الأبعادُ الاستراتيجيةُ والسياسية لعمليات الجيش اليمني في البحار
ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
3 سبتمبر 2024مـ – 30 صفر 1446هـ
تقريــر|| عبد القوي السباعي
عامٌ إلا خمسة أسابيعَ والمقاتلُ اليمنيُّ -قيادةً عُليا وقيادةً ميدانيةً؛ ضُبَّاطًا وأفرادًا- يخوضون غِمارَ معركة “الجهاد المقدَّس والفتح الموعود”؛ دعماً للشعب الفلسطيني المظلوم وإسناداً لمقاومته الباسلة، ضمن معركة “طوفان الأقصى” البطولية.
معاركُ فرَضَها عليهم إيمانُهم بعدالة قضيتهم المركَزية التي تنبثقُ من مظلومية الشعب الفلسطيني وآمالِه وطموحاتِه وتطلُّعاتِه التوَّاقَةِ للحرية والاستقلال، وهذا الإيمَـانُ الراسِخُ ينطلِقُ وَفْقَ ثقافةٍ قرآنيةٍ لا تحتمِلُ الانتقائيةَ والتسويفَ أَو الاجتزاءَ لنصوصها الدينية الشرعية الثابتة.
انتصارُ الجيش اليمني لمظلومية غزةَ في جبهة البحار:
منذُ بَدْءِ العمليات البحرية للقوات المسلحة اليمنية في نوفمبر 2023م، تم استهداف أكثر من 186 سفينة حتى لحظة كتابة هذا التقرير، منها اقتياد سفينة إلى الساحل اليمني، وإغراق ثلاث سفن، وإحراق واحدة أُخرى، خلال مراحل التصعيد المختلفة؛ بهَدفِ منع كُـلّ السفن الإسرائيلية أَو المرتبطة بها من المرور، وإحكام الحصار البحري عليها؛ لإجبارها على وقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة.
ولم تُعِق عملياتها هذه أَو تحد من اندفاعاتها؛ تلك الاعتداءاتُ الأمريكية البريطانية المتكرّرة أَو الاعتداء الصهيوني على الحديدة، بل وأعلنت عن استهداف القطع البحرية العسكرية الأمريكية والبريطانية والغربية المدافعة عن الكيان الإسرائيلي في البحر الأحمر، وخليج عدن، وبحر العرب والمحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، وأخرجت الكثيرَ منها عن الخدمة.
وفي سياق الهدوء الذي ساد البحر الأحمر منذ مطلع أغسطُس المنصرم؛ أكّـد قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي، أن “عملياتنا مُستمرّة بفاعلية رغم أن صيد السفن في البحر الأحمر أصبح نادراً لقلة السفن المرتبطة بالأعداء، حَيثُ أصبح تحَرّك بعض الشركات بعيدًا جِـدًّا من أقصى المحيط الهندي البعيد عن إفريقيا وليس الأقرب للبحر العربي أَو سقطرى”.
ولعل استهداف السفن التي لم تلتزم بقرار الحظر اليمني والدخول إلى موانئ فلسطين المحتلّة، يعني أن القوات المسلحة اليمنية تسعى إلى إحكام قبضتها على حركة الملاحة البحرية من وإلى “إسرائيل”، وإرسال رسالة بأنها قادرة على التأثير على التجارة البحرية، في محاولة للتأثير على السياسات الدولية والإقليمية، التي تقف موقف المتفرج حيال ما يجري من إبادة جماعية في غزة.
وبحسب مراقبين فَــإنَّ الهجمات الجديدة على سفن الشركات التي تتعامل مع “إسرائيل” قد أثَّرت على الاقتصاد الإسرائيلي، بحيثُ إن الشركات البحرية قد تضطر لدفع تكاليفِ تأمين أعلى لتغطيةِ المخاطر، وقد تؤدِّي إلى تأخيرِ وصول البضائع؛ مما يؤثِّرُ على سلاسل التوريد، وقد تتردَّدُ بعضُ الشركات في التعامل مع الموانئ الإسرائيلية؛ بسَببِ المخاطر الأمنية.
السفينة “سونيون” أكبر بيان عملي:
في الإطار؛ اعتبر مراقبون أن اقتحام وإحراق السفينة “سونيون” كان أكبر بيانٍ عملي تعطيه القوات اليمنية للشركات العالمية وتدفعها للتفكير ألف مرةٍ ومرةً إذَا ما تعاملت مع “إسرائيل”، من خلال مشاهد دراماتيكية حيّة، تعجز عن الإتيان بمثلها كبريات الشركات الإنتاجية (هوليود وبوليود)، مشاهد لا يمكن أن نستحضر عظمتها في هذه المساحة الضيقة، ليس لضخامتها فحسب، بل؛ حتى لا نعطيها حقها.
وكان الإعلام الحربي اليمني نشر مشاهد توثق عملية اقتحام وإحراق السفينة اليونانية “سونيون” في البحر الأحمر، ووفقًا للتقارير، فقد قام أبطال القوات المسلحة اليمنية بتفخيخ السفينة وتفجيرها؛ ما أَدَّى إلى تدمير الشحنات الموجودة على متنها، دون الإضرار ببدن السفينة، كما أن الجهات المختصة غي اليمن في وقتٍ لاحق سمحت بسحب السفينة خارج البحر الأحمر.
هذه العملية بحسب الناطق باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع جاءت كرد فعل على انتهاك الشركة المالكة للسفينة للحظر اليمني المفروض على موانئ فلسطين المحتلّة، وهذه الخطوة تعكس قدرة اليمن على تنفيذ عمليات نوعية في البحر الأحمر وفي غيره.
بدوره؛ قال السيد القائد في تعليقه على العملية الخميس الفائت: إن “تفجير السفينة “سونيون” موثقة بمشهدها الكبير والمؤثر والذي يبين أن الأمريكي كاذب في مزاعمه تجاه أي ردع للعمليات اليمنية المساندة لفلسطين”.
في إشارة إلى أن هذه العملية تظهر قدرة قواتنا المسلحة على تنفيذ عمليات نوعية في البحار برغم التواجد الأمريكي والغربي الحامي للكيان، وفضحه أمام العالم وجمهوره الداخلي؛ ما يستوجب عليه الضغط على قادة الكيان للنزول عن شجرة التسويف والمماطلة والإسراع بوقف العدوان، وهي رسالةُ تعزيز لموقف المقاومة الفلسطينية التفاوضي.
الأبعاد الاستراتيجية للعملية:
حوالي عشرة أعوام من العدوان الغاشم على اليمن، التي تخللتها المعارك الملحمية فاكتسب المقاتل اليمني المهارة والقدرة على التكيف مع الواقع وقهر الظروف؛ الأمر الذي يعلن عن بزوغ عقيدة عسكرية قتالية جديدة جسدها ويجسدها الجيش اليمني واقعاً ملموساً وموثقاً بالصوت والصورة في كُـلّ جبهاته المفتوحة على طول المسرح العملياتي وعرضه.
ويرى خبراءُ عسكريون أن هذه العقيدة العسكرية القتالية المكتملة، قد تبلورت ووصلت إلى أرقى مستوياتها الميدانية (تكتيكيًّا وتكنيكياً) ومستوياتها العقدية الفكرية، خلال “طوفان الأقصى”، والتي دائماً ما نشاهدها في مقاطع توثيقية لعمليات ومشاريع ومناورات وتخرج الدورات القتالية الشعبيّة وانعكاساتها في الميدان.
وبحسب الخبراء فجديدُ ما وثَّقته عمليةُ “سونيون”؛ أنها حملت عدة أبعادٍ استراتيجية وسياسية وتعكس تصعيدًا نوعيًّا ضد الدول المتورطة في الدفاع عن الكيان الصهيوني، وقد تدفعهم للضغط عليه للعودة إلى طاولة المفاوضات؛ بحثًا عن حلول دبلوماسية لتجنب المزيد من التصعيد.
كما أنها ترسل رسالة قوية إلى الشركات والدول التي تتعامل مع الموانئ المحظورة، بأنها ليست في منأى عن الاستهداف؛ ما قد يؤثر على حركة التجارة في العالم، ويؤثر على حركة الملاحة والشحن، ويؤدِّي إلى ارتفاعِ تكاليفِ التأمينِ على السفنِ التي تمرُّ عبرَ البحر الأحمر، وبالتالي ستسعى إلى تجنيبِ سفنها هذه المخاطر.
ويؤكّـد الخبراء على أن مثل هذه العمليات قد تؤدي إلى زيادةِ المخاوف الأمنية بين المستوطنين الصهاينة وعلى التجار بدرجة رئيسية؛ كونهم يعتمدون على الشحن البحري للحصول على السلع الأَسَاسية، مشيرين إلى أنها ستؤثر حتى على التحالفات الدولية والإقليمية مع الكيان، بعد فشلها في تعزيز تعاونها الأمني لمواجهة هذه التهديدات البحرية.
اقتحامُ السفينة يعكسُ حرفيةً عالية:
في هذا الإطار؛ أكّـد خُبَرَاءُ دوليون أن المقاتلين اليمنيين أظهروا حرفية عالية في عملية اقتحام السفينة اليونانية “سونيون”، حَيثُ إن العملية تمت بتخطيط مسبق ودقيق؛ ما يعكس قدرة الجيش اليمني على جمع المعلومات الاستخباراتية وتحديد الأهداف بدقة.
كما أن تنفيذ العملية تم بطريقة منظمة ومنسقة؛ ما يدل على تدريب عالي المستوى وقدرة على العمل الجماعي، كما أن استخدام التفخيخ والتفجير عن بُعْدٍ يُظهِرُ قُدرةَ المقاتلين على استخدام التكنولوجيا الحديثة في تنفيذ العمليات.
وهذا يبين مدى القدرة على تنفيذ العملية في بيئة بحرية معقدة تعكس مرونة المقاتل اليمني وقدرته على التكيف مع مختلف الظروف، إلى جانب أن الحفاظ على سرية العملية حتى تنفيذها بنجاح يعكس قدرة المقاتلين على العمل بسرية تامة وتجنب الكشف عن خططهم.
وبحسب الخبراء فكل هذه الجوانب مجتمعة تعكسُ مستوىً عاليًا من الاحترافية والقدرة على تنفيذ عمليات معقَّدةٍ بنجاح، وتَنُــــمُّ على مهاراتٍ قتاليةٍ تكتيكيةٍ وميدانيةٍ عالية، وتراكيب جسمانية ونفسية فائقة الجودة، كما أنها تعبر عن مواقفَ بطولية نادرة، لا يمكن أن تراها في غيرِ هؤلاء الفتية المجاهدة من أبناء القوات المسلحة اليمنية.
المصدر: “المسيرة نت”