الهجومُ الكاسحُ على المدمّـرات الأمريكية.. قدرات يمنية تتجاوز دفاعات العدو
ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
11 مارس 2024مـ – 1 رمضان 1445هـ
سلَّطَ الهجومُ الواسعُ الأخيرُ للقوات المسلحة اليمنية في البحرَين الأحمر والعربي المزيدَ من الضوءِ على المأزِقِ الكبيرِ الذي يعيشُه الأمريكيون والبريطانيون في مواجهة اليمن.
و أبدى الجيشُ الأمريكي ارتباكاً كَبيراً وواضحًا في روايته حول العملية التي اعتبر خبراء أنها قد تكون نموذجاً ومحاكاة لعمليات أوسعَ قد تستهدفُ البوارجَ والسفن المعادية خلال المرحلة المقبلة، وهو نموذج يثبت أن القوات المسلحة قادرة على توجيه ضربات مزلزلة للعدو وقِطَعِه البحرية، فضلاً عن استنزاف قدراتِه وإمْكَاناته بشكل صادم.
وكانت القيادةُ المركَزيةُ الأمريكية قد زعمت صباح السبت، أنها تمكّنت من إسقاط 15 طائرة مسيَّرة يمنية من أصل 37 طائرة أعلنت القوات المسلحة إطلاقها على المدمّـرات الأمريكية في البحر الأحمر وخليج عدن خلال الهجوم؛ وهو الأمر الذي مثّلَ اعترافاً بأن العملية حقّقت إصابات ناجحة؛ لأَنَّه يعني أن 22 طائرة تجاوزت الدفاعات الأمريكية (على فرض صحة الادِّعاء الأمريكي أصلاً).
ويبدو أن الجيش الأمريكي أدرك حقيقة هذا الاعتراف الفاضح ليقومَ بإصدار بيان آخر بعد مضي قرابة 12 ساعة على الهجوم، ليقول إن عدد الطائرات المسيَّرة التي تم اعتراضها ارتفع إلى 28 طائرة، وهو تصريح كشف عن ارتباك واضح، فإما أنه صحيح وهو ما يعني أن البحرية الأمريكية أطلقت النار في الهواء ولم تكن تعلم بالضبط عدد الأهداف التي اشتبكت معها؛ الأمر الذي يشكل فضيحة عملياتية، وإما أنه إعلان مزيف هدفه التغطية على الفجوة الكبيرة التي تركها البيان السابق والتي أكّـدت أن 22 طائرة على الأقل تجاوزت الدفاعات الأمريكية وأصابت أهدافها، وهو الاحتمال الأقرب؛ لأَنَّ هذه هي المرة الأولى التي يلجأ فيها الجيش الأمريكي إلى الحديث عن “ارتفاع” عدد الطائرات التي اشتبك معها، برغم أن الاشتباك قد انتهى قبل نصف يوم!
وعلى أية حال، فَــإنَّ روايتَي الجيش الأمريكي تكشفان عن ارتباكٍ واضحٍ يشكِّكُ في صحة ادِّعاء اعتراض الطائرات من أَسَاسه، أَو على الأقل يؤكّـد أن الجزء الأكبر منها أصاب أهدافه بدقة ولم تتمكّن الدفاعات الأمريكية من مواجهته.
هذا أَيْـضاً ما تؤكّـده طبيعة عمل المنظومات الدفاعية للمدمّـرات الأمريكية، حَيثُ بات معلوماً أن هذه المدمّـرات تستخدم منظومات صاروخية مكلفة جِـدًّا (قيمة الصاروخ الواحد تتجاوزُ مليونَي دولار بالنسبة لمنظومات إس إم -2، وتتجاوز 4 ملايين دولار لمنظومات إس إم -6) ونظراً لكثافة العمليات التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية فَــإنَّ المدمّـرات الأمريكية تحتاج إلى مخزون كبير من هذه الصواريخ؛ وهو أمر يؤكّـد مختلف المسؤولون الأمريكيون أنه من الصعب توفيره، وبالتالي فَــإنَّ الجيش الأمريكي لا يستطيع عمليًّا إطلاق هذه الصواريخ الدفاعية بالقدر الكافي الذي يحتاجه عندما يكون هناك هجوم واسع النطاق مثل الهجوم اليمني الأخير.
وقد أشار الجيش الأمريكي بنفسه إلى ذلك في روايته بخصوص التصدي للطائرات اليمنية، حَيثُ قال إنه تم استخدام طائرات مقاتلة في عمليات الاعتراض، لكن ذلك يصنع ثغرة كبيرة في الرواية الأمريكية، حَيثُ يؤكّـد خبراء أن المنظومات الدفاعية للمدمّـرات الأمريكية لا تعمل أثناء إقلاع الطائرات المقاتلة من على متنها لتجنب إصابتها، وبالتالي فَــإنَّ فرصة استخدام المنظومات الدفاعية والطائرات المقاتلة معاً في وقت واحد ضئيلة جِـدًّا، خُصُوصاً إذا تمت مواجهة هجوم واسع بعدد كبير من الطائرات المسيَّرة أَو الصواريخ في وقت واحد.
فشل استخباراتي لواشنطن
وعطفاً على كُـلّ ذلك، فَــإنَّ الهجوم اليمني الأخير قد سلط الضوء بوضوح على قدرة القوات المسلحة اليمنية على شل القدرة الدفاعية للمدمّـرات الأمريكية من خلال الكثافة النارية للطائرات المسيَّرة فقط؛ وهو أمر يطرح تساؤلات مهمة حول ما الذي سيحدث إن تم استخدام أسلحة هجومية أُخرى بجانب الطائرات المسيَّرة، كالصواريخ التي أثبتت في عملية استهداف المدمّـرة “غريفلي” أنها قادرة على تجاوز الدفاعات الصاروخية الأمريكية بنجاح، بالإضافة إلى الزوارق والغواصات المسيَّرة التي أقر مسؤولون أمريكيون بأن اكتشافها والتصدي لها أصعب من الصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة؟ وما الذي سيحدث إن تم إطلاق دفعة أُخرى من الصواريخ والطائرات مباشرة بعد هجوم واسع كالذي تم تنفيذُه السبتَ؟!
أسئلة لا شك أنها ستثير الرعب لدى قادة الجيش الأمريكي الذين أكّـدوا خلال الفترة الماضية بوضوح أن اليمن يواصل مفاجأتهم بقدراته العسكرية وأن المواجهة الجارية في البحر غير مسبوقة؛ وهو ما يعني أنهم لا يملكون تصورات مسبقة لما يمكن أن تفعله القوات المسلحة اليمنية، وبعبارة أُخرى: فَــإنَّ اليمن يملك دائماً عنصر المفاجأة والمباغتة.
وبإضافة ذلك إلى العديد من الحقائق التي أكّـدها مسؤولون وعسكريون أمريكيون خلال الفترة الماضية، مثل حقيقة افتقار الجيش الأمريكي إلى معلومات استخباراتية في اليمن، وحقيقة فشل حملة الغارات الجوية في تحقيق أي هدف؛ فَــإنَّ النتيجة تكون وبكل وضوح هي أن الولايات المتحدة (وبريطانيا بالضرورة) تعيشان مأزقاً حقيقيًّا قد يكون هو الأسوأ في تأريخ مغامراتهما العسكرية؛ لأَنَّ استمرارَ العدوان الصهيوني على قطاع غزةَ وما يتضمَّنُه من عدوانٍ على اليمن يعني أن العملياتِ اليمنيةَ ستستمرُّ بالتصاعُدِ والاتساع، ولا يبدو أن الأمريكيين والبريطانيين يملكون أية خيارات لـ”تحمل” أَو “احتواء” مثل هذا التصعيد الذي قد وصل بالفعل إلى مستوى إغراق سفن الشحن التابعة لهم، ويتجه بوضوح نحو مستوى تدمير القطع العسكرية البحرية لهم.
وحتى قبل الوصول إلى مستوى تدمير البوارج والمدمّـرات العسكرية، فَــإنَّه يبدو بوضوح أن التكاليف المادية التي يتكبدها الأمريكيون والبريطانيون في البحر تتزايد بشكل غير قابل للتحمل، وقد أكّـد قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال مايكل كوريلا، في تصريحاته أمام الكونغرس يوم الخميس الماضي، أن القوات الأمريكية بحاجة إلى أكثر من نصف مليار دولار إضافية؛ مِن أجل المزيد من الدفاعات الجوية لمواجهة الصواريخ والطائرات المسيَّرة اليمنية التي وصفها بأنها تشكل “خطراً حاداً بشكل خاص”، مُشيراً إلى أن الولايات المتحدة أَيْـضاً بحاجة إلى إعادة تقييم التكاليف العسكرية للموازنة بين الكلفة العالية للأنظمة الدفاعية وبين الكلفة المنخفضة للطائرات المسيَّرة التي يتم الاشتباك معها بصواريخ تتجاوز قيمتُها مليونَي دولار.
وكانت وزارةُ الدفاع البريطانية قد أعلنت هي الأُخرى قبلَ أَيَّـام أنها تحتاجُ إلى أكثرَ من مليارَي دولار؛ بسَببِ زيادةِ النفقات العسكرية في البحر الأحمر وأوكرانيا.
ويعني ذلك أن خياراتِ الأمريكيين والبريطانيين في المواجهة مع اليمن تزدادُ سوءاً مع مرورِ الوقتِ في ظل التصاعُدِ المُستمرِّ للعمليات اليمنية.