إلى مَن باعوا وطنَهم بثمن بخس!!
بقلم / أحمد ناصر الشريف
نذكّرُ أولئك الذين رضوا على أنفسهم ان يكونوا أَدَوَاتٍ فِي أيدي الخارج لاستخدامها ضد وطنهم وشعبهم وأتبعوا خطوات الشيطان بما قاله الزعيم النازي أدولف هتلر: (أن أحقر الناس لديه هم من طلبوا منه احتلال أوطانهم).. كما نقولُ لهؤلاء وهم للأسف من أَبْنَاء جلدتنا الذين ارتبطوا بالخارج واصطفوا مع العُــدْوَان ضد بلدهم: ان الوطنية تتجسّد فِي مدى الحرص على حماية الوطن والدفاع عن سيادته واستقلال قراره وخدمة قضاياه.. وليس فِي التباري على جلد الذات وتدمير القدرات وَقتل الأنفس فِي وقت يتفرّج فيه الآخرون علينا وَيضحكون.. لا سيما ان الـيَـمَـنيين لديهم تجاربُ عديدةٌ للاستعانة بالخارج منذ قيام ثورة 26 سبتمبر عام 1962م وحتى اليوم.. ولكنها لم تزدهم إلَّا وهْناً على وهْن وتنتقص من قدراتهم وسيادتهم، ومع ذلك لم نتعظ ونستفيد من دروس هذه التجارب وعبرها..
إستعنا بقواتٍ خارجيةً لنُصرة قضايانا الوطنية ولم يتحقق النصر إلَّا على أيدي الـيَـمَـنيين أنفسهم.. نقلنا مؤتمراتنا واجتماعاتنا إلَى العديد من البلدان الأُخْــــرَى وخرجنا منها باتفاقات كثيرة ولكنها بقيت حبراً على ورق ولم ينفذ منها على أرض الواقع حرف واحد.. وما كان ينفذ نسبياً هو تلك الاتفاقات التي كان يتم التوافق عليها داخل الـيَـمَـن.
ولكي نكون صريحين وواضحين فسوف نسمّي الأشياء بمسمياتها.. على سبيل المثال: استعنا بالجيش العربي المصري لنُصرة الثورة والجمهورية الذي ظل يقاتل فِي جبال الـيَـمَـن ووهادها دفاعاً عنهما أَكْثَـر من خمس سنوات، ولكن الشعب الـيَـمَـني لم ينتصر لثورته ونظامه الجمهوري إلَّا على سواعد أبنائه فِي ملحمة السبعين يوماً.
وفي المقابل استعان الطرف المناوئ للثورة والجمهورية بالخارج كما هو حال الصف الجمهوري وفشل فِي تحقيق هدفة المتمثل فِي القضاء على الثورة.. وحين شعر الطرفان المتصارعان أن الساحة الـيَـمَـنية قد تحولت إلَى ساحة صراع لتصفية حسابات إقليمية ودولية يدفع الـيَـمَـنيون ثمنها غالياً وأن الخطر أَصْبَــح محدقاً بوطنهم وسيكونون هم أكبر الخاسرين سارعوا إلَى الالتقاء ببعضهم فِي أَكْثَـر من منطقة يمنية واتفق عقلاؤهم على أهمية تحقيق مصالحة وطنية تقطع الطريق أمام تدخلات الخارج فِي شؤونهم الداخلية وتتيح لكل الأطراف المتصارعة المشاركة فِي الحكم تغليب المصلحة الوطنية العليا على ما عداها من مصالح ذاتية وأنانية..
ولا ننسى هنا أن نشيدَ بالجُهُـود التي بذلها القاضي عبدالرحمن الإرياني، رئيس المجلس الجمهوري الأسبق رحمه الله، حيث كان يبعث رسائل إلَى أطراف مهمة فِي الجانب الملكي يدعوهم فيها إلَى التصالح والعمل من أجل خدمة وطنهم وشعبهم، وقد أتت هذه الرسائل ثمارها الأولى بعد فك حصار صنعاء من الجهة الغربية بعام، حيث انضم الفريق قاسم منصر إلَى الصف الجمهوري ولعب دوراً محورياً فِي فك الحصار عن صنعاء من جهة نقيل يسلح جنوباً وهو ما يذكرنا بدعوة قائد الثورة الشعبية السيد عبدالملك الحوثي فِي أحد خطاباته المغرّر بهم للعودة إلَى وطنهم والمشاركة فِي بناء الدولة الحديثة بدل التآمر على وطنهم.
وكذلك الجهود التي بذلها الإمام محمد البدر، رحمه الله عندما اكتشف أن السعودية التي استعان بها لاستعادة عرشه أرادت أن تجعل منه ورقة ضغط فقط لتحقيق أهدافها وإجباره على توقيع اتفاقيات تمس السيادة الـيَـمَـنية كما يحدث اليوم على يد الفأر الهارب عبدربه منصور هادي وشلته، فأوعز إلَى من حوله من المتشددين فِي الجانب الملكي أنه لا يمكن أن يسمح لنفسه بمواصلة الحرب لاستعادة حكمه على حساب دماء الـيَـمَـنيين وأقنعهم بأن يتحاوروا مع إخوانهم فِي الصف الجمهوري وصولاً إلَى اتفاق وإنهاء الحرب.. وهذه معلومة مؤكدة قد لا يعرفها الكثيرون وإن علم البعض بها فإنهم يتجاهلونها لغرض فِي أنفسهم مثل أولئك الذين يعرفون الحق ولكنهم لا يجرؤون على الجهر به.. وما أَكْثَـر مثل هؤلاء فِي وقتنا الراهن.. وكذلك فعل الأمير محمد بن الحسين الذي قاد عملية الحصار على العاصمة صنعاء؛ لأنه واجه نفسَ الضغوط ورفض التوقيع على أي اتفاق يمس السيادة الـيَـمَـنية وينتقص منها فِي مقابل استمرار الدعم العسكري والمادي لمواصلة حصار صنعاء، فاضطر أن يبعَثَ برسائلَ إلَى شخصيات مهمة بما فيها قادة جمهوريون يشعرهم فيها أنه سينسحبَ وعليهم أن يواصلوا المقاومة والصمود؛ حفاظاً على النظام الجمهوري رغم تشدد بعض من كانوا حوله وإصرارهم على مواصلة الحرب وعلى رأسهم الشيخ ناجي بن علي الغادر رحمه الله؛ لأن هؤلاء لم يكن يهمهم لا نظام جمهوري ولا ملكي بقدر ما كان يهمهم تنمية مصالحهم وتكبير حجمها كما يحدث فِي المرحلة الراهنة حيث بعض الأطراف السياسية لا تفكر إلَّا فِي مصالحها ومصالح أَحْــزَابها والوصول إلَى السلطة من أجل التقاسم والمحاصصة وتوظيف الأقارب والأتباع ونهب ثروة الشعب الـيَـمَـني على حساب خدمة قضايا الوطن والشعب وبناء دولته القوية والعادلة وإبقاء الـيَـمَـن ضعيفاً يمد أبناؤه أيديهم للخارج.
لقد وقع الـيَـمَـنيون ممثّلين في من كانت تختارهم قياداتهم المتعاقبة اتفاقات كثيرة خلال الخمسين عاماً الماضية فِي كُلّ من اركويت فِي السودان وفي القاهرة وطرابلس الغرب بليبيا وبيروت وجدة والعاصمة الأردنية عمان وغيرها من العواصم العربية الأُخْــــرَى، ولكن ما الذي تنفذ منها على أرض الواقع حتى نستطيع القول إن نقل الحوار من صنعاء إلَى الخارج سيأتي بنتائج مفيدة.. بل إن أعظم اتفاق ممثلاً فِي وثيقة العهد والاتفاق التي وقعت عليها فِي عمان بالأردن مختلف القوى السياسية الـيَـمَـنية برعاية عربية وتعهدات بالتنفيذ لم يمض عليها سوى ساعات حتى فوجئ الـيَـمَـنيون أن بعضَ الأطراف الرئيسية الموقعة على هذه الاتفاقية قد غادرت عمان إلَى عواصم عربية قبل عودتها إلَى الـيَـمَـن لتتلقى منها التوجيهات لحبك المؤامرة يومها على الوحدة الـيَـمَـنية وفي الطليعة الطرف المهم علي سالم البيض الذي ذهب يومَها من الأردن إلَى السعودية ولم تكد تمضي فترة شهرين بعد التوقيع حتى تفجرت الحرب بين الـيَـمَـنيين وحبر التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق لم يجف بعد.. ومع ذلك نريد أن نكرر اليوم نفس التجربة حينما طالبت بعض الأطراف بنقل الحوار إلَى الخارج تحت ذرائع وحجج واهية مع انها تعرف أنه سيتم إذكاء الخلافات بين الـيَـمَـنيين ثم يعودون إلَى الـيَـمَـن بعد التوقيع على أي اتفاق ليفجروا الحرب كما حدث عام 1994م.. وإن كان الخارج هذه المرة هو من فجّر الحرب نيابةً عمن أرادوا لها ان تندلع وجعل منهم حُجَّة لتدخله وعليه لا يجب أبداً أن نراهن على الخارج مهما افترضنا سلامة نية هذا الخارج وإن كنا نعتقد جازمين أن لا أحد يحب لنا الخير كما نحبه لأنفسنا وإن كُلّ طرف خارجي يريد تمرير مصالحه فِي الـيَـمَـن حتى لو أدَّى ذلك إلَى تطاحن الـيَـمَـنيين فيما بينهم بل وإلى تدمير وطنهم نهائياً.
لكن من يُقنع لنا تلك الأطراف التي لا تزال متمسكة بالخارج وتجعل منه كُلّ شيء وتعتقد أن الـيَـمَـنيين بدون الخارج سيموتون من الجوع بل وينظرون إلَى أَبْنَاء الشعب الـيَـمَـني وكأنهم لم يبلغوا رشدهم بعدُ، ولم يصبحوا رجالاً يعتمدون على أنفسهم ليحلوا مشاكلهم داخل بلدهم بأنفسهم بعيداً عن وصاية الآخرين مع ان أهل مكة أدرى بشعابها.