الخبر وما وراء الخبر

وجوب التثقف بالثقافة القرآنية

136

بقلم / عدنان الجنيد


 

إن القرآن الكريم هو كتاب الله الذي ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) جعله الله معجزة خالدة لنبيه ورسوله ، ودستوراً دائماً لعباده ، مشتملاً على التشريعات والنظم التي توفر للمجتمعات البشرية الأمان ، والإيمان ، وتزيل عنهم غول البؤس والشقاء والحرمان ، فإذا ما انضوت تحت لواء دينه وعاشت في ظل تشريعاته ، وتثقفت بثقافته ، وسارت وفق توجيهاته وعملت بما جاء في آياته تحقق لها الرقي والصلاح وظفرت بالفوز والفلاح في معاشها ومعادها.

وفي المقابل أيضاً فإن المجتمعات الإنسانية إذا ما ظلت بمنأى عن الاعتصام بحبل الله المتين، وتنكبت صراطه المستقيم وتنكرت لمنهجه القويم ، فستبقى وتظل تتخبط في ردهات الوهم والجهل وتتيه في أنفاق الحيرة والقلق وتكوى بنار الصراعات والنزاعات وتتمرغ بأوحال الشهوات والنزوات وتستبد بها الأهواء والرغبات ، وتصبح مصدراً للأزمات . وهذا هو واقع مجتمعاتنا العرببة فضلاً عن المجتمعات الإسلامية والإنسانية إن أعداء الأمة _ سابقاً وحاضراً_ عمدوا إلى إبعاد الأمة عن كتاب الله بثقافات مغلوطة ومنحرفة عن التعاليم الإلهية والقيم الإنسانية واستخدموا كل وسائلهم الخبيثة ليزيلوا هيبة وعظمة القرآن الكريم من قلوب المسلمين .

قال الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي _ رضوان الله عليه _ ما نصه : ” هذا شرف عظيم جداً لنا أن يكون توجهنا قرآنياً ومهم في هذه المرحلة بالذات ، لأن أعداء الله يتوجهون أساساً إلى ضرب القرآن في نفوس الناس ، إلى إقصاء الناس عن القرآن ، إلى تغييب القرآن مهما أمكن ، إلى خلق ثقافات تشكك حتى في القرآن ، حرب شديدة ضد القرآن لكنهم لا يستطيعون أن يمسوا نص القرآن بسوء ، سيمسونا نحن بالسوء ، سيفصلونا عنه ، سيبعدونا عنه ، سيشغلوا أذهاننا بأشياء تصرفنا عنه ، وبالتالي يصبح القرآن بمعزل عن حياتنا ، عن التفاتاتنا أمام أي اشكالية نعاني منها …” اهـ.

قلتُ: لقد صدق الشهيد القائد فقد استطاع أعداء الإسلام باسم الدين وعبر علماء الدرهم والدينار أن يظلوا غالبية أبناء هذه الأمة بثقافات مستوردة وبثقافات لا تمت إلى الإسلام بصلة فمن هذه الثقافات _ على سبيل المثال _ ثقافة الخنوع للظالمين وطاعة الفاسدين وإخماد جذوة الروح الجهادية في قلوب المسلمين حتى أصبحت هذه الثقافة المنحرفة تُدرس في المناهج الدراسية والجامعية وأصبح لها مؤلفاتها وكتبها والتي أصبحت منتشرة في المكتبات العامة والخاصة وفي المساجد ….

يفتي بها العالم ويجاهر ، ويتشدق بها الخطيب في المنابر ” أطع الحاكم الظالم وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فلا تنتقده بشيء وما عليك إلا السمع والطاعة له ” …

وأتوا بأحاديث كان قد وضعها علماء البلاط الأموي ثم أصبحت فيما بعد أحاديث منسوبة إلى رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ وهذه ثقافة تتصادم مع كتاب الله تعالى القائل : ( والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ) وليس يخنعون وينبطحون للظالمين والمستكبرين ، والقائل :

( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) ( ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) ( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا…. ) . قال الشهيد القائد _ رضوان الله عليه _ : ” أليس هذا _ أي الثقافة المغلوطة المنحرفة _ إبعاداً للناس عن روح القرآن الذي يأمر الناس في مواجهة أعداء الله ، في مواجهة الكافرين ، الظالمين ، الفاسقين أهل الكتاب …. ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) يعطونها وهم يعترفون بأن أيديكم فوق أيديهم ، يعترفون بصغارهم تحت هيمنتكم .” اهـ.

وقال _ رضوان الله عليه _ : ” لسنا بحاجة إلى ثقافة تضفي شرعية على أن تتقبل الكفر وتتقبل هيمنة الكافرين ، يجب أن نحذر من مثل هذا المنطق _ وهو الدعوة إلى طاعة الظالم وأنه لا يجوز الخروج على الكافر المقطوع بكفره كما قال الألباني وأنه يجوز العيش في ظل الدولة الكافرة في بلاد الإسلام _ وأن نعرف أنه إذا لم نثقف أنفسنا بثقافة القرآن فسنكون ضحية للأخرين ، ضحية لثقافات أخرى ” اهـ.

ولمَّا لم يجد علماء البلاط أدلتهم مجدية في طاعة الظالمين عمدوا إلى الاستدلال بآية قرآنية وقاموا بتحريف معناها لتكون حجة لهم وإليك الآية:( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) وهذه الآية هي عليهم لا لهم فكلمة منكم تعني منكم أيها المؤمنون ، قال الشهيد القائد _ رضوان الله عليه _ :

” أين هم أولئك الحكام الذي يصح أن يقال عنهم (منكم ) … وجدنا هؤلاء لم يعودوا منا ، أصبحوا أكثر انسجاماً مع أمريكا ، مع سياسة أمريكا معظمهم على هذا النحو … لم يعد يصدق على الكثير منهم معنى (منكم) حتى لو كانت الآية على مايريدون فما بقي (منكم ) ؟ بقي لأمريكا تريد أن تعين ولاة منها وليسوا منا “اهـ.

إن ما ذكرناه عبارة عن نموذج من الثقافات المغلوطة المنحرفة ، فعلينا جميعاً أن نتثقف بالثقافة القرآنية وأن ندعو مجتمعاتنا إلى التثقف بها حتى نحمي مجتمعاتنا من الثقافات الدخيلة والمستوردة. قال الشهيد القائد _ رضوان الله عليه _ :

” يجب أن يكون عنواناً داخلاً في أعماق نفوسنا عنواناً أمامنا ، أينما سرنا هو أن نتثقف بثقافة القرآن ، أن نتعلم القرآن نتدبره ، نثق به ، نتفهم آياته ، ونتحرك في الناس على أساسه نقيّم الأحداث كلها من خلاله ، نقيّم الأخرين كلهم من خلاله ، نقيّم أنفسنا من خلاله ، نقيم مواقفنا على أساس مقاييسه وهكذا… فهو _ أي القرآن _ لا يجعلك بالشكل الذي تنتظر ماذا سيعمل بك العدو لتفكر بعد ماذا تصنع ، هو من يربيك على أن تعرف كيف تضرب العدو من البداية وهو من قدم لك من البداية الشرح الطويل والإيجاز لتعرف كيف يكون عدوك وكيف واقعه مثل آية ( لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ) أليس هذا تقرير إلهي عن الأعداء ….” إهـ .

إذاً على جميع الناس أن يقرأوا القرآن ويتدبروا آياته ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) لكن علماء البلاط وضعوا الأقفال والعوائق وأوقفوا فهم القرآن وتدبره على من يحفظ أصول الفقه والحديث وو….الخ.

مع أن الله تعالى يقول ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) قال الشهيد القائد :” ليس صحيحاً بأنه _ أي فهم القرآن _ متوقف على فنون أخرى كأصول الفقه. أصول الفقه هو فن يضرب القرآن ضربة قاضية بل يضرب فطرتك ، يضرب توجهك نحو القرآن … لهذا نجد أنفسنا كيف أن القرآن لم يعمل عمله فينا لأننا وضعنا عوائق أمام فهمنا له ، أمام اهتدائنا به أشياء كثيرة حالت بيننا وبين أن نفهمه وبالتالي موتناه ، وأصبحنا أمة ميتة ، أسأنا إلى أنفسنا وأسأنا إلى القرآن الذي هو أعظم نعمة من الله علينا …”إهـ يجب أن ننطلق مع ظاهر القرآن الذي هو ميسر ونقدمه للناس بالتذكير به فالعامة يقرأون القرآن ويفهمون ظاهره ويسيرون على هداه والخاصة الذين قد تعمقوا في اللغة العربية يزدادون فهماً له.

المهم أن كل شخص يجد له نصيباً وفهماً من القرآن والقرآن ليس ألغازاً أو طلاسم بل هو بيان للناس كافة (هذا بيان للناس ).

فالعلم الحقيقي تجده في القرآن ، والعقيدة الصحيحة تجدها في القرآن وليس عند المعتزلة أو الأشعرية أو الماتريدية أو غيرها. قال الشهيد القائد _ رضوان الله عليه _ :” أفضل وأهم مصدر لمعرفة الله هو القرآن الكريم ….. وإذا لم تتعرف على الله من خلال القرآن فإن أي وسائل أخرى للمعرفة لا تصل بنا إلى هذه الدرجة التي سيوصلنا إليها القرآن الكريم..” . قلتُ : إن وجوباً على كافة الناس على اختلاف طبقاتهم العلمية ، وأخص بالذكر العلماء والمرشدين والخطباء أن يتحركوا بحركة القرآن ويثقفوا الناس به فهو مصدر جميع الفنون والعلوم وفيه نصر وعزة هذه الأمة بل وسعادتها الدنيوية والأخروية.

وإذا ما أرادوا أن يتوسعوا بهذه الثقافة القرآنية وينطلقوا لتوعية الناس بها فعليهم بملازم الشهيد القائد _ رضوان الله عليه _ فقد أسهب في ذلك وبين ما هنالك وما من عالم دين أو متعلم أو باحث أو مثقف إلا وسيجد بغيته في هذه الملازم التي هي روح المسيرة القرآنية … فعلماء المذاهب الإسلامية سيجدون فيها أن الخلافات والتعصبات المذهبية لاتجدي نفعاً وليس لهم مخرج مما هم فيه إلا أن يتركوا العناوين وينضووا جميعاً تحت عنوان ( إن الدين عند الله الإسلام )… وعلماء العقائد الإسلامية سيجدون فيها أن الكثير من عقائدهم فاسدة وأن بضاعتهم التي أنفقوا عليها طول أعمارهم كاسدة وليس لهم مخرج إلا أن يعرفوا العقيدة الصحيحة ( معرفة الله) من القرآن الكريم وليس من غيره…. وعلماء الصوفية سيجدون فيها أن الشطحات والادعاءات لا تجدي نفعاً وليس لهم مخرج إلا بالوصول إلى حق اليقين والثقة المطلقة بالله رب العالمين …

إن هذه الملازم النورانية وما تحتوي من الثقافات القرآنية سوف تزيل عن الشعوب الفتن الطائفية والمذهبية وهي التي سوف توحد المسلمين تحت عنوان ( إن الدين عند الله الإسلام).

هذا إذا ما تم نشرها بين الناس وادخالها ولو على الأقل جزء منها في المناهج الدراسية والجامعية والقيام بنشرها بشكل أوسع بين الشعوب العربية والإسلامية والإنسانية مع ترجمتها إلى عدة لغات حتى ينتفع بها العالَم أجمع وبذلك سوف يتحقق وعد الله. ( ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).