الخبر وما وراء الخبر

رمضانُ شهرُ النفير العام والجهاد

14

ذمــار نـيـوز || مـقـالات ||
10 مارس 2024مـ -29 شعبان 1445هـ

بقلم// عدنان علي الكبسي

يقول الله سبحانه: {شَهرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرءَانُ هُدى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰت مِّنَ الهُدَىٰ وَالفُرقَانِ}، من أهم ما يتميز به شهر رمضان المبارك على بقية الشهور هو أنه الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن الكريم، مما يدلل على عظمة وفضل هذا الشهر الكريم، ويدلل أَيْـضاً على الصلة الوثيقة بين الصيام والقرآن والتي هدفهما التربوي المهم هو تحقيق التقوى، فالهدف من الصيام تحقيق التقوى {يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ} والهدف من اتباع القرآن هو تحقيق التقوى {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِى مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ، وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُم وَصَّىٰكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ}.

فكما للقرآن الكريم حيوية في الواقع العملي، وهو الذي يحرك ويستنهض ويدفع بالناس إلى تحمل المسؤولية والنهوض بها، كذلك شهر رمضان أراده الله أن يكون عملية ترويض، أن يكون أداء عمليًّا، واقعًا عمليًّا يساعد الإنسان على التحكم بنفسه، وترويضه على ضبط نوازع النفس وتوجّـهاتها ورغباتها وانفعالاتها ليكون في واقع الحياة مسؤولًا، يتعاطى بمسؤوليةٍ عالية، بعيدًا عن الطمع والنزق والأهواء، ليتفاعل مع الأحداث من حوله وهو يستشعر مسؤوليته أمام الله تجاه كُـلّ مجريات الحياة.

عملية الصيام عملية ضبط يكبح الإنسان شهواته ورغباته ليكون قوي الإرادَة وقوي السيطرة، وقوي التحكم بالنفس وقوي التحمل لما تحتاج إليه مسؤولياته في الحياة.

شهر رمضان ليس شهراً للنوم نهارًا والسهر ليلًا في ما يضيع الأوقات، شهر رمضان ليس للانعزال عن الناس والاختلاء في زوايا المساجد وغرف البيوت، ليس للسهرات على الألعاب بمختلفها، ولا للسمرات أمام المسلسلات، ليس للانفصال عن الأحداث والمتغيرات في واقع الحياة، شهر رمضان ليس للاعتكاف على قراءة القرآن الكريم دون تدبر آياته، ليس للتسبيح والاستغفار والذكر لله باللسان المُجَـرّدة عن الواقع العملي.

تصوم رمضان لتحس بالجوع وتستذكر إخوتك المحاصرين في قطاع غزة، تعاني من العطش وتستذكر إخوة لك في غزة لا يشربون إلا من البحر أَو من مياه ملوثة، فيدفعك ذلك إلى اكتساب العزم واكتساب قوة الإرادَة فتنفر خفيفًا وثقيلًا وجائعًا وعطشانًا بإرادَة صلبة وتجلد منقطع النظير للخروج في المسيرات والمظاهرات والوقفات المساندة للمجاهدين في فلسطين الجريحة.

لا يمكن أن يجعلَك رمضانُ تغُطُّ في نومك وتتكاسل عن كُـلّ المواقف المساندة لإخوتنا الفلسطينيين، شهر رمضان يؤثر بشكل سلبي على المدللين، ضعيفي الإرادَة، ضعيفي التحمل، يؤثر على الذين لا يبالون بدماء الأطفال وأشلاء النساء، بل يخرج في أية مسيرة أَو مظاهرة أَو وقفة أَو فعالية؛ لأَنَّه يستذكر الفلسطينيين الصائمين تحت القصف الصهيوني؛ لأَنَّه يستذكر الأمعاء الخاوية من لقمة الخبز نهارًا وليلًا، إن جف حلقه من الظمأ يستذكر أطفالاً ونساءً في فلسطين جفت حلوقهم وذبلت أجسامهم.

للصائم في كُـلّ يوم فرحة عند أذان المغرب فيتناول إفطاره حمدًا وشكرًا لله على إتمام صيامه، وللفلسطيني في كُـلّ يوم دمعة عند أذان المغرب؛ لأَنَّه لا يجد إفطاراً يتناوله مع أطفاله فيمدون أيديهم بالدعاء والتضرع بين يدي الله أن يجعل لعنته على كُـلّ صائم تخاذل عن نصرتهم، وتراجع عن موقفه بحجّـة أنه صائم.

تُقدم للصائم المسلم مائدة الإفطار بمختلف طعامها وشرابها ويُقدم للصائم الفلسطيني لقمة خبز من أعلاف الحيوانات إن وجدت، فيذرف الدمع لتكون دمعته لعنات للصائمين النائمين عن مساندتهم.

يلتف الصائمون في المساجد والبيوت حول مائدة الإفطار مستأنسين مع بعضهم البعض منتظرين موعد أذان صلاة المغرب فيأكلون لتشبع بطونهم ويشربون ليرتوي ظمأهم، والصائمون الفلسطينيون في الخلاء والشوارع مع موعد أذان صلاة المغرب يضعون أيديهم على خدودهم حزنًا ألا يجدوا ما يسد رمق جوعهم.

فشهر رمضان ليس شهر النوم والراحة، شهر رمضان شهر عمل وجهاد، تحَرّك ونفير، قرآن وعمل بالقرآن، ذكر لله واستجابة عملية لله.

شهر رمضان شهر بذل وعطاء، جود وكرم وسخاء، صيام وقيام، ذكر وتسبيح واستغفار، إيثار ومواساة، ومحبة وألفة وتراحم وإخاء وتزاحم على الخيرات فيما بين المجتمع.

سنصوم شهر رمضان عن الأكل والشرب والجماع ولن تصوم حناجرنا عن الصرخات والبراءة من أعداء الله، ولن تصوم سواعدنا عن رفعها لهتاف الحرية، ولن تصوم بنادقنا وصواريخنا ومسيَّراتنا، ولن تصوم أرجلنا عن المسيرات والمظاهرات والوقفات والأنشطة المؤثرة على الأعداء بكل زخم وتكاثف وتكاتف وتعاون.

شهر رمضان شهر مسيرات ومُسيَّرات، مظاهرات وغواصات، وقفات وصواريخ، صرخات وضربات.
شهر رمضان شهر النفير العام والجهاد في سبيل الله، شهر الصبر والتضحية والاستبسال، شهر لا كلل ولا ملل ولا وهن ولا ضعف ولا استكانة، مُستمرّون في الأنشطة التعبوية والعسكرية والجماهيرية حتى إيقاف العدوان ورفع الحصار عن إخوتنا الفلسطينيين في قطاع غزة.