الخبر وما وراء الخبر

الصنائع الأمريكية الإسرائيلية..داعش..هكذا أصبح لدى العرب قضية أخرى ليست فلسطين

887

صدى المسيرة| إبراهيم السراجي

إقترن نشاطُ تنظيم القاعدة في الدول العربية بذرائعِ التدخُّلات الخارجية سياسياً وعسكرياً، وذلك منذ ما بعد تأسيسه على يد الولايات المتحدة لمواجهة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، ومع موجة الربيع العربي ظهر تنظيمُ داعش بشكل مفاجئ بإمكانيات عسكرية ومالية ضخمة وتوافُد سلس للمقاتلين الملتحقين بصفوفه من كُلّ دول العالم إلى سوريا والعراق وليبيا وبعدها إلى مصر والـيَـمَـن وغيرهما ومع ظهور هذا التنظيم الذي تتضح علاقته بالمخابرات الغربية ظهرت دعاوى تقسيم الدول العربية؛ باعتبارها المرحلة التالية للوضع الذي أحدثته القاعدة.

وإلى ما قبل تلك المرحلتين كان الغربُ وعلى رأسه أَمريكا وبريطانيا يجدون صعوبةً في تعويم القضية الفلسطينية وإخْــرَاجها من الوعي العربي والإسْـلَامي باعتبارها قضية مركَزية ووحيدة والشغل الشاغل للشعوب العربية والإسْـلَامية، وقد استثمر الغربُ وإسرائيل وجود القاعدة وداعش بشتى الأشكال، فمثلاً يقدم داعش والقاعدة أنموذجَين للإجْــرَام وأساليب بشعة للقتل باسم الإسْـلَام تجعل الإجْــرَام الإسرائيلي يتراجعُ في الوعي العربي والإسْـلَامي؛ باعتبار الكيان الصهيوني رائدَ الإجْــرَام إلى جانب الدور الأَسَــاسي لهذين التنظيمين اللذين جرى توظيفهما لإضعاف الدول العربية سوى بخلق مبررات وإن كانت واهية للتقسيم أَوْ لإدْخَــال الجيوش العربي (الجيش السوري مثالاً) في حروب استنزاف تؤدي لإضعافها، وهو هدف إسرائيلي معلن.

 

  • داعش.. النشأة المشبوهة من دهاليز المخابرات الأَمريكية

لا يمكنُ توصيفُ وتحديدُ المهمة التي اضطلع بها تنظيم داعش إلا بالكشف عن علاقته المشبوهة منذ النشأة مع المخابرات الأَمريكية، وهي مهمة التقسيم تزامُناً مع التلميحات ومن ثم التصريحات الأَمريكية التي كشفت توجُّهاتٍ لتقسيم العراق، وانتقلت هذه التصريحاتُ الأَمريكية لتشمل كُلَّ الدول التي نشطت فيها داعش، حيث صرَّحَ وزيرُ الخارجية الأَمريكي قبل أيام عن خيار تقسيم سوريا إذا فشل اتفاقُ وقف إطلاق النار وقبلها كان الحديث عن تقسيم ليبيا، وهو مشروع قائم، وأما الـيَـمَـن فيظهر هذا المشروع في مشروع الأقاليم.

في منتصف أكتوبر من العام 2014 أجرت مجلة “انفورميش كليريخ هاوس” الأَمريكية حواراً مع الخبير الأَمريكي الشهير (وليام أنجدال) ويقول فيه: “إن عصابة داعش الإرْهَــابية التي يرمز إليها في الغرب باسم ISIS مكونة من إرْهَــابيين دربتهم أَمريكا عن طريق القوات الخَاصَّـة في الجيش الأَمريكي واستعملتهم كوسيلة لخلق فوضى تمكن من إنْشَـاء دولة دينية مبنية على الشريعة الإسْـلَامية على غرار دولة الخلافة الإسْـلَامية السالفة لحساب مصلحة العسكرية الأَمريكية التي اندمجت في هذه العملية لمدة حقبة كاملة”.

ما قاله الخبير الأَمريكي ليس سوى جزء من سلسلة طويلة من الحقائق التي تم الكشفُ عنها عن العلاقة بين أَمريكا وداعش وعلاقة النظام السعودي والقطري والتركي بتمويل ودعم التنظيم سياسياً وعسكرياً وتجارياً أيضاً، ولكن ما يهمنا هنا هو تحديدُ الحالة التي أوجدها داعش في المنطقة العربي، وهي حالة الصراع الطائفي، وهو ما يؤدّي إلى فرز على هذا الأَسَــاس فيما الجرائم البشعة من قبل التنظيم والتطهير العرقي الذي يمارسه يفترض أن يوجدَ رد فعل مماثل ينتج في نهاية المطاف صراع دموياً كبيراً على أَسَــاس طائفي يفضي إلى بروز دعاوي التقسيم الطائفية، وهو مخطط قديم كان يحتاج لإرهاصات لطرحه على الطاولات، وهو ما حدث فعلاً وأَصْبَــح موضوعاً قائماً.

 

  • صناعة الإرْهَــاب وتغييب القضية الفلسطينية

بظهورِ داعش المخطّط له مسبقاً أَصْبَــح لدى الشعوب العربية همومٌ تلامسها بشكل مباشر وأخطارٌ محدقة، وبعضها أخطار محققة، كما حدث في سوريا والعراق من جرائم ذبح وتطهير عرقي وتهجير راح ضحيتها مئات الآلاف مِن العراقيين والسوريين، وامتد هذا الهمُّ ليصل إلى الـيَـمَـن وليبيا، ومن هذا المنطلق ينجح المخطط الأَمريكي الإسرائيلي بأيدٍ عربية (السعودية- قطر) وإسْـلَامية (تركيا) في تغييب القضية الفلسطينية، إذ لم يعُد بإمكان الشعب السوري (مثلاً) أن يضع فلسطين على رأس أولوياته، وهو يواجه خطراً أكبرَ يهدد وجوده وحضارته ومجتمعاته (انتهت مجتمعات بكاملها على يد داعش في سوريا)، وهو ما ينطبق على العرق وغيره.

وإذا كان ذلك هو تأثير الوجود الداعشي غير المباشر على القضية الفلسطينية فإن التنظيمَ كان له إسهامٌ مباشر في ذلك عندما استهدف الفلسطينيين في مخيم اليرموك بسوريا وارتكب جرائمَ فظيعة هناك.

ويكشف الدكتورُ الفلسطيني عصام شاور عن هدف داعش من مهاجمة المخيمات الفلسطينية بالقول: “إنه يسعى إلى إنهاء الوجود الفلسطيني في المخيمات حتى لا تظل شاهدة على الجريمة الإسرائيلية، وجود المخيمات الفلسطينية يعتبر ركناً أَسَــاسياً للحفاظ على القضية الفلسطينية حية في وجدان العرب والمسلمين والعالم الحر، ولكن “داعش” وبعض الأنظمة العربية يريدون التخلص من المخيمات؛ من أجل ضرب القضية الفلسطينية وإسقاط حق عودة اللاجئين إلى فلسطين”.

ويقدم داعش خدمةً لإسرائيل لإخْــرَاجها من الوعي العربي وربطها بالإجْــرَام والتطهير العرقي عندما يتفنن التنظيم في ابتكار صُوَر أَكْثَـر فظاعة في ارتكاب الجرائم وخلق صورة مخيفة عن المسلمين وعقائدهم، وحول ذلك يقول مفتي القدس الشيخ محمد أحمد حسين: “أنا على يقين من أن داعش هي أداةٌ صهيونيةٌ وأن الموساد يقفُ خلفَه ولا شك أن أحدَ الأهداف من تأسيس داعش هو تشويه صورة الإسْـلَام ونشر (الإسْـلَام فوبيا) على مستوى العالم فضلا عن حرف البوصلة عن دعم المقاومة الفلسطينية والتسويق للحروب الأهلية بين المسلمين بهدف استنزاف طاقاتهم”.

 

  • إسرائيل: داعش باقية حتى تنفيذ الشروط

بين الحين والآخر يخرُجُ المسؤولون في الكيان الصهيوني وهم على درجة عالية من اليقين أن هزيمةَ داعش لن تُصبحَ واقعاً إلا بحل القضية الفلسطينية.

ومن المنظور الإسرائيلي فإن حَــلّ القضية الفلسطينية يأتي بالقبول بالإملاءات الإسرائيلية والحدود التي تعلن عنها للقبول بالحل، إضَافَة إلى أن هذا الـحَــلّ في نظر إسرائيل يجب أن يفرز دولة فلسطينية منزوعة السلاح وبدون حق العودة لملايين الفلسطينيين في الشتات.

وتأكيداً لذلك تقولُ رئيسةُ حزب “هتنوعا” تسيبي ليفني، التي شغلت منصبَ وزير خارجية الكيان الصهيوني في حكومة أولمرت إنه لا يمكن التغلب على تنظيم “داعش”، الذي يحاربه التحالف الدولي برئاسة الولايات المتحدة، من دون حَــلّ القضية الفلسطينية، وأنه لا يمكن أن تطبع “إسرائيل” علاقاتها مع الدول العربية من دون استئناف العملية السياسية بين “إسرائيل” والفلسطينيين.

وهنا لا يحتاج الأمر للتوقف كَثيراً عند السؤال الذي يقول: لماذا لا يمكن أن يهزمَ العالَمُ تنظيم داعش ما لم يتم حَــلُّ القضية الفلسطينية على الطريقة الإسرائيلية؟ حيث يمكن الاستنتاج بسهولة أن التصريحات الإسرائيلية والأَمريكية، وبينها تصريح (ليفني)، هي عبارة عن تهديدات واشتراطات تقول إن داعش ستظل تمارس نشاطها التدميري والإجْــرَامي في الدول العربية حتى يتم القبول بالشروط الإسرائيلية.

ما يقدّمُه تنظيم داعش من خدمات متعددة للكيان الصهيوني سواء في إضعاف العرب وخلق صراع طائفي تخطو به إسرائيل خطواتٍ للأمام في مشروعها التوسعي وتتراجَعُ صورتها الإجْــرَامية مقارنةً بإجْــرَام تنظيم داعش الإجرامي، وكل ذلك في مجموعه يغيّب القضية الفلسطينية، وربما يكفي القول إن عمليات داعش التي امتدت لمعظم الدول العربية وتعاظم نشاطها في دول ما تسميه إسرائيل (الدول العربية غير المعتدلة) والتي تكنُّ لإسرائيل العداء، ولم يحدث أن استهدف داعش أيَّة مصلحة إسرائيلية داخل الأَرَاضي المحتلة أَوْ خارجها، فيما لم يترك دولة عربية (غير معتدلة) بالمفهوم الإسرائيلي وبعض المعتدلة منها بنفس المفهوم إلا وارتكب فيها أبشع الجرائم.