الخبر وما وراء الخبر

شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية.. فضيحة غطاء السفارة الأمريكية للعمل الاستخباراتي

12

ذمــار نـيـوز || تقارير ||

11 يونيو 2024مـ -5 ذي الحجة 1445هـ

تقرير || محمد الحاضري

بموازاة المفاجآت العسكرية التي توجهها القوات المسلحة اليمنية في البحار، كانت أمريكا وإسرائيل على موعد، هذا الأسبوع، مع مفاجئة استخباراتية أحبطت جهودهما لعشرات السنين في اختراق الجبهة الداخلية اليمنية تحت غطاء العمل الدبلوماسي للسفارة الأمريكية.

وفي إنجاز غير مسبوق محليا وعربيا، كشفت الأجهزة الأمنية عن تفكيك شبكة من الجواسيس تم تجنيدهم خلال عقود من الزمن لاستهداف اليمن من الداخل عسكريا واقتصاديا واجتماعيا وزراعيا ودينيا وتعليما وفي كل المجالات.

وتؤكد آلاف الوثائق والأدلة التي حصلت عليها الأجهزة الأمنية أن الشبكة الأمريكية الإسرائيلية، التي عمل أعضاؤها داخل السفارة الأمريكية “قامت بأدوارٍ تجسسية وتخريبيةٍ في مؤسسات رسمية وغير رسمية، على مدى عقود لصالح العدو، وذلك من خلال عناصرها المرتبطين بشكلٍ مباشرٍ بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الـ CIA))، التي جندت العناصر الرئيسيين في الشبكة التجسسية، وعملت على تدريبهم استخباراتياً، وتزويدهم بتقنيات وأجهزة ومعدات خاصة، تمكنّهم من تنفيذِ أنشطتهم التجسسية والتخريبية في الجمهورية اليمنية، وتسهّل من نقلهم للمعلومات إلى ضباط أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية بشكل سري.

وتحت الغطاء الدبلوماسي للسفارة الأمريكية في صنعاء، منحت واشنطن عناصر الشبكة صفات وظيفية في السفارة “لتنفيذ الأنشطة التجسسية والتخريبية” وهو ما يُعدّ خرقا سافرا ” للعرف الدبلوماسي، وما تفرضه القوانين اليمنية من حدود وضوابط تنظم أعمال السفارات”.

ثلث مبنى السفارة مخصص لـ (CIA)

ومما يثير الاستغراب أن مبنى السفارة الأمريكية في صنعاء لم يكن مجرد مبنى لإدارة الدبلوماسية كما تدعيه واشنطن، بل كان أشبه بوكر للمخابرات الأمريكية والتجسس واختراق البلاد وتفكيكها من الداخل تحت غطاء العمل الدبلوماسي.

وقد كشفت اعترافات أعضاء الشبكة وهم ممن عملوا داخل السفارة أنها كانت (السفارة) مقسمة إلى ثلاثة مستويات أو طوابق، الأول يستخدمه العاملون والإداريون ونحوهم، أما الطابق الثاني فهو مخصص للسفير، والطابق الأعلى مخصص لعمل المخابرات الأمريكية الـ (سي أي أيه) وكذلك الأمن الفيدرالي الأمريكي المعروف بـ(الإف بي ايه)، ولا يدخله إلا الضباط الأمريكيين، وعدد قليل جدا من العملاء المحليين ممن وصلوا إلى قدر عالٍ من ثقة الـ (سي آي أيه) ولا يدخل هؤلاء إلا بتصريح خاص.

ويعلق، الباحث اللبناني في شؤون العدو الأمريكي، علي مراد، على هذا الاعتراف في تصريحات لقناة المسيرة، بقوله: إن تخصيص طابق في السفارة الأمريكية لأجهزة المخابرات، يعكس أصل وجود السفارة هو من أجل تحقيق أهداف تجسسية واستخباراتية، مؤكدا أن “العمل الدبلوماسي هو مجرد غطاء تقوم به أمريكا من أجل تنفيذ مآربها الاستخباراتية والتجسسية والتخريبية”.

 

استخدام العمل الإنساني والحقوقي لأغراض مخابراتية

وعلاوة على عملهم في السفارة الأمريكية بصنعاء، تثبت الوثائق والمستندات أن المخابرات الأمريكية ألحقتهم بأعمال مرتبطة بمنظمات أممية ومنظمات مدنية وذلك كغطاء لنشاطهم الحقيقي في خدمة الـ(سي أي أيه)، كما أثبتت تورط “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” سيئة الصيت في النشاط الاستخباراتي، وهو ما يعيد الذاكرة للأسلحة الأمريكية والتي عُثر لدى الجماعات التكفيرية في محافظة البيضاء قبل سنوات وعليها شعارات الوكالة.

ويؤكد الفريق الركن جلال الرويشان، نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن، أن الولايات المتحدة بأجهزتها الاستخباراتية وكذا منظمات أممية عملت تحت الغطاء الدبلوماسي والعمل الإنساني لأعمال استخباراتية معادية، مشيرا إلى أنه بعد ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014م غادرت السفارة الأمريكية، لكنها اعتمدت على هذه الشبكات التي زرعتها لتقوم بنفس الدور للسفارة فيما لو كانت لا تزال موجودة في اليمن.

“وبعد أشهر من الثورة خرجت السفارة الأمريكية من صنعاء مطلع العام 2015م، استمر عناصر الشبكة التجسسية بتنفيذ ذات الأجندة التخريبية تحت غطاء منظمات دولية وأممية، رافعين شعارات العمل الإنساني للتستر على حقيقة أنشطتهم التجسسية والتخريبية”.

وبشأن المطالب الأمريكية المتكررة بالإفراج عن أعضاء الخلية بزعم أنهم يعملون في منظمات دولية، يؤكد الرويشان أن العمل الإنساني العالمي مسيطر عليه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وأجهزتها الاستخبارية لتمرير الخطط والأهداف الأمريكية، وبالتالي فإن الغطاء الإنساني والإغاثي والحقوق والحريات هو مجرد غطاء لأعمال استخباراتية معادية تحقق مصالح واشنطن

من ناحيته يقول الباحث علي مراد: إن أجهزة المخابرات الأمريكية كانت على موعد لما انتظرته لثلاث سنوات منذ أكتوبر عام 2021م عندما قامت أجهزة الأمن في صنعاء باعتقال هذه الشبكة الخطيرة.

ويشير إلى أن “وزير الخارجية الأمريكي في كل عام يتحدث عما اسمها بمظلومية الموظفين، ولا يشير إلى الأدوار الخبيثة التي لعبتها هذه الشبكة، ويحاول أن يصور الأمر على أنه يندرج في إطار حقوق الإنسان”، مؤكدا “أن الإدارة الأمريكية تستخدم الشعارات الإنسانية والخطاب الدبلوماسي للتغطية على العمل الأمني والاستخباراتي التي تقوم به”.

ويوضح علي مراد “أن أجهزة المخابرات الأمريكية عندما تصطدم بواقع في بلد تنهض فيه ثورة وحركة تحررية فإنها تلجأ إلى أساليب متنوعة، ويشير إلى أنه في جميع الدول العربية توجد بالسفارات الأمريكية محطة لـ (cia) وترتبط بها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وهذه الوكالة هي المسؤولة عن تشغيل شبكة من المنظمات غير الحكومية وحتى شركات تجارية، وتشغلها لصالح واشنطن، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تعمل بهذا الشكل في جميع الدول العربية.

 

أعمال السفارة الأمريكي المخابراتية

ووفقا لاعترافات 10 من أعضاء الشبكة العاملين داخل سفارة واشنطن بصنعاء تبين أن المخابرات الأمريكية عملت على اختراق اليمن في كل نواحي الحياة في الجانب السياسي ورصد الحياة السياسية، والجانب العسكري، وجانب الأمن، والجانب الاقتصادي والتجاري، والصحة ونشر الأمراض، والتبشير والتنصير والأديان الأخرى مثل البهائية، وفي المجال الزراعي ونشر الأوبئة، ونشر الأمراض الزراعية، ومجال المياه، والحقوق والحريات والشباب، وأخلاقيا ونشر الفساد الأخلاقي، والمناهج الدراسية والتعليم، والحياة الإعلامية، والحياة الاجتماعية والمشايخ والقبائل ومسؤولي الدولة والمؤسسات العامة والخاصة، والمجتمع المدني، وحتى الاهتمام بالحشد الشعبي في المولد النبوي الشريف.

وتؤكد الأجهزة الأمنية في بيان الكشف عن هذه الخلية بتاريخ الاثنين 10 يونيو 2014م أن: “أعمال الشبكة لم تكن منحصرة على التجسس في جانب معين، بل امتدت أعمالها التجسسية والتخريبية إلى أغلب نواحي الحياة، وجمعت معلومات هامة، عن مختلف الجوانب الأمنية والعسكرية والاقتصادية، والسياسية والصحية والتعليمية، والزراعية والثقافية والاجتماعية وغيرها، وزوّدت بها أجهزة المخابرات المعادية، ولم يقتصر تجسسها على مؤسسات الدولة، بل تعدى ذلك إلى المجتمع والمؤسسات غير الرسمية في البلد”.

ولامس ضررها الإنسان اليمني في مختلف المناطق والفئات والمجالات، وتراكمت آثار أعمالها التخريبية على مدى عقود من الزمن، وكانت الذراع الرئيسية لتنفيذ مخططات العدو الأمريكي والإسرائيلي في إهلاك الحرث والنسل، وضرب قيم وأخلاق المجتمع، وتدمير مؤسسات الدولة اليمنية، وضرب اقتصادها، ونهب خيراتها، وإعاقة أي جهود للإصلاح والتغيير، ومن أبرز أدوارها التجسسية والتخريبية ما يلي:

كما تمكنت شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية لعقود من الزمن، من التأثير على صانعي القرار، واختراق سلطات الدولة، وتمرير القرارات والقوانين التي تخدم المصالح والأجندة الصهيونية الأمريكية، وعملت على استقطاب الكثير من الشخصيات، والتنسيق للزيارات إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك للتأثير عليهم أو إسقاطهم وتجنيدهم للعمل مع المخابرات الأمريكية.

و جندت شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية بعض الاقتصاديين، ومالكي الشركات النفطية والتجارية، وربطتهم بالمخابرات الأمريكية، ووظّفتهم لتنفيذ التوجهات والمخططات الإفسادية والتدميرية، التي تخدم مصالح العدو الأمريكي والإسرائيلي في كافة المحافظات اليمنية، وزوّدت أجهزة المخابرات المعادية بكافة المعلومات والتقارير، والدراسات السرية لكل القطاعات الاقتصادية، كالقطاع النفطي والتجاري والمصرفي والاتصالات وغيرها، ورصد المؤشرات الاقتصادية في المجالات المختلفة، وذلك بهدف التحكم والسيطرة على الاقتصاد وضربه، وضمان استمرار النهب للثروات اليمنية.

ونفذت شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية، أدواراً تخريبية وتدميرية للجانب الزراعي، وركّزت على إفشال الهيئات البحثية الزراعية ومراكز إكثار البذور، وجندت عدداً من الجواسيس بوزارة الزراعة؛ ونفّذت العديد من المخططات الأمريكية، كان من أبرزها إنتاج وإكثار الآفات الزراعية، والسعي لضرب الإنتاج المحلي؛ من خلال تمرير سياسات محبطة للمزارعين، ومغرية لاستيراد المنتجات الحيوانية والزراعية من الأسواق الأجنبية.

وعملت شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية، على تنفيذ مشاريع وبرامج في المجال الصحي، تهدف إلى تدمير القطاع الصحي، وأسهمت في نشر الأمراض والأوبئة في مختلف المحافظات اليمنية.

و نفذت شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية، مخططات تدميرية للعملية التعليمية بكل مكوناتها، وضربت دورها الهادف، وفصلت التعليم عن البناء والتنمية.

وشاركت شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية، في تنفيذ مخططات تستهدف الهوية الإيمانية للشعب اليمني، وضرب قيمه وعاداته الأصيلة، وسعت لنشر الرذيلة والتفسخ، وصولاً إلى إدارة بؤر للإفساد الأخلاقي.

ونفذت الشبكة عمليات تقنية تجسسية مباشرة لمخابرات العدو، سعت من خلالها للحصول على المعلومات السرية في مختلف مؤسسات وقطاعات الدولة، كما قامت بالتنصت ومحاولة الاطلاع على خصوصيات المجتمع اليمني، وسخّرت تلك المعلومات لمخططاتها العدائية التي تستهدف اليمن أرضاً وإنساناً.

وقامت شبكة التجسس بتزويد المخابرات الأمريكية (CIA) والمخابرات الإسرائيلية (الموساد)، منذ عقود بمعلومات عسكرية وأمنية بالغة الأهمية والسرية والخطورة، أدت إلى إضعاف الجيش اليمني وقدراته قبل ثورة الـ 21 من سبتمبر المباركة.

وبعد انتصار ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المباركة، ومغادرة السفارة الأمريكية من العاصمة صنعاء، استمرت شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية في تنفيذ أدوار تخريبية متعدد، وجمعت لأجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية معلومات محدودة التداول عن الموازنة العامة للدولة، والخطط والسياسات المعتمدة لحكومة الإنقاذ، وسعت لكشف مصادر التمويل للجبهات العسكرية لأجهزة مخابرات معادية.

وأدارت شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية نشاطاً استخباراتياً لصالح العدو، يستهدف القدرات العسكرية التي صنعتها القوات المسلحة اليمنية، في ظل العدوان الأمريكي السعودي على اليمن، وعملت على رصد التحركات العسكرية والقدرات الاستراتيجية، ورصد مسرح العمليات، ورفع الإحداثيات، وعمل كل ما من شأنه تحقيق أهداف العدو، وتمكينه من احتلال اليمن، وجعله تابعاً للهيمنة الأمريكية الإسرائيلية.