كيف سخّرت الولايات المتحدة جواسيسَها لتدمير التعليم في اليمن؟
ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
8 أكتوبر 2024مـ – 5 ربيع الثاني 1446هـ
تقريــر|| عباس القاعدي
عملت الولاياتُ المتحدةُ على اختراقِ وزاراتِ ومؤسّساتِ الدولة وتدميرِها وتوجيهِ سياستِها بما يخدُمُ العدوَّ الأمريكيَّ والإسرائيليَّ ومشاريعَهما، منها وزارة التربية والتعليم التي تم استهدافُها بشكل متكامل من خلال البرامج والمشاريع المقدَّمة كمساعدات لليمن بمزاعم تطوير التعليم، عبرَ البنك الدولي ووكالة التنمية الدولية الأمريكية، والشراكة العالمية، ومشروع “CLB”، والمنظمة الألمانية “GIZ”، والاتّحاد الأُورُوبي، ومنظمة البحث عن أرضية مشتركة.
وتم تنفيذُها وفقَ الاستراتيجية الأمريكية الخَاصَّة التي دمّـرت التعليم، وعملت على إفراغه من محتواه تحت عناوينَ ومشاريعَ كثيرةٍ، منها “المسار السريع وتطوير التعليم”، والتي استهدفت العمليةَ التعليمية في اليمن بصورة عامة، وبتمويل ودعم أمريكي وأُورُوبي.
في إطار الاستراتيجية الأمريكية، التي استهدفت التعليم الأَسَاسي، بدأ البنك الدولي متسلقًا على وزارة التربية التعليم في اليمن العام 1997، دراسة وضع التعليم في اليمن ووضع استراتيجية لتدمير التعليم الأَسَاسي، تحت ما يسمى “برنامج توسيع التعليم الأَسَاسي”، وتم تنفيذه بقرض قيمته نحو 60 مليون دولار أمريكي، واستهدف هذا البرنامج على وجه الخصوص الفتيات في المدارس الريفية وتعليمهن أفكار ومفاهيم خاطئة ومغلوطة، تحت شعار “تحسين إمْكَانية الوصول إلى الخدمات التعليمية ونوعيتها وبناء القدرات”.
وعملت السفارة الأمريكية في صنعاء وعبر الجواسيس والخونة منذ مطلع الثمانينيات على تدمير التعليم من خلال عدد من البرامج والمشاريع المقدمة كمساعدة لليمن بمزاعم “تطوير التعليم”، ومن أبرز المشاريع استقطاب كوادرَ تعليمية من وزارة التربية والتعليم وكلية التربية وابتعاثهم للدراسة في الخارج والتدخل في رسائل الماجستير والدكتوراه وجعل التعليم وفق المصالح الأمريكية، ويعتبر تأليف كتب موحدة للصفوف من الأول وحتى الصف الثالث من أبرز البرامج التي عملت عليها أمريكا؛ بهَدفِ تجهيل الطلاب وصرفهم عن الدراسة؛ الأمر الذي يجعل المنهج الدراسي بيئة طاردة للتعليم.
وفي هذا الخصوص وافق نظام الخيانة السابق في أغسطُس 2000، على برنامج ما يسمى مشروع تطوير التعليم الأَسَاسي، المقدم من البنك الدولي الذي كان يهدف إلى تدمير التعليم، ويتضمن إعادة تأهيل المدارس، وجرى تنفيذه بالتعاون مع وزارة التنمية الدولية البريطانية وهولندا، ويبلغ حجم هذا المشروع المشترك 120 مليون دولار أمريكي، وهو محور استراتيجي لبدء تدمير التعليم الأَسَاسي في اليمن، تحت غطاء “ترميم المدارس”، وفق الاستراتيجية الأمريكية التي وافقت عليها الحكومة اليمنية آنذاك، وفي عام 2004، تم توقيع إعلان شراكة لتنفيذ استراتيجية تدمير التعليم الأَسَاسي بين الحكومة اليمنية والبنك الدولي، واليونيسيف وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة العمل الدولية واليونسكو وحكومات ألمانيا والمملكة المتحدة وهولندا وفرنسا والاتّحاد الأُورُوبي، والغرض من هذا الإعلان هو تنسيق الاستراتيجيات والتخصيص الفعال لكل الموارد المقدمة من المانحين؛ مِن أجلِ استهداف وتدمير التعليم الأَسَاسي، ومن خلال هذه الشراكة، لاقى تنفيذ استراتيجية تدمير التعليم الأَسَاسي مسانداتٍ قوية وحقّق تقدمًا ملموسًا في الخطة الأمريكية باليمن.
واعتمدت الحكومة عام 2002، ست استراتيجيات مختلفة لتدمير التعليم بمختلف مستوياته من الابتدائية وحتى الدراسات العليا، وأصبح كُـلّ ما له صلة بالعلم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأمريكا ويسير وفق مصالحها، وتم تطبيقها خلال الفترة 2003-2015، وعملت وزارة التربية والتعليم على تحويل أهداف الاستراتيجيات الأمريكية إلى خطة عملية وأنشأت الإطار اللازم لإدراج مساندة شركاء التنمية في قطاع التعليم، القائم والمُمَّول من “البنك الدولي” والمنحة الثالثة من مبادرة المسار السريع لتدمير التعليم من خلال الاستراتيجية الأمريكية المدمّـرة للتعليم، وللمناهج الدراسة التي تعد النافذة الأَسَاسية في بناء المجتمعات؛ ولهذا سعت المخابرات الأمريكية منذ ثمانينيات القرن الماضي لاختراقها وتعطيل دورها الجوهري؛ بهَدفِ تجهيل المجتمع وإخضاعه والسيطرة عليه وجعله تابعًا لأمريكا غير مستقل في قراراه السيادي، وهذا ما ثبت في اعترافات شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية التي ضبطتها الأجهزة الأمنية اليمنية.
ولتحقيق المشاريع والمؤامرات الأمريكية في اليمن خلال فترة معينة، حرصت المخابرات الأمريكية منذ مراحل مبكرة على التحكم بالعملية التعليمية في اليمن، خَاصَّةً في إعداد وتأليف المناهج اليمنية؛ فمنذ مرحلة ما بعد 1990م، كان مكتب الـ EDC التابع للمخابرات الأمريكية، يدير من الأردن إعدادَ الكتب للصفوف (1 – 3) ويمرِّرُ عبر فرق الإعداد كُـلَّ المفاهيم الأمريكية؛ بُغيةَ العبث بمخرجات التعليم في اليمن وإفراغه من محتواه، وأطلقت واشنطن مبادرة المسار السريع في أبريل 2002 باليمن؛ لتكون شراكة عالمية بين المانحين والبلدان النامية؛ لتسريع وتيرة تنفيذ الأهداف الأمريكية للألفية للتعليم بحلول عام 2015م؛ كون اليمن يواجه نموًّا سكانيًّا سريعًا ويحتاج إلى أموال إضافية لتوسيع استراتيجيته في تدمير التعليم، وأعدت الحكومة اليمنية آنذاك اقتراحًا لمبادرة المسار السريع على أَسَاس استراتيجية ما تسمى “تطوير التعليم الأَسَاسي” واقتراح استراتيجية الحد من الفقر بالتعاون مع البنك الدولي، وتم استعراض هذا الاقتراح في أُكتوبر 2002 في بروكسل، والموافقة عليه في اجتماع للمانحين عُقد في باريس في 2003.
في عام 2004، حصلت حكومة الخيانة السابقة على عشرة ملايين دولار أمريكي كتمويل تحفيزي، ومساندة لمبادرة المسار السريع لتدمير التعليم الأَسَاسي، ولا سيما في محافظات البيضاء وذمار والحديدة وحجّـة، وخُصِّص جزءٌ من هذه المنحة لمحافظات الجوف وشبوة ولحج، وتشكلت فرقُ عمل من الحكومة والمانحين لتدعيم التنفيذ وتسهيله، وعززت وزارة التربية والتعليم حينها، سياساتِ أمريكا التدميرية باتِّباع إطار عمل مبادرة المسار السريع الأمريكية، وعقد لقاءات مع كبار المسؤولين الفنيين في الوزارة ومسؤولي الحكم المحلي، وعدة حلقات دراسية بشأن تخصيص أموال المبادرة، التي تهدف لإفشال التعليم وحرفه عن مساره الصحيح في خدمة التنمية بمختلف مجالاتها.
وضمنَ مبادرة المسار السريع لتدمير التعليم الأَسَاسي، وفي العام نفسه، قدمت الوكالة الأمريكية “مشروع تحسين التعليم الأَسَاسي في اليمن”، وبتمويل يصل إلى ملايين الدولارات، وتم تنفيذ المشروع التدميري للتعليم، والذي كان يشرف عليه ضابط الاستخبارات الأمريكي “جون رالي”، الذي التقى حينها بفريق الوكالة الأمريكية وفريق من وزارة التربية والتعليم من قطاع المناهج ومن قيادة الوزارة، السفراء الألماني والبريطاني، والهولندي والسفير السعوديّ؛ لمناقشة وتنفيذ ما تسمى “استراتيجية تحسين التعليم الأَسَاسي وتطويره”، والتي تم من خلالها تغيير المناهج الدراسية بشكل عام بحسب الاستراتيجية الأمريكية، التي كانت تحمل في طياتها الأهداف الخفية المدمّـرة للتعليم في اليمن، والمتمثلة في إضعاف التعليم والتدريب والإشراف التربوي وإدخَال المصطلحات الجنسية في المناهج، والرموز الأجنبية والأعياد والمناسبات الخارجية على أَسَاس أن تكون كرموز قادة، إلى جانب خلق مناهِجَ يصعُبُ على الطالب فهمُها في المراحل الأولى، وَعمل مراجعة شاملة للمواد الدينية وخَاصَّة في التوحيد والقرآن على أَسَاس إزالة الآيات القرآنية التي تعمل -حسب ما يقولون- على “إثارة النزاعات الدينية”، إلى جانب تطوير المصطلحات الجغرافية وعدم ربط الطالب اليمني بالأحداث التي تربطه بالسِّيَرِ وبالذات عدم ذكر الغزوات التي كانت تحصل ضد اليهود، والتهيئة للتطبيع مع العدوّ الإسرائيلي، بالإضافة إلى الكثير من الأهداف الخطيرة التي أفشلتها ثورة 21 سبتمبر المباركة، بقيادة السيد القائد عبد الملك الحوثي “يحفظه الله”.
وحول الدعم الأمريكي للمشاريع التدميرية للتعليم في اليمن، قدم البنك الدولي عام 2009، لوزارة التربية والتعليم بصنعاء وفق الاتّفاقية بينهما، منحة بـ”20 مليون دولار”، تحت مسمى “المسار السريع – المرحلة الثالثة”؛ تخصص لمجال تدمير التعليم وسيتم توزيعها على المحافظات: “لحج، ذمار، ريمة، الحديدة، البيضاء”.
وأوضح عبدالسلام الجوفي -وزير التربية والتعليم آنذاك-، أن هذه الاتّفاقية البالغ قيمتها 20 مليون دولار تعد منحة تمويلية يتم استخدامها في برامج “تدريبية” تستهدف “المعلمين والمعلمات” على مستوى المحافظات المستهدفة، مؤكّـدًا أن هذه الاتّفاقية تعتبر الثالثة التي حصلت عليها وزارة التربية والتعليم من “البنك الدولي” ضمن برنامج المسار السريع على التحويلات؛ باعتبَار اليمن واحدةً من الدول التي استخدمت التمويلات الأولية بشكل جيد ومتميز، وطبّقت الاستراتيجية بشكل متكامل، وعملت على تسريعِ المشاريع الأمريكية المدمّـرة للتعليم، منها مشروع ما يسمى “التطوير الأَسَاسي”، الذي أشرف عليه مكتب صنعاء للبنك الدولي.
تنفيذ المشروع التدميري للتعليم كان يشرف عليه ضابطٌ من الاستخبارات الأمريكية، وكان يهدف إلى تغيير المناهج الدراسية، بحسب الاستراتيجية الأمريكية.
وفي 2010 استهدف البنكُ الدوليُّ التعليمَ العاليَ في اليمن، من خلال ما يسمى مشروع تحسين جودة التعليم العالي، بقيمة 13 مليون دولار، الذي يهدف إلى إدخَال برامجَ أمريكية تدميرية للجامعات اليمنية، التي يصل عددها إلى 8 جامعات حكومية و13 جامعة أهلية. قال وقتها وزيرُ التعليم العالي والبحث العلمي، صالح باصرة: “إن الحكومة اليمنية تؤكّـد على التزامها بتحسين قطاع التعليم العالي، لكن لا يمكنُها القيامُ بذلك بدون وجود مساعدات سخية من “شركاء التنمية”، ونحن نتطلع إلى “البنك الدولي” بما لديه من خبرات ومعارفَ لمساندة قطاع التعليم العالي الذي تم استهدافُه منذ الثمانينيات من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية، التي استهدفت عدداً كَبيراً من الطلاب الخرِّيجين في كلية التربية، وقامت بإرسالهم إلى أمريكا ومصر والأردن ليأخذوا الماجستير والدكتوراه، وكان العدد الأكبر يذهب إلى أمريكا، وعند عودتهم تولوا كمسؤولين وقيادات في كلية التربية بجامعة صنعاء ووزارة التربية والتعليم؛ ليتسنى العمل -من خلالهم وعلى غفلة من نظام هش- إكمال مشروع تدمير التعليم اليمني.
من جانبها، قالت ليانكين وانغ، رئيسة فريق العمل فيما يسمى مشروع تحسين جودة التعليم العالي، الذي تم تنفيذه في جامعات عدن، عمران، ذمار، حضرموت، الحديدة، صنعاء وتعز، تحت عنوان تهيئة الظروف الملائمة لتحسين جودة البرامج الجامعية والارتقاء بمدى صلاحية الخريجين للعمل: “تتيح الخبرات العالمية التي يتمتع بها خبراء المؤسّسة الدولية للتنمية أَسَاساً متينًا لاستئناف المؤسّسة تقديمَ مساندتها لقطاع التعليم العالي، علمًا بأن مشاركة المؤسّسة جاءت استجابةً لطلب الحكومة اليمنية؛ مِن أجلِ أن تسهمَ في تحقيق الرؤية الشاملة المتكاملة الواردة في الاستراتيجية الوطنية التي أعدها خبراءُ أمريكيون لتطويرِ قطاعِ التعليم العالي في اليمن”، وَأَيْـضًا معالجة الاختلالات الحاصلة في الجامعات اليمنية وفي مقدمتها تحسين نوعية ومخرجات التعليم الجامعي.
في 2012 وقّع وزيرُ التربية والتعليم بحكومة “الإصلاح” آنذاك، عبدالرزاق الأشول، في العاصمة الأمريكية واشنطن، على منحة قيمتها 65 مليون دولار، مقدمة من ممول مشاريع التدمير الأكبر “البنك الدولي” لتمويل المرحلة الثانية من مشروع تدمير التعليم الأَسَاسي، الذي يستهدف الفتيات، والبناء المؤسّسي للوزارة ومكاتبها في المديريات والمحافظات، وبعض المدارس، وكذلك يستهدف 44 ألف طالبة بمنح التحويلات النقدية المشروطة في محافظتَي الحديدة ولحج؛ بهَدفِ “بقاء الفتيات” في المدارس.
وفي 2013م أعلنت مجموعةُ البنك الدولي عن ثلاثة مشاريعَ جديدة في اليمن تكلفتها الإجمالية 206 ملايين دولار، وأوضح بلاغ صحفي صادر عن البنك، أن هذه المشاريع إضافة للبرنامج الجاري تنفيذه بقيمة 700 مليون دولار لمساندة جهود الإعمار وعملية التحوُّل، تُمثِّلُ القِسْطَ الأول من مبلغ 400 مليون دولار تعهد بتقديمها البنك الدولي في مؤتمر مانحي اليمن العام 2012.
وفي السياق نفسه، أعلن البنك الدولي في 2020م استئناف برامجه التدميرية في قطاع التعليم في اليمن والبالغ تكلفتها التقديرية 150 مليون دولار، ويستهدف المشروع المعلمين والمعلمات والطلاب، ويشارك البنك الدولي في تمويل المشروع الطارئ لاستئناف تدمير التعليم والتعلم في اليمن الذي تبلغ تكلفته 152.80 مليون دولار، ويمتد من 2020 إلى 2024، ويُنفَّذُ من خلال اليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة إنقاذ الطفولة، وهو يساعد في الحفاظ على الاستراتيجية الأمريكية التي تستهدف التعليم الأَسَاسي والعديد من الطلاب، وتعمل على تدمير قدرات قطاع التعليم بوجه عام، بالإضافة إلى ذلك قدمت الحكومة الأمريكية في عام 2022م، مشروعًا مُدَّتُهُ سِتُّ سنوات وبقيمة 18 مليون دولار، من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، الذي نُفّذ مع اليونيسف لتدمير التعليم في اليمن خَاصَّة في المحافظات المحتلّة.
هذه الاستراتيجياتُ والبرامجُ الأمريكية والتي موَّلها البنكُ الدولي والوكالة الأمريكية للتنمية وبعضُ المنظمات، لتدمير التعليم في اليمن كانت تأثيراتُها واضحةً على مستوى ضعف القراءة لدى طلاب الصفوف الأولى، وعلى مستوى التحصيل التعليمي في الجامعات، وكذلك نشر ثقافات دخيلة داخل المدارس، جعلت كثيرًا من مدارس التعليم الحكومية والأهلية على وجه الخصوص مركزًا من مراكز نشر الثقافة الغربية الأمريكية واعتبار ذلك شيئًا من الرقي والتطور.