الخبر وما وراء الخبر

رسالة العروبة من الكويت

116

بقلم / عبدالله علي صبري


تتواصل مفاوضات السلام اليمنية بدولة الكويت الشقيقة وسط آمال عريضة بنجاح الجولة الثالثة بعد فشل ذريع صاحب الجولتين السابقتين في جنيف وبيل السويسريتين.

وتربط اليمن والكويت علاقة صداقة وطيدة منذ انطلاق الثورة وقيام الجمهورية في ستينات القرن الماضي، وما تزال بصمات الدعم الكويتي لليمني ظاهرة للعيان في عدد من المرافق التعليمية والصحية، إضافة إلى الدور الثقافي الكبير الذي يربط الكويت بجمهور عريض في اليمن وفي العالم العربي.

ولأن للكويت دور عروبي لافت، فقد رحبت الأطراف اليمنية بالوساطة الكويتية، خاصة وقد تبين أن مشاركة الكويت في تحالف العدوان على اليمن كانت شكلية، ولاعتبارات يمكن تفهمها.

ولن أخفي سراً إن قلت أن ثمة قاسم مشترك كبير بين اليمن والكويت، فقد تعرضت الأخيرة لغدر الأصدقاء إبان الغزو العراقي للكويت، وكانت اليمن حينها ضد من سمتهم الكويت آنذاك بدول الضد. ولا شك أن الحدث العاصف ترك جرحا غائرا في جسد العلاقات العربية-العربية، وأثّر على الديبلوماسية الكويتية التي انكفأت بعض الشيء، نتيجة الحسابات المستجدة.

اليمن اليوم تعيش نفس المعاناة والمشاعر، بسبب الحرب التي شنت على شعب يفاخر أنه أصل العروبة ثم يجد نفسه وقد تكالب عليه بعض العرب بزعم حماية الأمن القومي العربي!!

وهذا القاسم المشترك بين الكويت واليمن يجعل البلدين معنيين بالمشروع العروبي الذي تقلص بشكل كبير لصالح المشاريع المعادية الدولية والإقليمية، خاصة أن موقف الكويت من التطبيع مع الكيان الصهيوني لا يزال ثابتا على المستوى الرسمي والشعبي، على عكس بعض الدول العربية التي باتت تغازل تل أبيب على المكشوف.

سياسيا ثمة تقارب أيضا بين البلدين فيما يتعلق بالديمقراطية النيابية وحرية الإعلام وتمكين المرأة من الحقوق السياسية، وهو ما يجعل التقارب الاجتماعي سالكا بين الشعبين، خاصة وأن الجمعيات الخيرية كانت متواجدة وتقوم بدور إنساني لافت في اليمن رغم التعقيدات والإشكالات التي واجهت مختلف المنظمات الإنسانية ولا تزال.

في الكويت ثمة تعددية اجتماعية ومذهبية تحاول الفكاك من فخاخ الطائفية المشتعلة في منطقتنا، وهذا ينسجم مع تاريخ التسامح المذهبي في اليمن حيث تتعايش الزيدية الشيعية مع الشافعية السنية منذ قرون دون فواصل وحواجز كتلك التي تعاني منها بعض المجتمعات العربية.

كل هذه العوامل وغيرها تجعل الكويت مؤهلة للعب دور كبير في إحلال السلام باليمن، وتثبيت دعائم الأمن القومي العربي من خلال احتواء اليمن بعيدا عن السياسات الخليجية القديمة التي أدارت ظهرها لعمقها التاريخي في اليمن، متجاهلة حقيقة الترابط الديمغرافي بين دول الجزيرة والخليج العربي، وضرورات الأمن القومي لمختلف دول المنطقة.

وليس جديدا القول إن غياب المشروع العروبي قد أنتج بيئة غير مستقرة أفضت إلى تمدد التنظيمات الإرهابية، التي عززت التدخلات الدولية في بلداننا العربية، بدءا بأمريكا وروسيا وإسرائيل، وانتهاءً بتركيا وإيران. ولا يمكن لهذه التهديدات أن تتوقف ما لم يحسن العرب الظن ببعضهم البعض ويتداعون إلى تفاهمات عاجلة ضمن رؤية استراتيجية واعية للمخاطر الذي تنذر بتقسيم وتفتيت الدول والشعوب العربية وتفجيرها من الداخل.

لتكن مفاوضات السلام اليمنية في الكويت انطلاقة ورسالة أمل في هذا التوقيت الحرج الذي تعيشه البلدان العربية، فنجاحها بإذن الله يعني أن العرب لا زالوا قادرين على تجاوز الإشكالات والتحديات المحدقة بهم من خلال الحوار وتعزيز القواسم المشتركة، بعيداً عن الإقصاء والوصاية التي طبعت تاريخ العلاقات العربية_العربية، ولا تزال.