الخبر وما وراء الخبر

جَنَّـاتٍ أَلۡفَافاً

5

بقلم// إقبال جمال صوفان

يتواجدون في كل التفاصيل النيّرة النقيّة، نراهم في عمقِ السماء ، عذوبة الماء ، وقطرات النّدى ، نراهم في كل شيءٍ تركوه خلف ظهورهم وبقينا نحن لإكمال مابدأوه، ذهبوا أجساداً ولكن أرواحهم مُرافقة لنا دوماً دون رحيل ، نَفسٌ عميق وليلٌ طويل ، إغماضُ جفن وسرحان خيال ، هطولُ دمع وتنهيدة روح، لنذهب سويّاً إلى عالم الشُّهداء.

قال تعالى : (فَرِحِینَ بِمَاۤ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَیَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِینَ لَمۡ یَلۡحَقُوا۟ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ)بيّن الله سبحانهُ وتعالى أنَّ الذين قتلوا في سبيلهِ أحياء في حالة أحسن من الدنيا لقد ذهبوا فعلاً ليعيشوا في ضيافته جلَّ وعلا ، وضّحَ بأنَّ أرواحهم حيّة لأن الحياة الفعليّة الحقيقيّة هي حياة الأرواح وليست حياة الأجساد ، لم يموتوا بل بدأو الحياة الأبدية الحقّة لديه، وقد منعنا الخالق عزَّ وجل عن مناداتهم بالموتى قائلاً :(وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَن یُقۡتَلُ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ أَمۡوَ ⁠تُۢ بَلۡ أَحۡیَاۤءࣱ وَلَـٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ) حقيقةٌ ويقينٌ تام لا ريبَ فيهِ ولا شك.

حينما نقول عالم الشهداء فهو شيء واسع ومِساحة كُبرى، لأن تفاصيله كثيرة وقصصهُ أكثر ، كُلُّ شهيدٍ لهُ قصة بطوليّة تنحني لها الهامات والجبال معاً، لَكم سَمِعنا عدة مواقف وأفعال اقشعرت لها أبدانُنا مِنْ عظمةِ ما تحملهُ من بأسٍ وصمودٍ ، ولكن النقطة الوحيدة والمشتركة بين جميع الشُّهداء هي حُبّ الجهاد في سبيلِ الله الذي اتخذوه ملاذاً آمناً يأووا إليه من كل مكدراتِ الحياة ومواجعها ، وجبهات القتال الذي تشاركوا فيها أروع ملاحم البطولة والثبات، يذهبون بصمتٍ وهم يحملون قضيّة أُمة على عاتقهم ، يتصرفون بتضحيةٍ وإباء لا مثيل له ، يُصرون على مُقارعةِ الظلم والظالم أينما وُجد ، يندفعون بكل مالديهم من عُدةٍ وعتاد ، هم المثل الأعلى في الأخلاقِ والقيم والمبادئ الراسخة فيهم بنهجِ مُحمدٍ وآله، يمتلكون نفسياتٍ هبّت عليها رياح السكينة والاطمئنان، تشعُ ملامحهم نوراً وعيونهم حُباً، خِفافاً مرّوا دون ضررٍ أو عِتاب، يشعرون بآخر أيامهم فـ يودعونا بكلماتٍ مُختلفة ونبضات قلبٍ مُتسارعة توحي بعدم العودة واللقاء إلا في جناتِ النّعيم ، حينها تبدأ العيون بهطول أمطارها سريعاً بأنفاسٍ مُتقطعة ورجاءاتٍ مُخلصة.

شهداؤنا الكُرماء هم من رفعوا اسم اليمن عالياً، وتحرّكوا لحمايتنا من ظلم وطغيان وجبروت المُحتلين، كانت نظرتهم ثاقبة، اندفعوا بحُرقةٍ لرفع العدوان والحصار عنّا ، لم يتحمّلوا مشاهد قتل النساء والأطفال ، لم يستسيغوا فكرة الوصاية والعبودية والمذلة ، كانوا أحراراً وظلّوا كذلك وأبَوا العبودية إلا لله الواحد القهّار ، سطّروا أفضل المعارك القتالية جواً وبحراً وبراً، أثبتوا أنَّ السلاحَ الحقيقي هو سلاح الإيمان والتولّي، حَملوا أرواحهم على أكُفهِم وكُلهم ثقة بأن مَنْ بعدهم لن يخونوا دماءهم وسيحافظون على أرضهم وكل غالٍ وثمينٍ تركوه وراءهم، واجهوا وقاتلوا حتّى اللحظة الأخيرة الّتي اختارهم الله ليكونوا بجواره ، فازوا بما سعوا له منذ سنين وداعاً أحباءنا وإلى المُلتقى في جنّاتٍ ألفافاً.