عامٌ من التحدي اليمني للهيمنة الأمريكية والتحالف الغربي في البحار
ذمــار نـيـوز || تقارير ||
9 ديسمبر 2024مـ 8 جماد الثاني 1446هـ
تقرير || إبراهيم العنسي
في الـ 31 من أُكتوبر من العام المنصرم، كانت اليمن تفرض قاعدة اشتباك جديدة مع الأمريكيين والغرب، بعد استهداف 10 من مجاهدي القوات البحرية اليمنية في البحر الأحمر.
وكما اعتاد الأمريكيون أن تخضع المنطقة العربية لهم، لم يكن ليعجبهم هذا السلوك اليمني فيما تراه انتقاصًا من واقع الهيمنة المفروض على المنطقة، والممتد منذ عقود.
كان هذا قد منح الأمريكي فيما يراه لنفسه حَقًّا للرد على أي تحدٍّ استنادًا على فكرة الهيمنة تلك، بدءًا بإعلان تحالف عسكري بحري، ثم شن عدواناً جويًّا على اليمن منذ 12 كانون الثاني / يناير الماضي.
على افتراض أن هذا ربما قد يكون رادعًا للقوة اليمنية مع ما رافق ذلك الحدث من زخم دعائي كبير، يحاول كما اعتاد ترسيخ الهزيمة لدى مناوئيه، إلا أن موقف صنعاء، وردة فعلها كان أكبر من توقع الأمريكي، فلأول مرة سيحدث شيءٌ معاكسٌ لما فرضه الأمريكي في المنطقة، وسيصبح استهداف السفن الأمريكية الغربية المشاركة ضمن تحالف الازدهار، أَو عمليات “أسبيدس” التي تشكلت في إطار الاتّحاد الأُورُوبي، ضمن بنك الأهداف البحرية اليمنية.
والملفت للمتابع أن اليمن لن يقتصر استهدافه على السفن “التجارية” الأمريكية الأُورُوبية، أَو تلك المرتبطة بالموانئ الإسرائيلية، بل سيتجاوز ذلك إلى استهداف السفن “الحربية”، وهذا ما يعطي دلالات قوية على تعقيد وقوة المواجهة، حَيثُ سيصل مستوى الخطر الذي سيواجه الأمريكان والغرب في البحار اليمنية تحديدًا إلى مرحلة متقدمة تفرض عليها إيثار السلامة، وهذا ربما لم يكن في الحسبان؛ فالتصور الأمريكي لقوة اليمن البحرية كان يفتقر للكثير من الحقائق، فقد بدا الجهل الأمريكي واضحًا فيما يخص اليمن بنظامه الجديد.
نعود لاستذكار ما قاله بيل لابلانت، خبير هندسة الصواريخ ونائب وزير الحرب الأمريكي للاستحواذ والصيانة، في مقابلة مع “ذا كرايدل” في وقت سابق: “يمكن للصواريخ الحوثية القيام بأشياء مذهلة… ما رأيته من الحوثيين كان شيئًا مذهلًا بالنسبة لي”.
في الـ 29 نوفمبر 2024، خرجت مجلة “ذا ناشيونال انترست” الأمريكية، لتقول: “إن الصواريخ التي استخدمها الحوثيون في البحر الأحمر، لاستهداف القطع الأمريكية، أظهرت قدرات مذهلة، ولا يجب الاستخفاف بما يمتلكونه من قدرات”.
التسلسل العملياتي المُستمرّ منذ أكثر من عام في مواجهات اليمن البحرية مع الأمريكيين والغرب، رغم محدوديته إلَّا أن الجزء الأعمق تأثيراً فيه، كان حجم الاشتباكات المتكرّرة مع الترسانة البحرية الأمريكية الأُورُوبية وإلحاق الضرر بمكانة وهيبة هذه القوة على مستوى واسع، وإن حاول الأمريكيون التكتم على ما حصل طيلة عام ونيف.
كانت البداية في27 نوفمبر2023 حينما استهدفت المدمّـرة يو إس إس ميسون التابعة للبحرية الأمريكية بصواريخ باليستية في خليج عدن.
ومع التصعيد اليمني ضد السفن المارة نحو الموانئ الإسرائيلية في الـ 9 من كانون الأول / ديسمبر 2023، والمحاولات الأمريكية لحماية سفن الاحتلال الإسرائيلي في البحر الأحمر، كانت المواجهات تتم مع السفن التجارية للعدو والقطع المرافقة أَو المراقبة للحماية، والمؤكّـد أن القوات اليمنية لم تكن لتستثني القطع الحربية الغربية من الاستهداف طالما تواجدت في مشهد، أَو موقع الحدث وغالبيتها كانت عبارة عن (مدمّـرات، فرقاطات) ذات تجهيزات متطورة.
في 23 ديسمبر2023 تم استهداف المدمّـرة يو إس إس لابون التابعة للبحرية الأمريكية بطائرات بدون طيار في البحر الأحمر.
مع عدم تمكّن التحالف الأمريكي البريطاني من كسر الحصار عن العدوّ الصهيوني، فقد وجدوا أنفسهم (متورطين) في معركة دون أفق، وسفنهم أصبحت كـ “البط العائم” أمام صواريخ وباليستيات وطائرات اليمن المسيَّرة، تستهدفها أينما كانت ضمن مسطحات اليمن وما بعدها، ما عكس امتلاك اليمن قدرات جهلتها واشنطن، أربكت حساباتها، خُصُوصًا أمام توعد صنعاء بالرد على عدوان واشنطن ولندن وبقوة.
ففي الـ10 من كانون الثاني/ يناير، أعلنت القوات المسلحة اليمنية أن قواتها البحرية والصاروخية وسلاح الجو المسيَّر قامت بعملية عسكرية مشتركة بعددٍ كبيرٍ من الصواريخ الباليستية والبحرية والطائرات المسيَّرة استهدفت سفينة أمريكية كانت تقدم الدعم لسفن الاحتلال الإسرائيلي، واعتبرتها صنعاءُ ردًّا أوليًّا على الاعتداء الأمريكي ضد عناصر من القوات البحرية اليمنية (عشرة عناصر من القوات البحرية استشهدوا بقصف أمريكي).
في خلفية المشهد كانت القوات اليمنية في مواجهة ساخنة وكبيرة مع القطع البحرية الأمريكية والبريطانية، وإن كان لم يشر لها بيان الناطق الرسمي للقوات المسلحة.
حول هذه العملية تحدثت القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم”، عن مشاركة الطائرات الحربية من طراز F/A-18 من حاملة الطائرات “يو إس إس دوايت دي أيزنهاور” الموجودة في البحر الأحمر، وأربع مدمّـرات هي “يو اس اس غرافلي”، و”يو إس إس لابون”، و”يو إس إس مِيسون”، و”إتش أم إس داياموند “البريطانية، في هذه العملية.. هذا ما يتوافق مع ذكر بيان القوات المسلحة استخدام العملية لـ “عدد كبير” من الصواريخ الباليستية والبحرية والطائرات المسيَّرة.
قبلها بأسبوع، أصدرت الولايات المتحدة وبريطانيا و10 دول أُخرى، منها ألمانيا وإيطاليا وأستراليا والبحرين واليابان، تحذيرًا في بيان مشترك، كان تهديدًا للقيام بعمل عسكري ضد أهداف تتبع “أنصار الله” في اليمن، منها أماكن تخزين الصواريخ وإطلاقها.
في الـ 12 من كانون الثاني/ يناير، بدأ عدوان جديد على اليمن ضمن تحالف الازدهار الأمريكي، وَتحدثت القيادة المركزية الأمريكية أنها نفذت بالتنسيق مع بريطانيا وبدعمٍ من أستراليا وكندا والبحرين وهولندا، ضربات مشتركة لإضعاف القوات المسلحة اليمني، وقالت أَيْـضًا إنها استهدفت أنظمة الرادار والدفاع الجوي ومواقع التخزين والإطلاق للهجوم أحادي الاتّجاه على الأنظمة الجوية من دون طيار وصواريخ باليستية وصواريخ كروز.. مع ذلك، استمرت صنعاء في تبني خطاب، وفعل تصعيدي ضد محاولات الردع الأمريكية.
في الـ15 من الشهر نفسه؛ أي بعد أَيَّـام قليلة من العدوان الأمريكي -البريطاني على اليمن، نفذت القوات البحرية اليمنية عملية عسكرية استهدفت سفينة “أمريكية” في خليج عدن، بعددٍ من الصواريخ البحرية، وتعرضت السفينة للإصابة المباشرة، وفق بيان العميد يحيى سريع.
هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف سفينة أمريكية في خليج عدن، وكانت متجهة نحو موانئ الأراضي الفلسطينية المحتلّة لدعم الكيان الصهيوني.
ووفق ناشطين فَــإنَّ السفينة المستهدفة مملوكة لشركة مدرجة في الولايات المتحدة يقع مقرها الرئيس في ستانفورد كونيتيكت، والرئيس التنفيذي لشركة Eagle Bulk -غاري فوجل- هو جندي احتياط سابق في البحرية الأمريكية.
في 15 كانون الثاني / يناير2024 تم استهداف المدمّـرة يو إس إس لابون الأمريكية للمرة الثانية في البحر الأحمر بصاروخ بحري.
الاشتباك المميت:
وعلى الرغم من الاستهداف اليمني للسفن الحربية للعدو إلى جانب سفنه التجارية كان الأمريكيون يسعون لإرهاق القوات اليمنية في مسارين: الأول مسار استمرار حركة السفن المتجه صوب الموانئ الإسرائيلية في المياه اليمنية عبر باب المندب، والثاني مسار القصف الجوي للأهداف في اليمن على أمل إضعاف القدرات العسكرية الصاروخية والطيران المسيّر لليمن، فضلًا عما تم ممارسته من ضغوط سياسية واقتصادية على صنعاء؛ وكلّ هذاْ مِن أجلِ حفظ ما تبقى من هيبة القوة الأمريكية البحرية، وكسر الحصار اليمني على الكيان الإسرائيلي ومحاولة جر العالم إلى حرب أمريكا في البحار بالحديث الدائم عن استهداف القوات اليمنية للسفن عامة، والواقع أن واشنطن لا تكترث لما يمكن أن تتعرض له السفن التجارية الأجنبية من هجمات، وما يترتب على محاولات مرورها الفاشلة من خسائر.
استمرت محاولات السفن المتجهة لموانئ الكيان الإسرائيلي في المرور عبر البحر الأحمر فكانت تضطر للتخفي ومنها سفن تجارية أمريكية ومع تلك المحاولات استمر استهداف اليمن لها بتنفيذ القوات البحرية عملية ضدها منها سفينة “زوغرافيا” في 16 يناير، ثم سفينة “جينكو بيكاردي” الأمريكية في الـ 17 يناير، وسفينة “كيم رينجر” الأمريكية في 19 يناير، بخليج عدن.
معركة أعنف:
عادت القوات المسلحة في استهداف السفن “الحربية” الأمريكية، وَفي الـ22 من كانون الثاني/ يناير، تم استهداف سفينة شحن عسكرية أمريكية “أوشن جاز OCEAN JAZZ” في خليج عدن بصواريخ بحرية، وَبعدها بيومين، في الـ 24 من كانون الثاني/ يناير 2024، خاضت القوات المسلحة اليمنية أعنف معارك الاشتباك والمواجهة البحرية المباشرة مع عدد من المدمّـرات والسفن الحربية الأمريكية في خليج عدن، وباب المندب أثناء قيام تلك السفن بتقديم الحماية لسفينتين تجاريتين أمريكيتين، استمرتْ تلك المواجهة لأكثر من ساعتين، واستخدمت فيها عدد من الصواريخ الباليستية، وانتهت المواجهة بنجاح القوات المسلحة اليمنية في إصابة سفينة حربية أمريكية -لم يذكر اسمها- إصابةً مباشرةً وإجبار السفينتين التجاريتين الأمريكيتين على التراجع والعودة من حَيثُ أتت.
أول سفينة بريطانية:
في خليج عدن ستستهدف أول سفينة بريطانية في الـ26 من كانون الثاني/ يناير، حَيثُ أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية استهداف سفينة النفط البريطانية “مارلين لواندا” في خليج عدن بعددٍ من الصواريخ البحرية الموجهة والمضادة للسفن.
واللافت في الاستهداف أنه جاء بعد 3 أَيَّـام من تصريح وزير الدفاع البريطاني بأنّ العدوان على صنعاء والحديدة وتعز والبيضاء، في الـ23 من الشهر ذاته، أَدَّى إلى إضعاف قدرة صنعاء على “تهديد السفن” حسب ما قال.
في 26 كانون الثاني / يناير، تم استهداف المدمّـرة يو إس إس كارني التابعة للأسطول الخامس الأمريكي، بصاروخ باليستي مضاد للسفن في خليج عدن، وعلى إثر اندلاع عملية (طُوفَان الأقصى) أرسل البنتاغون هذه المدمّـرة إلى البحر الأحمر للتصدي لهجمات اليمن.
في الـ28 من شهر كانون الثاني/ يناير، أطلقت القوات البحرية اليمنية صاروخًا بحريًّا استهدف سفينة تابعة للبحرية الأمريكية “لويس بولير” أثناء إبحارها في خليج عدن، حَيثُ تعمل كمنصة متنقلة لدعم العمليات البحرية والجوية والبرية، وتوفر دعمًا للعمليات العسكرية المختلفة مثل الدعم اللوجستي والقدرات الطبية والمراقبة والاستطلاع، وقد تم تجهيز السفينة بأحدث التقنيات والأنظمة البحرية والعسكرية؛ مما يتيح لها تنفيذ مهام متنوعة، فيما يتميز تصميمها بقدرتها على استيعاب مروحيات الهليكوبتر ونقل القوات في المناطق البحرية النائية؛ أي أن ما تم استهداف كان صيدًا ثمينًا لليمن.
بعد يومين أي في 31 كانون الثاني / يناير، 2024، ستكون المدمّـرة الأمريكية “يو إس إس غريفلي”، وهي الأحدث في عالم المدمّـرات الأمريكية، في اختبار صعب ومواجهة مرهقة مع القوات المسلحة اليمنية بلجوئها إلى استخدام “خط الدفاع الأخير” على بعد ميل واحد من الإصابة، والمعروف بـ Phalanx Close-In CWIS، بعد أن استنفدت كُـلّ الخيارات، حَيثُ جاء استهداف المدمّـرة “غريفلي” في البحر الأحمر، كـ “جزء” من رد صنعاء على استهداف عناصر البحرية اليمنية، والتأكيد أنها “ستواجه التصعيد الأمريكي -البريطاني بالتصعيد ولن تتردّد في تنفيذ عمليات عسكرية واسعة ونوعية ردًا على أية حماقة بريطانية أمريكية ضدَّ اليمنِ”، مع العلم أن المدمّـرة “غريفلي” كانت ضمن القطع الحربية المشاركة في الهجوم الذي شنته البحرية الأمريكية على وحدات البحرية التابعة لقوات صنعاء في البحر الأحمر وأدت إلى استشهاد أبطال البحرية اليمنية العشرة، حَيثُ توعدت قوات صنعاء وقتها بالرد على هذا الهجوم بشكل “قاس ومؤلم”.
في عملية ستعقب استهداف سفن حربية أمريكية في البحر الأحمر بساعات في 4 شباط / فبراير، نفذت عمليةَ استهداف ضد سفينةٍ إسرائيليةٍ ” MSC SKY ” في البحرِ العربيِ، بعدد من الصواريخِ البحرية، حَيثُ اشتعلت النيران في عدد من حاوياتها.. وظهر عدد من البحارة وهم يكافحون حرائق على متنها فيما تصاعد الدخان من إحدى الحاويات التي بدت عليها الأضرار الناجمة عن ارتطام الصاروخ، كان هذا تأكيد على ما جاء في خطابات السيد القائد ما قبل هذه الأحداث باللجوء لخيارات التصعيد طالما استمرت مجازر تل أبيب وواشنطن في قطاع غزة، وكتأكيد على فشل “تحالف الازدهار” في إيقاف العمليات اليمنية ضد الكيان الإسرائيلي، وحدوث النقيض بتصعيد اليمن للهجمات على نحو أذهل الأمريكان والإسرائيليين على حَــدٍّ سواء.