نحو علاقة مثمرة بين الدولة وقادة الرأي والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي
بقلم// هاشم أحمد شرف الدين
تمنّى قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي ـ يحفظُه اللهُ تعالى ـ في خاتمة كلمته بمناسبة ذكرى استشهاد الإمَـام زيد بن علي -عليهما السلام-، 1445هـ، “أن يدرك الجميع أهميّة العمل على الاستقرار الداخلي، وإفشال كُـلّ مؤامرات الأعداء لإثارة الفتن في الداخل“.
فوجدتُ نفسي مُلزماً ـ بالكتابة عن واحدةٍ من الحالات التي أرى أنها قد تعترضُ تحقيق تلك الأمنية، ألا وهي حالة انتشار الانتقادات العلنية وكثافة الكتابات السلبية بشأن أداء الإدارة العامة للدولة، من قِبل بعض قادة الرأي والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي (من داخل الصف الوطني)، محاولاً لفت انتباه الطرفين لبعض الأمور حول هذه الحالة، آملاً مراجعة كُـلّ منهما لطبيعة العلاقة القائمة بينهما، وراجياً من الله سبحانه وتعالى أن يكون فيما سأكتب نصائح مفيدة لكليهما بهذا الخصوص.
فمع الإيمان بأن حرية التعبير هي حقٌّ أَسَاسيٌّ يسمح للأفراد بالتعبير عن آرائهم، بما في ذلك انتقاد الحكومة علناً، إلا أن علينا استيعاب أن مِن حق أية حكومةٍ في أية دولة من دول العالم أن تضع قيوداً خلال فترات الحرب لحماية الأمن القومي والاستقرار، بالاستناد إلى قوانين صادرة أَو أحكام عرفية، فيتم حظر بعض أشكال الانتقاد أَو النشاطات التي يمكن أن تشكل تهديداً للأمن القومي، وبالتالي فيجبُ على الجميع مراعاةُ ذلك والالتزام به.
ومع أننا نواجه عدواناً دوليًّا منذ تسع سنوات إلا أن غالبية أبناء شعبنا يدركون أن صنعاء تتيح حرية التعبير بدرجة كبيرة، يستنكرها الكثير من أبناء الشعب، ويعتبرها بعضهم تهاوناً من قبل الإدارة العامة للدولة. والحقيقة أن الإدارة ما تزال تعمل جاهدةً على تحقيق التوازن بين الأمن القومي والحريات المدنية أثناء الحرب، فما هي إلا حالات نادرة تلك التي استخدمت فيها تلك القيود على حرية التعبير.
إن النظرَ إلى حجم حرية التعبير الضئيل الذي يسمح به العدوّ السعوديّ أَو الإماراتي في بلديهما أَو في المناطق التي يحتلانها في اليمن كفيلٌ بإيضاح مدى حِلم القيادة في صنعاء، حَيثُ يتم اغتيالُ الصحفيين أَو خطباء المساجد واعتقال وسجن وتوجيه تهمة الخيانة على تغريدة واحدة، وإعدام ناشرها سريعاً.
ومع هذا فيبدو أن طولَ زمنِ الحرب، وعدمَ فهم البعض للمرحلة الحالية القائمة ـ التي هي مرحلة حرب مع خفض في التصعيد ـ وتوهُّـمَه أن الهدنة قائمةٌ أَو أن الحربَ انتهت، كانت عوامل أثّرت على إدراكه لأضرار النقد الذي يوجهه علناً للإدارة العامة للدولة، وعلى فهمه لاحتمالات أن يصب ذلك النقد في خدمة العدوّ. لهذا فمن المهم إعادة النظر في استخدام الانتقاد العلني، والعمل على ممارسة التعبير المسؤول، وإدراك العواقب المحتملة للنقد؛ مِن أجل المساهمة في التغيير الإيجابي مع إعطاء الأولوية للأمن القومي.
وفي هذا الإطار رأيت من المهم لفت انتباه قادة الرأي والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي إلى بعض الاعتبارات الواجب عليهم مراعاتها عند نشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي، تساعدهم على فهم دورهم الوطني والمسؤولية الدينية التي يجب أن تكون أَسَاساً له، وإدراك أن كلماتهم لها تأثير كبير على الجمهور، وأن عليهم أن يستخدموا نفوذهم هذا بحذر ومسؤولية تجاه القضايا الحساسة، مثل الانتقادات العلنية للحكومة خلال العدوان. وتساعدهم أَيْـضاً على أن ينتبهوا جيِّدًا للأثر السلبي الذي يمكن أن تحدثه الانتقادات غير المدروسة خلال العدوان، وإمْكَانية أن تؤثر على القوات المسلحة، وأن تزيد من التوترات الاجتماعية، وأن تعوق الجهود الإنسانية، ونحوها من المهام الوطنية خلال العدوان.
كما رأيت من المهم لفت انتباه الإدارة العامة للدولة ـ بما فيها الإعلام العام الحكومي ـ إلى بعض الاعتبارات الواجب عليها مراعاتها عند التعامل مع قادة الرأي والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي.
الرسالةُ الأولى:
أوجهها لقادة الرأي والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، فأقول:
إن هزَّ الثقة بين الحكومة والشعب هو أحد الأهداف الرئيسة التي يعمل على تحقيقها أيُّ عدوٍّ خارجي أَو داخلي، لا سِـيَّـما خلال فترة الحرب؛ لذا فمن الأهميّة بمكانٍ ألّا يغيبَ هذا الأمرُ عن وعي بعض قادة الرأي ونشطاء التواصل الاجتماعي المنتمين للصف الوطني. لكن ما الذي يحصل من قبل البعض دون انتباه أَو تركيز؟
أولاًـ التركيزُ على انتقاد الحكومة الوطنية وليس العدوّ الخارجي ومرتزِقته:
يجب علينا إدراك حقيقة أن الانتقادات العلنية للحكومة الوطنية تؤثر سلبًا على الجبهة الوطنية وقد تقوض الاستقرار الداخلي. إن التركيز على الانتقاد العلني المُستمرّ لأَيٍّ من جوانب العمل العام في الجبهة الوطنية يسهم في تشويه صورة جميع حاملي مشروع التحرّر الوطني والمدافعين عنه. إنه توفير لمادة خصبة لإعلام العدوّ للنيل من سمعتهم ومكانتهم على الصعيدين المحلي والدولي. ولا يليقُ بمن يشعُرُ بانتمائه لهذا التوجّـه الوطني إلا الحرص على صورته لا تشويهها. إن الحفاظ على صورة إيجابية للوطن يتطلب توجيه الانتقادات العلنية نحو العدوّ الخارجي بدلاً عن الحكومة الوطنية. فالطريق الصحيح الذي يجب المضي فيه هو ذلك الذي يوجب على جميع قادة الرأي والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي (من داخل الصف الوطني)، وضع المصلحة الوطنية في المقام الأول، ليكون التضامن الداخلي هو صمّام الأمان في مواجهة التحديات المتمثلة في العدوان والحصار. وكيف يمكن أن يتحقّق ذلك إذَا هم لم يوجهوا الانتباه نحو العدوّ الخارجي؟.
إن العمل الصحيح هو مساعدة الإعلام الوطني، الذي يواجه صعوبة في مواجهة غزارة الدعاية السلبية المعادية، لم يتمكّن؛ بسَببِها من إقناع المواطنين بأن الأوضاع المعيشية الصعبة ناتجة عن العدوان وليس الأداء الحكومي الذي يتحمّل قدراً بسيطاً من المسؤولية. على الجميع ألّا يغفلوا عن العدوّ الأَسَاسي المشترك، وألّا ينسوا أننا نخوض معركة مع عدو متكبّر متجبّر يريد احتلالنا واستعبادنا.
ثانياً ـ التركيزُ على السلبيات وتجاهل الإيجابيات:
ربما تكون المعلومة القادمة صادمةً لأحرار شعبنا العزيز بمن فيهم قادة الرأي والمؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي (من داخل الصف الوطني)؛ ألا وهي أن أغلب النشاط يركز على السلبيات لا الإيجابيات، لدرجة تُشعر أي قارئ أَو مشاهد أَو سامع ـ ممن لا يعرف انتماءاتهم مسبقًا ـ أنه نشاطُ أشخاص مُعارضين ينتمون لحركة معارضة أَو إلى المرتزِقة، لا إلى حركة تحرّر وطني لها قائد شجاع محل ثقة الجميع. فالبعض منهم ينشرون على الدوام الانتقاد وراء الانتقاد وراء الانتقاد، ولا يكاد يوجد في صفحات بعضهم منشورٌ إيجابي واحد!، فهل تسليط الضوء بشكل انتقائي على الجوانب السلبية للسياسات أَو الإجراءات الحكومية، مع التقليل من أهميّة التطورات الإيجابية أَو تجاهلها أمرٌ طبيعي أَو صحيح أيها الأخوة الأعزاء؟.
إن على كُـلِّ قائد رأي أَو مؤثر على وسائل التواصل الاجتماعي وهو يهمّ بنشر انتقاد للوضع الداخلي ألّا ينسى أن الإعلامَ الدوليَّ في معظمه يعمل ضدنا، وأن إعلام العدوّ المتمثل بسبع عشرة دولة، وإعلام مرتزِقته جميعاً متحدون ضدنا، متكالبون علينا، فهل من الصواب أن يزاد الطين بِلَّة؟
إن إعلامنا الوطني والرسمي بشكل عام محصور في وسائله التقليدية المعروفة (الإذاعة والتلفزيون والصحيفة)، وله في كُـلّ وسيلةٍ منها مجاهدون ومجاهدات يعملون ما بوسعهم في ظروف عملٍ صعبة للغاية، وبالكاد يغطّون العمل في تلك الوسائل. ولهذا فعليكم أن تدركوا يا قادة الرأي وأيها المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي (من داخل الصف الوطني) أنكم أنتم المجاهدون والمجاهدات على تلك الوسائل، وأن هذا هو دوركم، وهذه هي متارسكم، التي لا يمكن بأي حال أن تساند العدوّ.
إن أحرار الشعب المضحين ينتظرون أن تقدموا لهم مشاعلَ أمل وقصصَ نجاح وتَحَدٍّ، لا نُذرَ شؤم ويأس وإحباط. أن تتفانوا لرفع معنويات المجاهدين والمواطنين، من خلال تقديم واقعنا وواقع أعدائنا. كما أن قائدكم الحر الصادق الشجاع ينتظر منكم جُهدا وجِدّاً وجِهاداً واجتهاداً؛ لحث أبناء الشعب على دعم الجبهات بالمال ورفدها بالرجال، لا أن تفقدوهم الثقة العامة بالتضحيات والمسؤوليات. ينتظر منكم أن تعملوا على زيادة الدعم الشعبي لا تقليصه، وتعزيز الوحدة الوطنية لا تفكيكها، وتقوية القدرة على الصمود لا إضعافها، والعمل على التصدّي للإعلام المعادي بتفنيد شائعاته وكشف أكاذيبه وخداعه وإبطال تضليله.
ثالثاً ـ الانتقاداتُ غيرُ البنَّاءة:
صحيحٌ أن المرءَ قد يضطرُّ أحياناً ليتحدَّثَ وينتقدَ علَناً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن على الجميع الاعتراف بانه لا يوجد مبرّر معقول لتقديم الانتقادات علناً عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال العدوان، فهناك طرق عديدة لإيصال الانتقادات والملاحظات والنصائح والمقترحات إلى قائد الثورة أَو إلى قادة الإدارة العامة للدولة.
إن واحداً من مكامن خطورة الانتقاد العلني عبر وسائل التواصل الاجتماعي أنه يغيب عن ذهن البعض من قادة الرأي والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي (من داخل الصف الوطني) الأثر الجمعي والتراكمي لانتقاداتهم. فأحدهم ينشر انتقادا ويظن أنه لن يكون ضاراً؛ باعتباره منشوراً واحداً فقط، ولا ينتبه أن أشخاصاً آخرين ينشرون في الوقت ذاته أَيْـضاً انتقادات أُخرى، وأن هذه المنشورات كالقطرات تتراكم فتصبح سيلاً، ينتج عنه حالة من السخط العام والإحباط العام.
عليهم الانتباهُ إلى أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يحبون مجاراة أَو تقليد المشاهير والمؤثرين فيها، ظنّاً منهم أن هذا يحقّق الانتشار والشهرة وتوسع عدد المتابعين والمعجبين، فتكثر الثرثرة، ويتناول كُـلّ منهم القضايا على هواه بغير وعي، فتكثر التناولات الخاطئة، ونجد أننا أمام حالة عامة وهائلة من الانتقادات العلنية تقيّد الإدارة العامة وتشتّت انتباهها، بغض النظر عمّا إذَا كانت انتقادات بنّاءة أَو هدّامة، أَو مدى الحاجة إليها.
ولكن، عندما لا يكون هناك مناصٌ من الانتقاد العلني؛ فالواجب الانتباه إلى ضرورة أن لا يفيد هذا الانتقاد العدوّ في تقويض استقرار البلد أَو تعطيل الجهود الوطنية. والانتباه إلى ضرورة أن يكون الانتقاد الذي يُطلق مبنياً على فهمٍ كامل للموضوع، أَو على تأكّـد من صحته، فانعدام هذا يساهم في تعقيد المشاكل لا حلّها. عليهم دائماً أن يتحرّوا وأن يتبيّنوا قبل النشر. وَإذَا ما انتقدوا، فيجب التأكّـد من كون الانتقاد مستنداً إلى أدلة وحقائق قوية، وأنه سيسهم في تحسين الأوضاع. وأن يحرصوا على أن يرفقوا كُـلّ انتقاد بحلولٍ منطقية بنّاءة للمشكلة، أَو أفكار أَو توجّـهات جديدة يمكن أن تساهم في التحسين. كما يجب أن يتم التعبير عن الانتقاد بطرق مسؤولة ومهذبة ومحترمة، وأن يتجنبوا الإساءة الشخصية، أَو الانجراف إلى المناقشات الجدلية العقيمة.
بعضُ التأثيرات السلبية للانتقادات العلنية:
دعونا الآن نُشِرْ إلى بعضِ التأثيرات السلبية للانتقادات العلنية لأداء الإدارة العامة للدولة خلال العدوان، ففي ذلك ما قد يساعد على إدراك خطورة الأمر.
يجب الاعتراف بأن الانتقاد العلني لأداء الإدارة العامة للدولة خلال العدوان من قبل (بعض المنتمين للصف الوطني) (وبدون قصد بالتأكيد) قد ساهم في نشر الدعاية السلبية ضد الحكومة الوطنية؛ وهو ما ظل يسهم في تقويض سلطتها وزعزعة الاستقرار.
وانعكس ذلك النشاط إلى حَــدٍّ ما في هزّ ثقة المواطنين ليس في قادة الإدارة العامة للدولة وحسب، بل تعدّاها إلى القيادة الثورية، دون أن يدرك الكثير أن عملية إعادة بناء الثقة هي عملية صعبة بمُجَـرّد أن تتضرر، ودون إدراك أن مثل هذا النشاط قد يؤدي إلى كشف نقاط الضعف فيستغلّها العدوّ، وأنه يؤدي إلى تضخيم المعارضة، وخلق انقسامات داخل المجتمع، وظهور ضعف في النسيج الاجتماعي المواجه للعدوان من خلال تشجيع الخلاف والانقسام، أَو إذكاء النعرات والفتن.
فقد أثارت الانتقادات العلنية الشكوك بين أحرار الشعب، وصورتهم منقسمين مختلفين، دون استيعاب لمخاطر تعطيل التماسك الاجتماعي، وتقويض الشعور بالهُــوِيَّة والهدف المشتركين الذين تنتج عنهما إعاقة لروحية التعاون، حَيثُ قد يصبح أفراد المجتمع أكثر تركيزًا على حماية مصالحهم الخَاصَّة أَو مصالح مجموعتهم الخَاصَّة.
لقد وفّر الاندفاع غير المسؤول في الانتقادات العلنية من داخل الصف الوطني الضوءَ الأخضر ليتحَرّك كُـلّ المنافقين، والمرتزِقة الذين كانوا مستترين، والحاقدين المتوافقين أيديولوجياً مع العدوّ، واللاهثين وراء المكاسب الشخصية، والراغبين في السلطة والنفوذ، ليتحَرّكوا وينشطوا ضد الإدارة العامة للدولة والجبهة الوطنية المواجهة للعدوان.
لقد نشطوا على وسائل التواصل الاجتماعي، فحدث تمريرٌ لتضليل ردّده العدوّ، وتعميمٌ لشائعات روّجها، ونشرٌ لأخباره الكاذبة، وتشويهٌ للحقائق، وتضخيمٌ للأزمات.
لقد استغلوا الأخطاء أَو المظالم الحقيقية، أَو مشاعر الإحباط داخل المجتمع التي سبّبها العدوان والحصار. وكانت لهم وما زالت محاولات لتشكيل الرأي العام من خلال تنميط صورة سيئة عن الإدارة العامة للدولة، وتكريسها عبر سيلٍ من الروايات التي تضر بمصداقيتها وشرعيتها، وُصُـولاً إلى أن يتجرأ بعضُهم لإطلاق الدعوات الضمنية للتمرد ضد الحكومة الوطنية من وسط صنعاء.
كما سعوا لكسب الدعم لأنفسهم، وتصوير أنفسهم المنقذ للبلد. إنهم اليوم يشجعون بعض فئات الموظفين على الإضراب، ويطالبون بالمرتبات، لينسبوا الفضل لأنفسهم في تسليمها، متجاوزين بكل وقاحة أحرار شعبنا الذين قدّموا أعظم التضحيات، شهداء وجرحى وأموال وممتلكات، في سبيل كافة أبناء الشعب ومنه الموظفون. وأخذوا يركزون ـ دون خجل ـ على أوجه القصور الحقيقية أَو المتصّورة للحكومة، لشحن الرأي العام، وإشاعة حالةٍ من عدم الرضا العام، واستخدامه كنقطة حشد للإساءة للقوى الوطنية. علينا الاعتراف بأن الانتقادات العلنية من داخل الصف الوطني هي من شجَّعتهم على ذلك حينما رأوا بعض المنتمين للصف الوطني يمارسونها علَناً.
الرسالة الثانية:
أوجهها لقادة الإدارة العامة للدولة، فأقول:
لا بد أن تعمل قيادة الإدارة العامة للدولة على الحدّ ـ قدرَ الإمْكَان ـ من الانتقادات العلنية الموجهة لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال الحرب، ليس بدافع الحماية لنفسها، وإنما لتفادي تلك التأثيرات الخطيرة التي تسببها علنية الانتقادات. سيتوجب عليها أن تؤمن بالشراكة المجتمعية وأن تكون أكثر شفافيةً وانفتاحاً وتجاوباً مع المواطنين. وسيقتضي هذا أن تنشئ قنوات اتصال حقيقية واضحة وفعّالة لاستقبال الانتقادات والملاحظات والنصائح والمقترحات، لدراستها بشكل أوليّ ثم استدعاء مقدمها لمناقشة تفاصيلها معه، ثم العمل على تنفيذ الصالح منها، مع ضمان حصول المواطن مقدم المقترح على شهادة تؤكّـد إسهامه في خدمة العمل العام.
ويجب أن يتحلّى قادة الإدارة العامة للدولة بميزة الاستماع الفعّال، فيستمعون بعناية إلى انتقادات قادة الرأي والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، ويتجاوبون معها باهتمام وتهذيب، ويكون ذلك من خلال إبداء الاحترام لوجهات نظرهم، وتقدير مخاوفهم، والتعامل معهم على أنهم صادقون في وطنيتهم.
من الخطأ تجاهل تلك الأصوات، أَو الدخول معها في معارك كلامية لا طائل منها، أَو التخاطب معها بلغة قاسية عدائية أَو استخفافية أَو تحقيرية أَو تخوينية، فعادةً ما تؤدي إلى تصعيد الوضع وتفاقم التوتر. إن الصواب والأفضل من ذلك هو أن يكون الخطاب بليغاً مؤثراً بأُسلُـوب فيه من الحكمة واللطف الكثير ليكون له وقعٌ في النفوس، وليهدف إلى توعيتها لا قمعها أَو قهر أصحابها.
من الواجب تشجيع تلك الأصوات على التواصل مع قادة الإدارة العامة للدولة في أي وقت، مع ضمان الاستجابة السريعة والرد بسرعة على استفساراتهم، وتزويدهم بإجابات صادقة ودقيقة عن تساؤلاتهم بشأن القضايا التي يطرحونها، وإطلاعهم على الصورة الحقيقية التي قد يكونون يجهلون كافة أبعادها. كما أنه من المهم إتاحة المجال لهم لمناقشة القضايا والبحث عن حلول مشتركة، فقد تكون لديهم خبرات ومهارات وملاحظات قيّمة واقتراحات بنّاءة يمكن الإفادة منها في تحسين الخدمات واتِّخاذ القرارات الحكومية. ويجب الحذر من تمجيد الذات، وادِّعاء الجدارة، ومحاولة الظهور بمظهر الفاهم الذي لا يعجزه شيء.
ومع ضرورة أن يسكت المسؤولون الذين لا يعرفون كيف يتكلمون على هذا النحو في الإطار العملي، فَــإنَّه يجب مراعاة التعامل بحكمة مع بعض المقامات العلمية والسياسية والثقافية والاجتماعية ونحوها، حتى وإن امتلك رجال الإدارة العامة القدرة في الرد عليها والتبيين لها؛ فمن الأفضل أن يتم إرجاعها إلى جزءٍ مناسبٍ للموضوع من كلمات قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله تعالى؛ لأَنَّها عندما تقرأه ستتضح لها الصورة، أَو تدرك أن هناك مواضيع هامة أُخرى أولى بأن تركز نشاطها عليها، فتنتبه وترى بأنه من غير المناسب أن تدخل في هذا الموضوع، أَو أن تعارض وتشاقق، أَو على الأقل تتوقف عن الانتقادات والمعارضة العلنية، لا سِـيَّـما وأن أغلب المنتقدين من داخل الصف الوطني يؤكّـدون ثقتهم المطلقة في القائد يحفظه الله تعالى.
ومن المهم جِـدًّا أن يتم إنشاء بنك إلكتروني للمعلومات الخَاصَّة بمرحلة العدوان، يتضمن معلومات وإحصائيات دقيقة منظمة ومحدّثة ومرتبة ومصنّفة عن العدوان وتأثيراته في كافة المجالات، وكذلك عن واقع العدوّ، يسهل الوصول إليه من قبل وسائل الإعلام والإعلاميين وقادة الرأي والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي والباحثين والمهتمين، فيسهل عليهم التزود بما يحتاجونه في تناولاتهم الإعلامية والبحثية. إن الحاجة لمثل هذا البنك هي حاجةٌ ماسَّةٌ خَاصَّةٌ مع تزايد استهداف تطبيقات التواصل الاجتماعي والإعلام التفاعلي لقنوات وصفحات الإعلام الوطني بالحظر والحجب والإلغاء. فامتلاك هذه الإحصائيات مهم جِـدًّا، ليستخدمها الجميع في إيضاح حجم مظلومية الشعب اليمني، وفي تفنيد حجج العدوّ من واقعه السيئ هو.
على الإدارة العامة للدولة أن تدرك أضرارَ تجاهُلِ قادة الرأي والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي من المنتمين للصف الوطني، خَاصَّة خلال الظروف الصعبة كالحرب، منها: أنها تفوّت فرصةً إضافيةً للتعبئة العامة. فغالبًا ما يكون لقادة الرأي والنشطاء تأثير كبير على متابعيهم والجمهور الأوسع. فتفوّت بتجاهلها لهم فرصةً لحشد الدعم بشكل فعّال. أَو تفوّت فرصةً لنشر معلومات مهمة تريد تسريبها. فهناك حالات يكون من الأفضل ألّا يطرحها قادة الإدارة العامة للدولة أَو قادة أجهزتها، حتى لو كانت تمتلك القدرة على ذلك، إذ يكون طرحها من خارج الأطر الرسمية أُسلُـوباً أفضل لنجاح القضية أَو الأمر المراد الحديث بشأنه.
كما أنها بتجاهلها لهم ستفتقر إلى وجهات النظر المتنوعة التي يطرحونها، فالقيادة تنكفئ على نفسها حينما تهمل تلك الأصوات، فلا تسمع سوى مجموعة محدودة فقط من الآراء والروايات، التي قد لا تنطوي على رؤى نيّرة تقود إلى إصدار قرارات صحيحة.
إن تجاهل قيادة الإدارة العامة للدولة لقادة الرأي والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي لن يساعد في حَـلّ المشكلات؛ لذا يستحسن اعتبار انتقاداتهم فرصةً للتعلم والنمو، فقد تكون هناك جوانب لاحظوها ولم تكن واضحة بالنسبة لها، وحينذاك يتوجب تقديم الشكر والتقدير لهم عندما يقدّمون مساهماتٍ إيجابيةً مثمرة أَو يشاركون بفاعلية.
وقد يقود غياب التواصل معهم إلى تضخيم المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة، وإلى السماح للمعلومات الخاطئة بالمرور دون تصحيح؛ مما قد يؤدي إلى تقويض ثقة الجمهور في المصادر الرسمية للمعلومات.
إنَّ أَيَّ تجاهُـلٍ من قبل الإدارة العامة للدولة لذوي العقول الراجحة قد يجعلهم يشعرون بالاغتراب عنها، وفي بعض الحالات قد يقود إلى فكّهم للارتباط مع الحكومة ووسائل الإعلام الوطنية، فالتجاهل يمكن أن يخلق إحساساً بالإقصاء والتهميش بين هؤلاء الأفراد المؤثرين ومتابعيهم؛ مما قد يؤدي إلى زيادة الشكوك أَو عدم الثقة أَو حتى العِداء تجاه تصرفات الحكومة أثناء الحرب. واللازم أن تعمل الدولة على تعزيز الشعور بالاندماج وتشجيع التعاون والمشاركة النشطة والحفاظ على حوارٍ بنّاء.
ختاماً..
يجب عدم إغفال البُعد الروحي في العلاقة ما بين قادة الإدارة العامة للدولة والإعلام العام الحكومي وبين قادة الرأي والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ يجب العمل على تكوين قاعدة متينة من الثوابت العامة والثقافة المشتركة. فامتلاك الروحية الإيمانية والأسس الثقافية سينعكس إيجاباً على نشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي. يجب أن تكون لدى الطرفين قناعة راسخة بأنهما في جبهة واحدة، يحملان روحيةً جهاديةً واحدة، فيدركا أنه لا غِنى لكلٍ منهما عن الآخر، يجب أن تكون هذه المسألة مفروغاً منها، لماذا؟؛ لأَنَّ الدور الواجب عليهما هو مخاطبة الآخرين والتأثير فيهم، لا الغرق في مهاجمة بعضيهما.
إن وجود علاقة قائمة على التفاهم المشترك سيقود إلى استجابة قادة الرأي والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي لمطالب الإدارة العامة للدولة بالتوقف عن طرح بعض القضايا التي يكون من الأفضل عدم تناولها. كما سيكون لهذه العلاقة أثرٌ إيجابي في تجنّب النشرِ الخاطئ، وستوحي للعدو بأن أحرار اليمن كلمتهم واحدة، منضبطون لا يسيرون بطريقة عشوائية.
يجب أن يتعاون الطرفان في التعريف بالتحديات التي يسببها العدوان والحصار، وفي التعريف بالقدرة الإعجازية التي تجسدها تجربة شعبنا العزيز في الصمود، عبر إبراز الجهود المبذولة لإعادة بناء وتحسين الظروف المعيشية، وتشجيع المبادرات الإيجابية التي تغيظ العدوَّ وتحطِّمُ نفسيتَه وأحلامَه في قهر أبناء اليمن.
ومع التأكيد على أن ذلك يستلزم طلب العون من الله -سبحانه وتعالى- والجدية والصبر، فَــإنَّني أؤكّـد أنه متى كانت هذه السلوكيات جزءاً من ثقافة الإدارة العامة للدولة ومن سلوكها وتوجّـهها العام، فَــإنَّها ستضمن انتهاء الانتقاد العلني العشوائي، وستتمكّن من بناء الثقة المتبادلة، وإقامة علاقة طيبة ومثمرة قائمة على أَسَاس التعاون بين الطرفين، خلال العدوان وما بعد العدوان، وذلك يساعد على تحقيق أمنية قائد الثورة ـ يحفظه الله تعالى ـ “أن يدرك الجميع أهميّة العمل على الاستقرار الداخلي، وإفشال كُـلّ مؤامرات الأعداء لإثارة الفتن في الداخل“.
واللهُ من وراءِ القصد.