الخبر وما وراء الخبر

مفهوم الهيمنة في فكر السيد حسين الحوثي ..الهيمنة الغربية نموذجاً

386

كتب: عبد الملك العجري

في محاضرة بعنوان (وإذ صرفنا اليك نفراً من الجن) تطرق الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي لجملة من المقولات والمفاهيم الهامة ذات العلاقة بالاجتماع السياسي المعاصر للعرب والمسلمين، كمفهوم الهيمنة ومفهومي الأمن والسلام المرتبطين به على المستويين النظري والمادي.

يشير السيد حسين إلى أن الهيمنة على الأمة العربية والإسلامية ليس بالضرورة أن تأتي على شكل جندي مدجج بالسلاح، أو بالسيطرة المباشرة، فالهيمنة الحديثة تأتي بأكثر من شكل، وبأشكال خفية، ومنها تزييف المفاهيم وتطويع الوعي للتقبل بهيمنة الأعداء، أو ما يسمى في الدراسات الاجتماعية بالهيمنة الناعمة, والفرق بين السّيطرة والهيمنة أن السيطرة تقوم التّسلّط بالقهر والغلبة والقوة، بينما الهيمنة هي الصناعة العقلانية للسيطرة أو ما يسميه “غرامشي” بالهيمنة الثقافية، فالمفكر الماركسي يرى أن هيمنة الرأسمالية لا تنبني على القوة والمال والسلطة فحسب، بل على عامل القبول الذي تكونه ثقافة الطبقة الحاكمة في أذهان الناس.

والتحول الذي حدث في تعامل الغرب الرأسمالي هو التحول من السيطرة إلى الهيمنة والاستعمار السري بلغة الشاعر اليمني في قصيدته المشهورة (الغزو من الداخل)، وعلى حد البردوني:

فقد يأتون تبغا في *** سجائر لونّها يغري

وفي صدقات وحشي *** يؤنس وجهه الصخري

وفي أهداب أنثى، في *** مناديل الهوى القهري

وفي سروال أستاذ *** وتحت عمامة المقري

حتى نهاية الحرب العالمية الثانية سعت الدول الرأسمالية الكبرى لفرض سيطرتها عبر الاستعمار العسكري المباشر، ثم بعد ذلك من خلال الأنظمة العميلة التي زرعتها في البلدان العربية, وراهناً من خلال أذرعها الاقتصادية كمنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي ومن خلال الهيمنة الثقافية.

نجح الغرب الرأسمالي في فرض هيمنته المعرفة، وأصبح النموذج المعرفي الغربي هو الذي يوجه التفكير السائد والنظر البحثي والمعالجة السياسية والإعلامية واختصار المعرفة الاجتماعية والسياسية في مفاهيم تصب في صالح “التكيف” مع مصالحه.

ومن هنا يركز السيد حسين على أهمية المقاومة الثقافية وتحرير الوعي من الاستلاب والارادة من السلبية وإرهاب الجماهير، وإخافتها من التغيير، بحجة تهديد الأمن والاستقرار والسلم الأهلي والفوضى والوقوع في الفتنة “سلطان غشوم خير من فتنة تدوم” والأهم من ذلك التعرض لغضب الرب بعد توحيده بغضب السلطان وإنتاج إيديولوجيا دينية للقهر والاستبداد تصيب المجتمع بالشلل السياسي والاجتماعي والموت المعنوي وتجرم الثورة والمعارضة.

يقول المفكر الإيراني على شريعتي “من أجل إحكام السيطرة على قوم ما يجب أن تسلبهم شعورهم بالإنسانية أو إضعاف هذا الشعور فالشخص ذو الشخصية خادم ردئ لكن فاقد الشخصية خادم جيد”.

كما أن اتخاذ سياسية المهادنة والتزام حكمة الصمت لن يجعلك في مأمن من أطماع أمريكا وغيرها من دول الاستكبار، ذلك أن اتساع مصالح الرأسمالية وتجاوزها حدودها الوطنية، يدفعها للتوسع خارج حدودها وتنظر للعالم سوق تتمتع فيه الشركات العابرة للقومية والاستثمارات الكبيرة بكل الامتيازات وإزاحة أي عقبات تقف أمامهم.

وعلى عكس المبررات التي يسوقها أنصار ثقافة الصمت والهروب من المواجهة، يؤكد السيد حسين أن ذلك لا يحقق الأمن ولا الاستقرار، مستشهداً بقول الإمام علي (بقية السيف أبقى ولداً وأكثر عددا).

فليس صحيحا أن نظام الاستكبار يحقق الأمن والسلام الاجتماعي، فالموت والدمار والخراب المنتشر في منطقة الشرق الأوسط ما هو إلا ترجمة لمبدأ (دمر ثم عَمِّر) لتفوز في النهاية الشركات الرأسمالية بعقود ضخمة لإعادة الإعمار.