دوافع السعودية للتهدئة
بقلم / حسن زيد
على الرغم من أننا توقّعنا أَن تُقدِمَ المملكة العربية السعودية على شن حرب على الـيَـمَـن عقب ثورة ٢١/ ٩/ ٢٠١٤م وخُصُوْصاً بعد فرار عبدربه منصور هادي من صنعاء وطلبه التدخلَ العسكريَّ إلا أَن لا أحد كان يتوقع أَن يستمر العُــدْوَان لأَكْثَـر من أسابيع لاعتقادنا أَن السعودية ومَن يقف خلفها تمتلكُ من الرشد السياسي، ما يجعلها تدركُ عبثيةَ ما تقوم به وأَثَر العُــدْوَان السلبي على النظام السعودي نفسه، فعجزها عن تحقيق أَهْــدَافها في وقت قصيرٍ سيؤدي إلَـى تآكل سُمعتها وهيبتها التي أرادت من العُــدْوَان تعزيزَ حضورها كلاعب إقْليْمي يمتلك قوةَ ردع عسكرية حاسمة، وأيضاً للأَسْبَاب والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والاستراتيجية التي تمثّل القاعدة وداعش أهم وأخطر تهديدٍ لوجود السعودية ككيان موحَّد مستقرّ لما للقاعدة وداعش من امتدادٍ فكري داخل المملكة نفسها.
كنا وغيرنا نعتقدُ أَن مصدرَ القرار ومتبنّيه تعرّض لعملية تضليل أشعرته أَن بإمْكَانه أَن يحقق نصراً سريعاً حاسماً يمكنه من الاستيلاء على عرش المملكة بدون منازعٍ مستغلين حَداثةَ سنه وقِصَـرَ تجربته وعدم معرفته بالـيَـمَـن الإنْسَـان والتأريخ.
صحيحٌ أَن القرارَ أُعلن من واشنطن ما يؤكد على أَن الإدَارَة الأَمريكية هي مَن أعطى الضوء الأخضر للعُــدْوَان وتعهد بدعمه وتوفير الغطاء والدعم السياسي والعسكري والاستخباراتي وأيضاً بمشاركة بريطانية وفرنسية وأطلسية بصورة عامة إلا أَن صاحبَ القرار هو الملك سلمان وابنه محمد الذي أريد له أَن يكونَ فاتحاً كجَدِّهِ عبدالعزيز ليسهل نقل قيادة المملكة متوجاً بدماء الـيَـمَـنيين وانتصارها عليهم، وهذا ما لم يحدث، فالحلم تبدد مع مرور الأيَّام والشهور وتحول إلَـى كابوس خُصُوْصاً مع تزايُد الخسائر العسكرية والاقتصادية وأيضاً تحقيق اللجان الشعبية ورجال القبائل الانتصاراتِ الواضحة في السيطرة على أراضي تحت السيادة السعودية، وللعجز المتنامي عن تحقيق أَي نصر خُصُوْصاً مع نمو قدرة القاعدة وتوسعها على الأَرْض في المحافظات الجنوبية وتوسُّع الدور الإمَـارَاتي على حساب الدور السعودي في الجنوب.
لقد فشل العُــدْوَانُ عن تحقيق أَيّ هدف من الأَهْــدَاف التي أعلن عنها، وأيضاً عن تحقيق أَي هدف من الأَهْــدَاف غير المعلَنة، وتحوّل العُــدْوَان إلَـى كابوس يطاردُ قادةَ المملكة، خُصُوْصاً مع بدء اهتمام الإعْـلَام الغربي وبعض المنظمات الحقوقية بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنْسَـانية التي ترتكبها الطائرات السعودية وتنامي الدعوات لملاحَقة قادة المملكة عن هذه الجرائم.
لقد تسترَّ الإعْـلَام الغربي على الجرائم التي ارتكبت في الأشهر الأولى؛ لأن مصانعَ السلاح لا تزال تملكُ مخزوناً قابلاً للتسويق ولا تزال المملكة تملكُ سيولة كافية لتنشيط الصناعة العسكرية الغربية بل والشرقية، وانتهت المهمةُ باستنزاف الفائض النقدي السائل للمملكة وتم تسويقُ الأسلحة الممكن بيعُها لها، وبدأت المرحلة الثانية من استثمار العُــدْوَان وهي الابتزازُ الحقوقي والإنْسَـاني، وبتنا نسمع كُلّ يوم مقالاً أَوْ فعالية منددة بهذه الجرائم التي تلمح المملكة إلَـى أنها تمت بناءً على معلومات استخباراتية أَمريكية وبريطانية وَأَيْضاً بتحديد من قبَلِ المرتزقة الذين باتوا عبئاً غيرَ محتمل استمرار وجوده لديها.
طبعاً القيادةُ المسؤولةُ عن الأمن في المملكة أدركت مخاطرَ العُــدْوَان منذ وقت مبكر؛ لأنها عاشت تجربةَ ٢٠٠٩م التي مُنِيَ جيشُ المملكة فيها بهزيمة مذلة من قلة قليلة من الشباب المحاصَرين الذين لم يكونوا يملكون إلا البندقية الكلاشينكوف وما غنموه من الجيشِ السعودي نفسِه، وبه سيطروا على ٤٣ موقعاً عسكرياً لم تتمكن السعودية من استعادتها إلا باتفاق معهم، ولهذا سعت القيادة الأمنية إلَـى محاولةِ فتح منافذَ للسلام بالاتفاق مع أنصار الله إلا أَن الظروفَ لم تكن قد نضجت كما هي الآن.
لقد بات من المستحيل تحقيقُ أَيٍّ من أَهْــدَاف العُــدْوَان، وكلما مر الوقت أَكْثَـر كلما تضاعفت مخاطرُ الحرب ليس على استقرار الـيَـمَـن ومحيطها الإقْليْمي فحسب بل والأمن الدولي، ولذلك كان لا بد من البحثِ عن مخرَج يحفظُ للسعودية بعضَ ماء الوجه ويتيحُ الفُرَصَ للعودة إلَـى العملية السياسية التي أجهز العُــدْوَان الصهيوسعودي عليها.