الخبر وما وراء الخبر

في دعواتها التحريضية للإضراب الشامل في جامعة صنعاء.. نقابةُ هيئة التدريس تكمل ما بدأه العُـدْوَان في استهدافِ التعليم

390

ما يجري في جامعةِ صَنْعَـاءَ من إضرابٍ وتعليقٍ للدراسة تحرّضُ عليه نقابة هيئة التدريس وتدعو لاستمراره، استهدافٌ ممنهجٌ للتعليم. فبعد تحدّي الطلاب لغارات العُـدْوَان بمواصلة دراستهم في الجامعة، يسعى أذنابُ السعودية وعملاؤها في النقابة لتحقيق ما عجزت عنه تلك الغارات بأداءٍ مسرحيٍّ هزيل.

ذمار نيوز -صدى المسيرة/ حسين الجنيد

أسبوعٌ ثالثٌ يوشك على الدخول، ودعوات الإضراب والتحريض على تعليق الدراسة في جامعة صَنْعَـاءَ تزدادُ وتيرتُها يوماً بعد يوم، تحتَ مبررات تتباين فيها التوجهات وتتناقض فيها العناوين.

الأستاذ عبدالوهاب المحبشي، رئيسُ ملتقى الطالب الجامعي، أكّد أن هذا الإضراب الذي تشهدُه بعضُ كليات الجامعة ليس طارئاً ولا مستجداً، فما تقوم به نقابةُ هيئة التدريس من إضرابٍ وخطواتٍ تصعيدية وصلت حد الدعوة لتعليق الدراسة وإيقاف العملية التعليمية برُمّتها، يأتي في سياق الاستهدافِ الممنهج للتعليم، فالمبرراتُ التي تسوقها قياداتُ النقابة في دعواتهم تلك تحت عنوان حماية الجامعة وتحصينها من العبَث تارةً، وحق النقابة في اختيارِ قيادة الجامعة عبرَ انتخاباتٍ تجريها وتشرف عليها تارةً أخرى، لا تصل بمستوى الأهمية في اعطائهم الحقَّ بوضع الطلاب وتحصيلهم العلمي على المحك وتهديد مستقبلهم بسرقة سنوات عمرهم الدراسية.

مشيراً إلَـى أن هذا الإضراب لم يكن الأول، بل يأتي في سياقِ سلسلةٍ من الإضرابات التي تدعو لها النقابةُ بشكل دائم منذ بداية العُـدْوَان تحت عناوينَ ومبرراتٍ مختلفة، كلها في الأساس تندرج ضمن إطار المماحكات السياسية، وأهداف التيارات التي ينتمون إليها والمعروفة بمناهضتها لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر وتأييدها للعُـدْوَان، وصفحاتُ قيادات النقابة الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي والمحرضين على الإضراب أمثال الدكتور عبدالله الفقيه والدكتور علي مهيوب العسلي والدكتور محمد الظاهري والدكتور محمود البريهي تشهدُ بذلك.

فقد نشر الدكتور “علي مهيوب العسلي” وهو أحد المحرّضين على تعليق الدراسة والداعين للإضراب الشامل في صفحته الشخصية بتأريخ 21 مارس 2016م، تحتَ عنوان “توقف الجبهات جميعها.. على شأن تُدَكِّي يا تعز!”، جاء فيه: “قبل أيام التقى نائبُ القائد الأعلى للقوات المسلحة بالرئيس ومستشاريه وبعض الوزراء من الحكومة، وشرح لهم عملية فك الحصار عن تعز، وقابل بعض الشخصيات الوطنية التعزية، التي خرجت من اللقاء مستبشرة، وصرَّحَ بعض الإخوة بعدم التهويل، والأمور تسير إلَـى خير… إلى أخر ذلك من الكلام، وبانتهاء الحصار.. بدأ أبناء تعز بالخروج والتنفس والتسوق حتى توقفت كُلّ الجبهات عن القتال فجأةً ومن دون مقدمات، وترك المجال للحوافش أن يعززوا ما يريدون، ليتم التعزيز إلَـى تعز والقتال المستميت لاستعادة ما خسروه الحوافش في الأسبوع الماضي، وبالأمس يلتقي نائبُ القائد الأعلى فريق التفاوض السياسي مع الرئيس هادي، وكأنه لا توجد غرف عمليات تتابع ما يدور في تعز، وكأن السياسيين انعدموا حتى يذهب الفريق لتوجيههم.

يا خبره عاد شي عقل، وعادشي جيش للـيَـمَـن، وعادشي مقاومة واحدة، وَعادشي إذا اشتكى عضو تداعى له.. إلَـى آخر الحديث وَعادشي ضمير، وعادشي دولة واحدة، وإلا كلها باتت تشتغل على تعز وبس!، بذمتكم كيف كُلّ الجبهات تهدأ وتعز تُدك والبقية يتفرجون؟ فأين قيادةُ الجيش والأركان والعمليات؟ وأين الرئيس هادي والفريقُ علي محسن مما يجري في تعز؟ ثمّ أين مشايخُنا في الرياض؟ على الأقل يصرّحون ويطمنونا ويوعدونا، والا الألسن قد عجمت لا سمح الله”.

في هذا المنشور يتضح بشكلٍ جلي أن الدكتورَ العسلي يؤمن بشرعية مرتزقة الرياض الذين باعوا الوطن وخانوه، متباكياً على عدم دعم ما أسماهم بـ “المقاومة” في تحرير تعز، بلغةٍ لا يستخدمها سوى مرتزقة العُـدْوَان، الذين يظهرون على شاشات العربية والحدث، مختتماً المنشور بأسئلة موجهة إلَـى مَشَايخه في الرياض مطالباً فيها بتطمينه إن كانت العملية العسكرية ستسمر أم أنه الخذلان في منتصف الطريق.

وفي منشورٍ له بتأريخ 17 مارس 2016م، كتب الدكتور العسلي متسائلاً: “النهاية الوشيكة للعمليات العسكرية للتحالف في الـيَـمَـن؟ نقول يا ريت، فقط نريد نعرف على كيف؟ يا خبره ياللي بالرياض فهمونا إن كنتم حتى تملكون تسريبات خبرية، قولوا لنا إيه اللي حاصل بالضبط؟” وكأن ما يتم تداوله على الساحة من تفاهمات حول وقف شامل وكامل للعُـدْوَان والوصول لصيغة اتفاق تفضي لحوار شامل، أثارت رعب وخوف الدكتور العسلي؛ كون أهدافهم بإسقاط ثورة 21 سبتمبر وتصفية من يطلق عليهم بـ “الحوافيش” وعودة من يطلق عليهم بالشرعية لصَنْعَـاءَ لم تتحقق.

ومن جهته نشَرَ الدكتور عبدالله الفقيه على صفحته في “فيس بوك” بتأريخ 15 أغسطس 2015م، منشوراً قال فيه “لو سُمِحَ للطوفان البشري بالخروج من تعز وإب وحظي بالدعم، لما توقف سوى على حدود السعودية، ولو أرادت السعودية أن تعبر به مياه الخليج نحو أراضي فارس لما توقف إلا على حدود تركمانستان”، في هذا المنشور يؤكد الدكتور الفقيه أن باستطاعتهم تحرير الـيَـمَـن حدّ وصفه حتى حدود المملكة ولكن يقصد مَن؟ ومنذ متى كان تحريرُ الأوطان من أبنائها وبقوات خارجية وبدعم دول معتدية، ولم يكتفِ بهذا القدر بل جعل الإرادةَ الشعبية مرهونةً بالأمر السعودي، وكأن الشعبَ الـيَـمَـني الحُـرّ الأبي سيعمل أجيراً مأموراً لدى النظام السعودي لتحارب بهم إيران.

وفي تأريخِ 12 أغسطس 2015م، نشر الدكتور الفقيه على صفحته “لا يصح يا حكومة شرعية الحديث عن تبادُل الأسرى بين حكومة شرعية وجماعة انقلابية، والصحيح أن هناك قادةً للجيش وللحركة الحوثية ارتكبوا جرائمَ جسيمةً بحق الـيَـمَـن والـيَـمَـنيين وينبغي العمل سريعاً على إعداد مكان آمن يحتجزون فيه بالتنسيق مع المنظمات الدولية المعنية، وبعد استقرار الأوضاع يتم محاكمتُهم وفقاً للإجراءات القانونية المحددة”، في دعوةٍ صريحةٍ يحرّض فيها من أسماهم بـ “الحكومة الشرعية” على الأسرى من أفرادِ الجيش واللجان الشعبية الذي يذودون بأرواحهم عن حياض الوطن الذي انتهك سيادته المرتزقة والعملاء والدول التي استجلبوها لتدميره، وكأن دولَ العُـدْوَان لن ترتكب بغاراتها أبشعَ المجازر المروّعة بحق المدنيين الأبرياء، وكأن مرتزقة العُـدْوَان ومسلحيهم لم يرتكبوا أبشع جرائم الذبح والسحلِ بحقِّ المواطنين الأبرياء وأسرى الجيش، وهذا الكيلُ من منظور الدكتور الفقيه الذي يصُــبُّ فيه تحريضَه لا يعني للإنْسَـان الواعي سوى أنه تواطؤ مع العُـدْوَان والشرعنة له.

وفي منشورٍ واضحٍ لا يحتملُ التأويلَ كتب الدكتور الفقيه بتأريخ 9 أغسطس، على صفحته “لقد هزم الحوثيون، لكن التحالف العربي لم ينتصر بعدُ!” وكأن الوطنَ بشعبه والضحايا الأبرياء الذي قضوا تحتَ وطأة القصف مختَزَلين في مَن أسماهم بـ “الحوثيين” بحسَب توصيفه الطائفي الذي يسعى من خلاله الدكتور الفقيه ورفاقه في النقابة تعميمه لإذكاء المشهد وفق رغبة دول العُـدْوَان بتمزيق نسيج الوطن الاجتماعي، نكايةً وانتقاماً لخروج أحزابهم من السلطة وسقوطهم الشنيع.

ومن واقع متابَعة صفحات قيادات النقابة على موقع “فيس بوك” تتضحُ الرؤية للمهتمين، أنها تدل الدلالة الواضحة الخالية من التحريف، على ارتباط هذه القيادات بأجنداتٍ موجهةٍ من الرياض تمليها عليهم قياداتهم الحزبية الغارقة في العمالة لدول العُـدْوَان؛ لتؤدّيَ دورها الوظيفي وفق ما هو مخطط له من استهدافٍ للعملية التعليمية في الجامعات، لزيادة تأزيم الأوضاع على الصعيد الداخلي.

فسادٌ جامعي وغطاءٌ نقابي

وبالعودة إلَـى مبررات الإضراب، نجدُ أن النقابة تمترسَت خلفَ عنوان التضامن مع قيادة الجامعة الذين تم إعفاؤهم من مناصبهم مؤخراً بقراراتٍ من وزارة التعليم العالي؛ لعدم صحة تلك القرارات من الناحية القانونية مهما كانت المسببات لتلك القرارات، حسب زعمهم، في حين أن التعليمَ العالي اتخذ تلك القرارات ضمن سلسلة الإجراءات التصحيحية لمحارَبةِ الفساد والقضاء على بؤره في المؤسسات الحكومية وفق المبادئ والموجهات التي قامت من أجلها ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر؛ ونظراً لما تمُــرُّ به الدولة من فراغٍ في مؤسساتها القيادية اضطر القوى الثورية لملئه حفاظاً على كيان الدولة ومنعه من الانهيار، فإنَّ وزارة التعليم العالي ترى أن تلك القراراتِ تعتبرُ صائبةً.

ففي مذكرةٍ أصدرها مكتبُ رئاسة الجمهورية لرئاسة الجامعة، بخصوص تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة عن التجاوزات القانونية بتعيين (17) أكاديمياً لا تنطبقُ عليهم شروط التعيين، ونقل (51) من الكادر الإداري إلَـى الكادر الأكاديمي بصورةٍ مخالفةٍ للقوانين، وعدم إحالةِ المستحقين للتقاعد، وتم توجيهُ رئاسة الجامعة بتصويب تلك الانحرافات، إلا أن رئاسةَ الجامعة تجاهلت تلك التوجيهات، مستمرةً في نهجها المخالف للنُّظُم القانونية، مما اضطر وزارة التعليم العالي لاتخاذ تلك القرارات بإعفاء رئيس الجامعة ونائبيه من مناصبهم، لتصحيحِ ما يجري من اختلالات في الجامعة تسترّت عليها القيادة السابقة، وهنا يتساءل مهتمون: ما الداعي الحقيقي الذي يدفعُ النقابة لمعارَضة قرارات تصحيح في المؤسسة الجامعية تصب نتائجها في مصلحة العملية التعليمية؟ إلا إذا كان دفاعها المستميت عنها يجعل من مبررات هذا الدفاع واهية وإنما مجرد حُجّة لا أكثر؟، أو أن هُناك ارتباطاً وثيقاً بين قيادة الجامعة وقيادة النقابة يشي بتغطيةٍ متبادلة؟.

وفي سياقٍ متّصلٍ أصدر الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة مذكرةً لنيابة الأموال العامة الثانية لمكافحة الفساد، تتضمن تقريراً طلبته النيابة من الجهاز للتحقيق في الاتهامات الموجهة لبعض مسئولي نقابة هيئة التدريس بخصوص المتوفين من أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم، وما تم خصمُه من مبالغ أقساط المتوفين من مرتبات أعضاء هيئة التدريس وموظفي الجامعة مقابل ذلك، والمنصرفة لصالح النقابة، أكدت فيه أن المتبقي من أعمال المراجعة هو الوقوف على النظام الأساسي للنقابة واللوائح الداخلية وتعديلاتها والقرارات المنظمة لهذا الجانب، وحسابات النقابة ذات العلاقة وللفترة محل المراجعة، وأوضح تقريرُ الجهاز المركزي أنه تمّت مخاطبةُ النقابة لموافاتهم بالوثائق والبيانات اللازمة لفحصها ومراجعتها وتوثيق أدلة الإثبات ولكن دون جدوى، واختتم الجهاز المركزي تقريره بالطلب من النيابة إلزام مسئولي النقابة بتسليم البيانات والوثائق المطلوبة لاستكمال الإجراءات.

هنا قد يقولُ البعضُ كان الأجدى بنقابة هيئة التدريس إبراءَ ساحتها المالية أمام الجهات المختصة قبل التحدث عن القوانين والتجاوزات، فحين نريدُ الحديثَ عن القيَم والأخلاقيات ينبغي علينا الالتزامُ بجزءٍ بسيطٍ منها على الأقل في أمورنا الصغيرة، وهذا يعزّز طرح البعض في أن الإضرابات هدفها الحقيقي ليس الحفاظ على مؤسسية الجامعة والحفاظ عليها من العبث كما يدّعي المحرضون عليها.

 

حركةُ جزاء الطلابية ومواجهة مخططات استهداف التعليم

وفي مواجهةِ هذا الصلف وهذه الدعوات التي تهدد مستقبلهم، خرج يوم السبت الفائت 2 إبريل 2016م، حشدٌ طلابي في تظاهرةٍ حاشدةٍ بساحة الجامعة تنديداً بعمليات الإضراب وتعليق الدراسة، داعين الجهاتِ المختصةَ لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق من يتلاعب بمستقبلهم لأجل مصالح حزبية ضيقة ومماحكات سياسية.

وعلى ضوءِ هذه الحركة الطلابية التي فاجأت النقابة، نشر الدكتور علي مهيوب العسلي على صفحته مطالباً مَن أسماهم بالمكلّفين من قِبَلِ غيرِ ذي صفة، في إشارة منه إلَـى قيادةِ الجامعة الجديدة المعينة حديثاً ووزارة التعليم العالي، بعدمِ زج الطلاب في مثل هذه الأمور، مشيراً بفتوى أكاديمية إلَـى “أن استخدام الطالب في مسائلَ لا تتعلقُ بمطالبَ طلابيةٍ صرفة، تُعَدُّ جريمةٌ مخلةٌ بمن يستخدمهم”، غير مدرك الدكتور العسلي أن تعليقَ الدراسة من أجل أهداف ليست في صالح الجامعة ولا المسيرة التعليمية، تندرجُ ضمن هذا الإطار أيضاً، أم أن استهدافَ الطلابِ في مستقبلهم الدراسي بتعليقِ الدراسة يجوزُ إذا كان يصُــبُّ في مصلحة النقابة، وإذا ما خرَجَ الطلابُ يطالبون بحقهم في التعليم تعد جريمةً وتسييراً وتوظيفاً.