الخبر وما وراء الخبر

هل ستفتح الصين خزائن أسلحتها للجيش الروسي في العام الثاني من الحرب الأوكرانيّة؟

12

بقلم// عبد الباري عطوان

أكثر ما يُقلق الإدارة الأمريكيّة هذه الأيّام ليس التهديدات الروسيّة باللجوء إلى استخدام الرؤوس النوويّة، والصواريخ الروسيّة الباليستيّة الأسرع من الصّوت “تسيركون” الحاملة لها، فهذا الخيار النووي ليس قريبًا أو مُلحًّا، وإن كان مُحتَملًا، وإنّما فتح الصين لترسانتها العسكريّة الحافلة بالمَعدّات المُتطوّرة جدًّا، وما زالت قُدراتها غايةً في السّريّة، والمعلومات الدّقيقة عنها غير مُتوفّرة لدى أجهزة المُخابرات العسكريّة الغربيّة التي تعيش حالةً من الشّيخوخة والهرَم هذه الأيّام، حسب آراء العديد من الخُبراء في هذا المجال.

أنتوني بلينكن وزير الخارجيّة الأمريكي حذّر بكين من الإقدام على هذه الخطوة، أيّ تزويد روسيا بالسّلاح، وهدّد بفرض عُقوبات اقتصاديّة عِقابًا لها إذا ما أقدمت على هذه الخطوة، ولا نعتقد أن الصين ستعبأ بهذه التّهديدات، لأنّها لم تعد تخشى من أيّ عُقوبات جديدة، أو قديمة، وبات تحالفها مع روسيا أقوى من أيّ وقتٍ مضى، لأنّ قائدها تشي جنينغ بينغ يُدرك جيّدًا أن الهدف من حرب أوكرانيا تدمير روسيا تمهيدًا للانتِقال إلى المرحلة الثانية منها، أيّ تدمير بلاده.

العتاد العسكري الصيني يُقلق واشنطن لأنّه سيُؤدّي حتمًا إلى تغيير موازين القِوى في الحرب الأوكرانيّة، والخريطة العسكريّة في العالم بأسْره، خاصّةً أن روسيا، ودون أن تلجأ إليه، أو تستعين به، استطاعت الصّمود في الحرب أكثر من عام، وضم أربعة أقاليم في منطقة دونباس، وقبلها إقليم القرم الاستراتيجي الخامس، وإن كانت استعانت بالمُسيّرات والعتاد الإيراني، الذي جرى تصنيع بعضه، وخاصّةً الصّواريخ، اعتمادًا على الخبرة الصينيّة، سواءً بشَكلٍ مُباشر أو عبر كوريا الشماليّة.

مجلّة “ميليتري ووتش” الغربيّة المُتخصّصة في السّلاح والعتاد العسكري كشفت في عددها الأخير، وقبل بضعة أيّام، في بحثٍ مُطوّل لخبرائها، عن امتِلاك الصين منظومة صواريخ مُضادّة للدبّابات والدّروع الغربيّة من نوع (12 HJ) تستطيع تدمير جميع أنواع الدبّابات الغربيّة، سواءً ليوبارد الألمانيّة، أو أبرامز الأمريكيّة، التي زوّدت دول حلف النّاتو أوكرانيا وجيشها بالمِئات منها على أمل تغيير قواعد الاشتِباك في الحرب، ومن المُفارقة أن الجزائر هي الدّولة الوحيدة في العالم التي يملك جيشها هذا النّوع من الصّواريخ، الأمر الذي يُؤكّد عُمُق العلاقات الجزائريّة الصينيّة، والثّقة المُتبادلة بين الحليفين، ونحن نتحدّث هُنا عن الجانب الجزائري، المُتلقّي لهذا النّوع من الأسلحة الاستراتيجيّة، والرّهان الصيني على الدّور المُستقبلي الإقليمي الجزائري خاصّةً في القارّة الإفريقيّة والعالم العربي.

المجلّة المذكورة نشرت في بحثها العديد من المُواصفات حول هذا السّلاح، ربّما لا تتّسع هنا المساحة لسردها بسبب طُولها، وتعقيداتها الفنيّة والتكنولوجيّة، ولكن يُمكن القول إن قُوّتها تكمن في بساطتها، وخفّة وزنها (22 كيلوغرامًا) ومداها (أربعة كيلومترات) وقُدراتها التدميريّة العالية للدّروع، وبمعنى آخَر قُدرتها العالية على تدمير كُل الدبّابات الأمريكيّة والألمانيّة دون استثناء، تمامًا مثلما دمّرت صواريخ “الكورنت” الروسيّة المُصنّعة سُوريًّا، في تدمير أُسطورة دبّابة “الميركافا” النّسخة الإسرائيليّة المُحاكية لدبّابة “أبرامز” الأمريكيّة.

الصينيّون دُهاة، وقليلو الكلام، ويتركون الأفعال تتحدّث عنهم، وبارعون في فُنون المُناورة الدبلوماسيّة، والضّحك على ذُقون الأمريكيين، فهم لم يُدينوا مُطلقًا الاجتِياح الروسي لأوكرانيا، ولكنّهم يقفون عمليًّا في الخندق الروسي، والتّنسيق بين بكين وموسكو يعيش أفضل أيّامه حاليًّا، وخاصّةً في المجالات الاقتصاديّة، وأبرزها تدمير هيمنة الدّولار وإيجاد بديل أُممي للنّظام المالي الأمريكي المُهيمن.

هُناك تقارير غير رسميّة تقول بأنّ إيران زوّدت روسيا بصواريخ “أخكر” أو الشّرارة المُضادّة للدبّابات، ولها نفس مفعول الصّواريخ الصينيّة تقريبًا لأنّ المنبع واحد، ولكن لا يُوجد أيّ تأكيد يُعتَدّ به في هذا الصّدد، ولكن من يُزوّد روسيا بالمُسيّرات والصّواريخ الدّقيقة ربّما لن يتردّد في تزوديها بهذا النّوع من الصّواريخ المُضادّة للدّروع إذا طلبتها، فليس لإيران ما تخسره في هذا المِضمار.

جميع دول حلف النّاتو الثلاثين فتحت مخازن أسلحتها لأوكرانيا، باستثناء الطّائرات المُقاتلة، بِما في ذلك تركيا (أرسلت مِئات من مُسيّرات البيرقدار)، ولهذا نستغرب هذه الضجّة الأمريكيّة من إقدام الصين على الأمر نفسه؟ وهل يتوقّعون من القِيادة الصينيّة أن تقف مكتوفة الأيدي أمام تدمير روسيا وتفكيكها حتّى يتفرّغ الغرب بعدها لتدمير بلادها؟ مجنون يحكي وعاقل يسمع.

العام الثاني للحرب الأوكرانيّة الذي بدأ قبل اسبوع سيكون مُختلفًا عن العام الأوّل، ورسالة الصين التي تجسّدت في خطّة السّلام التي أطلقتها وتتضمّن 12 بندًا كانت واضحة، وخاصّةً أنها لم تتضمّن النقطة الأهم التي يُطالب بها زيلينسكي، أيّ انسِحاب القوّات الروسيّة من الأقاليم الأوكرانيّة الخمسة التي ضمّتها موسكو، وهذا يعني أن السّلام في أوكرانيا، وربّما العالم بأسْره، لن يحدث إلا بالقُبول بالشّروط الروسيّة، تطبيقًا لنُبوءة هنري كيسنجر الأولى التي اضطرّ لإدخال بعض التّعديلات عليها بعد الضّغطين الأمريكي والإسرائيلي.

خِتامًا نقول، وربّما للمرّة العاشرة، إن الدولة التي تملك 6500 رأس نووي لن تُهزم، ولن يكون هُناك عالم بُدون روسيا مثلما قال ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي (أيّ بوتين)… والأيّام بيننا.