الخبر وما وراء الخبر

مع ديوان صرخات وبنادق.. تأملات في تجربة الشعر المقاوم في اليمن للأستاذ محمد المنصور

48

مقدمة شغلت قضية فلسطين والأقصى اهتمام العرب والمسلمين منذ وعد بلفور وحتى اليوم ولم يكن الشعراء والادباء غائبين عما يجري في فلسطين والوطن العربي من مؤامرات استعمارية غربية مكنت للكيان الصهيوني من بناء مستعمرات وإنشاء كيانه الغاصب على أرض فلسطين.

تفاعل الشعراء العرب في مختلف الأقطار العربية مع نكبة فلسطين رفضا للاحتلال ودعوة للتحرير والجهاد وهجاء للحكام الخانعين وتثوير للجماهير وأصبحت قضية فلسطين والأقصى رمزا شعريا لاستعادة الامة كرامتها وهويتها وقدسها استقلالها.

وأصبحت قضية فلسطين مظهرا من مظاهر الوحدة الشعورية العربية والإسلامية وكتب شعراء من سوريا وفلسطين والعراق ومصر ولبنان واليمن وغيرها كتفاعل كبار شعراء العربية مع قضية فلسطين وتشريد شعبها واحتلال مقدساتها.

القضية الفلسطينية تكرس الأدب الفلسطيني في الأدب المعاصر شعرا ونثر ورواية وموسيقى، وبرز محمود درويش وسلمى الخضراء وقدوس وسميح القاسم وغسان كنفاني وتوفيق زياد مع أدباء آخرين من أدباء الفن الفلسطيني المقاوم.

ولئن خفت صوت الشعر العربي المقاوم بسبب ما تمر به الامة من محن وارتدادات سياسية وفكرية فإن ثمة محور صمود ومقاومة وتضحية يبدع جهادا وأدبا وإعلاما مقاوما فقد ظلت القضية الفلسطينية والقدس عنوانها والمقدس الحاضرة في وجدان الأمة ولن تستطيع غطرسة القوة والهيمنة الأمريكية أن تلغي حقائق الدين والتاريخ والجغرافيا مهما توهم حكام العار وسيدهم الأمريكي.

القضية الفلسطينية وتجلياتها الشعرية في اليمن

فلسطين في اليمن لا تزال حاضرة في وجدان شعبي العربي الغيور وتفاعل معها شعراء اليمن تأثرا بما جرى للشعب الفلسطيني من محن وإبادات وتشريد ولأرض فلسطين ومقدساتها من تدنيس واحتلال وأيضا للمؤامرة الاستعمارية الغربية بإنشاء الكيان الصهيوني وسيظل نبض الإنسان والوجدان الجمعي للشعوب وهو مؤشر اجتماعي وثقافي ومستوى للخطاب الدلالي في لحظة بعينها من التاريخ.

وعلى خطى أسلافهم من شعراء الموقف الوطني والقومي ينهض جيل شعري يمني جديد برسالة الشعر ليكون شاهدا على مرحلة تعيش فيها اليمن في ظل العدوان السعودي الأمريكي ونعي فيها ذات المظلومية التي يعيش في الشعب الفلسطيني كما ان واحدية العدو ومنطلقاته وأهدافه المشبوهة هي ذاتها فأمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني والسعودية وأنظمة الخيانة هي ذاتها الضالعة في التأمر على اليمن وفلسطين وكافة الأقطار في الأمة وهو ما يبز جليا في القصائد الشعرية اليمنية التي يضمها ديوان صرخات وبنادق .. شعراء القدس والمقاومة في اليمن الذي جمعها الشاعر الاديب حسن المرتضى والتي تنبض بشعر الصمود والتحدي بوجه العدوان سواء كانت فصحى أم شعبي.

وديوان صرخات وبنادق يوثق العديد من النصوص التي تمازج فيها الهم الوطني بالهم العربي والإسلامي والإنساني الممتد إلى فلسطين ولبنان والعراق وسورية وغيرها من الآفاق الملبدة بالتكالب الاستعماري الأجنبي وهو ما يرفضه الصوت الشعري اليمني المقاوم العاشق للقدس ولفلسطين المؤآزر للمقاومة في لبنان وغزة بشهادة 50 شاعرا وشاعرة ضمهم ديوان صرخات وبنادق.. شعراء القد والمقاومة في اليمن الذي جمعه الشاعر الأديب الشاب حسن المرتضى وضم فيه مختلف التجارب الشعرية والاجيال والمناطق اليمنية التي توثق قصائدهم التي غلب عليها الشعر العمودي الفصيح كخطاب مقاوم ثوري استنهاضي للشعب وللأمة في مواجهة الغزاة ويوثق للحظة بعينها من الزمن اليمني في مواجهة العدوان الخارجي الغربي والعربي.

ومن خلال قراءة أولى لديوان صرخات وبنادق نقف على عدد من الملامح المشتركة للقصيدة اليمنية المناهضة للعدوان في اليمن وفلسطين ولبنان والعراق وسورية وغيرها من أقطار العروبة أبرزها:

أولها: انطلاقة الصوت الشعري اليمني المقاوم من الخاص أي محنة العدوان السعودي الأمريكي على اليمن إلى الفضاء العربي العام وتحديدا إلى فلسطين ولبنان اللذين عانيا من الاحتلال والعدوان وفي هذا الملمح نجد صوت الرفض والتحدي والمقاومة والصمود بوجه العدو السعودي الأمريكي على اليمن يمتد لتحدي الاحتلال الإسرائيلي على فلسطين والأقصى والتعبير عن التضامن الاخوي والإنساني مع الشعب الفلسطيني.

كما نجد تفاعل الصوت الشعري اليمني مع انتصارات الشعب اللبناني ومقاومته البطلة على الكيان الصهيوني ودحر الاحتلال من جنوب لبنان والإشادة بحزب الله وأبطاله وتضحياته وقيادة الفذة.

لقد ولّد العدوان السعودي الأمريكي على اليمن المشاعر الوطنية والقومية والإسلامية المشتركة لدى شعراء القصيدة المقاومة في اليمن للعدوان مع إخوانهم في فلسطين والشعوب العربية الأخرى.

ثانيها: الملمح الثاني من ملامح القصيدة المقاومة في اليمن هي ملمح الوثوق بالانتصار على العدوان وتحرير القدس وفلسطين على ايدي أبناء اليمن

الشاعر حمير العزكي يوظف شعريا الرئيس الشهيد صالح الصماد كرمز بطولة وتحرير يمني متجذر في الإنسان اليمني المتطلع إلى استعادة زمن الفتوحات والانتصارات على قوى الشر والاستعمار وتحرير أرض العرب من الغزاة ومرتزقتهم

هنا الصماد

في الآباء والأجداد

في الأبناء والأحفاد

في صنعاء في بيروت في طهران في بغداد

في القدس التي صلى

لها صلوات الاستعداد

ويتجلى الصوت الشعري اليمني الواثق بتحرير اليمنيين لقدس لدى الشاعر معاذ الجنيد في الكثير من قصائده لما في هذا المقطع المتألق بروح التحدي والعنفوان اليماني

فنحن انتصار القدس حتما وإننا

زوال لإسرائيل مهما طغت مهما

ومن قصيدة صرخة الخلاص يكثف معاذ الجنيد معنى التحدي للمحتل واليقين بالانتصار والتحرير الذي سيكون لليمانيين شرف القيام به وإنجازه

فاحسب حسابك إنا جاهزون إلى

تحرير لبنان والأقصى وما اشتملا

ثالثها، الملمح الثالث وضوح الرؤية والوعي بطبيعة العدو الذي يربط بالقدس السياسي والاستراتيجي بطبيعة المعركة مع قوى الصهيونية والاستعمار التي تكالبت عليه.. وهو ملمح هام تفصح عنه قصائد الديوان وتعبير عن الشاعر / الشعراء الذي يتصدى للعدوان على وطنه بالكلمة وبالنفس الشعري.

ملاحظة

الدراسة كتبت في عام 2019 قبل وفاة الشاعر الأستاذ محمد المنصور بعدة أشهر وهذا أول نشر للدراسة التي ظلت مخطوطة حتى تم نشرها اليوم

قام بجمع وإعداد ديوان شعراء القدس والمقاومة في اليمن الشاعر حسن المرتضى والذي نشر أيضا في 2019 .