الخبر وما وراء الخبر

توحيد جهود الإحسان بمفهومه الشامل لتحقيق تكافل مجتمعي لكافة الفئات المستحقة.

13

.
.
بقلم / علي عبد الرحمن الموشكي
.
.
الأحسان الى الإخرين وتقديم العون لهم يعتبر من أقدس الأعمال وقربة الى رضاء الله, ضمن دائرة الأعمال العظيمة والمهمة والمسؤوليات التي حببها الله إلينا ورغبنا للقيام والإخلاص في أدائها على أكمل وجه, ومن يقوم بذلك يرتقي الى من يحبهم الله ويعلوا شأنه ويؤتيه الله الحكمة وسداد في القول والفعل والتوفيق والتمكين في الأرض, والإحسان من صفات الأنبياء والصالحين من عباد الله المتقين, من يريد الرفعة في الدنيا والأخرة فليحسن ويقدم العون للأخرين, ولكي تتسع دائرة الإحسان في واقعنا حتى نقدم الخير الكثير للمحتاجين يجب علينا توحيد الجهود وتعزيزها في واقعنا حتى تتسع هذه الدائرة وتشمل كل الناس المحتاجين للعون وتقديم لهم أبسط مقومات الحياة وللأسف يقل الإحسان في كل شهور السنة ويكثر ويتزايد في شهور معينة في رمضان مثلاً…يكثر المحسنون وفاعلين الخير ولكن تكون الجهود قليلة ولا تغطي العدد المطلوب من فئات المستضعفين والفقراء,وذلك لأسباب كثيرة نستعرض عدد منها مع المعالجات والتوصيات حتى نقدم الإحسان بمختلف أنواعه لأكبر عدد ممكن من المحتاجين والمعدمين.
أولاً: العمل الفردي , دائماً يكون العمل الفردي والفئوي قليل ولا يحقق للأمة شيئ ويزيد من عمق العنصرية والطائفية والحزبية في واقعنا ويكون مخالفاً لتوجيهات الله سبحانه وتعالى حيث يقول تعالى ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) , الإعتصام هو التوحد والتكاتف وذوبان الفوارق والإمتيازات ويزيل العنصرية والطائفية فيما بين أبناء المجتمع الواحد, ويعمق الأخوة الإيمانية الصادقة ويجعلنا قريبين من كافة الفئات المحتاجة للعون,ويقول الله سبحانه وتعالى ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ) , الأمة بمفهومها الواسع وتعني مجتمع قوي متماسك في أعمال الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وينهانا الله سبحانه وتعالى عن التفرق والإختلاف والتجزء والتشتت يقول تعالى ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ), مطلوب منا جميعاً أن نوحد أعمال الخير والإحسان والبذل وتقديم البر للأخرين وتوسيع نطاقها في واقعنا, المؤسسات والجمعيات الخيرية الذين يتحركون في شهر رمضان لتقديم الوجبات والسلات الغذائية وكسوة العيد وغيرها من أعمال الإحسان التي تكون عظيمة وإيجابية ولكن لو أن هنالك عمل جماعي وتبنيها بصورة جماعية مثلاً… مشروع إفطار الصائم, ومشروع تقديم السلات الغذائية ومشروع كسوة العيد ومشروع علاج المرضى المحتاجين, لإستطعنا بتكاتف جهود الجميع القيام بعمل عظيم ولأستطعنا تقديم الإحسان الذي يعتبر واجباً علينا وسنسأل أمام الله عن ماذا قدمنا للمحتاجين والفقراء يوم القيامة.
ثانياً : قلة البذل والإنفاق , يوجد هنالك إمساك للأموال بشكل عجيب وكأننا لن نفارق هذه الحياة, نسعى في المشاريع المربحة دنيوياً ونتغافل ونتعامى عن المشاريع التي فيها لله رضا, لوسألنا أنفسنا سؤال : من منا قد عمل وجهز مشروع إستثماري للإحسان وتقديم الخير للفقراء والمساكين وكم عدد هذه المشاريع المنفذة في الواقع وكم نسبة المستفيدين وكم نسبة الإحسان المقدم? ! , الجواب : البعض لم يفكر أبداً في هذه المشاريع ويكتفي بدفع الزكاة فقط التي هيا فرض واجب كالصلاة والصيام والجهاد, ولو تأملنا في قولة تعالى ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) , لو أن مسؤولاً من المسؤولين والوجاهات , مثلاً رئيس الدولة يطلب منك أن تستضيفه في منزلك , كيف سيكون شعورك , كيف ستسعى في تدبير المبلغ كي تعد وجبة الغداء أو العشاء وتبذل بذل سخي جداً لا سقف له ..لماذا حتى تحضى بإحترام هذا الشخص وتقديرة وترفع رأسك أمام المجتمع بأن فلان سيكون ضيفك …الله هنا يبحث وبسأل يصل الى أعماق أعماق نفسياتنا, البعض ليس لدية ولكن هنا السؤال لأصحاب رؤس الأموال والمشاريع الإستثمارية, من يستطيعون إقراض الله سبحانه وتعالى(فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ) لو أن إدارة المشاريع في مؤسستك قدمت لك مشروعاً سيكون الربح فيه لا محدود…

يفوق التصور لما ترددت لحظة واحدة في تمويل هذا المشروع ولأعطيت هذا المشروع الأولوية ووقفت كل مشاريعك الإستثمارية الأخرى, وليس هذا فحسب يقول تعالى (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) , والله سبحانه وتعالى بيده الخير وهنا قدم يقبض لحكمة لأنه هو من يمسك الأرزاق ويبسط الأرزاق ويرزق من يشاء بغير حساب , لإن الله هو إبتلى أصحاب الأموال بهذا المال وسيسؤلون عنه يوم يقفون بين يدي الله سبحانه وتعالى ( يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ) في الآيات البينات المحكمات يبين لنا الله أننا زآئلون عن هذه الدنيا لا محاله..مالذي سينفعك في الآخره هو ماقدمته من أعمال الخير والإحسان لعباد الله المستضعفين..وبيتجمل منك الله عندما تتجمل في عباده,الذي أنت واحد منهم,سيكونون شاهداً عليك يوم القيامة إذا أعطيتهم وأنفقت عليهم وأحسنت إليهم وسيكون عكس ذلك في حال القبض….والبعض إذا أنفق وقدم الإحسان لايقدمة بشكل المطلوب أما يقدمة لفئة معينة وطائفة ما وحزب ما ويتحول ذلك الإحسان الى ذنب وذلك لأنه يوجد الفرقة وعنصرية ويفكك النسيج الإجتماعي.
ثالثاً : غياب دور الجانب الرسمي في تفعيل وتعزيز أعمال الإحسان, ومع غياب الرقابة على مشاريع الإحسان من الجانب الرسمي والسعي لوضع رؤية لتبني وتنفيذ المشاريع خيرية وتوجيه لتوحيد الجهود لكي يكون هنالك تعاون من الجميع والرقابة على تنفيذها, بالشراكة مع جميع الجمعيات الخيرية والمؤسسات التجارية المتعددة ورجال الأعمال , لكان هنالك إقبال لدعم بشكل كبير,لأن بعض التجار لايكون هنالك عنده ثقة في الجمعية والمؤسسة الخيرية, وذلك لغياب الرؤية الرسمية في هذا الجانب, البعض سيقول هنالك هيئة الزكاة, هيئة الزكاة تنفذ مشاريع بقدر مايجبى من الزكاة المفروضة في مصارف حددها الله ووضحها وهنالك سعي لتبني مشاريع إستراتيجية تساعد من تشغيل والتمكين الإقتصادي من خلال التأهيل القادرين على العمل من فئات الفقراء والمساكين وتشغيلهم والتعاون في تكوين أسرة من خلال مشروع زواج المعسرين ويوجد العديد من المشاريع التي تنفذها الهيئة.
لكن هنالك مشاريع خيرية كثيرة تتبنها العديد من المؤسسات والتجار والشركات وأصحاب رؤس الأموال وخاصة خلال شهر رمضان المبارك, ومن ضروري دعوتهم وتكريمهم على الجهود المبذولة خلال الأعوام السابقة وخاصة في مراكز المحافظات والسعي لتوحيد هذه الجهود من خلال التعاون بصورة مشتركة لتنفيذ مشاريع خيرية وآسعة خلال شهر رمضان لأنه شهر البركة ويكثر فيه الأجر ويزاد الثواب ويضاعف فيه الإحسان مثلاً المطابخ الخيرية التي تقدم وجبات الإفطار وتقديم السلات الغذائية وعلاج المرضى المعدمين…الكثير من أعمال الإحسان الذي يقدم بتمويل إما من التجار , يكون لا جدوائية ولا أثر له لأنه عمل فردي مسلوب التوفيق.
وأيضاً دعوة التجار للتعاون والتمويل والإنفاق والبذل في مشاريع الإحسان وكذلك الجهات الرسمية المعنية هيئة الأوقاف وهيئة الزكاة والجهات التي تستطيع دعم مثل هذه المشاريع الخيرية.
ونحن نستبق الأحداث وذلك لأنه لم يتبقى لشهر رمضان المبارك سوى شهرين فقط,وخلال هذه المدة المتبقية والتي تعتبر قليلة يمكن خلالها ترتيب وجدولة الأعمال وإعداد المشاريع المناسبة والملائمة وتحديث قواعد البيانات بالأسر الفقيرة وننصح بالمسارعة في إنجاز هذه الأعمال على مستوى كل محافظة, والعمل وفق آلية عمل تعزز و تدير هذه الأعمال وتشرف على أداء الجمعيات والمؤسسات الخيرية والتشبيك مع الجهات الرسمية المعنية وذلك لتذليل الصعوبات والتعاون وسد الثغرات.
ونقول كلمة أخيرة لمن يسعون في الإحسان ولمن ينفقون أموالهم إبتاغ مرضاة الله , هنيئاً لكم الأجر الكبير والعظيم من الله سبحانه وتعالي حيث يقول تعالى ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْـمُحْسِنِينَ), الذين يقدمون بغير منه أو تكبر أو من خارج النفس كما نقول ..يحب الذين يقبلون على هذه الأعمال بروحية إيمانية عالية وبطهارة نفس وسلامة صدر.