الخبر وما وراء الخبر

إذا ما تمكن الظلمة سيجعلون حياتك كلها شقاءً، وذلاًّ، وخزياً، فمن منطلق رحمته بك يقول: ادفع هؤلاء عنك وسأكون معك

161

يأمرنا: قاوموهم، جاهدوهم، قاتلوهم، ويقول: أنا سأقف معكم، أؤيدكم، أنصركم، سأكف أيديهم عنكم، سأملأ قلوبهم رعباً. ألم يذكر الله كل ذلك في القرآن؟

  • ليس هناك موقف، أَوْ قضية، أَوْ حدث خارج عن إطار أن يكون حقاً، أَوْ باطلاً، أن يكون فيه لله رضا، أَوْ مما يؤدي بالإنْسَـان إلَى سخط الله سبحانه
  • تشريعُ الله لعباده قائمٌ على أَسَاس أنه رحيمٌ بهم، وهدايته، وتدبيره لشؤون مخلوقاته كلها من منطلق أنه رحمن رحيم
  • الله تعالى أرحم الراحمين بك، ولأنه يعلم أن من منطلق رحمته أن نعمل في مواجهة أعدائه؛ لأنه حينئذ سيكون كُلّ شقاء علينا من قبل أعدائه، إذا لم نقاومهم
  • الجهاد ليس خسارة: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} سماه تجارة، أي: أَعْــمَــال رابحة

ذمار نيوز -صدى المسيرة

في الجزء الثاني من محاضرة السيد حسين الحوثي بعنوان “أقم الصلاة لذكري” والتي تحدث فيها عن أَهَميّة سورة الفاتحة، موضحاً ما تحتويه من المعاني العظيمة ما جعلها تعتبر خلاصة القرآن الكريم، كما أشار إلَى أن كُلّ توجيهات الله وأوامر تأتي من منطلق رحمة الله بعباده.

وحرصاً منا على الفائدة تنشر “صدى المسيرة” هذه المحاضرة على أجزاء كما هي:

يبدأُ الإنْسَـانُ يقرأ: سورة [الفاتحة]. سورة الفاتحة، أليست لا بد من قراءتها في الصلاة، هذه السورة بالذات لا بد من قراءتها في الصلاة، هذه السورة أَسَاساً هي أول سورة نزلت من القرآن الكريم، ومن يقول لكم بأنها سورة [اقرأ] ليس صحيحاً، وكثير من الأئمة، ومن العلماء، الإمام القاسم بن إبراهيم، وأبو الفتح الديلمي، وغيرهما، يقولون: إن سورة [الفاتحة] هي أول سورة نزلت من القرآن الكريم.

هذه السورة فيها خلاصة القرآن، ولُبُّ القرآن في هذه السورة؛ ولهذا قال الله: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (الحجر 87). هذه السورة لا بد من قراءتها، مهمة جداً.

أنت تبدأ في أولها: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} (الفاتحة 1) وهي الآية التي تبدأ بها أول سورة في القرآن. كُلّ السور في القرآن الكريم ما عدا سورة واحدة – كما يقولون – بـ {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}.

الآخرون يصلون ولا يقرؤونها! هم لا يفهمون ماذا يعني {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، إن تشريع الله لعباده قائم على أَسَاس أنه رحيم بهم، أنه رحمن رحيم، تدبيره لشؤون خلقه من منطلق أنه رحمن رحيم، تشريعه، هدايته، تدبيره لشؤون مخلوقاته كلها من منطلق أنه رحمن رحيم.

ألم يقل عن القرآن الكريم: {تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (فصلت2)؟ ألم يقل عن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله): {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء 107) فرسوله، كتابه، هدايته، تدبيره لشؤون خلقه، لشؤون ملكه كلها، من منطلق أنه رحمن رحيم.

فنحن نقول: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}؛ لأننا باسمه سنقرأ كتابه، باسمه سنثني عليه، نقول: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفاتحة 2) الحمد هو: الثناء لله سبحانه وتعالى، هو الثناء لله، الثناء على الله، من يستحق الثناء الكامل هو الله وحده، وهو رب العالمين.

يأتي من جديد: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} (الفاتحة 3)؛ لأن ربوبيته من منطلق رحمته، وهو يربّي عباده، وهو يربي كُلّ مخلوقاته، هو ربهم، أي: يربيهم. أليس رزقنا من عنده؟ أليست حياتنا من عنده؟ أليس الوجود كله من عنده؟ كُلّ شيء من عنده، هو الذي يسبغ النعم، هو الذي يعطي كُلّ شيء خلقه، هو الذي يهدي كُلّ شيء، هو الذي كُلّ خير من عنده، وكل الوجود مصدره من عنده، وكل شيء هو من منطلق رحمته.

فمهم جداً، هذه قاعدة مهمة جداً: أن يفهم الإنْسَـان، أن هذه قاعدة إلهية: أن كُلّ تشريعه هو ينطلق من أنه رحيم؛ فلهذا في مقام الجهاد، ألم يقل الله لعباده: جاهدوا؟ إنه رحيم بنا وهو يأمرنا بأن نجاهد، هل نفهم هذه؟ نتصور بأن هذه الأشياء أَعْــمَــال شاقة، قد يأتي شخص يخوفك عن أن تستجيبَ لأن تجاهد في سبيل الله، أَوْ تقف موقفاً، يخوّفك من منطلق أنه رحيم بك، سواء أمك، أَوْ أبوك، أَوْ أَي شخص قريب لك، قد يخوفك، ويطلب منك أن تترك هذا الأمر، وتتخلى عن هذه القضية، ويقول: اترك هؤلاء؛ لأنه رحيم بك، ويخاف عليك.

الله سبحانه وتعالى هو أرحم الراحمين بك، ولأنه يعلم أن من منطلق رحمته هو أن نعمل في مواجهة أعدائه؛ لأنه حينئذ سيكون كُلّ شقاء علينا من قبل أعدائه، إذا لم نقاومهم، وعندما يقول لنا: قاوموهم، جاهدوهم، قاتلوهم، يقول: أنا سأقف معكم، سأؤيدكم، سأنصركم، سأكف أيديهم عنكم، سأملأ قلوبهم رعباً. ألم يذكر في القرآن الكريم أشياء كثيرة من هذا؟.

فلأنه رحيم بعباده، هو يعلم أنه إذا ما تمكن هؤلاء الذين يقول لك: جاهدهم، وقاتلهم، إذا ما تمكنوا هم من سيجعلون حياتك كلها شقاءً، وذلاًّ، وخزياً، فمن منطلق رحمته بك يقول: ادفع هؤلاء عنك، وأنا سأساعدك على دفعهم عنك، سيحولون حياتك كلها إلَى شقاء.

ألم يقل عن الجهاد: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} بل سماها تجارة: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (الصف10 – 11) ألم يقل هكذا؟ سماه تجارة، أي: أَعْــمَــال رابحة، هو ربح، أنك عندما تجاهد، عندما ينطلق الناس ليصدوا هذه الفئة التي هي شرٌّ كلها، ماذا ربحنا؟ ربحنا عزة، واستقامة، وسعادة، وربحنا أن صرف عنا كُلّ شر من جانب هؤلاء. أليس هذا ربحاً؟.

قد يأتي شخص يقول لك: [بطِّل أنابوك، مالك حاجه، أَوْ خَلّهم وبطِّل، وما لك حاجة، وما انت الذي ستصفِّي الإسلام، و… و…] وواحد آخر مثله، وواحد قالت له زوجته، وواحد قال له أبوه، وواحد صديقه.

مثلما عملوا بالإمام زيد (عليه السلام) أليس هذا الذي يحصل؟ عندما خرج الإمام زيد خرج معه كثير من الناس، قالوا: كانت المرأة تلحق ابنها وتقول: ارجع، ما بلاّ أنت وحدك، كم يا ناس كثير، ليسوا بحاجة إليك، ارجع. وفي الأخير رأى أنه لم يعد معه إلا عدد قليل، عملوا هذه مع الحسين، وعملوها مع مسلم بن عقيل، عندما أرسله الإمام الحسين إلَى الكوفة، تجمَّع معه كثير، ثم راحوا على واحد واحد. وعملوها مع الإمام زيد.

ما الذي حصل لأهل العراق عندما لم يقفوا، ويقاتلوا مع الإمام زيد فيقهرون عدوهم، فتكون الغلبة لهم، وتكون الدولة لهم، ويكونون هم أعزاء، أقوياء، لا يُظلمون، ولا يُضطهدون أبداً، فما الذي حصل؟ كُلّ واحد نصحته أمه، أَوْ جدّته، أَوْ أَي واحد من أقاربه، أَوْ عنده هو [هذه مشاكل ما نريد مشاكل] وذهب! استحكمت دولة بني أمية، وظُلموا جيلاً بعد جيل، قُتلوا، وعُذبوا، وأُهينوا، وحياة كلها، كلها، الموت عدة مرات أشرف منها.

فمن يقول لك من منطلق أنه يرحمك: لا تقف هذا الموقف، لا تدخل في هذا، ستجلب على نفسك المشاكل، وستخسر حقك، وبا.. وبا.. تذكَّر {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، تذكر أن ربَّ العالمين هو الرحمن الرحيم، وأنه عندما يقول لي: أعمل كذا، هو ما يزال رحيماً بي، وأن من رحمته بي أن وجّهني إلَى أن أعمل هكذا.

لو أننا نتذكر دائماً لما استجبنا لأحد أبداً ممن يظهر نفسه أنه ناصح لنا فيثبطنا عن أَي موقف من مواقف فيها عزتنا، فيها شرفنا، فيها الخير كما قال الله سبحانه وتعالى: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}؛ ولأن الشيء المعروف هو أن الشخص عندما يأتي إليك هو ماذا؟، يقدم نفسه وهو يحاول أن يجرّك، ويسحبك عن هذا الميدان، يقدم نفسه رحيماً بك، وناصحاً لك، أليس هذا هو ما يحصل؟ إذا لم تكن أنت متذكراً أن الله هو الرحمن الرحيم.

ألم تتكرر {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} في القرآن كله؟ هذه الآية التي غيّبها الوهابيون لا يقرؤونها في صلاتهم، لا يفهمون هداية الله، لا يفهمون تشريع الله، لا يفهمون الله، ولا دينه، ولا نبيه، ولا شيء؛ لأنها مهمة جداً {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} وتكرر الرحمن، وتكرر الرحيم في القرآن كثيراً، كثيراً جداً؛ من أجل أن أفهم أنا، وتفهم أنت، أن كُلّ تشريع، أن كُلّ أمر، أن كُلّ نهي يوجه إلي وإليك، ويطلب مني أن أقوم به، ويطلب منك أن تقوم به، لا تتصور أنه أمر جاء من جبار، مثل أَي رئيس من رؤساء الدنيا، أَوْ أنه أمر جاء من قهار، لا يبالي، هو همه أنك تنفِّذ أوامر، نفِّذ.

الله ليس هكذا، الله يتعامل مع عباده من منطلق الرحمة بهم، وخَـاصَّــة مع أوليائه، من منطلق الرحمة بهم، فهو عندما يأمرك تذكَّر أنه أمر من رحمن رحيم. هل نحن نتذكر هذا عندما يأتي أمر من رئيس الجمهورية، أَوْ محافظ، أَوْ مدير؟ لا يمكن أن تقول إنه أمر من رحيم أبداً، هذه عقلية عسكرية، عقلية إنْسَـان بشر قاصر، عنده روح استعلاء، وجبروت، أوامر، نفِّذ، لا رحمن، ولا رحيم، ولا شيء من هذا.

أما الله سبحانه وتعالى، مع أنه ملك السماوات والأرض، وهو المهيمن، الجبار، القهار، هو المهيمن على كُلّ شيء، لكن تصرفه معي أنا الذي لا أفهم، ومعك أنت، تصرف رحمن رحيم، فكل أمر يوجهه إلي وإليك يجب أن تفهم أنه مصبوغ بكامل الرحمة، حتى ما يبدو أمامي وأمامك أنه أقسى عمل، هو تنفيذه رحمة، والانطلاقة فيه رحمة، وأمن وسلام؛ لهذا ترى {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} متكررة كثيراً، كثيراً.

الآخرون يسترونها؛ لأنها آية ما تصلح أن تتكلم بها!! عندما يبدأ يقول: [الله أكبر]، وبسرعة {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ولا يقرأ {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}! ما يقرأها! بحجة أنه روي عن فلان عن فلان أن رسول الله كان يصلي ويبدأ بالحمد لله رب العالمين.

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} هي آية مهمة جداً جداً، روي عن ابن عباس أنه كان يقول عن من يتركون هذه الآية: إن الشيطان اختلس منهم مائة وثلاث عشرة آية، أن الشيطان هو الذي اختلس منهم هذه الآيات. معنى حديث ابن عباس: أن الشيطان اختلس من هؤلاء الذين تركوا البسملة هذه الآيات.

آية مباركة، آية لها أثرها في وعينا؛ ولنفهم بأن الأشياء كلها التي الله يتعبدنا بها، كلها، كلها تتركز على خلق وعي، وبصيرة في نفسي، ونفسك، ونفس أَي واحد. إذا لم نكن لا نعي، ولا نفهم فسنكون مثل من يمرون، ويسيرون في جبل من الذهب، يطأ الذهب، ويجلس على ذهب، ويمشي إلَى هناك، وهو يريد أن يمشي يسرح عامل بخمس مائة ريال، وهو يمر على جبل من الذهب.

[أدعوك يا ألله، وأنت من لك الثناء والمجد، أنت] رب العالمين، وأنا بحاجة في حياتي، بحاجة، وأنا مقر، ومؤمن بأن هناك يوم جزاء على الأَعْــمَــال، وأن للجزاء الحسن طريقة واحدة محددة، هدى الله إليها، أنا بحاجة إلَى الله سبحانه وتعالى أن يهديني.

أن يأتي بعد هذا، أن يدعو الإنْسَـان الله سبحانه وتعالى فيقول: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} (الفاتحة 6) اهدنا الصراط المستقيم، اهدنا أنت يا الله، من لك الثناء، {الْحَمْدُ للّهِ}، من أنت {رَبِّ الْعَالَمِينَ}، من أنت {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، من أنت {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، نريد منك أن تهدينا إلَى صراطك المستقيم.

يأتي بلفظ دعاء للتعبير عن أنها قضية تهمنا، قضية أن نهتدي، وأننا نبحث عن الهدى، ونريد الهدى، فنحن نطلب، فأنت عندما تدعو يأتي الشيء بتعبير الدعاء، ولفظ الدعاء؛ لأنها قضية هامة لديك، أنت تنشدُها. أليس الدعاء طلباً؟، أنا أنشد الهداية، هل نحن ننشد الهداية؟ تجد أننا متى ما جاء أَحَـــد يهدينا [فيا الله نسمع له، يا الله نجامله] ليست قضية مهمة لدينا قضية الهداية، مع أن الله سبحانه وتعالى جعلها أفضل نعمة على الإنْسَـان.

نِعَمَه عظيمة جداً علينا، لكن أعظم نعمة له على الإنْسَـان هو الهداية، نعمة الهداية، الهداية بدينه، الهداية بكتابه، الهداية بنبيه، هذا الدين الذي هو هدى، فنحن نقول: اهدنا أنت يا الله، اهدنا إلَى صراطك المستقيم. الدنيا مليئة بالطرق، وأنت لك يوم جزاء، وجزاء محدود، وجزاء حاسم، ونحن نثق بأننا بحاجة في حياتنا إلَى هدايتك، هناك طرق قد نسير عليها فنضل في حياتنا، ونشقى كما ضل أبونا من قبل، كما شقي.

نحن نريد أن تهدينا إلَى صراطك المستقيم، ونحن بحاجة إليك أنت مهما كثر المرشدون، مهما كثر الدعاة، مهما كثر الموعظون، نحن بحاجة إليك أنت أن تهدينا. أليس هذا دعاء يقوله المسلمون جميعاً؟ حتى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وهو يدعو: اهدنا الصراط المستقيم.

ولأن الدنيا هنا يمر الإنْسَـان فيها بأحداث كثيرة، ومتغيرات كثيرة، ومواقف كثيرة، متعددة، وليس هناك موقف، أَوْ قضية، أَوْ حدث هو خارج عن إطار أن يكون حق، أَوْ باطل، أن يكون فيه لله رضا، أَوْ يكون مما يؤدي بالإنْسَـان إلَى سخط الله سبحانه وتعالى. فنحن بحاجة منك يا الله أن تهدينا في كُلّ شئون حياتنا، في كُلّ مواقفنا، أن تكون أنت ترعانا، نحن نريد أن تهدينا إلَى صراطك المستقيم، لا نضل، لا نشقى.

من الذي يكون لديه هذا الشيء مهم؟ هو من هو مؤمنٌ بيوم الجزاء، ومن هو مؤمنٌ بأنه بحاجة إلَى الهدى في الدنيا، أنه إذا ما انحرف عن هدي الله، وانحرف الناس عن هدي الله، سيضلون، ويشقون، ويعانون، وسيكون الشقاء ليس فقط من جانب أعداء الله.

لاحظوا نحن عندما نقصر، لا نستجيب لله سبحانه وتعالى، ما الذي يحصل؟ المفسدون في الأرض يعملون عملهم في الشقاء، والله سبحانه وتعالى من جانبه يمنع خيراته، يمنع بركاته، ويحول دون أشياء كثيرة؛ لأنه رآنا غير مستحقين، عقوبة لنا، فيكون الإنْسَـان بإعراضه عن هدي الله جلب على نفسه الشقاء، سواء ما كان من جانب أعداء الله، وما كان من جانب الله عقوبة له على إعراضه عن هدي الله.

فالإنْسَـان الذي يفهم أَهَميّة الهدى، والآية نفسها عندما نرددها دائماً هي تذكرنا أَيْضاً بأن قضية الهداية قضية مهمة، لماذا الله يأمرنا بأن نقرأ هذه السورة، والموضوع الرئيسي فيها موضوع الهداية. ألم يأخذ الكلام عن الهداية نحو ثلثي الفاتحة، موضوع الهداية هو أكبر موضوع داخل الفاتحة؛ لأنه أكبر موضوع داخل القرآن؛ لأنه هو الموضوع الرئيسي، الهداية.