الخبر وما وراء الخبر

الأنظمة العربية الوراثية وحميميةُ العلاقة مع الإدارة الأمريكية

4

ذمــار نـيـوز || تقارير ||

10 نوفمبر 2024مـ 8 جماد الاول 1446هـ

تقرير || الدكتور عبد الرحمن المختار

انتهت المعركة الانتخابية الرئاسية الأمريكية بفوز من تريدُه الحكومةُ العميقة الرأسمالية الصهيونية المتوحشة، لشغل منصب رئيس الإدارة الأمريكية.

وهذه الحكومة الموغلة في الإجرام والتوحش، تقيسُ مواقفَها من مختلف القضايا الداخلية والخارجية بما يحقّق مصالحها فحسب، دون اعتبار لحمار الحزب الديمقراطي أَو لفيل الحزب الجمهوري، وبالنسبة لأنظمة الحكم في المنطقة العربية الأصل أن تلك الانتخابات شأن داخلي أمريكي، ولا تعنيها لا من قريب ولا من بعيد، غير أن المخزي والمخجل حقًا أن وسائل إعلام الكيانات الوظيفية العربية ربطت مصير الجغرافيا العربية والإسلامية بشخص الرئيس الأمريكي المنتخب، ومن تابع القنوات الفضائية العربية، ومنها الحدث والعربية وسكاي نيوز والجزيرة وغيرها خلال أَيَّـام المعركة الانتخابية وتحديدًا اليوم الأخير منها، سيشعر بالخجل فعلًا من التغطية الواسعة والشاملة لكل تفاصيل تلك المعركة الانتخابية، من صور أيقونية أَو مواقفَ كوميدية للمرشحين أَو غيرها من التفاصيل المخجلة، في الوقت الذي توقفت فيه تمامًا ولساعات على الأقل عن تغطية أفعال جريمة الإبادة الجماعية المقترَفة بحق أبناء الشعب الفلسطيني، فيما عمل الإعلام العربي على تغطية معركتهم الانتخابية، رغم أنه لا فرقَ بين ديمقراطي وجمهوري جميعهم في سباق لسفك المزيد من الدم العربي، ولاستنزاف ثروات وموارد الشعوب العربية.

ولقد صممت تلك القنوات استديوهات مذهلةً لتغطية تفاصيل المعركة الانتخابية الأمريكية ونقلها للمواطن العربي بدقة وجودة عالية، لم يسبق لها مثيل، ولم يسبق لها أَيْـضًا أن خصصت لأية تجربة انتخابية في محيطها الجغرافي الإسلامي ولو بنسبة عشرة بالمِئة من الوقت والاهتمام الذي خصصته للانتخابات الأمريكية، رغم أن تجارب المحيط الإسلامي يمكنها رفع مستوى وعي الشعوب العربية بعشرات الدرجات أكثر من الانتخابات الأمريكية، لكن الواضح أن الأنظمة العربية الوظيفية غير معنية بوعي المواطن العربي، وكلّ ما يعنيها هو الترويج لمشغِّلها الأمريكي جمهوري أَو ديمقراطي ومن ورائهما المشغل الأكبر الرأسمالية المتوحشة، التي يعنيها فقط أن ترسي المزاد الانتخابي على مصالحها، بغض النظر عن شخص المرشح أَو حزبه، فلو انصرفت إرادَة السلطة العميقة الحاكمة في أمريكا لاختيار قرد أَو خنزير لمنصب الرئاسة لكان لها ذلك، ولروّجت وسائل إعلام الأنظمة العربية الوظيفية للحدث بأنه نوع من التطور والتغيير المذهل لشغل منصب رئاسة الإدارة الأمريكية!

ولو أن وسائل الإعلام العربية اهتمت بمعركة الانتخابات الحقيقية الواقعية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، واهتمت بنتائجها وخصّصت لها جزءًا من وقتها واهتمامها، لكان ذلك الاهتمام في محله، ولكان أجدى لشعوب الأُمَّــة العربية من تجريعها زيف وخداع وتضليل المعركة الانتخابية الأمريكية، والأدهى من ذلك والأمرُّ أن وسائل إعلام الكيانات العربية الوظيفية تعاطت مع نتائج هذه الانتخابات دون حياء أَو خجل، بوصفها عقابًا من الشعب الأمريكي للحزب الديمقراطي على أدائه المتدني! وهي بذلك التعاطي تستحمر الشعوب العربية أيما استحمار، فهذه الشعوب لم يسبق لها أبدًا أن عاقبت حكامها! بل لم يسبق لها أن حاسبتهم! بل لم يسبق لها حتى أن عاتبتهم، ليس على أدائهم المتدني! بل على غبائهم المستفحل، وعلى تسخيرهم لمقدرات الشعوب للمستعمر الأجنبي، وجعل أنفسهم مُجَـرّد أدوات بيده يستخدمها متى شاء وكيف ما شاء، نعم لقد كرّرت وسائل الإعلام العربية عرضها لنتيجة الانتخابات الأمريكية بأنها عقاب من الشعب الأمريكي لكاميلا هاريس ولحزبها الديمقراطي صاحب رمز الحمار واختار ترامب وحزبه الجمهوري صاحب رمز الفيل!

 

هذه الوسائل الإعلامية لم تكلف نفسها أبدًا مناقشة نتيجة الانتخابات السابقة التي فاز فيها بايدن مرشح حزب الحمار، وسقط فيها ترامب مرشح حزب الفيل! ولم تثر حينها أن ذلك كان عقابًا من الشعب الأمريكي لحزب الفيل، ولم تدرك وسائل الإعلام العربية حينها أن مرشح هذا الحزب حطّم بتصرفاته الغبية الغوغائية جزءًا من مصالح الحكومة الرأسمالية الصهيونية العميقة، التي أسقطت ترامب وغوغائيته ورفعت بايدن وزهايمره! وها هي اليوم قد أعادت للواجهة ترامب بعد إدخَال بعض التحسينات التي من شأنها إلزامه بالحفاظ على مصالحها الرأسمالية تحت عنوان عريض وهو (أمريكا أولًا)!

والعجيب أن وسائل الإعلام العربية -في تغطيتها لتفاصيل المعركة الانتخابية الرئاسية الأمريكية- لم تضع في اعتبارها ولو نسبة ضئيلة لتأثر الشعوب العربية بما جرى من تنافس انتخابي في أمريكا وما تلاه من عقاب شعبي، حسب وصفها، تجسد في نتيجة الانتخابات! ولم تضع هذه الوسائل الإعلامية في اعتبارها أن ترويجها الواسع لتلك الحرية الشعبيّة والديمقراطية، ولذلك التنافس المحموم في المعركة الانتخابية، أن يؤدي كُـلّ ذلك إلى أن تهفوَ الشعوب العربية إلى محاولة تقليد ومحاكاة الشعب الأمريكي، لتعبر من خلال ذلك عن اختياراتها وخياراتها، وحقها في معاقبة حكامها الذين أثقلوا كاهلها لعقود من الزمن!

ولم تفترض تلك الوسائل الإعلامية العربية أن ذلك الزخم الكبير والاحتفاء العظيم بالانتخابات الأمريكية، والتفصيل الدقيق لنتيجتها يمكن أن يدفع الشعوب العربية لكسر حالة الجمود ومحاكاة ما جرى في أمريكا، ولو من باب التقليد ولو من باب الدعابة! لكن يبدو أن وسائل الإعلام العربية وبكل أسف قد تعاطت مع المعركة الانتخابية الأمريكية بتلك الوقاحة وهي مطمئنة إلى أن عقلية المواطن العربي لا تختلف عن شعار الحزب الديمقراطي (الحمار) والجمهوري (الفيل)، وهي مطمئنة أَيْـضًا أن شعارَي هذين الحزبَينِ يمثلان حيوانيَن من البيئة الشعبيّة العربية!

والأدهى من ذلك والأمرُّ أن استحمارَ تلك القنوات للشعوب العربية قد بلغ مداه حين تنافست في عواجلها وبشكل متتابع وفي تغطياتها المُستمرّة على إبراز تهاني حكام أنظمتها وولاة عهدهم لترامب الذي وصفته بـ(المرشح المنتخَب) وأبرزت حرص أُولئك الحكام وولاة عهدهم على تطوير وتنمية العلاقات التاريخية بين أنظمة حكمهم والإدارة الأمريكية! ورغم أن المُهنأ بالفوز بمنصب الرئاسة منتخب ولمدة محدّدة بأربع سنوات لا يحق له بعدها الترشح! والمهنئ مغتصب للسلطة لمدى الحياة! ورغم أن المُهنأ يُقر بفضل الشعب الأمريكي عليه ويشكره على ثقته، ويلتزم ويتعهد أنه لن يخذله! في حين أن المهنئ المغتصِب للسلطة يشعر أنه صاحبُ الفضل على الشعب، ويمكن أن يتوعده بمرارة العيش إذَا ما لمس منه أي تنكر لفضله!

 

ووسائل الإعلام وهي تورد في عواجلها تهانئ الحكام التي تكرّرت وتتابعت، بل وكانت من كثرة تكرارها وتتابعها ترتجفُ خوفًا من القادم إلى البيت الأبيض، وما ذلك إلَّا تعبير عن حالة المهنئين؛ إذ لم يخطر ببال تلك الوسائل الإعلامية أن الشعوب العربية يمكن أن تُستفز! وأن تتساءل كيف لحكام غير منتخبين تهنئة حكام آخرين منتخبين شعبيًّا بكل تلك الحفاوة وكأنهم يهنئون نظراءهم بمناسبة تنصيبهم ملوكًا؛ باعتبَارهم متفقين معهم في وسيلة إسناد السلطة، أما المنتخب من الشعب فوسيلة إسناد السلطة لكُلٍّ من المهنَّأ والمهنئين مختلفة تمامًا، وإن كان هناك من تهنئة فالأصل أن تكون على استحياء احترامًا لمشاعر الشعوب! وألَّا تكون سافرة ومُستمرّة على مدى أيام! نظرًا لاختلاف مدة جلوس كُـلٍّ منهم على كراسي الحكم! وقد تتساءل الشعوب العربية: كيف للشعب الأمريكي أن يقرّر مصير الحكام رفعًا وإسقاطًا؟ ولماذا لا يكون لها مثل هذا الحق في مواجهة حكامها؟ ولماذا تسمو الإرادَة الشعبيّة ولو ظاهريًّا في أمريكا وتسمو في البلاد العربية إرادَة الحكام وتسقط الإرادَة الشعبيّة؟ ولما يتتابع تساقط الحكام هناك ويستمر الحكام في البلاد العربية مدى الحياة؟ ويتوارث الحكم الإخوة والأبناء؟ كُـلُّ هذه التساؤلات وأكثر منها واردة من حَيثُ الأصل! فلماذا لم تعرها وسائل الإعلام العربية أي اهتمام في تغطيتها للانتخابات الأمريكية؟

لعل من المقبول والمعقول أن تتعاطى وسائلُ إعلام عربية في أنظمة ديمقراطية شكلية في تغطيتها للانتخابات الأمريكية بتلك الصورة، التي تعاطت بها وسائل إعلام عربية تتبع أنظمة وراثية؛ فقد يهنئ حاكم في نظام عربي موصوف شكلًا بأنه ديمقراطي، ويمكن أن يكون ذلك مقبولًا شعبيًّا، ويمكن التعاطي مع مثل ذلك التداول بأنه سينمّي ويطوّر التجربة الديمقراطية في بلد الحاكم المُهنئ والمحتفية وسائله الإعلامية بالانتخابات الأمريكية، لا مشكلة في ذلك، لكن المشكلة تكمن في تعاطي وسائل إعلام الأنظمة العربية الوراثية في تغطيتها للانتخابات الأمريكية بكل تلك الجرأة، دون اعتبار لمشاعر الشعب المتلقي الذي ينتقل حكمه بالوراثة من حاكم إلى آخر، بغض النظر عن شخصيته وأدائه وسلوكه؛ فالشعب في ظل هذه الأنظمة الوراثية يعتبر في كُـلّ الأحوال عنصرًا من عناصر تركة المورث، وينتقل حكمُه من السلف إلى الخلف على هذا الأَسَاس!

وإذا كان بالإمْكَان اعتبار تعاطي وسائل إعلام الأنظمة العربية الموصوفة شكلًا بأنها ديمقراطية وتهانئ حكامها للرئيس الأمريكي المنتخَب بأنه مقبول ومعقول، فَــإنَّ تعاطيَ وسائل الإعلام العربية في الأنظمة الوراثية، وتهنئة حكامها، وهم الوارثون للحكم، وتعبيرهم عن حميمية العلاقة مع الإدارة الأمريكية ولرئيسها المنتخَب يمثل مظهرًا من مظاهر العهر والشذوذ السياسي!