حزبُ الله يغلِبُ “إسرائيل”: نتنياهو يهوي من سقف “النصر المطلق” إلى الهزيمة الحتمية
ذمــار نـيـوز || تقارير ||
30 نوفمبر 2024مـ 28 جماد الاول 1446هـ
تقارير || ضرار الطيب
نسف حزبُ الله استراتيجيةَ “النصر المطلق” التي اعتمدها العدوّ الصهيوني في الحرب بشكل نهائي، من خلال إجبار الأخير على اللجوء إلى اتّفاق وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية، والذي أقر نتنياهو بأنه ذهب إليه تحت وطأة الخسائر والإنهاك العسكري؛ الأمر الذي مثّل انتصارًا استراتيجيًّا كَبيرًا للحزب، وثبَّت مفاعيلَ حتميةِ هزيمة العدوّ على مستوى هذه الجولة من الصراع وعلى مستوى الصراع بأكمله.
الاتّفاق الذي تم التوقيع عليه بانسحاب جيش العدوّ من المناطق الحدودية اللبنانية، ووقف العدوان على لبنان، مثّل هزيمةً واضحةً لكيان الاحتلال الذي كان قد وضع لعدوانه أهدافًا عالية السقف تتمثل في القضاء على حزب الله وقدراته وتغيير خارطة الشرق الأوسط بأكمله، حَيثُ مثّل الاتّفاقُ اعترافًا واضحًا باستحالة تحقيق تلك الأهداف، وهو أَيْـضًا ما أكّـدته تعليقاتُ العديد من السياسيين والعسكريين الصهاينة الذين اعتبروا الاتّفاقَ “هزيمة” و”فشلًا كاملًا” و”استسلامًا”!
وكان نتنياهو قد أقر بذلك ضمنيًّا عندما برّر اللجوء إلى الاتّفاق بالحاجة إلى منح جيشه “استراحة” و”تجديد مخزونات السلاح” وهو ما يعني أن العدوّ لم يفشل فحسب في تحقيق هدف القضاء على حزب الله وقدراته، بل إن ذلك الهدف ارتد عكسيًّا على جاهزية جيش العدوّ نفسه، وهو ما يمثل تأكيدًا لحقيقة مزعجة جِـدًّا ومرعبة بالنسبة للصهاينة، وهي أنه لا يمكن القضاء على حزب الله والتهديد الاستراتيجي الوجودي الذي يشكله على كيان الاحتلال ومستوطنيه، خُصُوصًا وأن هذا الفشل جاء بعد هجمة غير مسبوقة تمكّن خلالها العدوِّ من اغتيال قادة الحزب، وعلى رأسهم سماحة السيد حسن نصر الله، الأمر الذي يعني أن العدوّ قد استنفد خياراته المعدة منذ سنوات للتخلص من المقاومة الإسلامية بلا جدوى، وبالتالي فَــإنَّ موقفه سيكون أضعف بكثير في أية مواجهة قادمة.
ولا تقتصرُ هزيمةُ العدوّ على الجانب العسكري، بل تمتد إلى الاستراتيجيات الكبرى المتعلقة بأمن واستقرار كيان الاحتلال في المرحلة الراهنة والمستقبل، فمن خلال عنوان “النصر المطلق” كان مجرم الحرب نتنياهو يسعى وبشكل واضح ومعلن، وبدعم أمريكي، لخوض معركة مصيرية حاسمة تفضي إلى القضاء على كُـلّ التهديدات المحيطة بالعدوّ داخل الأراضي المحتلّة وخارجها، وصناعة واقع إقليمي جديد يضمن بقاء “إسرائيل”، وهو ما يعني بالضرورة أن البديل عن ذلك هو القبول بواقع الانهيار الأمني الذي صنعه (طُـوفَان الأقصى) وبداية مسار الزوال النهائي، وبما أن حزب الله قد أجبر العدوّ على اللجوء إلى وقف إطلاق النار في لبنان، فَــإنَّ كُـلّ ما يندرج تحت عنوان “النصر المطلق” من أهداف قد تبخر تمامًا، ولم يبق أمام العدوّ سوى الخيار البديل الذي حاول الهروب منه.
بعبارة أُخرى: إن نجاح حزب الله في إجبار العدوّ على وقف إطلاق النار والانسحاب، برهن على أن أقصى ما يمكن أن يصل إليه نتنياهو في هذه الحرب هو إبرام اتّفاق مماثل في غزة أَيْـضًا؛ فبعد أكثر من عام من الفشل في القضاء على المقاومة الفلسطينية برغم الإبادة الجماعية الوحشية، وفي ظل ما أثبتته المقاومة من قدرة على الاستمرار وتكبيد العدوّ خسائر متزايدة برغم شحة الإمْكَانات، ومع الإنهاك المعترف به لجيش العدوّ، فَــإنَّ مسألة حسم معركة غزة لصالح الاحتلال قد أصبحت مستحيلة هي أَيْـضًا، خُصُوصًا في ظل استمرار جبهات الإسناد بالضغط على العدوّ؛ الأمر الذي يعني أن وقف الحرب وتبادل الأسرى والانسحاب من غزة هو النتيجة الحتمية الوحيدة في الأفق، مهما طال الوقت.
وفي ظل ثبوت واقع استحالة التخلص من تهديد جبهة المقاومة داخل الأراضي المحتلّة وخارجها، فَــإنَّ الهزيمة التي مني بها العدوّ في لبنان، لا تمهد فقط لهزيمته في غزة فقط، بل ترسخ مفاعيل الهزيمة الكبرى لـ”إسرائيل” على مستوى الصراع بأكمله، فمثل حزب الله، اكتسبت كُـلّ أطراف جبهة المقاومة الكثير من الخبرة خلال هذه الحرب واستطاعت معرفة أساليب العدوّ واستراتيجياته، وطوَّرت أدواتها بما يلائم حجم المواجهة، والأهم من ذلك أنها أرست معادلات غير مسبوقة وثبَّتت مسارات عملياتية جديدة تمامًا على العدوّ، مثل اجتياح المستوطنات من قبل المقاومة الفلسطينية، وقصف العمق الصهيوني وتهجير المستوطنين وتنسيق عمليات إقليمية نوعية مشتركة وتنفيذ حصار بحري مشدّد على العدوّ من قبل جبهات الإسناد اليمنية واللبنانية والعراقية؛ وهو ما يعني أن التهديد الاستراتيجي الذي كان نتنياهو حريصًا على التخلص منه نهائيًّا لمعرفته بخطورته على مستقبل الكيان، قد أصبح أكبرَ وأوسع وأخطر بكثير.
وبعد أن أثبت حزب الله القدرة على تحقيق الانتصار برغم الضربات الموجعة التي استهدفت قيادته والعدوان الشامل على لبنان، فَــإنَّ بقيةَ جبهات محور المقاومة أصبحت الآن أكثر تصميمًا على مواصلة المعركة وأكثر ثقة بالقدرة على تحقيق الانتصارات ومراكمتها مهما كان حجمُ التحديات، خُصُوصًا في ظل انفتاح التنسيق بين هذه الجبهات على أكثر من مستوى.
وبالإضافة إلى ذلك فَــإنَّ سقوطَ استراتيجية “النصر المطلق” من خلال الانتصار الذي حقّقه حزب الله، يمثل انهيارًا تامًّا لمخطّطات إقليمية كبيرة كان العدوّ ورعاته يعملون على تنفيذها بجهد سواء خلال الحرب الجارية أَو قبلها أَو بعدها، ومنها خططُ التحالفات الإقليمية تحت عنوان “التطبيع” والتي كان العدوّ والأمريكيون يعوِّلون عليها كَثيرًا في رسم مستقبل المنطقة بما يخدم بقاء كيان الاحتلال، ومع أن هذه المخطّطات قد تلقت ضربة قاتلة يوم السابع من أُكتوبر، فَــإنَّ انتصارَ حزب الله ينهي فاعليتها تمامًا، بل يحوِّلُها إلى مأزِقٍ للعدو، فحتى إن تمكّن الأمريكيون والصهاينة من مواصلة مسار “تهويد” المنطقة سياسيًّا وأمنيًّا وثقافيًّا وعسكريًّا، فَــإنَّ ذلك لن يحقّق النتائج التي كان ستضمنها استراتيجية “النصر المطلق” بل ستواجهُ الأنظمة العميلة المزيد من الضغط وستصبح تحالفاتها مع العدوّ مفخَّخةً بمخاطِرَ كبيرة عليها؛ لأَنَّ ثباتَ جبهة المقاومة وبقاءَها لن يترُكَ الساحةَ خاليةً على أي مستوى.
لقد برهن حزبُ الله مجدّدًا أن “زمنَ الانتصارات” الذي فتح بابَه سماحة السيد حسن نصر الله، لم يكن مُجَـرّد عنوان بل واقع إقليمي جديد تتراكم فيه إنجازات جبهة المقاومة دافعة العدوّ أكثرَ فأكثر نحو الهزيمة النهائية، وقد أدهش حزبُ الله الجميعَ بفاعلية رؤيته لهذا الواقع من خلال رصيد إنجازات استثنائي يسقط كُـلّ الشكوك حول جدوى خيار المقاومة.