وعد الآخرة
بقلم// عباس السيد
كثيرة هي الرسائل التي قدمها العرض العسكري المهيب “وعد الآخرة” للداخل والخارج، الخميس الماضي في الحديدة، وقد لخصها القائد … رعاه الله في كلمته خلال العرض، وماذا عسانا أن نضيف !.
وسنتوقف هنا عند رسالة “طمأنة الشعب اليمني” فقد أصبح لديه جيش قوي قادر على حماية كل ربوع اليمن ومواجهة مؤامرات الأعداء وأطماعهم، جيش وطني لا يحمل العقد العنصرية أو المناطقية والمذهبية، بل ينطلق من هويته الإيمانية التي تختفي فيها كل المصالح الضيقة والأنانيات التي كانت سائدة قبل 2014 م، ولسنا بحاجة إلى التذكير بأسماء وهويات قادة المؤسسات والأجهزة العسكرية والأمنية التي تحولت إلى مؤسسات عائلية بامتياز . ولأن ” الطبع غلب التطبع ” كما يقال ، فإن معظم أولئك القادة ، من هيثم قاسم إلى طارق عفاش يعملون حاليا كمرتزقة مع قوى الع dوان .
لليمن سواحل تمتد لأكثر من ألفي كيلومتر، وهي خصوصية تجعل منها دولة بحرية، من حيث الاهتمام العسكري والأمني والاقتصادي، ومع ذلك، كان البحر والجزر اليمنية آخر اهتمامات السلطات اليمنية طيلة عقود .
كانت الجزر اليمنية أشبه بمنافٍ للقوات التي تُرسَل إليها، ولذلك لم تجد دولة إريتريا التي كان عمرها أشهرأ أي مقاومة تُذكر عندما احتلت أرخبيل حنيش عام 1995 .
قتلت القوات الإريترية نحو 15 جندي يمني ، واسرت 180 فردا ، ولم تُستعدْ الجزر إلا من خلال تحكيم دولي انتقص من سيادتنا الكاملة على المياه الإقليمية حول الأرخبيل ـ وبما يخالف القوانين الدولية ـ وقد وجد الإريتريون في ذلك ثغرة، يمارسون من خلالها التضييق على الصيادين اليمنيين باستمرار، وآخرها اختطاف نحو 130 صياداً يمنياً من المياه الإقليمية اليمنية الأسبوع الماضي .
في الأيام الأولى من عام 2012 تلقينا في صحيفة الثورة خبراً عن “نجاح البحرية اليمنية في إنقاذ عدد من الجنود بعد غرق قاربهم في البحر بين الخوخة وحنيش” .. تفاصيل الخبر كانت غامضة مثل كل الأخبار المبتورة التي تسمح بنشرها الجهات الرسمية .
بعد أيام ، عرفت أن صديقاً لي ” منصور ” كان واحداً من ستة أفراد نجوا في ذلك الحادث، وفي تفاصيل الحادث المأساوي من التراجيديا والإثارة ما يفوق بمرات ما سطره ” فيكتور هوجو ” في روايته “العجوز والبحر”.
وفيها أيضاً ما يشيب له شعر الرأس من إهمال وعشوائية في إدارة وحدات الجيش وأفراده.
عناصر تابعة للبحرية اليمنية متمركزة في إحدى الجزر، تتنقل بقارب متهالك، بدون وسائل اتصال وبدون أبسط وسائل الحماية والسلامة . وحين يغرق قاربهم، يموتون واحدا تلو الآخر في انتظار نجدة لم تصل إلا بعد مرور 30 ساعة وبعد أن كان 11 فردا من أفراد الطاقم يرقدون في قعر البحر أو في بطن الحوت .
“سعيد”، نموذج آخر للتعامل مع الكوادر والكفاءات النوعية في الجيش اليمني، وقد كان أمهر الغواصين في قوات الساحل الغربي، ولأنه كذلك ، تم تحويله إلى مجرد دليل ومرشد للمهربين وشركات الصيد غير القانونية، قبل أن يترك الساحل والبحر ويعود إلى قريته .
لا يختلف الحال كثيراً في السواحل الجنوبية، فالقوات البحرية “الضاربة لليمن الديمقراطية” التي كان يفاخر بها الحزب الاشتراكي اليمني، تحولت إلى قوات بحرية تابعة لقبائل أبين في أحداث يناير 1986، واستدارت بمدافعها وصواريخها نحو مدينة عدن، وبالمثل تحولت وحدة المدرعات إلى قوات تابعة لقبائل ردفان والضالع في نفس المعركة .
لم تكن السواحل اليمنية طوال عقود سوى محطات لتهريب الممنوعات والتهرب الجمركي على مرآى ومسمع السلطات وقياداتها . وهي أيضاً أماكن للاستجمام أو بوابات للهروب .
وفي حين تنافس القوى الإقليمية والدولية للحصول على موطئ قدم في باب المندب ويسيل لعابهم في مياهه، اكتفى قادتنا ببناء “استراحة ومفرج” على قمة كهبوب المطل على باب المندب. وخلف قمة معاشيق في عدن يوجد ميناء خاص يُستخدم كمنفذ لهروب القيادات وقت الحاجة .
لذلك، كانت رسالة العرض العسكري “وعد الآخرة” الموجهة لطمأنة الشعب اليمني، تشير إلى مرحلة جديدة من التعامل مع سواحلنا وجزرنا ومياهنا، وطي عقود من الإهمال والعبث والفساد . وهو بمثابة إعادة الاعتبار للحديدة والساحل الغربي والسواحل اليمنية من حجة إلى المهرة .
لا قيمة لكل المواقف التي اعتبرت العرض العسكري انتهاكاً للهدنة أو اختراقاً لاتفاق السويد .
فإذا كان إقامة اليمنيين عرضاً عسكرياً على أرضهم يخالف شريعة النظام الدولي، فماذا نسمي تأسيس الولايات المتحدة لما تسمى “قوة المهام المشتركة 153 “CTF 153 ” في أبريل الماضي، وبعد أيام فقط من سريان الهدنة الأولى، وهي قوة مخولة بمهام عسكرية وأمنية في البحر الأحمر، مع التركيز على السواحل اليمنية كما يعترف مسؤولو هذه القوة” .
يشار إلى أن الـ “” CTF 153 هو رابع تكتل عسكري بحري تنشئه الولايات المتحدة بعد ألـ CTF 150 ,151,152 ، وجميعها تغطي البحر الأحمر وخليج عدن وشمال المحيط الهندي وصولاً إلى الخليج العربي .
وماذا نسمي استمرار الصفقات العسكرية مع دول العدوان، أو تدخل قوات جوية إماراتية في معارك شبوة الشهر الماضي، وماذا نسمي أيضاً زيادة النشاط العسكري والأمني الأميركي والبريطاني في حضرموت والمهرة؟!.