الخبر وما وراء الخبر

القائد يضعُ أحداث سوريا في سياقها الأهم.. خطابُ تصويب بوصلة الأُمَّــة

3

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
14 ديسمبر 2024مـ – 13 جماد الثاني 1446هـ

في خطابه الأخير بشأن المستجدات، تناول السيدُ القائدُ عبدُالملك بدر الدين الحوثي التطورات على الساحة السورية بعد سيطرة الجماعات المسلحة المدعومة خارجيًّا على الحكم.

وقدَّمَ قراءةً متميزةً واستثنائية فتحت نافذة لفهم الأحداث من الزاوية الأهم، وهي زاوية الصراع مع العدوّ الصهيوني الذي كان الحاضر الأبرز في التطورات الأخيرة، بعيدًا عن كُـلّ العناوين الطائفية والعصبوية الضيقة التي حاولت وسائل إعلام عربية وأجنبية إثارتها للتغطية على ذلك الحضور الصهيوني.

القراءة التي قدمها السيد القائد للوضع في سوريا ركزت على مكان وقيمة الأحداث الأخيرة في مسار الصراع الوجودي مع العدوّ الصهيوني سواء في هذه المعركة الدائرة أَو في المستقبل، ولم يكن التركيز على هذه الاعتبارات تهرُّبًا من الحديث عن خلفية الأزمة في سوريا، بل كان حرصًا على إبراز العنوان الرئيسي الحقيقي للحدث، وهو خطةُ “تغيير الشرق الأوسط” التي لا ينفك العدوّ الصهيوني عن الإشارة إليها في كُـلّ مناسبة، فما حدث في سوريا لم يكن مُجَـرّد تطور داخلي معزول عن هذه الخطة، بدليل اندفاع العدوّ بشكل سريع إلى تدمير كامل القدرات العسكرية لسوريا، واحتلال أجزاء واسعة منها، تزامُنًا مع سيطرة الجماعات على الحكم.

لقد حاولت بعض وسائل إعلام التابعة لجهات إقليمية ودولية تمول الجماعات المسلحة أن تفرض على الجماهير رؤية ما جرى في سوريا من زاوية واحدة هي زاوية الصراع الداخلي في سوريا أَو الصراع الطائفي مع إيران، وذلك على حساب التطور الأكثر أهميّة وخطورة، وهو التوغل الصهيوني داخل الأراضي السورية وتحويلها إلى دولة شبه منزوعة السلاح، خُصُوصًا بعد أن ظلت لعقود لاعبًا مهمًّا في تسليح جبهات المقاومة وإمدَادها، بغض النظر عن أية اعتبارات أُخرى بشأن مستوى انخراطها في الصراع أَو أداء نظام بشار الأسد.

لقد كان الموقف الشجاع والمبدئي الذي أعلنه السيد القائد في خطابه الأخير، بشأن الوقوف إلى جانب سوريا وشعبها في وجه العدوّ الصهيوني، والتأكيد على أن هذا الموقف لا يتأثر باختلاف السلطة التي تحكم البلاد، أكثر من مُجَـرّد عنوان خطابي، بل حجّـة تامة على المنطقة بأكملها بدءًا من الجماعات التي سيطرت على سوريا والشعب السوري، مُرورًا بالدول العربية والإسلامية، وُصُـولًا إلى الجماهير العربية المتفاعلة مع التطورات، وهي حجّـة تضع الجميع أمام المشهد الكامل الذي تسعى بعض الجهات لاجتزائه وتأطير التفاعل معه في مساحة ضيقة لا تشمل التعاطي مع المتغير الصهيوني في المعادلة الجديدة.

المفارقة في الأمر هو أن العدوّ الإسرائيلي نفسه لا يبذل جهدًا كَبيرًا لتشتيت الانتباه عن حضوره في الساحة السورية، فهو يتباهي بوقاحة بتدمير قدرات الجيش السوري، وجنوده يلتقطون الصور لأنفسهم داخل المباني والمكاتب الحكومية في المناطق السورية التي تم التوغل إليها، وبعد أن تمكّنت الجماعات المسلحة من السيطرة على سوريا، كان نتنياهو هو أول من ألقى خطاب “النصر” إن جاز التعبير، معبِّرًا بوضوح عن المكسب الكبير الذي حقّقته “إسرائيل” ومعلِنًا انهيار اتّفاقية “فض الاشتباك” واتِّخاذ خطوة جديدة في استراتيجية “تغيير الشرق الأوسط”، لكن الجماعات المسلحة والجهات الإقليمية والدولية الداعمة لها هي من تبذُلُ جهدًا إعلاميًّا كَبيرًا للتغطية على هذا الجانب الأبرز من الحدث، وتسليط الضوء على ما يغذي الصراع الداخلي سواء داخل سوريا أَو داخل المنطقة، وهو ما يشير بوضوح إلى وجود عملية تضليل ممنهجة ومنسقة وضخمة تجري بشأن ما جرى في سوريا، وهي عملية لا تهدف فقط إلى التغطية على العدوان الصهيوني الواسع وغير المسبوق على سوريا، بل تهدف لتعزيزه وتكريس واقعه وتهيئة الساحة الإقليمية سياسيًّا وأيديولوجيًّا وإعلاميًّا لتوسيع نطاق تأثيراته.

بعبارة أُخرى: إن اجتماع العدوان الصهيوني الأكبر على سوريا مع التضليل الممنهج والواسع، والصمت المخزي (أو التواطؤ بالأصح) من جانب الجماعات التي سيطرت على البلاد، يجعل الحدث أكثر من مُجَـرّد تغيير للسلطة داخل سوريا، ويؤكّـد أن سياق الصراع مع العدوّ الإسرائيلي هو السياق الرئيسي لما جرى وسيجري في البلد الذي لا تستهدفه “إسرائيل” فقط؛ بسَببِ ما كان عليه، بل لتجعل منه منطقة نفوذ جديدة في الواقع الجديد التي تسعى لفرضه في المنطقة، فتحويل سوريا إلى دولة بلا سلاح تسيطر عليها جماعات خلفياتها الإجرامية معروفة، وحرصت بوضوح على أن تطمئن العدوّ الصهيوني قبل أي شيء آخر، لا يتعلق بقطع خط إمدَاد المقاومة الفلسطينية عبر سوريا فحسب، أَو بإسقاط نظام بشار الأسد فقط، بل يتعلق بفتح جبهة إضافية ضد أمن واستقرار المنطقة بأكملها، وخلق مساحة عمل أمنية واستخباراتية وعسكرية وسياسية جديدة وواسعة لـ “إسرائيل” لتنفيذ مخطّطاتها العدوانية وأبرزها مخطّط “تغيير الشرق الأوسط”.

وقد سلَّطَ السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي الضوء على أبعاد هذا المشهد بشكل واضح وصريح وفريد، حتى إنه تطرق إلى رغبة بعض الدول العربية في التودد إلى الإدارة الأمريكية الجديدة من خلال الإسهام في دعم المخطّط الإسرائيلي في سوريا؛ حرصًا على إبراز كامل السياق الحقيقي للأحداث في مقابل التضليل الرهيب الممول بضخامة لفرض سياقات أُخرى تهدف إلى استثمار الحدث في سوريا أيدلوجيًّا وسياسيًّا لصالح العدوّ.

لقد كان الخطاب الذي ظهر فيه السيد القائد أكثرَ انفعالًا من أي وقت مضى، بمثابة صرخة إنذار في وقت بالغ الحساسية للمنطقة بأكملها؛ مِن أجلِ ضرورة العمل على سد ثغرة خطيرة للغاية سيترتب على إهمالها الكثير من التداعيات الكبيرة وواسعة النطاق، وكانت التأكيدات المتكرّرة من قبل السيد القائد على ثبات الموقف اليمني المبدئي والاستعداد لمواجهة أية مخاطر أَو تصعيد في إطاره؛ إبراءً للذمة وإظهارًا للطريق الصحيح والأسلم للتفاعل مع الأحداث الجارية قبل فوات الأوان.