من يحكم عدن؟
بقلم / الدكتور عبدالعزيز صالح بن حبتور
إنه أمر محزن وخطير في ذات الوقت في أن يضع المواطن البسيط في عدن مثل هذه التساؤلات، المحيرة ويزيد عليها شكوكه المتزايدة على مستقبل مدينته.
يتواصل معي العديد من العامة من المواطنين والأصدقاء والزملاء ورفاق رحلة الحياة الطويلة نسبياً والممتدة مُنذ منتصف السبعينات وحتى لحظة كتابة هذه الأسطر ليضعوا أمامي سؤالا ملحا من يدير عدن ؟؟؟، في هذا الزمن الأغبر الذي تمر به مدينة عدن ذات التقاليد العريقة في الإدارة المدنية والقضائية منذ زمن الاستعمار البريطاني الذي خلّف لنا تركة مؤسسية في معظم مجالات الحياة المتصلة بتسيير حياة المواطن في المدينة على أسسٍ وقواعدٍ إجرائيةٍ قانونية واستمرت التجربة بذلك القدر المتاح بشكلٍ مقبولٍ في الدولة الوطنية ما بعد الاستقلال لجنوب اليمن واستمر بشكل مقبول في دولة الوحدة اليمنية المباركة حتى لحظة انطلاق العدوان على اليمن وما سُمي (بتحرير) عدن.
ماذا يحدث الآن في عدن؟
بعيداً عن حديث الكيد السياسي أو قذف التهم الجاهزة في وجه الخصوم السياسيين أو الرد على بعض الكتابات الساذجة التي تبحث عن الحل في فضاء اوهام مخيلتهم العَدَميّة او تلك الأصوات التي تحاول أن تزين الواقع القبيح الذي يزداد تردياً وقُبحاً في كل ساعة من ساعات عدن الثقيلة على حياة العامة من المواطنين في مدينتا الجميلة والمنهكة بهم وبسياساتهم وعقلياتهم الرعناء التي أوصلت اليمن وعدن إلى ما نحن فيه.
لن نجادل هؤلاء بل علينا أن نستعرض عددا من الأمثلة والوقائع في الجوانب الإدارية الإجرائية التي تمس حياة المواطنين الذين لا ناقة لهم فيها ولا جمل في كل هذه الملهاة التي صنعها الأنانيون من السياسيين.
وإليكم نماذج منتقاة من تلك التصرفات غير المفهومة لدى قطاع واسع من مواطني عدن:
( 1 ) تم تعيين عدد من مدراء عموم المديريات ومديري عدد من أقسام الشرطة ومكاتب التربية دون العودة للجهات المختصة بالمحافظة ، في كلٍ من البريقة ومدينة الشعب والمنصورة والمعلا.
( 2 ) تم إصدار عدد من القرارات غير القانونية لرؤساء مجموعات مسلحة ومتشددة للانضمام إلى قوام الأمن العام “الشرطة بعدن” وتم ترقيتهم إلى رُتب عسكرية كضباط.
( 3 ) تم إخراج أُسرة من مسكنها بقرار من “المجلس الشرعي الإسلامي ” بمديرية المنصورة والحجة جاهزة بأنه ساكن غير شرعي ومن زمن ج ي د ش.
( 4 ) تم الاستدعاء بمذكرة مكتوبة لعددٍ من مدراء العموم بعدن أمام المجلس الشرعي الإسلامي بإحدى المديريات بهدف التحقيق معهم.
( 5 ) قيام عدد من المسلحين الذين ينتمون إلى إحدى الفصائل المسلحة بالمطالبة بفصل وعزل تعليم الطالبات عن الطلاب بجامعة عدن كما تم احتجاز واختطاف البروفيسور/ صالح مبارك بن حنتوش عميد كلية الهندسة بجامعة عدن لساعات وأُفرج عنه بوساطة اجتماعية.
( 6 ) تم توجيه مذكرة كتابية إلى أ.د/ محمد أحمد موسى العبادي نائب رئيس جامعة عدن من قبل إحدى الفصائل العسكرية المسلحة تطالبه بصرف رسوم الطلاب وأية إيرادات مالية على محدوديتها لهذه الجماعة المسلحة بحجة الحماية التي تقوم بها للجامعة.
( 7 ) مُورس ضغط هائل على الجامعة للخروج عن سياساتها ونظمها الأكاديمية في مجالات عِدة وكان آخرها حشر وقبول طلاب بكليات القمة بالجامعة خارج اللوائح والنظم، ولم يكن بمقدور القائم بأعمال رئيس الجامعة أ٠د/ حسين عبدالرحمن باسلامه أن يعمل شيئا باعتباره أستاذ فلسفة وإعلام مُسالم لا يملك سوى القلم ليصد هذه الموجة العارمة من قبل مراكز النفوذ العسكري والقبلي ويقول في قراراة نفسه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إلى أن يعود النظام والقانون ؟؟؟
( 8 ) ولا نريد هنا أن نزيد الطين بلة في استعراض الجرائم المدنية في قضايا البسط على الأراضي والممتلكات الخاصة والعامة وردم الشواطئ والاستيلاء غير القانوني على عقارات المواطنين بحجج غير أخلاقية، ولا أظن أن عاقلاً في عدن لم يسمع بقصة البسط والاستيلاء على منزل الرفيق / عبدالفتاح إسماعيل مؤسس الحزب الاشتراكي اليمني من قبل مجموعة مسلحة تدعي ملكيتها للعقار ، وهنا يتساءل المواطن اليمني تساؤلاً مشروعاً موجه لقيادة الحزب الاشتراكي اليمني وقواعده “المنتثرين” في عدن وتعز والرياض وصنعاء أو حتى في عاصمة الضباب لندن، أين هم من هذه الجريمة الأخلاقية بحق فتاح مؤسس حزبهم؟
باعتبارهم شركاء مع دول العدوان في (تحرير عدن) وتدمير اليمن يجب أن لا يسكتوا على نهب منزل مُعلمهم الأول الذي علمهم أبجديات الفكر الاشتراكي اليساري ذات النكهة اليمنية، ألا يكفي أنهم صمتوا على جرائم العدوان على أهلهم باليمن كلها ، أو أن سكوتهم على الجرائم المُرتكبة بحق الشعب اليمني برر لهم السكوت عن نهب منزل رفيقهم.
هذه نماذج من التجاوزات غير المقبولة شرعاً وقانوناً التي تحدث الآن وحتى لحظة كتابة هذه السطور في مدينة عدن مدينة التعايش والسلام.
بهذا هذا الاستعراض السريع لجملة التحديات التي تواجه أمن واستقرار عدن وضواحيها ينتصب سؤال يتوقف عليه مستقبل هذا الجيل والأجيال اللاحقة!!!.
*** هل نبقى في مربع تبادل التهم بين الأطراف المتناحرة بعدن للبحث عن الجاني؟
*** هل تكمن الإجابة بالاتكاء على الجواب الساذج بأن كل ما يحدث في عدن هو من ترتيبات خبيثة للخلايا النائمة للعفاشيين وحلفائهم الحوثيين؟
هذا اليوم هو يوم الجمعة المباركة لجميع المسلمين بتاريخ 4 مارس 2016م حدث فصل مروع جديد من مسلسل الإجرام الدامي في عدن وهو الاعتداء الخسيس على دار المسنين العجزة في حي الشهيد عبد القوي ضاحية الشيخ عثمان / عدن، ذهب ضحيتها قرابة 16 شهيد من نزلاء الدار المسنين والممرضات المشرفات عليهم ، نعم الجرائم تتكرر يومياً تقريبا ويردد الناس السؤال الممل من المسؤول عن حماية عدن وحماية مواطنيه؟.
وستمر الساعات والأيام وستتكرر الجرائم وسيكرر الناس جميعاً ذات السؤال وهكذا ستتحول عدن إلى ساحة للقتل والتصفيات الرهيبة وسنكرر تلك الأسطوانة المشروخة، يا ريت عملنا وفعلنا وتركنا.
إذا المطلوب شيء آخر ومختلف، تتموضع مفاتيحه السياسية في كلٍ من صنعاء والرياض وعدن وبتنازل كبير من أطراف الصراع الإقليمي والوطني والاقتراب بواقعية للبحث في أسس جديدة للشراكة الوطنية مع إيقاف العدوان وفك الحصار وتدارك الوقت من الجميع.
لنتأمل المشهد الدموي الجاري في سوريا الشقيقة التي بدأ صراع فرقائها المسلحين قبل خمسة أعوام وبعد كل هذا الخراب وتهجير وموت مواطنيها وتدمير مدنها ومخزونها الحضاري الإنساني، وبعد التفاهم غير المُعلن تفاصيله بين كلٍ من روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية، عاد الفرقاء المتخاصمين الآن للحل السياسي لكن بعد خسارة لن تعوض للشعب السوري وخسارة سياسية وأخلاقية ودينية للسعودية وتركيا والإمارات المتحدة وقطر الذين ذهبوا إلى هناك بقضهم وقضيضهم بهدف سلب إرادة سوريا الحرة ومصادرة قرارها المقاوم فلم يفلحوا، وعلى اليمانيين ان يتعلموا من الدرس السوري جيداً.
والله من وراء القصد
رئيس جامعة عدن – محافظ مدينة عدن السابق
ـــــــــ
نقلاً عن موقع صحيفة (رأي اليوم) اللندنية