الخبر وما وراء الخبر

من يملك دولة ارامكو؟

806

 د. عسكر حلوان العنزي

            في مقابلة مع مجلة الايكونومست البريطانيه في 4 يناير 2016،اعلن الامير محمد بن سلمان ، ولي ولي العهد السعودي و “رئيس المجلس الأعلى لأرامكو السعوديه” أن حكومة بلاده تدرس فكرة خصخصة الشركة المملوكة للدولة بطرح أسهمها للاكتتاب العام.[1] بعد ذلك بأيام ، أصدرت “أرامكو-السعوديه”بيانا أنها تجري دراسة طرح  “نسبة ملائمة” من أسهمها في “أسواق المال العالميه”[2] ،تبعه “توضيح” من رئيسها التنفيذي بعزم الحكومة السعوديه ،مبدئيا عى الأقل،الاحتفاظ ب”حصة مسيطره” من الأسهم .[3] لكن خلال مقابلة لاحقة مع بلومبيرج في 1 أبريل 2106، ألمح الامير السعودي،الذي يعتبر الحاكم الفعلي للبلاد،أنه سيتم طرح كامل أسهم أرامكو  في الاسواق العالميه على مراحل تبدأ بنسبة 5% في 2018 أو ربما قبل ذلك.[4]

          لكن هناك حقائق تثير تساؤلات مشروعة تسدل ظلالا من الشك على مدى صحة زعم الحكومة السعودية أن  شركة أرامكو ،ابتداء من 1980 تحوّلت من شركة امريكيه الى مؤسسة البترول الوطنية تملكها وتديرها الحكومة السعوديه .وهذه الحقائق تشمل،على سبيل المثال ، عدم  الحاق أرامكو ضمن قائمة ميزانيات المؤسسات الحكوميه في بنود الميزانية العامه للدوله ، تصنيف الكونجرس الامريكي وحيثيات أحكام قضائية صدرت من محاكم فيدراليه  بما في ذلك المحكمة الفيدراليه العليا، أرامكو بأنها شركة أمريكية خاضعة للقوانين الأمريكيه، كذلك استثناء أرامكو من تطبيق القوانين  السعوديه السارية على الشركات العامه والخاصة التي تعمل على أراضيها،والأهم عدم نشر النص الكامل لبنود اتفاقية ” 1980″ وملاحقها المبرمة بين الحكومة السعوديه و مالكي شركة أرامكو.

في  29 مايو 1933 أبرمت الحكومة السعوديه اتفاقية امتياز للتنقيب عن النفط مع شركة “سوكال” الامريكيه. ولهذا الغرض قامت سوكال في نوفمبر من نفس العام بتشكيل شركة “كاسوك” كذراع لها لتنفذ وتدير باسمها مع ما تم الاتفاق عليه مع الجانب السعودي. بعد اكتشاف النفط بكميات تجاريه في نهاية الثلاثينات،انضم الى سوكال(المعروفه حاليا باسم شيفرون)ثلاثة شركات نفط امريكيه اخرى عرفت فيما بعد ب تكساكو،اكسسون وموبل. [5] وفي 1948 جرى تغيير اسم كاسوك الى “شركة الزيت العربية الأمريكية” شكّلت الاحرف اللاتينية الأولى (أرامكو- Aramco) الاسم الرسمي  لأكبر شركة نفط في العالم. اتفاقيه 1933 التي أعلنت تفاصيلها ونشرت بنودها في حينه،منحت أرامكو حق امتياز60عاما للتنقيب عن وانتاج وادارة وتسويق النفط،الغاز الطبيعي والمعادن على مساحة 360 ألف ميل مربع،ما يعادل تقريبا نصف مساحة  المملكه ، تشمل كامل النصف الشرقي من البلاد والربع الخالي. [6]في 1939  جرى التوقيع على اتفاقية ملحقة مدّدت فترة الامتياز الى مدّة غير محدده ووسّعت مساحة الامتياز لتشمل تقريبا معظم الاقاليم البرية والبحرية الخاضة للسيادة السعودية باستثناء أجزءا محيطة بمكة والمدينة في الحجاز.

في المقابل تحصل الحكومة السعودية على “رسوم تأجير” سنوية بالاضافة الى نسبة من الأرباح بدأت ب 15% لتصل تدريجيا الى 50%  في بداية السبعينات . [7]

تحت ضغط عمليات تأميم  للمصالح الاجنبية التي اجتاحت عددا من الدول العربي مع نهاية الخمسينات صاحبتها اضطرابات عمالية سعودية  في منشئات الشركه نفسها، اضطرت الحكومة السعودية في 1972 الى  الشروع ،كبديل للتأميم، بالدخول في سلسلة مفاوضات طويلة مع أرامكو بهدف ” شراء أسهم”  الشركه تدريجيا وانتهت في  1976[8] بتوقيع ما يعرف باسم “اتفاقية مشاركه” أو اتفاقية عامة تعطي السعودية ملكية كاملة  لها خلال أربع سنوات.[9]  في 5 سبتمبر 1980،أعلنت الحكومة السعودية، من طرفها ، أنها أستكملت شراء 100% من أصول شركة أرامكو.[10] وعكس اتفاقية الامتياز الاساسية لعام 1933، لم يتم الاعلان عن كامل نص بنود اتفاقية المشاركه حيث أخبررئيس مجلس ادارة والمدير التنفيذي لارامكو انذاك، السيد جنقرز، السفارة الامريكية في جدة بأنها أو بنود منها ستبقى قد “الكتمان”.[11] ومصدر المعلومات المتوفره عن هذه الاتفاقيه جاء بشكل أساسي من مصادر حكومية سعودية وصحفية تشير أن أرامكو أصبحت منذ “1980” الشركة الوطنية للبترول في المملكة العربية السعودية.وما دعم هذا الانطباع هو صدور أمر ملكي  في 1988 يعلن الاسم الجديد الرسمي للشركة “أرامكو-السعودية”[12]. وفي ملاحظة ذات مدلولية تتضح فيما بعد، لم تحل كلمة “السعودية” الاسم  الأول الامريكي، بل جاءت بعده كمضاف اليه.

الا أن نظرة تحليلية عميقة تكشف حقائق وتساؤلات تشكك في صحة  زعم الحكومة السعودية  والاعتقاد السائد في اواسط عالم الاقتصاد والاعلام، أن أرامكو حقا شركة وطنية سعودية تملكها الدولة السعودية،كليا أو جزئيا، وتشير،بدلا عن ذلك، أن “أرامكو” أو “أرامكو- السعوديه” لا تزال،كما كانت دائما،شركة عابرة للحدود، أمريكية الأصل،المنشأ والجنسيّة، تخضع حصريا للقوانين الامريكية.

أولا: ” أرامكو-السعودية” ،كما أرامكو قبل 1988،لا تدرج ، ولم تدرج أبدا، ضمن بنود”ميزانيات القطاعات العامه” في ميزانية  الدولة السعودية وهو ما يفترض ان يتم بخصوص أكبر وأهم المؤسسات الحكومية التي تدير أهم مصادر الدخل القومي للبلد.

فعلى سبيل المثال نشرت وزارة المالية السعودية في موقعها الرسمي”قرار ميزانيات القطاعات العامة” الذي أصدره مجلس الوزراء بمصادقة ملكية مع اعلان ميزانية 2014-2015  يقتصر فقط على ايراد” المؤسسات العامة ذات الميزانيات الملحقة بالميزانية العامة للدولة” أل 57 بالاسم والتفصيل مثل الهيئة الملكية  للجبيل وينبع المتخصصة في صناعة البتروكيمائيات.[13] فعدم الحاق ميزانية “أرامكو-السعودية”،كمؤسسة عامة بالميزانية العامه،يعنى ان لها ،في أحسن الاحوال ،وضع قانوني مبهم ينفى عنها صفة كونها كيان حكومي مملوك للدولة. ويبدو أن عدم ادراجها في ميزانية الدولة السنويه يأتي وفقا لبند وارد في اتفاقية المشاركه حيث كان هناك تعهّد  في بداية المفاوضات من الحكومة السعودية بعدم ادراج  الشركة في ميزانية الدولة العامة رغم معارضة شديدة من قبل وزير المالية،كما أفاد رئيس فريق المفاوضين السعوديين،احمد زكي اليماني،وزير البترول السعودي انذاك.[14]

ثانيا : تعريف الكونجرس الامريكي وهو السلطة التشريعية في الولايات المتحدة،والمحاكم الفيدرالية،بما فيها المحكمة الفيدرالية العليا، لشركة أرامكو أنها شركة أمريكية تخضع للقوانين الامريكية وذلك بعد مرور سنين طويلة  على إعلان امتلاك الحكومة السعودية لها .فالنشرة الرسميه للكونجرس،كونجراشينال كوارترلي،تصف شركة ارامكو بأنها ” اضخم استثمارامريكي فردي فيما وراء البحار”. وفي منتصف 1991،أي بعد مرور أكثر من عشرات سنوات على اعلان الحكومة السعودية بتملكها الكامل لشركة أرامكو،،صدر حكمان قضائيان، على الأقل، من المحاكم الفيدرالية الامريكية في قضيتين منفصلتين كانت “أرامكو” طرفا فيهما.

تضمنت حيثيّات كلا الحكمين تعريفا صريحا بأن أرامكو شركة قائمة أمريكية المنشأ والجنسية تخضع للقوانين الامريكية. ولم يكن هذا نقطة خلاف في القضيتين المنظورتين،كما أن الحكومة السعودية لم تدخل طرفا في أي منهما.

ففي القضية الأولى، أصدرت المحكمة الفيدرالية العليا في الولايات المتحدة رأيها في 26 مارس 1991 في قضية رفعها مواطن أمريكي ضد شركة أرامكو بأنه كان ضحية تمييز،عندما كان يعمل في احدى منشاتها في السعوديه.

وقد عرّف رأي  المحكمه المدعى عليها،أرامكو وفرعها شركة ارامكو للخدمات ،بأن كل منهما :” “( صاحب عمل أو مشغّل أمريكي)وأنهما: ” شركتان مسجلتان في ولاية ديلاوير شركة الزيت العربية الامريكية(أرامكو)قاعدتها الرئيسيه في الظهران، العربية السعودية، وفرعها شركة ارامكو للخدمات قاعدتها الرئيسية في هيوستن، تكساس“.[15]

وفي قضية تالية بتاريخ 30 أغسطس 1991 رفعت أرامكو قضية ضد أحد المتعاقدين الأمريكيين معها.

وقد عرّفت أرامكو،بصفة المدعى، نفسها أنها شركة أمريكية مسجلة في الولايات المتحده . وفي حكمها لم تكتف محكمة الاستئناف الفيدراليه للمقاطعة الحادية عشر بتأكيد أنها شركة أمريكية بل ،وهو الأهم ،أشارت إلى السبب القانوني أيضا :” أرامكو هي شركة مسجلة في ولاية ديلاوير قاعدتها الرئيسيه الظهران ، العربيه السعودية…في الثمانينات اكتسبت السعوديه ملكية مفيده لمعظم أسهم ومنشئات أرامكو. أرامكو احتفظت بالملكية القانونية  للأصول المرتبطة بالتنقيب، التنجيم وانتاج الزيت، وكذلك بمسئولية إدارة هذه الأصول لفائدة المملكة العربية السعودية مقابل رسوم لهذه الخدمة“.[16]  وقد بنت المحكمة،كما ورد في نص الحكم، تعريفها هذا بناء على وثائق قانونية أساسية عرضها”استدعاء رقم 60″ القاضي بالحصول على :” نسخ من كل الاتفاقات التي أبرمت بين مجموعة الشركات الامريكيه،ملاّك شركة الزيت العربيه الامريكيه (أرامكو)  المالكين الاصليين للاسهم وبين المملكة العربية السعودية ووكلائها أو ممثليها الملكيين أو أعضاء العائلة الملكيه“.[17]

فكلا الحكمين القضائيين يصنفان أرامكو كشركة أمريكية وليست سعودية أو ثنائية الجنسية. يكشف الحكم الثاني أن الحكومة السعودية تملك أغلبية،وليس جميع أصول الشركة و أنها تدار من قبل الشركة مقابل رسوم تدفعها لها الحكومة السعودية.

ويبدو أن هذه الرسوم،التي لم يتم تحديد قيمتها، تخصم من ” الأرباح” التي تدفعها الشركة للحكومة السعوديه والتي حددها أحد الخبراء السعوديين الذي كان حتى عهد قريب مسئولا كبيرا في ادارة التخطيط والميزانية في الشركة، ب85%.[18] والأهم من كل ذلك، فإن الحكم القضائي الثاني يؤكد أن  شركة أرامكو احتفظت بحق الامتياز الحصري التي حصلت عليه في 1933 و1939 للتنقيب والانتاج للنفط والغاز الطبيعه والمعادن على اراضي المملكة السعودية ، وكذلك أيضا مسئولية ادارة الأصول (الأسهم و المنشئات) التي اكتسبتها الحكومة السعودية،كمالك مستفيد، نتيجة اتفاقية 1976 مقابل أجر تدفعه الحكومه السعوديه للشركه يخصم من نسبة الارباح التي تجنيها من الشركة.  وعليه لا يحق ،وفق بنود الاتفاقية، للحكومة السعودية أن تمنح أي امتياز للتنقيب وانتاج النفط والمعادن وإدارتها وتسويقها لأي شركة أخرى ،سعودية أو أجنبية، في أي منطقة خاضعة لامتياز أرامكو التي،كما ذكرنا، تغطي معظم الاقاليم البرية والبحرية التي تمتد لها اختصاص الدولة السعودية. وهذا قد يشكل ،وفق قواعد القانون الدولي،انتقاصا لسيادة الدولة على مصادر ثرواتها الطبيعية، فضلا عن كونه يشكل مخالفة صريحة للمواد ذات العلاقة (بما فيها الماده 14) في النظام  الاساسي للحكم(الدستور)السعودي.

وبالتالي يتضح جليا أن هذه الاتفاقية كانت ،كما يستدل من اسمها، اتفاق مشاركة بين كيانين قانونيين مستقلين،لم يؤدِ أبرامها الى الغاء وجود طرف على حساب الآخر.

فإبرام العقود بين “حكومة المملكة العربية السعودية وشركة أرامكو” يدعم هذا الاتجاه لأن الحكومات لا تجري مفاوضات وتبرم عقودا واتفاقيات مع نفسها ،كما هو الحال مع أرامكو لو كانت قانونا مؤسسة  حكومية تابعة للدولة السعودية .

[19] فبموجب الاتفاقية اصبحت أرامكو،في أحسن الاحوال من وجهة النظر السعودية، شريكا للدولة السعوديه وليس جزءا منها.بل إن اتفاقية المشاركة لعام 1976 تشكّل ، مثل اتفاقية 1939، اتفاقية ملحقة أخرى لأتفاقية الامتياز الاساسية لعام 1933.

ثالثا: مما يدعم أمريكية أرامكو هو أن القانون السعودي،كما يظهر، لا يسرى على،أوعلى الأقل لا يطبق في حق الشركة حيث يقع مقرها الرئيسي وأصولها الثابته. فبينما لا تتردد الشركة بتنفيذ استدعاءات المحاكم الامريكيه المرفوعة ضدها،أو رفعها هي لقضايا ضد أشخاص أو هيئات، في قضايا حدثت على أراضي المملكة العربيه السعوديه ، نجد أن أرامكو تتجاهل تماما حضور أي استدعاءات مماثلة تبلغ لها من الجهات الحكوميه السعوديه بما فيها الهيئات القضائيه و التحكيميه، أو تنفيذ أحكام قضائيه صدرت بحقها ولا تكلّف نفسها حتى باصدار بيان لتبرير سلوكها. وبدورها تتجاهل تماما الحكومة السعوديه الالتماسات المرفوعه من الاطراف المدعيّه والمتضرره باجبار الشركة على حضور الجلسات أو تنفيذ أحكام قضائية صدرت بحقها.والاعلام السعودي مليء بتقارير تؤكد هذه الحصانة الخاصة التي تتمتع بها الشركة داخل البلاد.[20]وتتجلى هذه الحصانة القانونيه في مناطق امتياز الشركه على كافة الاراضي السعوديه. فبينما تمنع الانظمة السعوديه الاختلاط بين الجنسين وظهور المرأة  بدون عباءة وحجاب في الاماكن العامه ومنعها من قيادة السيارة  نشاهد عكس هذا تماما يمارس بشكل عادي في كل “مدن أرامكو” والمنتجعات والتجمعات السكنيه التابعة لأرامكو المنتشرة على سواحل الخليج العربي والبحر الاحمر وفي الداخل، والتي تبدو على شكل قرى أمريكيه تشاهد في أي ولاية من الولايات الامريكيه.فضلا أن هذه التجمعات الامريكيه تتمتع بأجهزتها  الامنيه والخدميه المستقله الخاصة بها مثل الشرطه،المرور والاطفاء وغيرها. وفي محضر “سري للغايه” للجنة وزارية عليا، سرّبه ويكيليس، تجرى مناقشة تنفيذ ” توجيهات الأمر السامي رقم 10214/ب وتاريخ 19/2/1431هـ المتعلق بالمحاذير الامنيه الداخلية لزيارة الإعلاميين والرحالة والباحثين لمنطقة الربع الخالي” ويشير  الى أن زيارات “وسائل اِلإعلام الغربية والأمريكية تحديداً يتم الترتيب لها عبر شركة آرامكو”، وليس من صلاحيات الجهات الامنيه والاستخباراتيه السعوديه.[21] كما أن الزيارات الخارجيه التي يقوم بها كبار مسئولي الدولة من أعضاء الاسرة الحاكمه،تشمل،ربما، الملك نفسه ،تتم ،بغرض الحمايه، على متن طائرات تابعة أو مسجلة باسم أرامكو أوباشارات رمزية مسجلة مع هيئة الطيران  المدني الامريكي على أنها وسائل نقل أمريكيه  ومنها كمثال، المستخدمه من قبل وزيري الخارجيه والبترول.[22] وبينما تتجاهل الحكومة السعوديه الاستدعاءات القضائيه والشكاوي الاداريه المقامه ضد أرامكو وتمتنع عن اجبارها على تنفيذ احكام قضائية سعوديه صادرة ضدها، نجدها لا تتأخر البته في تنفيذ مطالب الشركة ضد اجهزتها الرسميه  دون الحصول على أوامر  قضائيه ،كما حدث ،على سبيل الماثل ، في بداية عام 2105 ،عندما سحبت أراضي شاسعة جنوب مدينة الرياض من مشروع وزارة الاسكان لبناء وحدات سكنيه لذوي الدخل المحدود، وسلمتها للشركة لأنها تشكل جزءا من منطقة تملكها تمتد جنوبا حتى الربع الخالي وشرقا حتى ساحل الخليج العربي .[23] كما أن أي أرض يتم اكتشاف النفط أو المعادن فيها تدخل تلقائيا ملكية أرامكو.

وبخصوص الوضع القانوني لشركة أرامكو على الاراضي السعوديه،لعله من المهم الاشارة الى برقية عاجلة خلال المفاوضات موجهة من القنصلية الامريكيه في الظهران،مقر أرامكو، الى وزارة الخارجيه في واشنطن، تستفسر عن الوضع القانوني للاشخاص من منسوبي الشركة من حملة  تصاريح الاقامة الدائمه الامريكيه ،تقدموا بطلبات الحصول على الجنسيه الامريكيه  في حال ابرام اتفاقية المشاركه وسريانها وهم لا يزالون على الاراضي السعوديه.[24] وتسأل البرقيه عما اذا كانوا سيضطرون للعوده الى الولايات المتحده حتى لا تلغى تصاريح اقامتهم الدائمه في حال بقائهم فترة تجاوزت ستة أشهر خارج الاراضي الامريكيه كما يقتضي قانون الهجره والتجنيس الامريكي. ويفهم من نص البرقية أنه كان،على الاقل حتى وقت ابرام الاتفاقيه في 1976، يحق لموظفي أرامكو العاملين (غير الامريكان بمن فيهم السعوديين)في منشاتها على الاراضي السعوديه التقدم بطلب الحصول على تصريح اقامة دائمة في الولايات المتحده على أساس أنهم كانوا يعملون ويعيشون على ارض امريكيه. وكذلك  أن الذين كانوا قد حصلواعلى تصاريح اقامة دائمة داخل الولايات المتحده والتحقوا بالعمل في أرامكو في السعوديه، لا يحتاجون الى العوده الى أمريكا قبل انقضاء فترة غياب الستة شهور التي يشترطها قانون الهجرة والتجنيس، كونهم اصلا متواجدون على ارض امريكيه.

رابعا : الهيكل الاداري الهيكل الاداري القائم للقيادة العليا لشركة “أرامكو- السعودية” المنشور على موقعها الرسمي ،لا يتضمن  و لا يشير الى “المجلس الاعلى لشركة الزيت العربية السعودية-أرامكو السعودية” المعروف ب “مجلس ارامكو الأعلى” الذي يرأسه ولي ولي العهد السعودي، الذي أنشىء في مايو 2015 ليحل محل “المجلس الأعلى لشئون البترول والمعادن”والذي كان يرأسه الملك،كونه هيئة حكومية سعودية، اذ لا تربطه،على ما يبدو، علاقة قانونية  مباشرة  بالشركه عدا كون رئيس مجلس ادارتها  أحد أعضائه.[25] لكن الهيكل الاداري يبيّن بوضوح أن منصب “المستشارالعام وسكرتير الشركه”  يحتل المرتبة الثانيه تراتبيا والأول من حيث الأهمية ويشغله دائما شخص أمريكي الجنسيه،يتم  ترشيحه وتعيينه من قبل “مجلس الاداره” ولاعلاقة للحكومه السعوديه بهذا الموضوع البته. والمستشار العام سكرتير الشركه ، حاليا السيد ديفيد كيلتجن،هو المدير الفعلي للشركه،يدير شئونها اليوميه،يصيغ ويراجع عقودها ومشاريعها ويقرر اجندتها لعرضها على مجلس الاداره في اجتماعاته الدوريه للموافقه عليها.[26] وهو شكلا مسئول  أمام رئيسه  المباشر “الرئيس والمدير التنفيذي للشركه” وهو سعودي الجنسيه الذي قد يحمل ايضا الجنسيه الامريكيه. وهو حاليا أمين حسن ناصرجرى تعيينه اثر اعادة التشكيل الاخيرلمجلس الاداره. وكان يعمل قبل ذلك نائب الرئيس للتنقيب والانتاج. وتكشف وثائق ويكيليكس أنه خلال منصبه السابق كانت تربطه علاقة حميمة مع موظفي السفارة الامريكيه وقنصليتها في الظهران  تصنفه كمصدر ”  protect” )يحمي( للمعلومات عن السياسة النفطيه للحكومة السعوديه. [27]

أما منصب “رئيس مجلس الاداره” كان يحتله حتى قريبا وزير النفط السعودي،فهو منصب رمزي بحت يشغله حاليا وزير الصحة السعودي الذي لا يرد أسم منصبه ضمن تشكيل الهيكل الاداري للقيادة العليا للشركة.[28]

خامسا:كان أول قرار ل”مجلس ارامكو الأعلى” بعد اعادة تشكليه في مايو 2015[29]  هو “فصل ارتباط” الشركة بوزارة البترول والثروه المعدنيه السعودية  تحت مبرّر”إعطاء مقدار أكبرمن الاستقلاليه”لأرامكو.[30] لكن الحقيقة أن وزارة البترول،كأي هيئة حكومية اخرى بما فيها مجلس الوزراء،السلطة التشريعية والتنفيذية في السعوديه،لم و لا تمارس أي نفوذ أو ضغط على السياسات والقرارات الاسترتيجيه للشركه. بل ربما العكس هو الاقرب الى الحقيقة فيما يتعلق بوزارة البترول التي لم تكن يوما أكثر من مكتب ارتباط بين الشركة والحكومة السعودية  منذ بداية انشائها في أوائل الخمسينات كإدارة مناجم ونفط ملحقة بوزارة المالية يديرها بضعة موظفين منهم أحمد زكي يماني وهشام ناظر مهمتهم الاساسيه الاشراف على استقبال نصيب الحكومة  من أرباح النفط  لتسليمه نقدا للملك السعودي.

كما أن من أرامكو يخرج ويتم ترشيح وتعيين وزراء البترول والثروة المعدنية أنفسهم بدءا من أول وزير لها ،عبدالله الطريقي،الذي كان أيضا،يحمل الجنسية الامريكية حتى وزيرها الحالي.

ولم يكن هذا مجرد تقليد ،بل،وكما يشير تقرير أمريكي سري حديث صادرمن السفارة الامريكية في الرياض(2008) سربته ويكيليس عن”قسم دعم الخدمات الادارية يديره غربيون،معظمهم أمريكيين” مهمته الاساسية ملء المناصب العليا وخصوصا نواب الرئيس السبعه التي منها يأتي الرئيس والمدير التنفيذي وكذلك رئيس مجلس الاداره وحتى وزير البترول، كما في حال الوزير الحالي النعيمي،وتصدر القرارات الحكومية المناسبة بتعيينهم رسميا كأجراء شكلي روتيني .[31] وهذا ما يفسّر  ان التغييرات الوزارية المتكررة والمتعاقبة في الحكومة السعودية  نادرا ما تعرّضت لمنصب وزارة البترول والمعادن التي لم يتولاها سوى أربعة،كلهم  من موظفي أرامكو، منذ تأسيس الوزارة قبل أكثر من 55 عاما.

وأخيرا،بعد أن كانت الحكومة السعودية قد “أشترت” وعلى مراحل أسهم شركة أرامكو بدأت في 1972 واكتملت في 1976باتفاقية المشاركة، يبدو أنها قد قررت،بدءا من 2016  ب”اعادة بيعها” على مراحل.

وبما أن عملية البيع هذه ستتم ” في الأسواق المالية العالمية” وليس المحلية ، كما أكد تصريح الشركة ورئيسها،فإن معظم،إن لم يكن كامل،ما يطرح للاكتتاب سينتهي إلى ملكية  شركات النفط العالميه والامريكية تحديدا بحكم الارتباط  العضوي الخاص بين “أرامكو” و شركات النفط الأم الامريكيه والعلاقة التاريخيه  بين البلدين .

ومن المحتمل جدا أن  تعود أسهم شركة أرامكو رسميا عن طريق “إعادة شراء” الى”الاخوات الاربعه”،أكبر شركات النفط الامريكيه ” و ملاك  الشركة الاصليين .

وبهذا يعود الوضع بعد 2016 الى ما كان عليه قبل 1976 مما يعني أنه لم يحدث أي تغيير جذري في العلاقة القانونية والفعلية بين شركة أرامكو والدولة السعوديه منذ توقيع اتفاقية الامتياز الاصلية في 1933.

[1] “Q/A: Transcript of The Economist  Interview with Muhammad bin Salman, Saudi Arabia’s deputy crown prince, the man who wields power behind the throne of his father, King Salman”, Jan 6th 2016, DIRIYA ,> http://www.economist.com/saudi_interview.

[2] “Statement by Saudi Aramco”, Dhahran, January 08, 2016

http://www.saudiaramco.com/en/home/news-media/news/statement-by-saudi-aramco.html

[3] “Message from the CEO,(Amin Nasser)”,the Arabian Sun,Saudi Aramco Weekly Publication, January 13,2016, Vol. LXXI,No.2 ,p1

http://www.saudiaramco.com/content/dam/Publications/Weeklies/AS/SUN02_01132016_web.pdf

[4] http://bloom.bg/22UmmG1

[5] Daniel Yergin(2008),The Prize:the epic quest for oil,money and power,New York:Simon and Shuster,pp.265-74.

[6] Amy Myers Jaffe and Jareer Eliass,Saudi Aramco,Houston,the James Baker Institute, Rice University, March 2007,p 27.

[7] International Petroleum Cartel,117.

[8] “VISIT TO THE US OF OIL MINISTER YAMANI”,telegram(CONFIDENTIAL) from Sect. of State ,Kissinger to US Embassay,Jedda, 1976 March 3,1976 > https://wikileaks.org/plusd/cables/1976STATE051794_b.html

[9] “SAG/ARAMCO NEGOTIATIONS RE PARTICIPATION AGREEMENT”, telegram from US embassy,Jedda to State Department, February 25, 1976 (Confidential)>https://wikileaks.org/plusd/cables/1976JIDDA01384_b.html

[10] Myers,Saudi Aramco,ibid ,p.40

[11] “Sag/Aramco Negotiations Re Participation Agreement”, telegram from US embassy, Jedda to State Department, 1976 February 25,(Confidential)>https://wikileaks.org/plusd/cables/1976JIDDA01384_b.html

[12] “Saudi Armco by the Numbers”,Saudi Aramco World 59 (3).,volume 59, May–June 2008>

http://archive.aramcoworld.com/issue/200803/75.years.saudi.aramco.by.the.numbers.htm

[13]“قرار ميزانيات المؤسسات العامه”،  25 December 2014 وزارة الماليه،>https://www.mof.gov.sa/Arabic/Roles/Pages/ProofsIssues.aspx

” المرسوم الملكي الثالث بشأن الميزانية العامة للدولة”1436-1437الاقتصاديه، 25ديسمبر  2014العدد 7745

http://www.aleqt.com/2014/12/25/article_917837.html

[14] ” ARAMCO OWNERS MEETING WITH YAMAN “,telegram(cable)from US embassy to State Department, August 5,1973,> https://wikileaks.org/plusd/cables/1973JIDDA03295_b.html

[15] “United States: Supreme Court Opinion in Equal Employment Opportunity Commission v. Arabian American Oil Company and Aramco Services and Ali Bourselan v. Arabian American Oil Company and Aramco Services Company, March 26,1991″ International Legal Materials,656(1991),p.658;>https://supreme.justia.com/cases/federal/us/499/244/case.html

[16] “Arabian American Oil Company,a Delware Corporation, plaintiff-counter defendant, Appellee ,v. Lee Letterio Scarfone,Individually,Architect Lee Scarfoneassociatesd, Defendants,….”,US Court of Appeals for the Eleventh Circuit, August 30,1991,> http://law.justia.com/cases/federal/appellate-courts/F2/939/1472/31857/

[17] Ibid.

[18] ص 43فهد محمد بن جمعه، “حوكمة أرامكو:اقتصاد مستدام” جريدة الرياض،,17يناير،2016> http://s.alriyadh.com/pdf_files/17368/#43/z

[19] :وهذا يستنبط ايضا بوضوح من بحث لأمين عام مجلس الشورى السعودي الحالي   Yahya A. Al-Samaan,”The Development of  Contractual Relationship between Saudi Arabia and Aramco”,9 Energy and Natural Resources  Law Journal,1994

[20] “أرامكو تمتنع عن تعويض  موظف والقضاء ممنوع من التنفيذ” الحياة،  10ابريل  2015,> http://alhayat.com/Articles/8479640

;>http://al-marsd.com/c-114100/#.VSeT9PnF-So

[21] “محضر الاجتماع الرابع والعشرين للجنة التنسيق(فرع الاعلام الخارجي”19/2/1431،>https://wikileaks.org/saudi-cables/doc121795.html

في الربع الخالي يقع ايضا حقل الشيبه اشهر حقول ارامكو، سبق:”جولة نظمتها وزارة الخارجيه بالتعاون مع أرامكو”  8 2014مايو

https://sabq.org/tPWFSs

[22] “قصة الطائره التي نقلت سعود الفيصل حيا وميتا” 7/11/2015> www.mashahed.info/39863

[23] ” أرامكو السعودية تؤكد عدم سحب مساحات من الأراضي من مشروع

وزارة الإسكان في الرياض “وكالة الانباء السعوديه، 19فبراير 2015,> http://www.spa.gov.sa/print.php?id=1326203

[24] “Effect Of Aramco Participation Agreement On Persons Who Have Applied For Us Citizenship” Telegram (cable),June 25,1974,from US Consulate,Dhahran to : US embassy ,Jidda,Department of State and Sec. of State >https://wikileaks.org/plusd/cables/1974DHAHRA00599_b.html

[25] “Saudi Armco Governance: leadership team”,>http://www.saudiaramco.com/en/home/about/governance/leadership-team.html

الجدير بالذكر ،لم يشر تصريح أرامكو بخصوص امكانية طرح أسهم الشركه لللاكتتاب العام الى مقابلة ولي العهد السعودي أو ذكر اسمه او اسم “مجلس أرامكو الاعلى”الذي يرأسه،كما لا يتعرض موقعها ومنشوراتها لأخبارهما

[26]” David B. Kultgen,General counsel and corporate secretary”,>

http://www.saudiaramco.com/en/home/about/governance/leadership-team/david-b–kultgen.html

[27]  ‘Saudi “Gas Prince” Controls The Kingdom’s Industrial Development’, telegram(Confidential) from US Consulate ,Dhahran to Sectretary of Statem,April 8,2009 >https://wikileaks.org/plusd/cables/09DHAHRAN74_a.html

“Saudi Aramco Still Aiming For 12 Million Barrel Production Capacity By June 2009″,telegram(Confidential),April 20,2009;from US Consulate ,Dhahran to Secretary of State,>https://wikileaks.org/plusd/cables/09DHAHRAN89_a.html

[28] http://www.saudiaramco.com/en/home/about/governance/leadership-team.html

[29] “Saudi Arabia restructures Aramco oil giant” Reuters,1 May 2015>

http://www.reuters.com/article/saudi-oil-aramco-idUSL5N0XS0BI20150501

[30]“Saudi Aramco move curbs power of the Kingdom’s Oil Ministry”,1 May 2015> http://www.meed.com/saudiaramcomovecurbspowerofthekingdomsoilministry/3208856.article

[31] “New Leadership At Saudi Aramco”,Telegram(secret)from US Embassy,Riyadh to Dept of State,National Security,Dept of Treasury, November 4,2008 > https://wikileaks.org/plusd/cables/08RIYADH1655_a.html

*دكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة كمبردج، بريطانيا، دكتوراه في القانون الدولي، جامعة موسكو الحكومية للعلاقات الدولية، روسيا، ماجستير من جامعة مجيل، كندا وبكالوريوس من جامعة ماين، الولايات المتحدة.

باحث مستقل، مقيم حاليا في بوسطن، الولايات المتحدة. له بحوث وكتب اكاديمية ومقالات منشورة في القانون الدولي والعلاقات الدولية. منها بحث منشور في الدورية الامريكية للقانون الدولي عن اتفاقية الحدود بين السعودية واليمن (2002) وكتاب “تكوين المملكة العربية السعودية” نشرته دار النشر راوتلدج، 2010.