اليمن يسجِّلُ ثاني وصول عسكري إلى “تل أبيب” بأول هجوم “فرط صوتي”
ذمــار نـيـوز || متابعات ||
16 سبتمبر 2024مـ -13 ربيع الاول 1446هـ
سجّلت القواتُ المسلحةُ اليمنية، الأحد، ثانيَ وصول تأريخي لها إلى عاصمة كيان العدوّ الصهيوني خلال شهرين، وذلك بضربة صاروخية غير مسبوقة ترافقت مع حلول ذكرى المولد النبوي الشريف؛ لتحملَ في طياتها ما هو أكثرَ من رسائل الردع والتحدي والتصعيد، حَيثُ مثلت الضربة بكل تفاصيلها زلزالًا كَبيراً لم يكن بحسبان العدوّ الذي يمارس منذ مدة حالة تأهب دفاعية قصوى بمشاركة عدة دول عربية وغربية، على رأسها الولايات المتحدة التي تشكل الضربة إخفاقًا واضحًا لها في مهمة التعامل مع جبهة الإسناد اليمنية، حَيثُ بات من المسلَّم به الآن أن يافا المحتلّة (تل أبيب) أصبحت هدفًا مباشرًا لعمليات مرحلة التصعيد الخامسة ولا شيء يمكن القيام به لمنع ذلك، علمًا بأن حساب الرد على استهداف الحديدة لا يزال مفتوحًا.
الضربةُ -التي تأتي بعد شهرين من عملية “يافا”- حملت الكثير من عناصر المفاجأة التي فرضت نفسها بالرغم من الاستنفار الدفاعي الكبير الذي يمارسه العدوّ الصهيوني وشركاؤه منذ أسابيع، وأبرز تلك العناصر كان استخدام صاروخ “فرط صوتي” جديد لم تكشف عنه القوات المسلحة، لكنها حرصت على إبراز بعض خصائصه المميزة من خلال الإشارة إلى كونه قطع مسافة أكثر من 2040 كيلو مترًا في ظرف 11 دقيقة ونصف؛ وهو ما يعني وفقًا للعمليات الحسابية أن الصاروخ كان يتحَرّك بسرعة 10 آلاف و643 كيلو مترًا في الساعة، وذلك يقارب 8.7 ماخ، وهو ما يجعله بوضوح صاروخًا فرط صوتي (يطلق هذا المصطلح على الصواريخ التي تزيد سرعتها عن 5 ماخ).
وكانت القوات المسلحة قد أعلنت سابقًا عن التوصل إلى هذه التقنية التي لا زال انتشارها محدودًا جِـدًّا على مستوى العالم، عندما كشفت عن صاروخ (حاطم2) الفرط صوتي، لكن ذلك لم يقلل من المفاجأة التي حملها الصاروخ الجديد؛ لأَنَّ مميزاته تجاوزت بوضوح مسألة السرعة، حَيثُ أظهر قدرة مدهشة للغاية على المناورة من خلال اختراق عدة أحزمة دفاعية عربية وغربية (منظومات رصد مبكر وصواريخ متعددة المديات) منتشرة على طول البحر الأحمر وعلى طول المسافة البرية بين اليمن وفلسطين، بالإضافة إلى المنظومات الإسرائيلية التي فشلت جميعها (القبة الحديدية، ومنظومة السهم3، و2، ومنظومة مقلاع داوود) في التصدي للصاروخ، برغم إطلاق صافرات الإنذار؛ وهو ما أغلق الطريق أمام أية محاولة من جيش العدوّ للادِّعاء بان الخطأ كان “بشريًّا” مثلما قال بعد عملية طائرة “يافا”، واضطره إلى الحديث عن أنه سقط في منطقة مفتوحة، بدون أية إجَابَة عن الفشل في التصدي له واعتراضه.
وبحسب موقع “أكسيوس” الأمريكي، فَــإنَّ “هذا هو الصاروخ الأطول مدى الذي يضرب “إسرائيل” على الإطلاق”، وربما يكون هذا أَيْـضاً هو أطول هجوم صاروخي من قاعدة برية، وهو رقم كانت القوات المسلحة قد كسرته في بداية معركة إسناد غزة عندما استهدفت أم الرشراش المحتلّة بالصواريخ، بحسب ما أفادت وسائل إعلام عبرية آنذاك.
هدف الضربة كان أَيْـضاً عنصرًا مفاجئًا؛ فبرغم أن القوات المسلحة اليمنية قد تمكّنت من ضرب عاصمة كيان العدوّ في عملية طائرة “يافا”، فَــإنَّ ذلك لم يجعل الهجوم الجديد متوقَّعًا، ذلك أن العدوّ كان قد بنى سقف توقعاته لأي هجوم جديد على معطيات العملية السابقة ولم يضع في حسبانه استخدام سلاح صاروخي فائق السرعة وقادر على المناورة، الأمر الذي جعل الأمر أسوأ بكثير، فالآن أثبتت القوات المسلحة اليمنية قدرتها على استهداف قلب كيان العدوّ مرتين بسلاحين مختلفين، وفي ظل استنفار دفاعي كبير على مستوى المنطقة بأكملها؛ وهو ما يعني أن يافا المحتلّة (تل أبيب) تصبح شيئاً فشيئاً هدفًا اعتياديًّا للعمليات اليمنية في مرحلتها الخامسة التي يبدو أنها تركز بشكل كبير على تحويل هذه المنطقة ذات الأهميّة القصوى إلى منطقة غير آمنة وإلى مسرح ثابت لعمليات بعيدة المدى وعالية التقنية، وهو تصعيد لم يسبق أن واجهه العدوّ من قبلُ أبدًا، ويشكل ضربة قاضية لكل استراتيجياته الأمنية، بدءًا بالردع الذي لم يعد هناك شك في سقوطه المدوي، وُصُـولاً إلى استراتيجية الأحزمة الدفاعية.
وبحسب وسائل إعلام العدوّ فقد دوَّت صافراتُ الإنذار وسط “إسرائيل” بشكل غير مسبوق منذ أشهر، واضطر حوالي مليونَي مستوطن إلى دخول الملاجئ لأول مرة، وهو أمر لن تنجح دعايات “السقوط في منطقة مفتوحة” في التغطية عليه وعلى ما يمثله، فإلى جانب مقاطع الفيديو التي وثَّقت آثار سقوط الصاروخ في منطقة بالقرب من مطار بن غوريون، وتصاعد أعمدة الدخان التي شاهدها الجميع، وإصابة 9 مستوطنين، سيتذكر الجميع الآن أن اليمن استهدف قلب كيان العدوّ مرتين ونجح فيهما بشكل كامل، ولم تكن هناك أية محاولات فاشلة، كما أنه لا يمكن لـ”صدفة” أَو “خطأ” أن يتكرّر بهذه الصورة، وبالتالي فَــإنَّ “تل أبيب” ببساطة لم تعد آمنة، ولا يمكن التعويل على أية إجراءات لتجنب ذلك.
توقيت الضربة حمل هو أَيْـضاً رسالة شديدة الوقع وتتضمن تحديًا مهينًا للعدو؛ فاختيار يوم مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، وقبل ساعات من أكبر خروج جماهيري في اليمن على الإطلاق كان تأكيدًا صارمًا على أن انخراط اليمن في هذه المعركة هو أكثر من مُجَـرّد خيار سياسي وعسكري، بل عقيدة لا يمكن زعزعتها بأية وسيلة، ولا يمكن وضع سقف لمفاعيلها، بما في سقف التهديد بالقصف.
هذا أَيْـضاً ما أكّـدته أصداء العملية داخل كيان العدوّ، حَيثُ لجأ نتنياهو إلى التهديد بجعل اليمن يدفع الثمن، وقال موقع “والا” العبري: إن العملية “توضح أن إسرائيل لن تكون قادرة على الانتظار للتعامل مع التهديد اليمني حتى ينتهي الصراع في الساحات الأُخرى” وإنه “يجب على إسرائيل تخصيص موارد استخباراتية وعسكرية لتقليل التهديد اليمني قدر الإمْكَان”، لكن وراء هذه الانفعالات لم يكن هناك أي أفق حقيقي للتخلص من التهديد اليمني، حَيثُ أكّـد معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن “أي تحَرّك من جانب إسرائيل في اليمن، مهما كان كَبيراً وواسعًا، لن يؤدي إلى وقف الهجمات اليمنية” وأنه “من المشكوك فيما إذَا كان أي ضرر مستقبلي سيغيِّر بأي شكل من الأشكال تصميمَ اليمنيين على مهاجمة إسرائيل”، محذِّرًا من أن التركيز على اليمن سيأتي على حساب الجبهات الأُخرى الأقرب مثل جبهة شمال فلسطين المحتلّة.
وبالإضافة إلى كُـلّ ما سبق، فَــإنَّ تأكيد السيد القائد والقوات المسلحة على أن هذه الضربة تأتي في إطار المرحلة الخامسة، والتوعد بالمزيد من المفاجآت والعمليات القادمة، وإبقاء حساب الرد على استهداف الحديدة مفتوحًا.. كُـلُّ ذلك يجعلُ العملية أشَدَّ تأثيرًا؛ لأَنَّه يتجاوز بها حتى مستوى الإنجاز غير المسبوق الذي تحقّق، ويجعلها بما هي عليه من زلزال كبير، خطوة على مسار تصاعدي مفتوح على احتمالات مرعبة أدناها تكرار الهجوم وتثبيت حقيقة أن عاصمةَ العدوّ غيرُ آمنة.