إحراق السفينة البريطانية.. اليمن يوسع ورطة حُماة الصهيونية
ذمــار نـيـوز || متابعات ||
28 يناير 2024مـ -17 رجب 1445هـ
مثَّلت العمليةُ النوعيةُ التي نفذتها القوات البحرية، مساء الجمعة، ضد سفينة نفط بريطانية تطوُّرًا جديدًا في مسار التحَرّك العسكري اليمني التاريخي لإسناد الشعب الفلسطيني
سواء على مستوى معادلة الضغط الفاعل والمؤثر على العدوّ لوقف حربه الإجرامية وحصاره على قطاع غزة، أَو على مستوى معادلة الرد على الاعتداءات ضد اليمن؛ فهُــوِيَّة السفينة والأضرار الكبيرة التي أصابتها نتيجةَ احتراقها لأكثَرَ من 12 ساعة، حملت رسائل واضحة بأن اليمن لا يزال تمتلك الكثير من الخيارات الضاغطة والمؤلمة التي من شأنها أن تجعل استمرار العدوان والحصار على غزة واستمرار الاعتداءات على اليمن مخاطرةً انتحارية كبيرة للعدو الصهيوني ولرعاته على حَــدٍّ سواء.
وبحسب شركة “ترافيجورا” المشغِّلة للسفينة النفطية البريطانية “مارلين لواندا” فَــإنَّ السفينة ظلت تحترق حتى مساء السبت، وهو ما أكّـدته أَيْـضاً هيئةُ عمليات البحرية البريطانية التي قالت إن الحريقَ أُخمد أخيراً عند الساعة الرابعة عصراً؛ أي بعد حوالي 19 ساعة من وقت إبلاغ الهيئة عن وقوع الهجوم.
وقد نشرت البحرية الهندية، السبت، صوراً أظهرت اشتعال النيران في منتصف السفينة.
ومع ذلك فَــإنَّ الشركة المشغلة للسفينة، وهيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية أكّـدتا بوضوح على سلامة جميع أفراد طاقهما؛ وهو ما يجدد التأكيد على دقة الهجمات اليمنية وأخلاقيتها، حَيثُ لم تسفر حتى الآن عن إصابة أي شخص من طواقم السفن المستهَدَفة برغم إصابة العديد من السفن بأضرار كبيرة.
هُــوِيَّة السفينة ونوعية حمولتها كانت من المعطيات البارزة في العملية؛ فهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف سفينة بريطانية بشكل مباشر، منذ بدء مسار الهجمات البحرية اليمنية؛ وهو ما يجدد التأكيد على التفوق الاستخباراتي للقوات المسلحة اليمنية؛ فالسفينة بحسب معلومات نشرتها وكالةُ “يو نيوز” كانت تحملُ وقوداً للطائرات الحربية، وكانت تتجهُ إلى كيان العدوّ وليس إلى اليونان كما كانت تظهر بياناتها، وأن القوات اليمنية كانت على عِلْمٍ مسبَقٍ بذلك.
وهكذا فَــإنَّ الضربة جاءت ضمن معادلتَينِ متوازيتَين:- الأولى: منع وصول أية إمدَادات للعدو، والثانية هي: الرد على تورط بريطانيا في العدوان على اليمن، وهو تورط أبدت المملكة المتحدة لا مبالاة وقحةً فيه؛ الأمر الذي جعل الضربة اليمنية تمثل صفعةً قوية من شأنها أن تُحدِثَ تأثيراتٍ كبيرةً في الداخل البريطاني الذي لم يظهر منذ البداية الكثير من التأييد لمشاركة لندن في الهجوم على اليمن، حَيثُ اعتبرت صحيفة “الغارديان” البريطانية أن هذه الحرب “لا يمكن كسبها” والآن سيكون لدى البريطانيين المزيدُ من الدلائل لإدراك أن حكومتهم ليست فقط عاجزةً عن كسب هذه الحرب، بل إنها تخاطر بالاقتصاد البريطاني الذي قد بدأ بالفعل يتأثر مؤخراً، حَيثُ أصبحت شركاتُ التأمين ترفُضُ تغطية السفن المرتبطة بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والتي تعبر البحر الأحمر، بحسب “بلومبيرغ”.
المعطى الآخر البارز والجديد في مشهد الضربة، هو: حجمُ الأضرار التي لحقت بالسفينة البريطانية “مارلين لواندا” فهذه هي المرة الأولى التي تتعمد فيها القوات المسلحة إحراقَ سفينة منذ بدء عملياتها البحرية في نوفمبر الماضي؛ الأمر الذي يعني أن العملية حملت رسالةً “تأديبيةً” وعقابية؛ مصداقاً للتحذيرات التي تكرّرت خلال الأسابيع الماضية بأن الاعتداءات على اليمن لن تمُرَّ دونَ رَدٍّ وعقاب.
وقد اعتبرت وكالاتُ أنباء دولية ووسائلُ إعلام أمريكية وبريطانية الهجوم على “مارلين لواندا” هو الأكبر؛ باعتبار الأضرار التي لحقت بالسفينة؛ وهو ما يعني أن الرسالة وصلت بنجاح إلى الأعداء، وهي رسالة تفيد بأن ورطتهم في اليمن لن تكون مغامرة عادية يمكن السيطرة على نتائجها وعواقبها؛ فإحراق السفينة سيدفع شركات التأمين إلى التمسك بقرار عدم تغطية السفن ذات العلاقة بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في البحر الأحمر؛ الأمر الذي ستكونُ له تداعياتٌ كبيرة على اقتصاد البلدَين وعلى مستقبل حكومتَيهما.
وقد كشف موقع “بوليتيكو” الأمريكي قبلَ أَيَّـام عن مخاوفَ داخل الولايات المتحدة الأمريكية من تأثير العمليات اليمنية على الاقتصاد الأمريكي، حَيثُ يشعر مسؤولون وخبراءُ أمريكيون بقلق متزايد من حدوث تضخم، ومن أن أسعار النفط والبضائع سترتفع داخل أمريكا، إذَا استمرت العمليات اليمنية بالرغم من مزاعم الإدارة الأمريكية بأن الوضع تحت السيطرة.
وبحسب الموقع فَــإنَّ المسؤولين والخبراءَ الأمريكيين يرَون أن التأثير الاقتصادي للعمليات اليمينة سيمثل مشكلة كبيرة لبايدن والديمقراطيين مع قدوم الانتخابات.
ويمكن تطبيقُ نفس هذه المخاطر على بريطانيا، التي دخلت سفنها الآن في دائرة الاستهداف المباشر والمدمّـر.
ووفقاً لذلك، فَــإنَّ استهداف السفن الأمريكية والبريطانية لا ينفصلُ عن الهدف الرئيسي للتحَرّك العسكري اليمني في البحر الأحمر والبحر العربي، والمتمثل في الضغط على العدوّ لوقف الحرب الإجرامية على غزة ورفع الحصار الوحشي المفروض على سكانه، بل يمكن القول: إن هذا الهدف توسَّع بشكل احترافي ليصبحَ الضغطُ الآن موجَّهاً ضد الرعاة الدوليِّين للعدو، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، إلى جانب الضغط المُستمرّ على العدوّ الصهيوني نفسه.
وهكذا، توجّـه هذه العمليةُ رسالةً إضافيةً للعالم بأن المشكلةَ في البحر الأحمر والعربي كانت ولا زالت مرتبطةً بالعدوان المُستمرّ على غزةَ، وهو ما يبدو بوضوح أن العديد من الجهات الدولية قد باتت تدركُه بشكل كامل، حَيثُ كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” الأمريكية قبل أَيَّـام عن محاولة أمريكية للجوء إلى الصين؛ مِن أجل ممارسة ضغوط لوقف العمليات اليمنية البحرية، لكن الصين ردَّت على لسان المتحدث باسم وزارتها الخارجية بالتأكيد على أن “ما يجري في البحر مرتبطٌ بالوضع في غزة، وأن التحَرُّكَ العسكريَّ ضد اليمن ليس مشروعاً بل “يصُبُّ الزيتَ على النار” بحسب تعبير المتحدث.
وبالإضافة إلى كُـلِّ ما سبق فَــإنَّ عمليةَ إحراق السفينة البريطانية تجدِّدُ التأكِيدَ على صلابة الموقف اليمني عسكريًّا وسياسيًّا وصعوبةِ الالتفاف عليه أَو تجاوزه أَو السيطرة عليه؛ فالعملية جاءت عقب معركة تاريخية انتصرت فيها القوات المسلحة بشكل ساحق على أسطول من السفن الأمريكية في باب المندب، وكان من نتائجها إصابةُ بارجة أمريكية بشكل مباشر؛ وهو ما يمثل رسالةً واضحةً بأن اليمنَ ماضٍ في تحَرّكه بسقف عالٍ من الخيارات المؤثرة والفاعلة وأن كُـلّ أدوات الضغط والابتزاز المضادة التي تعتمد عليها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لن يكون لها أي تأثير على هذا التحَرّك، فضلاً عن إيقافه، بل إن هذا التحَرُّكَ سيمضي في مسارٍ تصاعديٍّ مفتوحٍ على المزيد من المفاجآت المتنوعة.