطرف الآخر، فكل طرف لا يرى غير ضحاياه فقط، في ظل حالتي الشيطنة والاستقطاب اللتين اتسمت بها الازمة السورية منذ بدايتها قبل خمس سنوات.
***
من المؤكد ان المقارمة بين الضحايا الذين سقطوا ببراميل النظام وغارات طائراته، ونظرائهم الذين سقطوا من جراء القصف الصاروخي للمعارضة على الجانب الشرقي الواقع تحت سيطرة النظام في غير محلها، لان حجم القدرات التدميرية للنظام وقواته وطائراته اكبر بكثير، لكن المقارنة بين طائرات “عاصفة الحزم” وصواريخها الفتاكة، وبين قدرات التحالف “الحوثي الصالحي” في غير محلها ايضا، وكل الضحايا في الحالين، وفي الجانبين من العرب والمسلمين.
اللافت ان هناك اتفاقا بين القوتين العظميين على استثناء مدينة حلب وريفها من اي اتفاق لوقف اطلاق النار، لان الدولتين، امريكا وروسيا، متفاهمتان على ضرورة القضاء على قوات “جبهة النصرة” و”الدولة الاسلامية”، المصنفتين على قائمة “الارهاب”، واعطاء الضوء الاخضر لقوات النظام وطائراته للقيام بهذه المهمة، بغطاء جوي روسي، وهذا ما يفسر صمتهما، وخاصة الولايات المتحدة، طوال الايام القليلة الماضية التي شهدت اعمال القصف غير المسبوقة منذ بداية الازمة، ولم تتدخل الاخيرة مطلقا، عسكريا او دبلوماسيا، لوقف المجازر، فماذا نفسر ذلك غير التواطؤ؟
الدولتان العظميان تدركان جيدا انه من الصعب استئصال تنظيمي “النصرة” و”الدولة الاسلامية” دون اراقة دماء زكية، لان هاذين التنظيمين متغلغلان في المناطق السكنية، وهذا امر متوقع، لان خروجهما من هذه المناطق التي تشكل غابات حماية اسمنتية، يعني تصفيتهما بكل سهولة من قبل الطائرات الروسية والسورية.
ادانة النظام باقوى العبارات وتحميله المسؤولية الاكبر عن ازهاق ارواح الضحايا من قبل الكثيرين، وخاصة اصحاب الامبراطوريات الاعلامية الجبارة، امير مشروع، لكن هذه الادانة يجب ان تتوجه ايضا الى الدول الحليفة والداعمة للمعارضة، والعربية منها على وجه الخصوص، التي وقفت موقف المتفرج، واكتفت بطلب عقد جلسة لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين يوم الاربعاء المقبل، اي بعد توقف المعارك نتيجة اتفاق روسي امريكي شبه مؤكد، وهذا بيع “الوهم” و”الخذلان” للشعب السوري الضحية، وحالها كحال من “يرش على الموت سكر”.
الاشقاء اليمنيون الذين يعيشون ومنذ اكثر من عام تحت قصف طائرات “عاصفة الحزم”، الذي استهدف مزارع دواجن، واسواق شعبية، ومستشفى “شهار” في صعدة، يشعرون بالالم، لان التعاطف معهم كان، وما زال، محدودا جدا، ومن حقهم ان يتوقفوا كثيرا عند بيان مجلس التعاون الخليجي الذي ادان قصف البراميل “الرسمية” السورية، ونحن معه، بينما يقدم الدعم والمساندة لقصف صواريخ طائرات “عاصفة الحزم” السعودية، الاكثر حداثة، التي تقتل اليمنيين في عملية انتقائية غير مقبولة على الاطلاق.
***
روسيا اللاعب الرئيسي في هذه الحرب السورية، والتي تحظى بدعم امريكي لا يمكن تغطيته، تقترب من تحقيق الجانب الاكبر من اهدافها الثلاثة الرئيسية التي كانت تقف خلف تدخلها، ولا بد من ذكرها اذا اردنا ان نفهم ما يجري حاليا على الارض السورية.
-
الاول: حماية المنطقة العلوية الساحلية، حيث توجد قواعدها البحرية والجوية، ولوحظ ان هذه المنطقة ظلت هادئة حتى الآن.
-
الثاني: تعزيز موقع الرئيس بشار الاسد، والحيلولة دون سقوط المدن الكبرى مثل دمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقية، في ايد قوات المعارضة المسلحة، والاسلامية المتشددة على وجه الخصوص، مثل “جبهة النصرة” و”الدولة الاسلامية”.
-
الثالث: قطع خطوط امداد المعارضة المسلحة، ومنع وصول الامدادات العسكرية لها من اسلحة وذخائر، خاصة تلك القادمة من تركيا.