الخبر وما وراء الخبر

من بين ركام الإجرام الأموي تفجرت ثورة الإمام زيد

4

بقلم//عدنان علي الكبسي

الطغيان الأموي محطة سوداء مظلمة في تاريخ الأمة، وامتدت سلبياته إلى التاريخ المعاصر، وهو منذ بدايته مشروع انقلابي على الإسلام الحق في مبادئه الأصيلة، في قيمه الحقيقية وأخلاقه الصادقة، انقلاب على الإسلام بكل ما تعنيه الكلمة، منذ تمكن بنو أمية مثلوا شرًا كبيرًا ومستطيرًا على الأمة، شرًا فظيعًا جدًّا، وقد عبر عنهم النص النبوي (اتخاذهم لعباد الله خولًا)، فاستعبدوا الأمة وأهانوها، وأفقدوا المجتمع الإسلامي الشعور بالحرية والكرامة والعزة، لدرجة أن استشعر الناس أنهم ملك لبني أمية ولا يبنبغي لهم مخالفتهم في شيء، لدرجة أن أوصلوا المجتمع إلى قناعة أن طاعتهم بظلمهم وطغيانهم وإجرامهم من طاعة الله، ومن شذ من طغيانهم شذ في النار، ومن فارق جماعة الطغيان الأموي مات ميتة جاهلية.
حالة انحراف وتحريف تمثل السبب الرئيسي في ظلم الأمة ومصدرهما سلاطين الجور وعلماء السوء، الطغاة المتجبرون الذين يتربعون مقاليد الحكم في هذه الأمة، وإلى جانبهم علماء السوء الذين يقفون معهم، ثم يشرعنون لهم كل ممارساتهم الإجرامية والطغيانية والمضلة، ويبررونها، ويقدمون لها الفتوى المضلة، ويروجون ويبررون لإجرام سلاطين الجور من خلال تقديم المفاهيم الخاطئة والمضلة التي تشرعنها، وتوجد القابلية في الساحة الإسلامية.
قام الحكم الأموي على أشلاء مُزقت، ودماء سُفكت، وأعراض أُنتهكت، ونساء سُبيت وبويعت في الأسواق، وطفولة رضيعة تناثرت دماغها على الأرض.
الأمويون هم من قتلوا المئات من خيرة أصحاب رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وفي مقدمتهم المؤمن العظيم والصحابي الجليل عمار بن ياسر، والذين هم بقتلهم له برهنوا بشكل مفضوح وكبير وواضح على بغيهم، وهم من استأصلوا كل من شهد واقعة بدر مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، بداية من حروبهم مع الإمام علي، واستأصلوا كل بدري في واقعة الحرة عند هجوم جيش يزيد اللعين على مدينة رسول الله بقيادة مسلم بن عقبة المري، وأباحها ثلاثة أيام، انتهكوا حرمة النساء المسلمات واغتصبوهن حتى حملت ألف عذراء لم يتزوجن، دعك من الثيبات نتيجة جريمة الاغتصاب، وأغرقوا قبر رسول الله بدماء أصحابه عندما فروا إلى ضريحه لعله يشفع لهم ذلك.
معاوية اللعين يرسل جيشًا إلى اليمن بقيادة بسر بن أبي أرطأة فيعدم ثلاثين ألف يمني بدم بارد، ويأخذ نساءهم سبايا وباعوهن في الأسواق، وتم تسليم أثمانهن لمعاوية، وضحايا بني أمية عشرات الآلاف من أبناء الأمة في العراق والحجاز واليمن وغيرها.
الحجاج بن يوسف الثقفي أحد ولاة بني أمية في عهد اللعين عبدالملك بن مروان يقوم بإعدام مائة ألف مسلم، وعشرين ألف مسلم، بدمٍ بارد، غير الذين قتلوا في مواجهةٍ، أو حرب، وعند موته كان في سجنه سبعون ألف إنسان، محجوزين للقتل بغير ذنب، ومات اللعين وفي سجنه ثلاثون ألف امرأة، منهن ستة عشر ألف امرأة سجينة عارية ومجردة من ملابسها في السجن، وكان يجمع كل عشرة من السجناء في سلسلة واحدة، ويبقون في داخل السجون بدون دورات مياه، يتغوطون ويبولون في أماكنهم رجالاً ونساءً، ويتعرون أمام بعضهم البعض، وعلى ذلك فقس بقية ولاة بني أمية، وهو الذي قال عندما ذكر الذين يزورون قبر رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) بالمدينة: تبّاً لهم إنما هم يطوفون بأعواد ورِمَّة بالية، هلاَّ طافوا بقصر أمير المؤمنين عبدالملك، ألا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله؟!، ليزين الطواف بقصر زعيمه الفاجر، الفاسق، الظالم، الباغي، الجاهل، المتوحش، المنسلخ من كُلّ القيم والأَخْلَاق، أفضل من زيارة قبر رسول الله محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، وكانت وصية عبد الملك بن مروان لأولاده لما حضره الموت: وأكرموا الحجاج فإنه وطأ لكم المنابر، ودوَّخ لكم البلاد، وأذل الأعداء.
تذهب جيوش الأمويين إلى مكّة المكرمة فتستبيحها، وتستبيح قداستها، يستهدفون الكعبة المشرّفة- بنفسها- يرمونها بالمنجنيق، يحرقونها مرة، ويهدمونها تارةً أخرى وهم يستهدفونها بالمنجنيق، بلا مبالاة.
أساء الأمويون بالمقدسات الإسلامية فهذا الوليد بن يزيد بن عبدالملك استفتح المصحف الشريف فوجد أمامه قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ}، فغضب غضباً شديداً، وقام باستهداف المصحف بالسهام ومزقه، وقال شعره المعروف الذي نقله المؤرِّخون:
أتوعدني بجبارٍ عنيد
فها أنا ذاك جبارٌ عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشرٍ فقل يا رب مزقني الوليد
وهذا منتهى الاستهتار بالقرآن، بأقدس المقدسات التي بين أيدينا كأمةٍ مسلمة، وهو من قال:
تَلَعَّبَ بالبريَّة هاشميٌّ
بلا وحي أتاه ولا كتاب
تُذكّرني الحساب ولستُ أدري
أحقًا ما تقول من الحساب
فقل لله يمنعني طعامي
وقل لله يمنعني شرابي
واللعين هشام بن عبدالملك طغى وتجبّر وازداد طغيانه، لأنه من نفس الشجرة الملعونة في القرآن، أعلن في يوم حج أن من يقول له: اتق الله.. قطع عنقه، وهو من جليسه يهودي يسب ويسيء إلى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في مجلس هشام، ولديه من الرصيد الإجرامي ما لدى أقرانه من بني أمية.
فمن بين ركام الإجرام الأموي تفجرت ثورة الإمام الأعظم زيد بن علي (عليهما السلام)، ثورة قرآنية قائدها حليف القرآن الإمام زيد، لتسقط طغيان الشجرة الملعونة وتكشف وتفضح طريقة علماء السوء التضليلية.
خرج الإمام الأعظم زيد ثائرًا في وجه الطغيان الأموي لتمثل ثورته المباركة الإمتداد الحقيقي لثورة جده الإمام الحسين، ساعيًا لإصلاح أمة جده رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، وبقيت ثورته المباركة تتوارثه الأجيال جيلًا بعد جيل، ولا زالت ثورة الإمام زيد ممتدة إلى تاريخنا في مواجهة الإستكبار العالمي الخبيث.