الاحتفال بميلاد الحبيب المصطفى _صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ متجذر في وجدان الأمة المحمدية
بقلم // د. تقية فضائل
منذ ما يزيد عن 800 عام والمسلمون في مختلف بلدانهم ومختلف مذاهبهم يقيمون احتفالات كبرى فرحا وسرورا بذكرى المولد النبوي الشريف، احتفالات تعم أنحاء البلاد و تعد فيها ولائم عامرة بألذ صنوف الطعام يأكل منها القاصي والداني والقريب والبعيد ، و ترتدى الثباب الجديدة و ترفع الزينات هنا وهناك و تردد التهاني والتبريكات بأجمل العبارات، و يحرص على إقامة جلسات ثقافية وفكرية ودينية في المساجد والمدارس والجامعات والبيوت كل ذلك محفوف بالصلوات والمديح والثناء على الحبيب المصطفى _ صلى الله عليه وعلى آله وسلم_ شعرا ونثرا، وهذا مما لا شك فيه ؛ حمدا لله على عظيم نعمائه بأن منً علينا بالرحمة المهداة إلى العالمين ، وشكرا وعرفانا بفضل من أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وألف جمعها بعد شتات وهداها بعد ضلال ، وجعلها أمة تنافس غيرها من الأمم في عظائم الأمور من علم وتمدن و بناء واختراع بل نافست على قيادة العالم بعد أن كانت تعيش على هامش الأمم وتتنازع على سفاسف الأمور .
وهذا الاحتفاء ليس بدعا بين الأمم فكل أمة تحيي ذكرى ميلاد عظمائها لأنه يعد ميلادا جديدا للأمة بأسرها نقلها في جانب من جوانب حياتها نقلة نوعية إلى وضع أفضل صحح مسارها ،أو ارتقى بها في سلم التحضر، أو حررها من ظلم واستبداد قيد خطاها ، كما وجدوا أن هذه المناسبة تخلد ذكر هؤلاء العظماء في أذهان شعوبها حتى لا يمحوه تقادم الزمان وتعاقب الأجيال ، فتغنوا بأعمالهم التي خدمت أمتهم ونهضت بها ، كي يقتفي الناس آثارهم ويعترفوا لهم بالفضل ويزداد التعلق بهم والحرص على مضاهاتهم ، فيتحقق للأمة ما تسعى إليه من أهداف وغايات.
والنبي الأعظم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم – هو خير البرية بلا منازع، ولا يوجد بين البشرية جمعاء من يستحق أن يحتفى بذكراه مثل الرسول الأعظم لأنه احتفاء بكرامة الإنسان ورقيه وخلاصه من عبودية الجهل والظلم ، ومن الجحود أن يتجرأ بعض المحسوبين على الإسلام بل محسوب على علمائها فيحرم ذلك على الأمة بل ويجرمه ويجعل منه سببا للخلاف بين أبناء الأمة . والأسوأ من ذلك أن نجد لهم أتباعا يرددون مقولاتهم الساذجة ويدافعون عنها بدون وعي لخطورة ما يقولون ، ولا أبالغ إن قلت إنهم للأسف يسهمون في تحقيق مؤمرات أعداء الأمة في النيل من رمز الأمة وقائدها وتغييبه عن أذهان الأجيال وهذا جزء خطير من مخططات ترمي إلى هدم كيان الذات المسلمة لتبقى رهينة الاستعمار الأجنبي بعيدة كل البعد عن دينها و نبيها وعزها ومجدها .
فلنجعل احتفالاتنا بذكرى مولد نبينا الأكرم ممتدة عبر الزمان والمكان ولتكن سبيلا نرمم من خلاله ذواتنا المتصدعة بسهام الأعداء القاتلة، و جسرا متينا ينقلنا إلى عالم الأمان العالم المحمدي الأصيل المحصن بالعزة والقوة الذي هجرناه منذ زمن ففقدنا الكثير من أصالتنا وعزتنا وقوتنا وأصبحنا هشيما تذروه الرياح ، ولنجعل تلك الاحتفالات إعلانا صريحا عن عودتنا إلى التعاليم الربانية والأخلاق القرآنية التي تجسدت في السيرة النبوية الفواحة بأريج الإنسانية والقيم والمبادئ .
صلى عليك الله يا خير الورى ماتعاقب الليل والنهار …