الخبر وما وراء الخبر

واقع الهزيمة يحاصِرُ أمريكا من ميدان المواجهة إلى فضاء السردية.. “اليمن مخيف”

5

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
16 نوفمبر 2024مـ – 14 جماد الاول 1446هـ

برغمِ المحاولاتِ الأمريكية المكثّـفةِ لتشويهِ الموقف اليمني المساند لغزةَ والتقليلِ من تأثيره وفاعليته وتطور أدواته، تحت عنوان ما تسمِّيه الولايات المتحدة “استراتيجية مواجهة رواية الحوثيين” تبدو واشنطن عاجزةً تمامًا عن الهروب من حقيقة هزيمتها المدوية أمام اليمن في البحر الأحمر.

إذ لا زالت شهادات المسؤولين ووسائل الإعلام والخبراء في الداخل الأمريكي تتعالى كاشفة في كُـلّ مرة جانبًا جديدًا من الحقيقة التي يحاولُ الجيشُ إخفاءَها بشأن تلك الهزيمة.

آخر هذه الشهادات جاءت على لسان وكيل وزارة الحرب الأمريكية لشؤون المشتريات والاستدامة (كبير مشتري الأسلحة في البنتاغون) بيل لابلانت، في تصريحات غير مسبوقة نقلها موقع “أكسيوس” وقال فيها إن من وصفهم بالحوثيين “أصبحوا مخيفين”.

وأضاف: “إنهم يلوِّحون بأسلحة متطورة بشكل متزايد، بما في ذلك صواريخ يمكنها أن تفعلَ أشياءَ مذهلة”.

وتابع: “أنا مهندسٌ وفيزيائي، وعملت في مجال الصواريخ طوال حياتي المهنية، وما رأيته من أعمال قام بها الحوثيون خلال الأشهر الستة الماضية أمرٌ أذهلني”.

وقال: “إذا أصاب صاروخٌ باليستي سفينةً قتاليةً؛ فهذا يوم سيِّئ للغاية؛ لذا علينا أن نبتعد عن البحر الأحمر”.

وأكّـد لابلانت أن اليمن “ينتجُ الصواريخَ الباليستية بتقنية لا تمتلكُها إلا الدول المتقدمة فقط” في إشارة كما يبدو إلى الصواريخ فائقة السرقة (الفرط صوتية).

هذه الشهادة الجديدة تميَّزت عن سلسلة الاعترافات السابقة لقادة البحرية الأمريكية والمسؤولين السابقين والحاليين، بأنها لم تقتصر فقط على تأكيد الحقيقة الميدانية والعملياتية المتمثلة في أن القوات المسلحة اليمنية أظهرت تفوقًا كَبيرًا في مواجهة أحدث أساطيل وإمْكَانات الجيش الأمريكي في معركة غير متكافئة، بل سلَّطت هذه الشهادةُ الضوءَ على جانب آخرَ أكثر إحراجًا، وهو الصدمةُ المعنوية الكبيرة، والإحساسُ الواضح بالخوف، والحديثُ هنا ليس عن الجنود والضباط الذين يتعرَّضون للضربات اليمنية بل عن مسؤولي البنتاغون داخل الولايات المتحدة؛ وهو ما يعني أن صُناع القرارات والسياسات داخل وزارة الحرب الأمريكية نفسها أصبحوا يدركون تمامًا أن المسألة لم تعد مسألة تعثر عملياتي، بل هزيمة تأريخية فعلية يترتب عليها تغيير كبير في الموازين، بما في ذلك صعود قوة جديدة لا يمكن السيطرة عليها أَو الحد من قدرتها على التأثير.

لقد استغرق الأمرُ أقلَّ من عام، بين تصريح بايدن بأن الغارات الجوية والبحرية لم تردع القوات المسلحة اليمن، وصرخة لابلانت بأن اليمن أصبح مخيفًا، وعلى ضوء ذلك يمكن الخروجُ بتقييم واضح وسهل للحملة الأمريكية العدوانية ضد اليمن، وهو أنها تحولت إلى ورطة كبيرة فعلية كان السيد القائد قد حذَّر الأمريكيين منها قبل وقوعهم؛ وهو ما يعني أن اليمن لم يتفوَّقُ فقط على ساحة المواجهة، بل أَيْـضًا في الرؤية والحسابات الاستراتيجية المسبقة التي جعلته يخوض المعركة غير المتكافئة وكأنه على علم بكل مآلاتها.

وفي سياق الشهادات المُستمرّة على ذلك، نشرت مجلة المعهد البحري الأمريكي، تقريرًا جديدًا لهذا الشهر، أكّـدت فيه أنه، برغم عدم التكافؤ في القدرات القتالية فَــإنَّه “من الواضح أن القوى البحرية العاملة في المنطقة فشلت في وقف الهجمات اليمنية، وذلك أَيْـضًا برغم الضربات التي شنتها الولايات المتحدة في مناسبات متعددة بمزيج من القوة الجوية والضربات الصاروخية على الشاطئ”.

وَأَضَـافَ التقرير أن “هذا يؤدي إلى طرح تساؤلات حول الرد الأمريكي، وعلى نطاق أوسع، حول جدوى القوة البحرية، حَيثُ تصرخ العناوين الرئيسية بأن (الحوثيين هزموا البحرية الأمريكية) وَ(الحوثيون يحكمون الآن البحر الأحمر)، في حين أكّـد مقال من هيئة تحرير صحيفة “وول ستريت جورنال” أنه (يمكن الآن إعلان فشل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمرافقة السفن)”.

وبحسب التقرير فَــإنَّ: “العمليات في البحر الأحمر تحمل ثمنًا باهظًا، فأولًا، يؤدي البحث عن طرق تجارية بديلة إلى تأخيرات في العبور، وتدفع السفن الراغبة في المخاطرة بالمرور عبر البحر الأحمر تكاليف تأمين أعلى لاستخدام المياه المتنازع عليها، وبالإضافة إلى ذلك، هناك التكاليف المرتبطة بالخسارة المحتملة لسفينة تجارية، وتشمل هذه القيمة الإجمالية للسفينة، وفقدان حمولتها”.

وأضاف: “هناك أَيْـضًا تكلفة صيانة السفن الحربية في المنطقة والإنفاق الكبير على الأسلحة المستخدَمة لإحباط الهجمات”.

وقال: إنه “نظرًا للتكاليف، فمن المرجح أن تنشأ ضغوط قوية لإنهاء العمليات إلى حَــدٍّ ما بشروط الحوثيين” وهو تأكيد واضح على أفق الحملة الأمريكية العدوانية وما قد تتضمنه من تصعيد، مسدود مسبقًا، وأن النتيجة محتومة لصالح القوات المسلحة اليمنية.

ونشرت مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية، الجمعة، تقريرًا أكّـدت فيه أن الهجوم الأخير الذي تعرضت له مدمّـرتان أمريكيتان أثناء عبورهما باب المندب يسلِّطُ الضوءَ على الفجوات والعيوب الكبيرة التي تجعلُ أسطول البحرية الأمريكية غيرَ فعال.

ووفقًا للمجلة فَــإنَّ “البحرية الأمريكية تصر على أنها تمتلك القدرات التي يمكنها وقف هجمات الحوثيين، وهذا ما كان البنتاغون يردّده منذ العام الماضي” لكن “الحقيقة هي أن أسطول الحرب السطحية التابع للبحرية الأمريكية يواجه في مواجهة الحوثيين لمحة أولية عن نوعية الشدائد التي تنتظر البحرية في حالة نشوب صراع مع الصين، والواقع أن ما يفعله الحوثيون يُظهِر للعالم نقاط الضعف الخطيرة التي تعيب أسطول البحرية الأمريكية السطحي عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الصواريخ الباليستية المضادة للسفن”.

وأضافت المجلة: “يبدو أن البحرية الأمريكية كانت حتى الآن في حالة من العمى التام في مواجهة التهديد الحوثي، وهذا مثال حزين آخر على التقادم المتزايد الذي تعاني منه الأسطولُ البحري الحربي بشكل عام، وخَاصَّة حاملات الطائرات” مشيرة إلى أنه “من غير المرجح أن يتحسن الوضع”.

واختتمت بالقول: “لقد أظهر الحوثيون الطريق لتعقيد استعراض القوة البحرية الأمريكية، والآن يستعد أعداء أمريكا الأكثر تقدمًا، وخَاصَّةً الصين، لاستخدام هذه الاستراتيجيات على نطاقٍ أوسعَ ضد البحرية الأمريكية إذَا اندلعت الحربُ بين الصين والولايات المتحدة”

ومن خلال كُـلِّ ما سبق يتجلَّى بشكل واضح أن الهزيمة الأمريكية أمام اليمن قد باتت أمرًا واقعًا، وأن اليمن قد صنع بالفعل نقطةَ تحولٍ تأريخيةً لن تستطيعَ الولاياتُ المتحدة الرجوعَ إلى ما قبلها، سواء على مستوى خارطة النفوذ والهيمنة، أَو حتى على مستوى احتكار القوة والقدرات البحرية، وفرضِ معادلات وأساليب الردع.