الخبر وما وراء الخبر

الأسرى بين قيم الإنسانية و دناءة اللاإنسانية

33

بقلم// إبتهال محمد أبوطالب

تـكالبَ تحالفُ العـدوان على اليمن، وخلفَ المآسي في كلِّ مكان، وعلى مدى السنوات الثمان، فجاهد المجاهـدون، فحققوا الانتصارات في شتى المواقـع والمجالات، وامتلكـوا قوةً عسـكريةّ مسـتمدةً من قوة ربِّ السـماوات، قوة تهزم كل من نوى الشـر بالوطن وأهله، وارتفعت إثر ذلك أرواح الشـهداء؛ لتسـتقرَ في الحياة الأبدية الخالدة… وفي ثنايا الصراع بين الخيرِ والشـر، وقعَ الأسـرى هنا وهناك، أَسْـرَانا في قبضة أولياء الشـيطان، وأَسٔـراهم في قبضة أولياء الله.

ومن هنا وهناك اتضحت المعاملة، وتجلَّتْ الحقائق، فهنا أسـرى يُعاملون بإنسـانية، وهناك أسـرى يُعاملون بلا إنسـانية.

إن الدين الإسـلامي لكلِّ مجالات الحياة بل لكلِّ فئات الناس، لذا نجده يحث على المعاملة الأخلاقية والإنسانية للأسير، ويُقرن إطعام الأسـير مع إطعام المسـكين واليتيم، قال تعالى:{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْـكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِـيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُـكُوراً إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوسࣰا قَمۡطَرِیرࣰا }
ونجد في آية أخرى أنَّ الله عزوجل يحث الرسول صلى الله عليه وآله وسـلم على المعاملة اللينة مع الأسـرى، قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْـرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}

بعد صمود دام سـنوات… وبعد معاناة للأسـرى وأُسـرهم معاناة لا يعلم بها إلا من تجرعها… تحررت فئة من الأسـرى وفق صفقة تبادل الأسـرى بمتابعة حثيثة من القيادة الحكيمة، ومن اللجنة الوطنية لشـؤون الأسـرى، وبعد العراقيل التي كان يبتكرها العدوان التي من ضمنها تجميد الملف عدة شـهور… تم التفاوض، فكان تحرير فئة من الأسـرى من كلا الجانبين.

فكان الملاحظ أثناء عملية التفاوض أن أولئك همهم الأكبر فك أَسْـرِ إخواتهم وأقربائهم، فهذا طارق عفاش يوافق على تبادل ١٠٢ أسـير مقابل فك أسـر أخيه وابنه، وهذا علي محسـن يوافق على تبادل ٤٨ أسـير مقابل فك أسْـر ابنيه..أولئك لا يهمهم الأسـرى من البسـطاء بقدر ما يهمهم ذويهم وأقاربهم، إنها الأثـرة الظـاهرة، والأنانيـة المكشـوفة..

فبفضل الله تحرر -إثر ذلك- أسـرى أنصار الله واللجان الشـعبية من قيد أسـر وتعذيب أجسادهم، أمّا إيمانهم لم يُؤسـر قيد أنملة، فأرواحهم مع الله وأوليائه..

ففي رمضان أضاءت الأنوار بِفَك أسـر الأحرار، مَن لاقوا التعذيب ليل نهار.. فلُحِنت الأشـعار عبق الانتظار
ونثرت الورود والأزهار في كل حي ودار؛ حمدًا وشـكرًا لله الغفار؛ فخرًا وعزًا بالانتصارعلى الثلة الفجار.

وبعون الله وتوفيقه، تم اسـتقبال أسـرى أنصار الله واللجان الشـعبية في موكب رسـمي وشـعبي -وِفق صفقةِ رمضان في دفعتين ووِفق كشـف أسـماء محددة ومتفق عليها- ؛ فعمت الأفراح في أرجاء اليمن عامة، وفي قلوب الأسـرى وأُسَـرِهم خاصة… إلا أن هناك ثَمة مفاجأت مُحزنة تلقاها بعض الأسـرى وأُسَـرِهم، منهم الأســير الذي ارتحل أبواه، ومنهم من ارتحل أحدهم، ومنهم من لم يعد؛ نتيجة التعذيب الذي تلقاه، فكان شهيدًا…

مشـــاهدُ استقبال الأسـرى كلُّها مشـاهدُ الحبِّ والوفاءِ، مشـاهد يكاد الحجر ينهمر دمعًا…

كان لسـانُ حالِ المسـتقبلين يلهج بالقول: أهلًا بكم ملء الأرض والسـماء، وفي كل وقت ومسـاء… لكم منا كلُّ الإخاءِ و الوفاء، يا مَن هزمتم العداء، وكنتم في دربِ الشـهداء المؤمنين الأصفياء.

أَسـْرَانا عادوا بروحية جهادية عالية روحية الجهاد والنضال، والعزة والاسـتبسال، رأيناهم بشـموخِ عزٍ، بعنفوان وقوة، عزتُهم مسـتمدة من عزة الله… رأيناهم رغم جراح بعضهم …فقد وصل ببعضهم الشـلل النصفي نتيجة إهمال معالجتهم وعدم إخراج الشـظايا من أجسـادهم..

يأسـرون الجسـد أما الروح لا… هذا ما رأيناه في الأسرى من مواقفهم، من كلامهم، إيمان لا يتزعزع، وقوة ثباتٍ لا تُنزع..

رجالٌ سـلاحهم الإيمان قبل وأثناء وبعد الأسـر، سـلاحٌ لم ولن يتخلوا عنه، فبه كان الانتصار وبه رُفِعَ الحق عاليًا…

عند رؤيتك مشاهد وصول الأسـرى إلى أرض اليمن تسـمع عبارةً متكررة تتردد من كل فم أسـير، ألا وهي« أنا مع الله» حقًا كانوا مع الله، فكان اللهُ معهم ناصـرًا ومعينًا، ومؤيدًا ووكيلًا….

فعند وصلوهم إلى أرض الوطن كان سـجودُهم لله؛ لإيصال رسـالة لتحالف العدوان بأنَّ المعبودَالله لا سـواه.

مناظرُ حقيقية وقصصٌ واقعية لن تجدها بعمقها في مسلسـل تلفاز أو قصة كتاب…

كان من ضمن تبادل الأسرى المرأة الأسـيرة سميرة مارش التي لاقت التعذيب في سـجونِ العدو… أولئك يبهرجون بالعبارات التي يدّعُونها بحقوق المرأة… فمارش كشـفت مدى نفاقهم وغيهم وفسـادهم أنهم لا دين ولا إنسـانية لديهم…

لكلِّ أسـيرٍ قصةٌ نُسـجت من آهات آلامه، وكُتبت بجراح آماله، وسُـطِرت بقوة إيمانه، إيمانٌ موثقٌ بصبرٍ يضاهي شـموخَ الجبال وعلو السـحاب….

كان أَسْـرُهم محطةً تعبويةً إيمانية؛ لمواصلة جهادهم ضد الفسـاد وضد من أراد الشـر بالبلاد وظَلَم العباد.

ولأنّ تحالفَ العدوان يعلم علم اليقين مدى الانتصارات المُحققة ضده نسـمعه يروجُ بتعرض أَسْـراه بالتعذيب… كلامٌ لا أسـاس له من الصحة؛ لأننا في ظل قيادة حكيمة… ودليل آخر لتزييف ترويج العدو أنَّ الصليبَ الأحمر مُطَلِعٌ لكلِّ وسـائلِ الراحة في سـجوننا، إضافة إلى وجود مشاهد فيديو موثقة لبعض أسـرى التحالف وهم يمتنون شـكرًا للرعاية التي تلقوها في صنعاء…

إن معاملتنا لأَسْـراهم لدى صنعاء معاملة إنسـانية راقية من جميع الجوانب، فما زيارة الوفد السعودي مُسبقًا؛ للاطلاع على الاسـرى ورؤيتهم في كامل الأمن إلا خير دليل..

نرى الفرقَ واضحًا بين قيم المؤمنين الأولياء لأَسْـراهم ودناءة الفاسـدين المجرمين لأَسْـرانا، هنا أسـرى يُكرّمونَ عند الأعزاء، وهناك أسـرى يُقتّلون ويعذبون عند الأذلاء.

إن أردتم التأكّـد فهنا كُـلّ الأسـرى يعترفون بأنهم في ظل المسـيرة القرآنية يلاقون التقدير والاحترام؛ لذا فكلهم علموا علم اليقين أن قيادة السـيد عبدالملك-يحفظه الله- هي القيـادة الحقة المناهضة للظلم والظلمة والفاسـدين والفسـدة.

وفي الجانب الآخر جانب النظام السـعوديّ وأدواته يُذيقون أسـرانا ألوانَ التعذيب، ويتفننون بشـتى الجرائم، التي منها تعليق الأسرى وجلدهم وركلهم، ومنها جعلهم في ماء شديد البرودة، ومنها وضعهم في غرفة شديدة الحرارة، ومنها الصعق بالكهرباء، ومنها الكثير والكثير من وسائل التعذيب وألوان الإجرام، ناهيكم عن الطعام الذي يُقدم باقتصاد شديد،بل هوطعام يستحق تقديمه للحيوان لا للإنسان.

أحيانًا يجعلون الأسـرى يتواصلون بأُسـَرِهم لا لشيء إلا ليُسمِعُوا آبائهم أنات أبنائهم الأسرى.. أو ليعلموهم بنبأ قتلهم…

إن كُـلَّ جريمةٍ ارتكبها تحالفُ العدوان في اليمن وفي حق الأسـرى الشـرفاء ستعود عليهم وبالاً وهواناً وفشـلًا وهزيـمةً جوًا وبحرًا وبرًا..

أدعو المؤلفين من الكُتّاب والباحثين الأكاديميين لجعل كلِّ قصةِ أسـير كتاب يُقرأ ويُدرس للأجيـال، لإظهارِ مدى الظلم واللإنسـانية التي ارتكبها العدوان في حق الأسـرى..

الحمد لله عزوجل ناصر المظلومين، المفرج عن المكروبين، على تحرير الأسرى..
والشـكر لقيادتنا الحكيمة؛ لمتابعتها الحثيثة لملف الأسرى، والشكر موصول للجنة الوطنية لشـؤون الأسـرى..والشكر أيضًا لصمود وثبات شعبنا العظيم.

وكلنا أملٌ بالله بإطلاق سـراح بقية الأسـرى مِن سـجون تحالف العدوان… فثقتُنا بالله كبيرةٌ بأنَّ الحقَّ في ظهورٍ دائم، والباطل في إزهاقٍ متواصل.