هل تنجح الوساطة العُمانية في إنعاش السلام؟
بقلم// #علي_ظافر
على عكس الأجندة الأميركية الأممية، ترى صنعاء أنه لا يمكن القفز على الملفات الإنسانية والحديث عن المفاوضات السياسية.
وصل الوفد العماني، رفقةَ الوفد الوطني المفاوض، إلى العاصمة صنعاء، الخميس، في زيارة هي السادسة خلال عام وثمانية أشهر، من أجل محاولة إحياء العملية التفاوضية وإنعاش جهود السلام.
تأتي الزيارة العُمانية ضمن حراك دبلوماسي نشط، شهده اليمن ومنطقة الخليج هذا الأسبوع، بعد رسائل التحذير، التي أطلقها السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، يوم السبت، الثاني عشر من آب/أغسطس.
تحذيرات صنعاء تربك واشنطن والرياض
يبدو أن رسائل السيد عبد الملك، السبت الماضي، والتي لوّح فيها بالخيار العسكري، أتت أكلها، وحرّكت المياه الراكدة إنسانياً في مجاري أميركا والسعودية، وأقفلت المجال أمام مراوغة واشنطن والرياض ومناورتهما في الوقت والوعود الفارغة منذ قرابة عام وستة أشهر (مرحلة خفض التصعيد). وما يفسر ذلك إرسالُ الخارجية الأميركية، بعد يومين من “خطاب الفرصة الأخيرة”، مبعوث بايدن، تيم ليندركينغ، في جولة إلى منطقة الخليج بدأت من السعودية، وانتهت بسلطنة عُمان، ناقش فيها، مع وكيل وزارة الخارجية العماني خليفة الحارثي، “جهود التوصل إلى حل سياسي شامل في اليمن”، بالتزامن مع وصول الوفد العماني إلى صنعاء للدفع نحو استئناف العملية التفاوضية.
في غضون ذلك، قدّم الممثل الأممي، هانس غراندبرغ، الأربعاء، إحاطة جديدة أمام مجلس الأمن، لا تحمل جديداً سوى حديثه عن ضرورة “معالجة القضايا المتعلقة بانتظام تسديد رواتب موظفي القطاع العام على مستوى اليمن، وتحسين الخدمات وتجارة الخدمات والسلع بين مختلف أجزائه”، و”الحاجة إلى التوسع في الرحلات الجوية من مطار صنعاء وإليه”. وهذا أمر يبعث على التفاؤل في حال ضغطت الأمم المتحدة في هذا المسار، لكن ما يبعث على اليأس أن مقاربات الأمم المتحدة تتماهى مع أجندة الولايات المتحدة فيما يخص محاولة القفز إلى الملف السياسي، قبل حسم الملف الإنساني، عبر الحديث عن ضرورة “الوصول إلى اتفاق بشأن طريق للتقدم يشمل إعادة بدء عملية سياسية جامعة” برعاية أممية.
صنعاء: الملف الإنساني أولاً
على عكس الأجندة الأميركية الأممية، ترى صنعاء أنه لا يمكن القفز على الملفات الإنسانية والحديث عن المفاوضات السياسية قبل حلحلة الملفات الإنسانية، وفي مقدّمتها رفع الحصار كلياً عن مطار صنعاء وميناء الحديدة والمنافذ البرية، وتخصيص عوائد الثروات من النفط والغاز لمصلحة مرتبات كل الموظفين، مدنيين وعسكريين، عبر اتفاق إنساني مكتوب وموقّع، وليس عبر تفاهم شفهي، مع عدم إغفال إنجاز اتفاق تبادل الأسرى، والتهيئة للاتفاق بشأن مصير القوات الأجنبية، ومعالجة ملفات الحرب المرتبطة بالتعويض وإعادة الإعمار. وهذه بوابة السلام، وفق ما طرحه السيد عبد الملك في خطابه الأخير، وأكدها رئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبد السلام في أثناء وصوله والوفد العماني إلى مطار صنعاء الدولي، ومفاده أنه ” لا بد من أن يتم البدء بتحسين وضع المطار والموانئ وإزالة كثير من القيود”، انطلاقاً من أن الحصار لا يزال قائماً في كل الأصعدة، وأنه “إذا لم تبدأ العملية التفاوضية تنفيذَ البنود الإنسانية فلا يمكن البناء على نيّات إيجابية للطرف الآخر”.
وعلى ما يبدو، فإن هاتين النقطتين هما الشرطان الأساسيان اللذان وضعهما السيد عبد الملك ضمن خانة “التطورات الإيجابية” لبقاء “مرحلة خفض التصعيد”، وأكد، جازماً، أنه لا يمكن السكوت عما يجري طويلاً بعد إفساح المجال للوساطة (العُمانية) بالقدر الكافي، و”إذا لم تحدث تطورات إيجابية وتتم معالجة الإجراءات الظالمة، ولم يقلع السعودي عن استمراره في نهجه العدائي، فإن موقفنا سيكون حازماً وصارماً”.
وقال السيد الحوثي إن صنعاء ليست غافلة خلال هذه المدة (مرحلة خفض التصعيد) عن تحركات الأعداء، في إشارة إلى التحركات الأميركية المشبوهة في البحر، ومؤامرة رباعية العدوان، ومشاريعها لتفتيت المحافظات الجنوبية وتمزيقها، والتي توجت بإرسال السعودية المرتزق العليمي إلى المهرة لمحاولة عزلها مالياً وإدارياً. وكشف أن صنعاء تسعى لتطوير القدرات العسكرية من أجل “هدفنا المقدس في التصدي للأعداء ودفع الظلم عن شعبنا”. ووجه، في هذا السياق، تحذيراً جاداً، مفاده أنه “لا يمكن أن نسكت، ولن نسكت تجاه الاستمرار في حرمان شعبنا من ثروته، واحتلال بلدنا وحالة العدوان والحصار”.
السعودية بين “فرصة أخيرة” و”عواقب وخيمة”
في مقابل هذا الموقف الصارم والحازم، فإنّ من الحماقة بمكان أن يضحّي السعودي بمصالحه الاقتصادية في نيوم وأرامكو وغيرهما، ويتحمل منفرداً “العواقب الوخيمة”، التي لوحت بها صنعاء، إن بقي رهينة للإملاءات الأميركية التي حملها وتمزيق مؤخراً.
في الخلاصة، فإن الوساطة العمانية اليوم تقدّم سلّم النزول من على الشجرة، وتحاول إحياء التفاوض، وتقديم الفرصة الأخيرة إلى الرياض. وما يجب على السعودي إدراكه هو أن الملف الإنساني هو بوابة العبور نحو السلام، والمنفذ الوحيد من أجل المحافظة على مصالحه واقتصاده وتوجهاته. أمّا المكابرة والمناورة إلى ما لا نهاية، ومحاولته العبثية تقديم نفسه على أنه وسيط، فلن تُجدِ نفعاً، وقد سمعها من رجل القول والفعل بأن عليه ألا يتصور أن في إمكانه، بعد فشله في الخيار العسكري، الانتقال إلى الخطة “ب” عبر استمرار الحصار والتجويع وحرمان الشعب من ثروته، ولا يمكنه التهرب من إعادة الإعمار والانسحاب وإيقاف الحصار.
وبالتالي، إن أراد السلام فأهلاً وسهلاً، فما يطرحه اليمن هو حق، وليس شروطاً تعجيزية، وهو أوفر عليه من تكلفة الإذعان للأميركيين والبريطانيين. ونذكّره هنا بما قاله الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وهو أن “المتغطي بأميركا عريان”.