محمد عبد السلام والعسيري .. السياسي المستضعف يهزم الجنرال العسكري المتعجرف
بقلم/ عابد المهذري
في حربه على اليمن يجند تحالف العدوان السعودي الأمريكي المتصهين جيش إعلامي وسياسي موازي للجيوش العسكرية التي حشدها لعدوانه ضد بلادنا .. فمقابل أسراب طائرات الأباتشي والإف16 التي يستخدمها الأعداء لقتل وتدمير اليمن ؛ يستخدم أيضا مئات القنوات الفضائية لقصف عقولنا وإرجافنا نفسيا وتحريضا وتشويش .
هذا من الجو .. وفوق الأرض يستعين العدو بترسانة من اكبر وأخطر اللوبيات الإعلامية العالمية من الصحف ووكالات الإنباء ومراكز البحوث والدراسات والمنظمات الحقوقية وآلاف الخبراء والمحللين والكتاب والمفكرين والسياسيين من مختلف دول العالم ،بذات طريقة حشده لجحافل الأسلحة الحديثة وعشرات ومئات ألوف الجنود من جميع الجنسيات كمرتزقة ومحاربين مستأجرين للقتال ضد قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية بإمكانياتها المتواضعة التي تحقق بها نجاح كبير وساحق على تحالف الأعداء بإمكاناتهم الضخمة والهائلة ؛ وبرغم ذلك يتكبدون الفشل والإخفاق ونحن نفوز وننتصر .
أبو صلاح يحسم التحدي بالنقاط .
الوجه الآخر لهذه المفارقات .. يمكن رصدها بين أداء وفاعلية الجانب الذي يمثله ” محمد عبد السلام ” ناطق حركة أنصارا لله المتحدث الرسمي بإسم مكتب السيد عبد الملك الحوثي ،وبين الطرف الذي يعبر عنه ” احمد العسيري ” المستشار بمكتب وزير الدفاع السعودي ؛ والذي برز هذا العام بقيامه بمهام الناطق العسكري لعاصفة الحزم العدوانية ؛ بحيث أن تصريحاته ومؤتمراته الصحفية عن العمليات القتالية ؛ تتأسس وفقها ؛ المسارات السياسية والديبلوماسية ،ويتقرر على ضوئها الموقف الأخير لدول وحكام وإعلام تحالف العدوان في التعامل مع الشأن اليمني .
يعمل عبد السلام مع فريق صغير من الشباب المساعدين له وبقناة واحدة و خمس فضائيات ومثلها صحف محلية وقرابة عشر أخرى عربية متعاطفة مع القضية اليمنية لا يمكن مقارنتها بحجم ما يمتلكه العدو في هذا المجال .. إذ لا مقارنة قياسا بتسخير إمكانات وطاقات وأموال وعلاقات ونفوذ عشرات الدول الخليجية والعربية والأجنبية لدعم ومساندة الموقف السعودي وتبني المعلومة القادمة من مكتب العسيري سواء كانت تفاصيل عسكرية مغلوطة أو وجهة نظر مسيسة تحمل اتهامات وتبريرات كاذبة وملفقة .
ينطلق محمد عبد السلام بإسناد وطني تقوم به هيئات ومؤسسات داخلية متواضعة ومحدودة الإمكانات أيضا كحالة يمنية عامة .. وتتنوع تصنيفاتها الرسمية والحزبية والشعبية طبقا لما هو موكل إليها .. وتنجز أعمالا جبارزة أبرزها انجازات الإعلام الحربي اليمني والجبهة الإعلامية الثقافية .. وكذلك براعة الفريق التفاوضي الوطني في إدارة الملف السياسي خارجيا عبر جولات الحوار الأممية والتخاطب مع المجتمع الدولي .. بتناغم كبير مع اللجنة الثورية العليا وبقية الجبهات الموحدة لمواجهة العدوان .
بينما ينطلق العسيري من أرضية متوفر لها كل شيء ولا ينقصها أي شيء .. مستندا على دعم لوجستي متكامل يكفي لإدارة وتمويل حرب عالمية كبرى .. قد يكون استطاع ومعه صناع قرار وقادة دول التحالف في التغلب فقط على المتحدث الرسمي للجيش اليمني والأصوات السياسية والمجتمعية اليمنية ؛ بتغييب ما تصدره من بيانات ويصنعونه من أحداث ؛ عن وسائل الإعلام ومنع وصولها لشعوب ومواطني الخليج والغرب لإخفاء الحقائق والحيلولة دون معرفة الأحداث كما هي على الأرض بلا تزييف وتزوير
نجوم الأعداء تنطفئ من أول رصاصة
في الشهور الأولى للعدوان .. كان اسم وشخص العسيري الأبرز حضورا والأكثر متابعة واهتماما .. كان محور حديث واسع .. إحاطاته اليومية عن بطولات وانتصارات قواته وأسياده ؛ كانت تحظى بالتصديق الناتج عن تقديمها ببروبجندا إعلامية محترفة .. وكان هناك بيننا من يخاف تهديدات العسيري ويقلقم بهرارة عينيه .. حتى كاد أن يتحول إلى ظاهرة وشخصية أسطورية بفعل تضخيم الهالة حوله وإحاطة أقواله بالعناية الفائقة والتضخيم والتلميع المدروس .. باعتبار صنع هيبة للرجل الكرتوني يهدف إلى عكس وإسقاط وتحيير تلك الهيبة لمن ورائه من أسياده آل سعود الذين عملوا على إظهار العسيري كقائد قوي ليكون ذهنيا واجهة للقوة والمهابة السعودية افتراضا .. عبر نجم إعلامي وعسكري مثل العسيري يخرج عن وظيفته المحددة أساسا بالحديث عن الشئون العسكرية .. ليخوض في أحاديث تتعلق بالسياسة والدين والنظيرات الأيدلوجية والتركيبة الاجتماعية والاقتصاد والمذاهب والحريات الديمقراطية والحركات الثورية والحقوق الإنسانية .. تنفيذا لأدوار خفية مهمتها التسويق النفسي بطريقة غير مباشرة للقوة العسكرية السعودية الباحثة عن بطولة ونصر ولو على ورق هش ؛ محاكاة لتجارب أمريكية وإسرائيلية وروسية في تصوير جيوشها كقوة لا تقهر .. لكن الإخفاق كان سيد الحبكة .. بحيث صار العسيري اليوم في هامش النسيان ومحط تهكم وسخرية أوسع من حالة الانبهار والشهرة الذي أفل سريعا .
شيئا فشيئا .. تلاشى وجه العسيري وتوارى عن الشاشات والصفحات إلا من حضور خجول وعلى استحياء ومضض من حين لآخر متوشحا بملامح الانكسار والإهتزاز بعد ذلك الغرور ومظاهر الثقة ورباطة الجأش والصوت الأجش .. فالسعوديون والمتحالفين معهم انصرفوا تماما عن العسيري بلا شعور ولا حتى انتباه لعدم الاكتراث بما سبق له قوله أو انتظار لما سيدلي به الليلة أو بعد سنة.. انتهى كفقاعة صابون ملونة تبخرت .. انطفأ مثل بالونة منفوخة بالهواء ارتفعت عاليا فغابت مع الرياح .
أسياد الحرب يتسيدون الواجهة
ليس العسيري وحده من غادر المشهد وابتعد قسريا عن الساحة .. لقد انسحبت حالة التلاشي والأفول وفقدان الحضور المؤثر على جميع من كان العسيري ناطقا بلسانهم .. ملوك وأمراء ورؤساء وزعماء دول .. وآلة إعلام جبارة وآليات وقوى حرب مجوقلة ، فالمقاتلات الجوية وطيران ودبابات إبرامز وبرادلي ومدافع وبوارج وصواريخ جيوش تحالف العدوان على اليمن تلاشت هي الأخرى وانعدمت فاعليتها الميدانية وتأثيرها الحيوي في جبهات القتال الذي عجزت فيه عن حسم المعركة لصالحها بعدما كانت قد وضعت سقفا زمنيا لا يتجاوز شهر واحد لاجتياح اليمن وبسط السيطرة المسلحة على أرضه وشعبه وقراره السيادي .. فلحقت بهم الهزائم النكراء على أيادي وكلاشنكوفات رجال الله أبطال جيش ولجان اليمن .. وبفضل أبطالنا المقاتلين وصمود شعبنا الجبار بعد الله .. لم يعد هناك بيننا من يخاف تهديد العسيري أو يخشى هدير طائراته وحمم قذائف أسلحته.. كما ؛ وخارج حدود اليمن بات العسيري منبوذا فاقد المصداقية والجاذبية ، وتلك الوسائل والبلدان والأنظمة التي كانت تؤازر السعودية في عدوانها وتدعم مواقفها هاهي تنقلب جذريا ضدها .. تهاجم سياساتها وتفتش ملفاتها السوداء وترصد جرائم ملك الزهايمر ونجله وأسرته وتطالب بمحاكمتهم كمجرمي حروب .. في الوقت الذي بدأ فيه من كانوا ضد بلادنا ورجالنا .. يشهدون لليمن بالقوة وينظرون لمقاتلي الجيش اليمني واللجان الشعبية بالذهول ويشهدون لقيادة الثورة اليمنية بالكفاءة والنجاح .. والدهشة يوميا تفتح عيون الدنيا المغمضة على ملاحم يمانية لا يمكن بعد هذا العام ان تحشر في دوائر التجاهل والتهميش والاحتقار .
انقلاب الصورة يشقلب الطاولة عكسيا
هل بقي هناك أحدا يحفل بشيء ما يدعى العسيري إلا في سياق استعادة ذكره من باب التسلية والفكرة الكاريكاتورية .. لقد انقلبت الصورة رأسا على عقب كتلك المجنزرة الأمريكية ذاتية الحركة التي دمرها مقاتل يمني أشعث أغبر في وادي جارة بالعمق السعودي في غضون معارك تحولت فيها عسير وجيران ونجران الى أكبر محرقة في العالم لأرتال الدبابات والمدرعات المدمرة من أول نقطة في الربوعة الى آخر موقع عسكري سعودي في الخوبة ونهوقة ؛ والجندي اليمني الحافي يصرخ بشعار العزة ويشمخ بعلم الوطن فوق كل مجنزرة ينسفها وكل ثكنة يجعلها قبرا جهنميا للعدو .
في مقابل ذاك التواري للعسيري وسادته .. كانت الشهور الأخيرة حكرا على اليمن .. فتسيد محمد عبد السلام الواجهة .. احتكر الأضواء .. سحب البساط من تحت الأعداء والعملاء .. يتصدر نشرات الأخبار ويكتسح الجدل في شبكات التواصل .. لأنه صار مصدر الصوت الأعلى وصاحب الموقف الأهم ومن يصنع الأحداث ويضبط مسارات العملية السياسية الى حيث يريد الشعب اليمني انتصارا للقضية والمظلومية العادلة .. وما على الآخرين إلا ملاحقة عبد السلام ومتابعة أداءه ورصد تحركاته النشطة بديناميكية ورؤية يستعصي حتى على المقربين اختراقها أو فرملتها .. لأنها أصلا رؤية قائد يستخلص إرادة شعبه ويبلورها في خطوات يوكل ترجمتها عمليا لفريق سياسي وفرق أخرى متنوعة المهام والمسؤوليات ويأتي محمد عبد السلام من موقعه كناطق إعلامي وقيادي تفاوضي للقيام بواجبه عمليا وفق توجيهات قائده .. بالتزام لا ينحرف عن الخطوط العريضة التي رسمها القائد هذه المرة بقلمه كخارطة طريق للسلم ؛ بمستوى ثاقب النظرة وبديع الإجادة .. كإجادته وإبداعه في رسم خرائط الحرب بشوكة بندقيته .
الأرض تتغير كما يريد اليمن
صوت عبد السلام هو صوت اليمنيين جميعا .. انه فقط يحمل ملف القضية ويتصدى للحديث واعلان الأفكار ورسمنة المواقف .. بلغة ديبلوماسية ذكية وبراجماتية مقنعة وموفقة .. يعلي عبد السلام شأن الأجندة الوطنية .. ينقل انتصارات اليمن الميدانية من التداول المحدود إلى نطاقات عالمية واسعة وبعيدة .. يلعب سياسة بمهارة أفحمت حتى شركاء محليون في جبهة المواجهة كانوا يعتقدون أنهم الأكفى سياسيا من كتيبة الصماد والمشاط .. فأثار عبد السلام بمفاجآته التفاهمية مع العدو في الحدود ومع الأمم المتحدة في مسقط على طريق الكويت ؛ جنونهم الممزوج بالغيرة والغبطة المتناقضة بردود الفعل بين الرفض التخويني والقبول العقلاني .. لقد فعلها هؤلاء الشبان الريفيون الصغار القادمون من مدرسة أنصارا لله وأحرجوا الجهابذة والكرادلة المخضرمين .
هل هناك أحد لا يهتم هذه الأيام بأي كلمة تأتي من عبد السلام !!
لاحظوا الفرق بين هذا الشاب اليمني المستضعف هادئ الطباع ومهذب الأخلاق وبين ذلك القائد العسكري المتكبر حاد المزاج والعجرفة المدعو احمد العسيري .. ولاحظوا كيف أن الإنسان اليمني البسيط والمتواضع محمد عبد السلام بما اكتسبه فطريا من حذاقة إعلامية بالممارسة وبما تعلمه عسكريا بالمشاركة المباشرة في ست حروب دفاعا عن النفس .. وهاهو يتفوق على العسيري الذي لم تشفع له العلوم المعرفية التي تلقاها نظريا بالدراسة الأكاديمية في تحقيق النجاح والغلبة ولو بالكلمة والمعركة الإعلامية والنفسية .. وهنا المحك والفارق ورمانة الميزان التي ترجح كفة اليمن التي يمكن أن يقاس عليها ما يتصل ببقية المجالات .
العسيري كتعبير عن الطرف الآخر العدو السعودي .. وعبد السلام كرمزية تجسد الطرف اليمني على هامش قراءة تحليلية عابرة وسريعة وموجزة حاولت فيها تقريب المعطيات من الزوايا التي نستبسطها ولا نلقي لها بالا رغم حيويتها في فهم آفاق الصراع وتفكيك تعقيدات المشكلة تنمية لوعي يحتاج الواقع الراهن تعزيزه في أو ساط المجتمع .. كما تعمدت عدم الإشارة للأذناب والخونة والزعامات والمرتزقة واقتصرت التعاطي مع اللاعبين الرئيسين وان كانت الكلمة الأخيرة للاعب يمني واحد .
(خارج النص )
كتبت هذه المادة الأسبوع قبل الماضي ؛ وأمس ؛ تفاجأت بعودة الطابور الخامس الذي كال منذ شهر الاتهامات المسيئة لشخص محمد عبد السلام حين أنجز تفاهمات ظهران الجنوب .. يعودون الآن للإشادة به لأنه أحجم عن الذهاب لمفاوضات الكويت قبل وقف إطلاق النار والغارات الجوية .
اليوم هاهم نفس الطابور يطالبون ويشجعون عبد السلام والوفد الممثل لليمن بالذهاب إلى الكويت وعدم مقاطعة العملية التفاوضية .. ومبرراتهم كثيرة في ذلك مثلما كانت تبريراتهم في حملة التشويه والتخوين .
طابور خامس وسادس وسابع لا ينفك عن التناقضات والازدواجية ولا يتوقف عن خدمة أعداء اليمن على مدار الساعة بسيف علي وقلب معاوية .
لهذا الطابور البارع في الشوشرة والضجيج واقتناص الفرص رسالة مفادها : العبوا غيرها .
عبد السلام ووفد اليمن ليسوا بحاجة لمن يفكر نيابة عنهم ويحفزهم على أشياء وأعمال هم أدرى بها وقد يقررون في أي لحظة الذهاب للكويت أو البقاء في صنعاء حسب رؤية يفهمونها أكثر منا .