الخبر وما وراء الخبر

في ذكرى الشهيد .. مشاهد تشييع الخيواني

234

كتب / سليمان ناجي آغــــــــا


 

لم أحضر جنازة بمثل جنازة الرجل العظيم الشهيد عبد الكريم الخيواني ولم يحصل إجماع حول شخص،، مثلما حصل حول عبد الكريم الخيواني الرجل الذي التقت حوله اليمن في يوم تشييعه يوم الثلاثاء الموافق 24 /3/2015م بكل اختلافاتها، وبكل ألوانها السياسية، الرجل الذي اتفق الجميع ودون مشورة على أنه رجل اليمن الذي أسقط مشروع التوريث قبل كل شيء بدون منازع.

ففي جنازة مليونية مهيبة شيعت اليمن جثمان الشهيد المناضل عبد الكريم الخيواني وسط هتافات ثورية نطقت بها حناجر طغى على نبراتها الألم والحزن كما طغى عليها صوت التحدي والمواجهة، قتل الخيواني لكنه خلف وراءه الآلاف منه على حد قول سيول البشر الذين حضروا أمس ذلك اليوم التاريخي.

شرائح المجتمع كلها سجلت حضورها، الأعمار كلها شيعت جثمان الشهيد عبد الكريم الخيواني فكانوا رجالًا كما كانوا نساء.. كما كانوا أطفالًا، ناهز عددهم الآلاف لم يبخلوا على الشهيد الخيواني لا بالحضور ولا بالمواساة لأهله وذويه ولا بالقول “لا للإجرام ..لا لتصفية الأجساد.. ولا للاغتيالات” منذ الساعات الأولى من صبيحة يوم تشييعه توافد الناس أفواجًا ليتراءوا كأنهم أمواجٌ من البشر، غصت بهم ساحة التغيير، رفرف على طولها الأحمر والأبيض والأسود.. علم اليمن حملته آلاف الأيادي، وصل جثمان الراحل في حدود الساعة التاسعة صباحًا إلى أمام منصة ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء ولم يكن من السهل لا المرور ولا العبور نتيجة تجمهر المئات أمام جثمان الفقيد في انتظار تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير.

فكانت الحركة كبيرة بالرغم من الاكتظاظ الشديد حيث تراصت الصفوف جنبًا إلى جنب وسط تنظيم محكم وشيعوا جثمانه ولكن روحه باقية فيهم إلى الأبد ” فكلهم” عبد الكريم الخيواني كما رددوا وكتبوا على اللافتات.

واهمون من يراهنون على جرائمهم لإخضاع الشعب وإهانته.

عبد الكريم الخيواني ناصر المظلومين والمستضعفين.

عبد الكريم الخيواني شهيد الكلمة الحرة.

عبد الكريم الخيواني رمز وطني للنضال والتحرر..

شهيد الكرامة والكلمة الحرة ألم الشعارات ترجمته الحروف كما ترجمته الأصوات فبكى الكثيرون والكثيرات كما زغردت النساء احتفاءًا “بشهيد الكلمة الحرة والرأي الصادق “، بسطاء هم من جاءوا ومشوا على طول الطريق المؤدية إلى مقبرة جار الله، مرددين ” لا إله إلا الله، الشهيد حبيب الله” وبعد الصلاة عليه في ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء تحرك الموكب المهيب باتجاه مقبرة جار الله في مشهد خاشع ومهيب وترديد متواصل ومستمر دون كلل أو ملل للشعارات الثورية المنادية بالقصاص من القتلة وتطهير اليمن من (الإجرام) لاغتيال الرفيق على حد قولهم.

بغضب كبير نادت الحشود والجماهير الغفيرة والتصدي للعنف و(الإرهاب)، بغضب كبير ارتفعت الأصوات. مليونية الشهيد تلك هي تعاليق الإعلاميين من هنا وهناك وتلك هي تعاليق الذين صاحبوا جثمان الأستاذ الشهيد الخيواني، فكانوا بين الفينة والأخرى يبكون كما كانوا يتصفحون كتاب الذكريات.. فللشهيد الخيواني كان صوت الحق الجريئ على حد قولهم، كما كان صوت الحرية والصوت المعادي للعنف والظلم والإجرام، وصوت الصمود الخالد بملامح ابنتة آلاء وابنة الأكبر محمد. أصدقاء الفقيد يتحسرون بمرارة، جمال الأشول يكلمني عنه والدموع تذرف من عينيه، يتذكر ليالي عديدة كانوا رفقاء فيها حتى الفجر لتجهيز كتاب كان يعدة الشهيد حول جرائم التعذيب.

ياسر المهلل زارنا للمكان الذي كان الخيواني يقيم فيه باستمرار ومن خلال كلامه مع جمال الأشول عن الفقيد شعرت كيف يتحول الغياب للأصدقاء إلى بحيرة قهر بلا ضفاف.

وفي لحظتها أبكاني ياسر المهلل حول مشاهدته لجريمة جامع الحشحوش كونه كان موجودًا في الجامع.

علي جاحز ومحمد عبد القدوس رأيتهم في صباح التشييع وهم ملتفون حول جنازة الفقيد مغمورين بالحزن والقهر.. الرجل عاش حياة مليئة، وناضل وتعب من أجل نضاله وذاق الويلات، عاش حياة يحسده عليها الكثيرون، بل نبكي هذا اليتم، وهذا الفراغ الذي تركه الرجل، فقد رحل واليمن مازالت في حاجة إلى عقله ويده لتضمد جراحها، رحل ونحن لم نصل بعد إلى بر الأمان.

نبكي كريم لأنانية فينا وطمع لا نلام عليه؛ لأننا في حاجة إلى رجال في طهره وكبره، رجل لم يقايض المواقف، ولم يكن من الصعب عليه فعل ذلك، نبكي الرجل الذي كان يعرف قول كلمة “لا” عالية مدوية.

قال الباحث والمحلل السياسي الأستاذ محمد علي ودف : “لقد ترك فراغًا رهيبًا لا يملؤه أحد، إنها خسارة لا تعوض”، في هذه الأربعينية للشهيد لا نملك سوى أن نقول: وداعًا يا من كنت تمضي واثقًا وداعًا يا قابض جمرة الثورة وداعًا يا صاحب القلب الخافق بالأمل وداعًا يا من تظل بجناحيك الرفاق وداعًا يا صاحب اللسان المسلط على الجبناء وداعًا يا صاحب السوط على رقاب الخائنين وداعًا يا لهيبًا أحر من الشمس وداعًا يا صامدًا في لحظة الزمهرير وداعًا يا أسدًا في عرينه، وداعًا يا غزالًا في صحرائه وداعًا يا مرعبًا في زئيره وداعًا يا رسول قومه وداعًا يا صادقًا قوله حسب تعبير السياسي محمد علي ودف وداعًا يا صديق المقهورين وداعًا يا حامل أحلام وطن كبير..