العجزُ المالي يطاردُ العدوّ.. انقساماتٌ داخلية حادة وهروبٌ جماعي للاستثمارات
ذمــار نـيـوز || تقارير ||
14 سبتمبر 2024مـ -11 ربيع الاول 1446هـ
تقرير|| نوح جلاس
تحوَّلَ العجزُ الماليُّ لدى العدوّ الصهيوني إلى كابوسٍ مؤرِّقٍ ومرهِقٍ، أفرز العديدَ من التداعيات والمتاعِبِ الاقتصادية، وخلق المزيد من الانقسامات في الداخل الصهيوني، سواء على المستوى “الحكومي” أَو على مستوى الارتباطات الاقتصادية بشكل عام، حَيثُ توالت ردود الفعل لدى المستثمرين في قطاعات التكنولوجيا وغيرها، فضلاً عن ارتفاع وتيرة إغلاق الشركات؛ وكلُّ ذلكَ بسَببِ فقدان ثقتهم في قدرة حكومة العدوّ على مواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة، وَأَيْـضاً؛ بسَببِ التهديدات المتصاعدة التي يتعرض لها العدوّ من قبل فصائل المقاومة وجبهات الإسناد، وهو ما أكّـدته الصحافة “الإسرائيلية”.
وبالتوازي مع العجز المالي وما يترتب عليه، ما يزال العدوّ الصهيوني يواجه كابوساً آخر وهو استمرارية انخفاض معدل التصنيف الإنمائي، والذي بدوره يقود إلى جعل الكيان الصهيوني خارج قائمة الاقتصاديات الكبرى، وهذا يترتب عليه تصنيف المدن الفلسطينية المحتلّة أراضيَ طاردةً للاستثمارات، وهذا بحد ذاته يمثل صفعةً مدويةً للعدو قد تفقده توازنه لسنوات طويلة، إذَا لم تكن سبباً في رسم بداية سقوطه.
شللٌ نصفيٌّ لـ “عَصَب” الاقتصاد الصهيوني:
وفي السياق نشرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” في تقرير حديثٍ، تصريحات لمسؤول صهيوني بارز حذر فيها من مخاطر العجز المالي الحاصل لدى الكيان، ومآلاته الخطيرة على أهم القطاعات.
وأوردت الصحيفة “الإسرائيلية” تصريحات عما يسمى مفوض الموازنة الصهيونية “يوغاف غرادوس” ذكر فيها أن استمرار العجز المالي وارتفاعه في ظل انعدام الحلول سيقود إلى نتائج سلبية على الاقتصاد بشكل عام وخُصُوصاً المستثمرين.
الأمر ذاته ذكرته المتخصصة في الشؤون الاقتصادية الدولية بصحيفة لوفيغارو الفرنسية “كلارا غالتييه” والتي ذكرت في تقرير لها أن استمرار العجز والأزمات سيقود لاستمرار انخفاض التصنيف الإنمائي للعدو الصهيوني، وهذا بدوره سيوجه ضربة قاصمة للاستثمار.
وأشَارَت إلى أنه وبعد إغلاق أكثر من 46 ألف شركة منذ أُكتوبر العام الماضي فَــإنَّه وبحلول نهاية العام 2024 سيصل الرقم إلى 60 ألف شركة، وهذا من شأنه تكبيد العدوّ عشرات المليارات من الدولارات، فضلاً عن تأثيرات ستظل جاثمة عليه لسنوات عديدة قادمة.
وفي سياق تدهور التجارة الصهيونية بفعل العمليات اليمنية في البحر الأحمر، فَــإنَّ قطاع التكنولوجيا هو أكثر القطاعات التي تواجه شبح الإفلاس، ما دفع نصف الشركات التي تعمل لدى العدوّ على الاستعداد لإنهاء أعمالها والخروج من الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وفقاً لتقرير سابق أوردته “تايمز أوف إسرائيل”، وهو ما قد يوجه ضربة موجعة للعدو الصهيوني الذي بات يعتمد في اقتصاده على عائدات قطاع التكنولوجيا البالغة 20 % من إجمالي موارده الاقتصادية، فضلاً عن إسهامه في تزويد خزينة العدوّ بـ25 % من الدخل الضريبي، وتمثيله 50 % من نسبة الصادرات الصهيونية.
وذكرت “تايمز أوف إسرائيل” في تقريرها السابق أن ما يقرب من 50 % من شركات التكنولوجيا المحلية والشركات الناشئة تعاني من إلغاء الاستثمارات، معللةً ذلك باستمرار الحرب على غزة وما يترافق معها من ضربات مضادة للمقاومة الفلسطينية، وأُخرى قادمة من جبهة الشمال اللبنانية وَأَيْـضاً الجبهة العراقية، وفوق كُـلّ ذلك العمليات اليمنية البحرية التي عطلت معظم القطاعات الحيوية داخل “إسرائيل”.
وتابعت الصحيفة “كلّ ذلك يجبر العديد من تلك الشركات على نقل عملياتها إلى خارج البلاد مع فقدان الثقة بقدرة الحكومة على قيادة التعافي وتحفيز النمو”، والكلام ذاته أَيْـضاً ذكرته شركة صهيونية تتعقب النظام البيئي التكنولوجي تسمى “ستارت آب نيشن سنترال”.
وقد أجرت الشركة مسحاً ميدانيًّا لعينة تمثيلية مكونة من 230 شركة و49 مستثمراً ذكروا أن قطاع التكنولوجيا في “إسرائيل” هو محرك النمو، ويواجه حالة من عدم اليقين بشأن التمويل في المستقبل؛ إذ أبلغ 49 % من الشركات الناشئة والشركات التي شملها الاستطلاع عن بعض إلغاءات الاستثمارات، وأعرب 31 % فقط عن ثقتهم بقدرتهم على جمع رأس المال الحاسم العام المقبل؛ وهو ما سيكلف خزينة العدوّ خسائر باهظة، لا سِيَّما أن عائداته من قطاع التكنولوجيا كبيرة جِـدًّا وقد غادر ما نسبته 24 % من الشركات العاملة في هذا القطاع ونقلت أنشطتها إلى خارج الأراضي الفلسطينية المحتلّة.
وفي السياق يؤكّـد المدير التنفيذي للشركة “آلفي حسون” أن “نتائج الاستطلاع تعكس عدم ثقة شركات التكنولوجيا المحلية بقدرة الحكومة على تغيير الوضع”.
وقال حسون: “إن إطالة أمد الصراع وما يصاحبه من حالة عدم اليقين لهما تأثير بالتأكيد، فذلك يدفع الشركات إلى التفكير بشكل أكثر جدية في ما يجب عليها فعله بعدئذ، كنقل الأنشطة إلى خارج “إسرائيل”؛ لأَنَّ هذه المرونة تعني أَيْـضاً أنه يتعين عليك القيام بكل ما يلزم للتأكّـد من أن شركتك تستمر في تقديم الخدمات”.
وَأَضَـافَ “نحو 80 % من الشركات الناشئة المشاركة في الاستطلاع، و74 % من المستثمرين، أنهم قلقون بشأن قدرة الحكومة على قيادة التعافي، بما في ذلك قطاع التكنولوجيا.. أننا نشهد نقصًا كَبيراً في الثقة بما كانت الحكومة تفعله وما ستفعله، ليس فقط بما يتعلق بالسياسات والحوافز الخَاصَّة بالتكنولوجيا، بل إن الناس يتحدثون عن إنهاء الصراع، أَو إعادة الرهائن إلى ديارهم، أَو تمرير ميزانية مسؤولة”.
ولفت إلى حجم الاستياء الكبير لأصحاب رؤوس الأموال من سياسات حكومة العدوّ، وقال إن “القطاع الخاص يخبرنا أنهم يفعلون كُـلّ ما في وسعهم وكلّ ما هو مطلوب، لكنهم لا يستطيعون فعل أكثر من ذلك، في حين يتعين على الحكومة اتِّخاذ إجراءات وسياسات معينة إذَا أردنا الصمود في وجه العاصفة في الأمد البعيد”.
حلولٌ انتحارية نحو توسيع الشروخ الداخلية:
وبالعودة إلى تقرير “تايمز أوف إسرائيل” الحديث بشأن تداعيات العجز المالي، وفي ظل لجوء العدوّ إلى الاقتراض لسداد النفقات فَــإنَّه يتكبد تكاليف عالية لسداد فوائد القروض التي وصلت إلى أعلى مستوياتها، وهو ما أكّـده “غرادوس” في تصريحاته بقوله: “إن الاقتصاد الإسرائيلي يواجه تكاليف فائدة أعلى عند الاقتراض لتمويل النفقات العسكرية والمدنية المتضخمة بعد الحرب على قطاع غزة وذلك بعد خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل من جانب وكالات التصنيف الائتمان الدولية الثلاث الكبرى (موديز وفيتش وستاندردز آند بوردز)”.
ضربات حزب الله والتهديد اليمني والإيراني بالرد، فتح جبهة اقتصادية للعدو، حَيثُ أكّـدت الصحيفة الإسرائيلية أن “هناك حاجة ماسة لزيادة نحو مليار دولار في موازنة العام الجاري لتمويل إجلاء المدنيين”؛ أي أن هذا الإجلاء هو نتاج التهديدات المتوسعة التي تطال معظم الأراضي الفلسطينية المحتلّة.
ويأتي الفزع “الإسرائيلي” من تداعيات العجز، بعد أن تجاوز في أغسطُس الماضي ما نسبته 8,3 %؛ أي بواقع أكثر من 43 مليار دولار.
ولأن العجز المالي قد تحول إلى كابوس، ما يزال العدوّ على موعد مع موجة غضب داخلي عارمة، بفعل السياسات التي أعلنها سموتريتش لمواجهة العجز، حَيثُ أعلن عن العديد من الإجراءات الاقتصادية مثل زيادة ضريبة القيمة المضافة وتجميد المزايا الاجتماعية والرواتب في القطاع العام وتعليق المزايا الضريبية، وهذه الزيادة من شأنها أن تفجر سخط المستوطنين وترفع وتيرة الهجرة العكسية.
وفي المقابل فَــإنَّ هناك علاقة عكسية داخل العصب الاقتصادي الصهيوني، فمعدل العجز يرتفع باستمرار، وترتفع معه وتيرة الإنفاق، حَيثُ تتفتح مسارات عديدة خارج الحسابات تستوجب على العدوّ تغطيتها؛ وهو ما يهدّد بارتفاع العجز إلى أعلى المستويات، خُصُوصاً أن نسبة الاقتراض قد تجاوزت 77 % من الناتج المحلي، وهذا من شأنه ضرب مفاصل اقتصادية أُخرى لدى العدوّ.
وفي هذا السياق ذكر تقرير فرنسي صدر حديثاً، أن الحديث عن العجز المالي لدى العدوّ تحول إلى ما وصفته “ميلودراما”؛ بسَببِ ضغط الإنفاق العسكري على الاقتصاد الإسرائيلي، وسط تفاقم نسبة العجز.
ولفت التقرير الذي نشرته صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، إلى أن ما يسمى وزير المالية الصهيوني “بتسلئيل سموتريتش” برّر هذا العجز بقوله: “نحن في أطول حرب وأكثرها تكلفة في تاريخنا، تراوحت بين 200 و250 مليار شيكل (54 إلى 68 مليار دولار)”.
وقد خلق هذا العجز العديد من الخلافات والانقسامات داخل العدوّ الصهيوني، حَيثُ أحدث شرخاً في المنظمة الاقتصادية والمالية للعدو بشكل عام، وهو ما أوضحته الصحيفة الفرنسية أَيْـضاً.
وحسب “لوفيغارو” فقد كشف ما يسمى رئيس غرف التجارة الثنائية “دان كاتاريفاس” أن هناك صراعاً داخل الإدارة وضغوطاً من جانب “البنك المركزي” الذي يطالب بتوضيح السياسة المالية.
ونقلت قول كاتاريفاس “نحن بحاجة إلى خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات، ولكن ليس لدينا بيانات، كيف سنصل إلى هناك؟ الرأي العام الإسرائيلي غير راض عن إدارة هذه الأزمة”، وهنا تأكيد على أن الأزمات الاقتصادية والمالية ضاعفت معاناة العدوّ إلى جانب معاناته العسكرية والأمنية الدائمة.
وسلطت الصحيفة الفرنسية الضوء أكثر على حجم الانقسامات والخلافات داخل صفوف العدوّ المالية والاقتصادية، حَيثُ أوردت أَيْـضاً معلومات للكاتبة المتخصصة في الاقتصاد الدولي بالصحيفة “كلارا غالتييه” ذكرت فيها أن وزير المالية الصهيوني سموتريتش طالب من أعضاء فريقه تقديم استقالتهم وذلك لتجاوز رفضهم الدائم لسياساته المالية وعدم فهمهم للفلسفة الاقتصادية التي يسر عليها، وهو الأمر الذي يذهب بالخلافات إلى مستويات أعلى تضاعف معاناة الكيان اقتصاديًّا، حَيثُ يعلن سموتريتش عن إجراءات اقتصادية هي محل رفض أعضاء حكومة المجرم نتنياهو.
ومع كُـلّ المعطيات، يتأكّـد للجميع أن الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها العدوّ الصهيوني، تفاقم من معاناته وتفتح له أبواباً إضافية من الأوجاع على الرغم من الدعم الأمريكي الغربي السخي؛ وهذا يؤكّـد مدى فاعلية عمليات المقاومة وجبهات الإسناد، ومن جهة أُخرى يؤكّـد عظم نتائج الصمود الغزاوي الأُسطوري أمام آلة إجرام العدوّ المتهالك والمتآكل والمتجه على طريق الزوال.