الخبر وما وراء الخبر

ما بعد قرار محكمة الجنايات.. المزيد من العزلة “لإسرائيل”

2

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
24 نوفمبر 2024مـ – 22 جماد الأول 1446هـ

تقريــر || إبراهيم العنسي

موقف غير مسبوق سيسجل لـصالح “محكمة الجنايات الدولية” بعد قرار تاريخي طال مجرمي الحرب في “إسرائيل”.

اليوم يقف العالم الحر احترامًا وتقديرًا للقاضي كريم خان، وفريق المحكمة الجنائية الدولية بانتصارهم للعدالة والإنسانيّة، وأرواح الشهداء، ومن تبقى على قيد الحياة في قطاع غزة بكل أوجاعه، حيث أظهرت أمريكا حنيناً لتاريخ نشأتها القائم على الإبادة الجماعية لخمسة وعشرين مليوناً من الهنود الحمر، سكان أمريكا الأصليون.

الأكيد أن ما بعد قرار المحكمة، يعيش المجرم بنيامين نتنياهو ثلاثة من الاحتمالات تحاصره، ما بين هواجس الاعتقال بموجب مذكرة محكمة الجنايات الدولية، سفاح غزة معرض للاعتقال في 124 بلداً مشاركاً في المحكمة الدولية، وهاجس الخوف من تعرضه للاغتيال والقتل سواء على يد المقاومة، وقد نجا في أول محاولات المحور حينما استهدف منزله بقيسارية، ثم إلقاء قنابل ضوئية من عناصر إسرائيلية على منزله، ترى أن ثأرها معه اليوم قد تعاظم، وقد أظهر استخفافاً بأرواح الصهاينة، سواء الأسرى لدى المقاومة في غزة، أو أبناء المجتمع الصهيوني، من يتم اقتيادهم عنوة إلى محارق السفاح النتن ياهو في القطاع، أو جنوب لبنان، حيث طائرات الهليكوبتر لا تتوقف إيذاناً بتوابيت جديدة لقتلى جدد من عناصر الاحتلال الإسرائيلي.

فيما الاحتمال الثالث، وهو القديم أن يتم تقديمه للمحاكمة بتهم الفساد، والرشاوى، وخيانة الأمانة بما فيها تسريب المعلومات السرية من مكتبه.. أي أنه سيقضي ما تبقى من حياته ملاحقًا في أكثر من اتجاه، خاصة وقد أفصحت بعض الدول المنظمة إلى المحكمة عن نواياها اعتقاله، إذا ما وطئت قدماه أراضيها في أي ظرف بما فيها رحلات الترانزيت.

بغض النظر عن حقيقة الامتثال والاستعداد لتطبيق ما جاء في قرار المحكمة بالنسبة لدول أوروبا، إلا أن هذا القرار كان وثيقة، ستؤرخ عن اجرام إسرائيل، والداعم الأمريكي ومن خلفه حكومات أوروبية تسير في اتجاه معاكس لشعوبها التي أظهرت تأييداً للحق الفلسطيني خاصة لدى شريحة “الشباب”.

هولندا أول دولة أوروبية أعلنت الامتثال لقرار المحكمة الجنائية الدولية، كما نقلت وكالة “رويترز” عن وزير خارجيتها كاسبر فيلدكامب أن بلاده مستعدة لتنفيذ أمر المحكمة في حق نتنياهو وغالانت.

نائبة رئيس الوزراء البلجيكي، قالت إن “على أوروبا الامتثال” لقرار الجنائية الدولية، وأن بلجيكا تؤيد مذكرة الاعتقال الصادرة من الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالانت، ويتعين على الاتحاد الأوروبي الامتثال لمذكرتي الاعتقال.

ووصل بالموقف البلجيكي أن طالب بفرض عقوبات اقتصادية، وتعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل.

منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ، وهو صوت ملفت فيما يخص حرب غزة ولبنان، علق خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في عمان قائلاً: “هذا ليس قراراً سياسياً، بل قرار محكمة، محكمة عدل، ومحكمة عدل دولية، وقرار المحكمة يجب أن يحترم وينفذ”.

ورغمأان الموقف الإيطالي لا يؤيد الحكم الا أن وزير الدفاع الإيطالي، جيدو كروسيتو، يرى أنه في حال قدوم رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، ووزير حربه السابق، غالانت، إلى إيطاليا، فسيتعين عليه اعتقالهما، بعد الحكم الصادر في حقهما من جانب المحكمة الجنائية الدولية.

أما الخارجية الفرنسية فرغم ضبابية موقفها من القرار الا أنها أشارت إلى أن موقفها من أمر المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو سيكون “متوافقاً مع مبادئ المحكمة”، معتبرة أن المحكمة الجنائية الدولية ضامنة للاستقرار الدولي، حيث يجب ضمان عملها بطريقة “مستقلة”، وهنا يمكن فهم أن هناك تفسيرات خاصة بنظام فرنسا لهذا القرار وربما لعمل المحكمة ككل، طالما أنها تتحدث عما يجب لضمان عمل المحكمة بطريقة لا تخضع للتأثير، إلا إن كانت تقصد الإشارة الى الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، تحديداً والتي مورست بحق المحكمة ومدعيها العام.

المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، أشار الى أن لندن تحترم استقلال المحكمة الجنائية الدولية”.

يرى جيريمي كوربن، زعيم “حزب العمال” البريطاني السابق، أن أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية “تأخرت كثيراً”، وأنه يتعين على ستارمر ولامي أن “يؤيدا” قرار الجنائية الدولية على الفور.

كندا على لسان رئيس وزرائها، جاستن ترودو، قالت إن “على الجميع الالتزام بالقانون الدولي وسنلتزم بجميع لوائح وأحكام المحاكم الدولية”.

كذلك إيرلندا مع تصرح رئيس وزرائها، ليو فارادكار، أن “أوامر الجنائية الدولية باعتقال مسؤولين إسرائيليين خطوة هامة جداً والتهم الموجهة هي الأخطر”، وكإضافة، دعا وزير الخارجية الايرلندي، مايكل مارتن، إلى “احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية ونزاهتها، وعدم القيام بأي محاولة لتقويضه”.

وزير الخارجية النرويجي إسبن بارث إيدي “من المهم أن تنفذ المحكمة تفويضها بطريقة حكيمة.. أثق أن المحكمة ستمضي قدماً في القضية على أساس أعلى معايير المحاكمة العادلة”.

ولخصت المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز، توصيف القرار وما يجب أن يكون عليه الموقف الدولي من القرار بالقول إن على الدول الأعضاء في نظام روما أن تحترم وتنفذ قرارات المحكمة…نحن نحترم استقلالية المحكمة الجنائية، وندعم عملها من أجل المحاسبة”. والأهم فيما قالته إن “على الدول وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن تواجه مدى انتهاكها للقانون الدولي”، في إشارة الى الدعم الأمريكي الغربي الذي لم يتوقف حتى اليوم لكيان العدو.

ورغم ردود الفعل هذه فإن المفارقة فيما حصل ان إدانة حرب الإبادة الإسرائيليّة في قطاع غزة من قبل محكمة الجنايات الدولية هي إدانة أيضًا للولايات المتحدة الأمريكية، والدول الأوروبية التي وفرت أدوات القتل والإبادة لإسرائيل بما فيها بريطانيا وألمانيا والدانمارك، لارتكاب مجازرها في قطاع غزة ولبنان، مع توفيرهم الغطاء للكيان لإدامة مجازره في القطاع بمبرر “الدفاع عن النفس” في تواطؤٍ فاجرٍ لقتل وجرح ما يقارب 150 ألفًا معظمهم من الأطفال والنساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود معظمهم تحت الأنقاض، وتدمير 85 % من القطاع.

والحقيقة التي ستؤرخ ضمن ملف “طوفان الأقصى” والعدوان على غزة أنه بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال مجرمي الحرب نتنياهو وغالانت يكون الكيان قد دق مسمارًا جديدًا في نعشه، مع ما سبق من نفور عالمي من إسرائيل والمشروع الصهيوني، وقد تعرض لانتكاسة واسعة على مستوى الرأي العام العالمي والمزاج الشعبي الدولي، حيث تشتد عزلة الكيان الغاصب على المستوى الدولي بشكل غير مسبوق، مقابل انتصار الدم الفلسطيني لدى العالم الحر، ووقوف العالم بأكمله في صف واحد، بينما تقف اسرائيل ومعها أمريكا معزولتين، حينما صوت العالم لوقف حرب غزة ولم يخرج عن الاجماع سوى الأمريكيين.

ليس هذا فحسب، فهناك جرأة بحديث غير معهود لدول وأنظمة أجنبية بتذكير إسرائيل أن وجودها كان بقرار سياسي لا حقيقة تاريخية، وما يعنيه ذلك بأن شرعية الكيان موجودة على الورق لا على الأرض، وما يقود هذا أجيال الغرب التي تعلن القطيعة مع هذا الكيان، خاصة بعد الأحداث الرياضية في هولندا وفرنسا وما رسخته من حقائق في ذهنية رجل الشارع في الغرب عن همجية مجتمع الكيان الإسرائيلي ومستوى انحطاطه وقذارته.

ورغم أن قرار المحكمة حتى الآن يظل قرارًا معنوياً إلا أنه انتصار جديد للحق الفلسطيني قانونياً وسياسياً وتاريخيًا وتأكيد على صدقية مظاهرات العالم الحر التي ما تزال تخرج حتى اليوم تأييدًا لفلسطين ولبنان، إضافة إلى ما يترتب عليه من ارتباطات، مثل تصدير السلاح وتزويده لإسرائيل، حيث سيكون أي تحرك من هذا القبيل تحت المجهر في قادم الأيام، ولن يكون من السهل التحايل بإرسال سلاح الغرب، صوب ألمانيا، أو الولايات المتحدة لتتوليا ايصاله إلى مجرمي الحرب في إسرائيل.