قراءةٌ في تشكيل حكومة “التغيير والبناء” وبرنامج عملها
ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
20 أغسطس 2024مـ – 16 صفر 1446هـ
تقريــر|| عبد الرحمن مطهر
صدر، يومَ الاثنينِ المنصرم، 12 أغسطس 2024م، قـرارُ رئيس المجلس السياسي الأعلى رقم (12) لسنة 1446 هـ بشأن تشكيل حكومة “التغيير والبناء” وتسمية أعضائها، بعد مخاضٍ طويلٍ استمر لقرابة العام، وهي خطوة جديدة في المشهد السياسي اليمني، وتأتي في ظل ظروف معقدة يمر بها البلد.
الأزمة الإنسانية: اليمن يعاني من أزمة إنسانية هي الأكبر على مستوى العالم، مع نقص في الغذاء والمياه والخدمات الصحية؛ لذلك فَــإنَّ حكومة التغيير والبناء هي أمام ضغوط كبيرة لتحسين هذه الأوضاع، وتقديم الدعم اللازم للمواطنين، وإغلاق مِلف العدوان على اليمن، والاتّجاه نحو التسوية السياسية الشاملة.
كذلك العلاقات الدولية تعتبر إحدى المعضلات، فالحكومة الجديدة تحتاج إلى التفاوض مع المجتمع الدولي، وكسر العُزلة الدولية؛ لذلك أجزم بأنه سيكون هناك تنسيقٌ كبير بين وزارة الخارجية والوفد الوطني المفاوض لتسوية العديد من المِلفات العالقة، إلى جانب العمل على جذب المساعدات الخارجية والتي لا شكَّ ستكون من ضمن الأولويات لوزارة الخارجية.
كما أن الاقتصاد اليمني في حالة انهيار مع استمرار العدوان على اليمن وانقطاع رواتب الموظفين، وتدمير البنية التحتية؛ فإنَّ استعادة الاقتصاد، ومحاربة الفساد، وتحقيق الاستقرار المالي ستكون من أكبر التحديات.
كلمةُ السيد القائد العام الماضي:
في خطاب له العام الماضي بمناسبة ثورة 21 سبتمبر قال السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي: “بالرغم مما يبذله الأحرار الصابرون المخلصون من مسؤولي الدولة، من جهدٍ في كُـلّ المجالات، في ظل الظروف الصعبة جِـدًّا، والاستهداف العدائي من التحالف، فَــإنَّ كَثيراً من الإشكالات الموروثة من الماضي، في الأنظمة، والسياسات، والقوانين، والإجراءات، مع وجود بعضٍ من المدسوسين في مرافق مؤسّسات الدولة، الذين بقيت لهم ارتباطاتٌ بالأعداء، وكذلك وجود البعض من المسؤولين المقصِّرين، والبعضُ منهم منعدمو الكفاءة؛ كُـلّ ذلك كان له تأثيره السلبي في أداء مؤسّسات الدولة، سواءً في المجال الاقتصادي، وتنمية الموارد، وإنجاز المعاملات، وتهيئة بيئةٍ ملائمةٍ للاستثمار، وفي العلاقة مع القطاع الخاص، وتشغيل اليد العاملة، والحركة في الإنتاج الداخلي، وتحقيق النهضة الزراعية بالقدر المطلوب، وتعزيز التعاون مع الشعب بالقدر اللازم في التوجّـه نحو الإنتاج؛ فالمؤسّسات الرسمية -مع وجود مسؤولين مخلصين وجادِّين، وصبر الآلاف من الموظفين على انعدام الراتب، ومحدوديَّة النفقات التشغيلية- تعاني أَيْـضاً من تلك الاختلالات والأمراض المزمنة، من وجود أُسلُـوب الابتزاز المالي من بعض المسؤولين، والروتين الرسمي البطيء جِـدًّا في إنجاز المعاملات، كما كان لتلك الإشكالات تأثيرها السلبي على القضاء، بالرغم من الجهود المضنية للمخلصين الصادقين من كوادره الأوفياء، لكنَّ حجم الاختراق، والظواهر السلبية، والأنظمة الفاشلة الموروثة من الماضي، أثَّرت على أدائه تأثيرًا مؤسفًا”.
برنامجُ عمل الحكومة:
الكثير من المتابعين اعتبر أن ما جاء من مضامين وتوجيهات في كلمة السيد القائد العام الماضي بمناسبة ذكرى ثورة 21 سبتمبر، والتي تم بعدها إقالة حكومة الدكتور بن حبتور، هي برنامج عمل الحكومة الجديدة حكومة “التغيير والبناء”، طبعاً إلى جانب محاضرات قائد الثورة الخَاصَّة بعهد الإمام علي بن أبي طالب -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- ورسالته لمالك الأشتر عندما ولَّاه على مصر، والتي تعتبر دستوراً متكاملاً تجب ترجمتُه وإعدادُ الخطط الفعلية للعمل بها وليس مُجَـرّد محاضرات للدراسة فقط.
كُـلُّ هذا يراه الكثيرون عبارةً عن برنامج عمل الحكومة الجديدة، التي يجب العملُ على تنفيذها؛ لتجاوز كُـلّ تلك السلبيات التي تحدث عنها قائد الثورة، وبالتأكيـد لن يكون العملُ سهلاً، بل طويلاً وشاقاً، لكن في المقابل ليس بالمستحيل، خَاصَّة بعد أن تم اختيار الفريق الحكومي بعد تدقيق وتمحيص كبيرَينِ خلال كُـلّ تلك الشهور.
ولأن الوضعَ مُزْرٍ كما تحدث قائد الثورة، فمن الطبيعي أن تبرز أمام هذه الحكومة الكثير من المهام الجسيمة في ظل هذه الظروف الحساسة التي يمر بها الوطن، لعل أهمها التركيز على عملية إعادة البناء وتحقيق التغيير الجذري والحقيقي في كُـلّ مجالات الحياة.
ويرى الكثير من المواطنين أن صرف رواتب جميع موظفي الدولة وتحسين الخدمات خَاصَّة في المجال الصحي، ومجال بناء الإنسان من خلال تطوير وتجويد التعليم، بمختلف أنواعه التعليم الأَسَاسي والفني والتقني والتعليم العالي، وغيرها من المجالات الخدمية هي المحك الرئيسي والأَسَاسي لنجاح حكومة التغيير والبناء، وهذا يتطلب الترجمة الحرفية لخطاب قائد الثورة ومحاضراته في هذا الجانب، وتحويلها إلى خارطة طريق وخطة عمل مزمنة، بما يلبي طموحات وتطلعات الشعب اليمني وآماله، وتشغيل الأيادي العاملة، وإعادة الكفاءات إلى أعمالهم خَاصَّة من تم تسريحهم تحت مبرّرات واهية أَو بسَببِ انصرافهم عن العمل الحكومي؛ بسَببِ عدم صرف الرواتب.
لهذا من الطبيعي والواجب أن تضع حكومة التغيير والبناء خارطة طريق لمسار عملها وتحديد وترتيب أولوياتها التي يجب عليها الشروع في تناولها وحلها، وتحديد مسار عملها بعد تشخيص الواقع وما يجب فعله وتحديد البدايات والأهداف الاستراتيجية والمرحلية للشروع في التنفيذ بعد تحديد مكامن الخلل بمراحلَ مزمَّنة.
الوضع الاقتصادي:
الاقتصادُ هو الركيزة الأَسَاسية؛ لما له من صلة مباشرة بحياة كُـلّ مواطن؛ لهذا تحدث السيد القائد كَثيراً عن الوضع الاقتصادي، وضرورة تشغيل الأيادي العاملة والاهتمام بالزراعة وبالاستثمار وتذليل مختلف الصعاب أمام القطاع الخاص ومعالجة أية إشكاليات في هذا الجانب؛ لهذا نرى أنه تم دمج هيئة الاستثمار تحديدًا مع الصناعة، بدلًا عن المشاكل والتداخلات التي كانت قائمة، لتصبح وزارة الاقتصاد والصناعة والاستثمار تحت سقف واحد.
فالاقتصاد هو عصب الحياة لأي شعب من شعوب العالم، والدول القوية والمتقدمة هي تلك التي اهتمت بتعليم شعبها وباقتصادها وبكيفية إدارة مواردها؛ لهذا يأتي الجانب الاقتصادي كأولوية ملحة أمام حكومة التغيير والبناء.
لهذا من المنتظَرِ والمؤمَّلِ أن توليَ هذه الحكومة الاهتمامَ اللازمَ لعملية البناء الاقتصادي لتحقيق جملة من المهام التي تحتمها الظروف الراهنة ومقتضيات المصلحة الوطنية العليا، والتي لا شك أن أولى أولوياتها هي رواتب موظفي الجهاز الحكومي، خَاصَّة الجهات غير الإيرادية كموظفي التعليم بمختلف فئاته
التشكيلُ الحكومي:
كما هو معروفٌ أنه تم دمجُ العديد من الوزارات مع بعضها لمنع الازدواجية والتداخل في الاختصاصات والمهام، خَاصَّة تلك الوزارات المتقاربة في المهام، لتكون تحت سقف واحد، ولتخفيف الأعباء والاعتمادات المالية للحكومة، وبالنظر إلى أعضاء حكومة التغيير والبناء، نرى أنها قد ضمت من وجهة نظر الكثير، كفاءات من مختلف مناطق ومحافظات الجمهورية اليمنية، وضخ دماء ووجوه جديدة وشابة لهذه الحكومة، وبما يشكل الشراكة الوطنية الحقيقية من ذوي الكفاءة في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن، بعيدًا عن المحاصصة الحزبية أَو المناطقية، لترتيب الأوضاع الداخلية وأبرزها الأوضاع الاقتصادية، كما أسلفنا، والاستمرار في مواجهة العدوان اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا، وما قد ينتج عن التغيرات الإقليمية والمحلية، وتحقيق التغيير والبناء الذي ينشُدُه كُـلُّ مواطِنٍ بدرجةٍ أَسَاسية.
المصدر: “المسيرة نت”