عن دار حوران بدمشق…الحياة العلمية في عدن للدكتور حسين العنسي.
كتب// أمين النهمي
صدر عن دار نور حوران، بدمشق _سورية، كتاب «الحياة العلمية في عدن من القرن الخامس حتى الثامن الهجري» للأستاذ الدكتور حسين صالح العنسي، أستاذ التاريخ الإسلامي وحضارته، رئيس قسم التاريخ والعلوم السياسية بكلية الآداب جامعة ذمار.
ويشير المؤلف في مقدمة كتابه إلى أن مدينة عدن أخذت شهرتها ومكانتها من أنشطتها التجارية والاقتصادية المختلفة، كونها واحدة من أشهر الموانئ اليمنية في جنوب شبه الجزيرة العربية، وعلى ساحل العربي، والمحيط الهندي، وهو الأمر الذي جعل هذا الجانب يعلو على بقية الأنشطة والظواهر التاريخية الأخرى؛ لاسيما في الجوانب الحضارية والعلمية والفكرية والأدبية والثقافية والعمرانية وغيرها من الجوانب الذي كانت تتمتع بها عدن.
وتحاول هذه الدراسة الإجابة على عدد من الأسئلة، ومنها:
هل هناك علماء ينسبون إلى عدن حقاً؟ وأين تلقوا علومهم؟ وما دورهم في نشر العلم فيها؟ وما هي الآثار العلمية والفكرية التي تركوها؟ ما هي الأنشطة العلمية للعلماء الوافدين إلى عدن؟ وما هي الآثار الذي تركوها؟ هل فعلا وجدت حركة علمية في عدن لها مقوماتها الأساسية من معلم ومدرس ومكان للتدريس وخزائن للكتب؟ ما مصادر تمويلها؟ ما هي العلوم الذي كانت تدرس في عدن؟ وما هي الطرق والوسائل المتبعة لتدريسها؟ ما هي العوامل الذي ساعدت على نمو الحركة العلمية في عدن وتطورها؟ ما دور العامل التجاري والاقتصادي في ذلك؟ هل هناك خصائص تفردت بها عدن عن بقية المراكز العلمية في اليمن؟ ما مدى تأثرها وتأثيرها العلمي والثقافي ببقية المراكز العلمية في اليمن؟ والمراكز العلمية للبلدان الأخرى التي على صلة تجارية بعدن؟ وغيرها من الأسئلة والإشكالات.
وينوه المؤلف إلى أن اختيار (الحدود الزمنية للدراسة)؛ ليست اعتباطاً، بقدر ما هي تماشياً مع المتغيرات التاريخية لعدن. فبدايتها؛ بدأت بعصر تاريخي وسياسي جديد لعدن، حينما استقل بحكمها بني معن، متخذين منها عاصمة سياسية لإمارتهم، فضلاً عن استعادة دورها التجاري والاقتصادي بعد أن كاد ينتزع منها؛ أما نهايتها (أي الدراسة)، فهي نهاية مرحلة تاريخية سياسية اقتصادية تجارية اشتهرت بها عدن، والمتمثلة بنهاية حكم الدولة الرسولية لليمن بشكل عام، وعدن بشكل خاص.
ويذكر الدكتور العنسي أن السبب المهم لاختيار موضوع الدراسة هو تسليط الضوء عن بعض الخصائص التي تميزت بها الحياة العلمية في عدن، عن بقية المراكز العلمية الأخرى في اليمن، باعتبارها ميناءً تجارياً واقتصادياً مفتوحاً لجميع الملل والنحل على اختلاف تياراتهم السياسية والفكرية والعقدية، مع تبيان دورها في مد جسور التواصل الحضاري والثقافي والعلمي والأدبي بين اليمن والبلدان الأخرى بمختلف أجناسها وثقافاتها وتياراتها الفكرية والعلمية التي لها علاقة تجارية بعدن، إضافة إلى ذلك تهدف الدراسة إلى الإجابة على تلك التساؤلات الذي أثيرت سابقاً. مع تبيان المقومات الأساسية للحركة العلمية في عدن، وتنوع مشاربها، وانفتاحها على مختلف العلوم النقلية، والعقلية، وكذلك التيارات الفكرية والعقدية والمدارس الكلامية، فضلاً عن معرفة مدى تأثيرها العلمي والفكري على الحركة العلمية في اليمن بشكل عام.
و اعتمد المؤلف في كتابة هذه الدراسة على المنهج التاريخي الوصفي الاستقرائي التحليلي الكمي، من خلال جمع نصوص الدراسة من بطون المصادر، ومقارنتها، وترتيبها، وفرزها بحسب الفصول، ومن ثم تحليلها وتفسيرها تمهيداً لصياغتها واخراجها، مدعماً ذلك بالشواهد والملاحق الكمية الذي من شأنها أن تجعل الدراسة شاملة لجميع انشطة الحركة العلمية في عدن.
وتكونت الدراسة من مقدمة، وتمهيد، وفصول خمسة، وخاتمة، وقائمة بأسماء المصادر والمراجع مع الملاحق، تناول في المقدمة: مضامين الدراسة، أمَّا التمهيد المعنون بـ: الحياة السياسية والاقتصادية لعدن، واشتمل على قسمين: الأول: تضمن دراسة الوضع السياسي لعدن من القرن 5هـ/11م حتَّى القرن 8هـ/14م من خلال تناول إمارة بني مَعْن وحكمها لعدن، ثُمَّ المد الصليحي على عدن والقضاء على إمارة بني مَعْن، وقيام الدَّولة الزُرَيْعية واتخاذ عدن عاصمة سياسية لها، وأخيراً السيطرة الأيوبية على عدن، ومن ثم الحكم الرسولي لها، ووقف القسم الثاني على دراسة الحياة التجارية والاقتصادية في عدن وفقاً للعناوين الآتية: تشجيع وتنشيط القوى السياسية الحاكة لليمن حركة التجارة في عدن، الأسواق التجارية، الموارد المالية والاقتصادية التي يجنيها التجار والدول المتعاقبة على حكم اليمن.
وتناول الفصل الأول أماكن (مقرات) تلقِّي الطلاَّب الْعِلْم في عدن من خلال الحدِّيث عن: الكتاتيب ودورها في تعليم الصبيان، وكذلك المساجد، والتطرق إلى بيُوت العلماء والقضاة التي كانت أمكنه تلقِّي الْعِلْم، ثُمَّ الرُبط والزوايا الخاصة برجال الصوفية، والحدِّيث عن الحياة المدرسية في عدن (المدرسة المنْصوريَّة)، والوظائف التعليمة من مُدرَّسين ومُعِيدين ومُعلَّمين ومُؤذنين وأئمة وطلاَّب، مع بيان العلوم التي كانت تُدرِّسها، كما تطرق هذا الفصل إلى قصور الأمراء والسلاطين والولاة التي كانتتُتخذ بصفة أمكنة لتعلم الأدب والشِّعر، والساحات العامة، والأسواق التجارية، وأماكن إقامة التجار، وانتهى هذا الفصل بتناول المكتبات (خزائن الكتب) والعوامل التي ساعدت على وجودها، كالعامل التجاري، ونسخ الكتب، وأماكن بيعها، واقتنائها والمحافظة عليها، وخلص الحدِّيث إلى ذكر المكتبات بقسميها الخاصة والعامة.
فيما تضمن الفصل الثاني موضوع النُظم التعليمية وحملة الْعِلْم (علماءً وطلاباً)، فتطرق إلى النظم التعليمة في المرحلة الأولى من خلال تِبْيان: المواد الدراسية المقررة، وأساليب التعلم وأدواته، وأوقات التَّدريس والعطل، ونظام التخرج، ثُمَّ تلي ذلك دراسة نظم التعليم في المرحلة العليا، وهي: نظام الحلقات، ونظام المجالس وأنواعها (مجالس التَّدريس، والإملاء، والمُناظرات، والأدب، والسَّماع، والفتوى، والخطابة، والذكر، والمُذاكرة)، وتناول طرق التَّدريس التي كانت سائدة في عدن، نحْو: طريقة السَّماع، وطريقة القراءة (العَرْض)، وطريقة الإجازة بأنواعها، وأخيراً طريقة الوجادة، كما تناول هذا الفصل مصادر التمويل المالي للتعليم في عدن، سواء التمويل الرسمي (الدَّولة)، أَم غير الرسمي، إنفاق (العلماء، والتجار، والأوقاف)، كما تَمَّ دراسة أحوال حملة الْعِلْم المالية، وعلاقاتهم الاجتماعية بعضهم ببعض، وبالمحيط الَّذِين يعيشون فيه (مجتمعاً، وسلطةً)، وانتهى الفصل بتبيان أثر العلماء في قضايا المجتمع، وعلاقتهم بالسلطة مع تقلدهم مناصب إدارية في الدَّولة – القضاء- وتوليهم إمامة المساجد والخطابة، والتصدي للمنكرات ومحاربة المفاسد، والمشاركة في العمل التجاري.
بينما حمل الفصل الثالث عنوان: (العلوم الشرعية وعلم التَّاريخ والتَّصوف)، إِذْ شملت العلوم الشرعية: علوم القرآن (التَّفسير، والقراءات)، وعلم الحدِّيث، وعلم الفقه وأصوله، وعلم الفرائض، وذلك من خلال ذكر العلماء وإسهاماتهم في تَدرِّيس هذه العلوم للطلاَّب من كتب مختلفة كانت سائدة في عدن، مع بيان إنتاجهم العلمي، وتضمن الجزء الأخير من هذا الفصل معالجة موضوع التَّصوف في عدن وانتشار طرقه ومدارسه بصورة مقتضبة، مع ذكر بعض مشائخ الصوفية، لمعرفة تأثيرهم على الحياة العلمية فيها.
أمَّا الفصل الرابع: فوقف على دراسة العلوم اللغوية والعقلية التي كانت سائدة في عدن، وقد انشطر إلى قسمين، القسم الأول: تضمن دراسة فروع علوم اللُّغة والأدب، بدءاً بعلم النَّحو وعلمائه الَّذِين بذلوا جهوداً في تَدرِّيسه للطلاَّب، لا سيمَّا من كتب النَّحو المشهورة والمتداولة في اليمن، ونتاجهم العلمي، وانتهاءً بعلم اللُّغة وعلمائه الَّذِين برزوا فيه، فأجادوا فن التَّدريس للطلاَّب من كتب اللُّغة السائدة آنذاك في البلاد الإسلامية، ثُمَّ تطرق الفصل إلى الحركة الأدبية والنثرية والكتابية في عدن، وفقاً لتراجم الأدباء والشعراء الَّذِين ينسبون إليها، ومكانتهم الأدبية وإسهاماتهم في قول الشِّعر بشتى أغراضه؛ بهدف نفض الغبار عنهم وعن تراثهم الأدبي الَّذِي خلفوه، ودورهم في إذكاء الحركة الأدبية.
أمَّا القسم الثاني: فقد تَمَّ فيه دراسة العلوم العقلية التي كانت سائدة في عدن، إِذْ ابتدأ بعلم الكلام، ولامس جهود علماء الشافعية، والأشعرية، والإسماعيلية في الحراك الفكري في عدن، تلى ذلك دراسة العلوم العقلية الأخرى كعلم الفلك، والحساب، والطب، والبيطرة، والموسيقى، والهندسة المعمارية، والكيمياء المرتبطة بالصناعات، ثُمَّ الإشارة إلى أهم العلماء الَّذِين كانت لهم جهود ملموسة في الاشتغال بهذه العلوم ونشرها، وبيان مؤلفاتهم التي شاعت في اليمن.
أمَّا الفصل الخامس والأخير فخصص لدراسة: الصلات العلمية بين عدن وبقية المراكز العلمية في اليمن وسواها.وتطرق إلى دراسة الصلات العلمية بين عدن وبقية المراكز العلمية في البلاد العربية والإسلامية، وخلص إلى إيضاح التبادل العلمي بين هذه البلدان واليمن.
وانتهت الدراسة بخاتمة تضمنت النتائج التي توصلت إليها، مع ذكر قائمة المصادر والمراجع والرسائل العلمية والدوريات التي اعتمدت عليها الدراسة، وأرفقت الدراسة بملاحق خمسة كإحصائيات وبيانات (قاعدة بيانات)، وظفت لخدمة موضوعات الدراسة، بمَّا يجعلها أكثر وضوحاً ودقةً، وبمَّا يكفل الابتعاد عن كثرة الأسماء، وضرب الأمثلة التي قد تثقل كاهلها.