الخبر وما وراء الخبر

غزوة بدر.. الدروس والعبر (2)

13

بقلم// عدنان علي الكبسي

يقول السيد المولى عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله-: (يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ© لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}، إحقاق الحق حتى يتحول إلى حالة قائمة في واقع الحياة، لا يبقى فقط في بطون الكتب حقًا مسطورًا ومكتوبًا، أو يبقى حالة دعوية في الساحة، كلامًا لا يعمل به، لا يلتزم به، لا يلتفت إليه، لا يطبق في واقع الحياة، الحق لا يتحوَّل إلى حقيقة قائمة في واقع الحياة يعمل به، يلتزم به ويطبق ويعتمد عليه، إلا بعمل، إلا بتحمل للمسؤولية، إلا بتحرك، إلا بتضحية، إلا بمواجهة؛ لأن هناك من لا يقبل بأن يكون لهذا الحق وجود وحضور فعلي، عملي، سيادي في واقع الحياة).
من الدروس المستفادة من غزوة بدر: أن إحقاق الحق وإبطال الباطل، وأن يتجسد الحق في واقع الحياة لا يمكن أن تتحقق إلا بالجهاد، لابد من خوض الصراع، ولا يمكن أن ينعم الناس بالعدل، ويذوقوا معنى الحياة بشكلها الحقيقي بعيدًا عن المظالم والمخاطر إلا بمواجهة وتضحية.
البشرية قبل الإسلام لم تكن منعومة بالأمن والسلام والاستقرار، بل كان الصراع والإقتتال والمشاكل وسفك الدماء حالة قائمة بين البشر، ميدان الحياة هذه: هو ميدان مسؤولية، وهذه الأرض، هذا العالم فيه الأشرار، وفيه الأخيار، وفيه النزاعات، والصراعات، وفيه العداوات، فجعل الله سنته تحكم الواقع البشري حتى لا يصل إلى النهاية، حتى لا ينهار الواقع البشري، حتى لا يغرق نهائياً تحت سطوة الظلم والجبروت، وحتى لا يغيب القسط والحق من الساحة البشرية نهائياً، جعل الله نظام التدافع ليحد من حجم المظالم، من حجم سفك الدماء، من حجم العدوان، فرض الله الجهاد ليمثل عامل حماية للأمة وللمستضعفين، عامل قوة، ومنعة، وردع لأعدائهم، {وَلَولا دَفعُ اللَّهِ النّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَفَسَدَتِ الأَرضُ} لفسدت الأرض، وانهارت الحياة بكلها، تتخرب الحياة على الأرض بالكامل، يتغير واقع الأرض بالكامل، {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} إذا عُطِّلت هذه المسؤولية وَرَكِن الناس إلى الدعة، والجمود، والاستسلام، يستحكم الشر، ويتمكَّن الطاغوت، ويستحوذ الأشرار والمفسدون، ويهيمنوا على واقع هذه الحياة، يفسدوا واقع هذه الحياة، ويزيحوا عنها القيم، تصبح القيم، وتصبح مكارم الأخلاق، وتصبح المسؤوليات الإيجابية في الحياة محظورة في قاموسهم وممنوعة وملغية من واقع الحياة، حتى بيوت الله ستكون في قائمة المحظورات عندما يتنصل الناس عن المسؤولية، وقد رأينا بداية الاستهداف للمساجد والصلوات في منع النظام السعودي الأذان والصلوات في مكبرات الصوت، ومنعه أيضًا من بث الصلوات في وسائل الإعلام.. والقادم أسوء.
بفريضة الجهاد يدفع الله البعض من الناس بالبعض الآخر؛ فيتجه البعض الآخر الذين نهضوا بالمسؤولية ليحدوا من شر الأشرار، من طغيان الطغاة والمجرمين.
حملة الحق ليسوا هم يجلب المحن والمشاكل على البشرية، قوى الشر قوى العدوان، المستكبرون هم من يتحمل مشكلة الصراع والنزاع، هم من يعتدون، هم من يظلمون الناس، هم الذين يرتكبون الجرائم في حق البشرية، هم من يسفكون الدماء، هم من يبتدئوا في استهداف المجتمعات، قوى الطاغوت والاستكبار والاستحواذ والهيمنة والسيطرة بهواها، بباطلها تريد أن تتحكم بالساحة، أن تستبعد هذا الإنسان، أن تستحوذ عليه وتتحكم به، لما فيه مصلحتها، لما يحقق نفوذها وأهدافها وأطماعها ومآربها، ضاربة عرض الحائط مصلحة الآخرين، وقد أكد الله هذا الموضوع في القرآن الكريم: {وَتَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، ويشهد واقعية هذا في هذه المرحلة واقع أمريكا، وواقع إسرائيل، وواقع من يرتبط بأمريكا وإسرائيل من عملائهم، حتى من أبناء العالم الإسلامي، كيف أنهم هم من يبتدئون الآخرين بعدوانهم؟!، أليسوا هم من يسعون لقتل الآخرين، بل ويباشرون قتل الآخرين، وظلم واضطهاد الآخرين، والتحرك العدائي ضد الآخرين، والسعي لاحتلال أرض الآخرين وغزو بلدان الآخرين؟!.
وإذا أراد هذا الإنسان أن ينطلق في واقع الحياة ليتحرر من هيمنة قوى الطاغوت والاستكبار؛ تغضب قوى الطاغوت والاستكبار، وتسعى لمواجهة هذا الإنسان، ومنعه من العمل بذلك الحق، ولكن إرادة الله كما حكى عنها في كتابه العزيز {وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ© لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}،