الخبر وما وراء الخبر

التواجد الأمريكي في حضرموت يكشف الأهداف الحقيقية للعدوان

31

فصل جديد من فصول المؤامرة الأمريكية يجرى تنفيذه في اليمن، والميدان محافظة حضرموت الغنية بثروتها النفطية، الكبيرة من حيث المساحة وشريطها الساحلي الذي يزيد عن 540 كم، زيارات ميدانية وانشطة أمنية وعسكرية مشبوهة تكاد لا تنتهي وتتجاوز في عناوينها كل الحدود الدبلوماسية والبروتوكولات الدولية المعروفة.

في واقعة جديدة أثارت علامات استفهام كبيرة حيث قام وفد عسكري أمريكي بزيارة ميدانية لمديرية بروم الساحلية بحضرموت حيث أظهرت صور نشرتها وسائل إعلامية مقربة من العدوان أعضاء الفريق الامريكي في اجتماع مع مدير المديرية المعين من قوى العدوان لمناقشة ما أسموها الجوانب الأمنية والعسكرية والخدمية ودور المنظمات الدولية المانحة والمؤسسات المحلية حيث أبدى مسؤول السلطة المحلية في بروم استعداده تقديم كافة الخدمات لتسهيل عمل الفريق الامريكي لما تقتضيه المصلحة، ولا من مصلحة سوى تعزيز التواجد الأميركي وتغلغله وتحكمه في مختلف مفاصل الدولة تحت ذريعة تقديم الخدمات والمساعدات وتذليل الصعوبات التي تعرقل سير العمل في شتى المجالات.

وبالتزامن مع وصول الوفد العسكري الأمريكي والذي جاء مع تواصل الاشتباكات الدامية بين مليشيات العدوان في شبوة لصرف الأنظار عما يحدث، فقد كانت هناك زيارة أخرى للمبعوث الأمريكي والأممي إلى شبوة حيث عقد المبعوثان اجتماعا مع محافظ شبوة المعين من قوى العدوان ،ومكان الاجتماع في منشأة بلحاف الغازية وهذه الزيارة الثانية للمبعوث الأمريكي والتي تأتي لنفس الأهداف وهو تعزيز الحضور الأمريكي والبريطاني والفرنسي في شبوة وحضرموت لتكون أمريكا بذلك قد نشطت عسكرياً وسياسياً في وقت واحد.

في ذات السياق وصل الأسبوع الماضي العشرات من عناصر البحرية الأمريكية إلى المكلا، وفور وصول القوات الأمريكية قامت بجولة ميدانية أو ما يشبه الاستعراض في شوارع الضبة والشحر وفوه وبروم الساحلية بحضرموت، ترافق هذه القوات طائرات استطلاعية حلقت بكثافة فوق تلك المناطق.

سابقة خطيرة وجرس انذار يكشف أن هدف القوات الأمريكية لا يقتصر على السيطرة على منابع النفط، بل استهداف الشعب اليمني في عرضه وقيمه وأخلاقه ومبادئه، حيث تداول المئات من الناشطين اليمنيين في مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لجنود أمريكيين يقفون إلى جانب نساء يمنيات في مدينة الشحر بحضرموت ويتعمدون التقاط صور بجانبهن بصورة فجة، في خطوة تسعى من خلالها السلطات الأمريكية لقياس الرأي العام اليمني، فمن خلال ردة فعل الشارع ( غضب عارم أو السكوت ) يتضح للجانب الأمريكي مدى تقبل المجتمع بتواجد قواته وأن بإمكانه الإقدام على خطوات أكبر فالساحة مهيأة أمامها.

في وقت سابق كشفت أمريكا في تقرير لها عن تواجد لقواتها في اليمن ” بشكل محدود ” حسب زعمها دون ذكر تفاصيل أكثر، لكن التفاصيل تترجمها توالي وصول القوات الأمريكية تباعاً إلى حضرموت والمهرة الغنيتان بالنفط.

الذريعة التي لا تنفك أمريكا من استخدامها هي محاربة ما يسمى ” عناصر القاعدة” التي كانت وما تزال هي وسيلة أمريكا لتعزيز سيطرتها على المحافظات النفطية اليمنية التي تسعى جاهدة لنهبها حتى تتمكن الولايات المتحدة من حل أزمتها النفطية التي طرأت نتيجة الحرب الروسية في أوكرانيا.

******

محطة أخرى من محطات النشاط الأمريكي في اليمن، فقد وصلت قوات أمريكية إلى مطاري عدن والغيضة في محافظة المهرة شرق البلاد ، وأقدمت قوات أمريكية على الانتشار في مطار عدن وباشرت بعد وصولها على متن طائرة عسكرية أمريكية بالانتشار في محيط المطار بمديرية خور مكسر ، وذلك بالتزامن مع وصول قوات أمريكية إلى مطار الغيضة بمحافظة المهرة .

الاستفزاز الأمريكي العسكري الأخير، جاء عقب قيام قوات فرنسية بإنزال جوي في ميناء بلحاف الغازي في مديرية رضوم بمحافظة شبوة ، وذلك بعد 24 ساعة من وصول قوات أمريكية إلى حضرموت وقيامها بجولات استطلاعية في مناطق الضبة والشحر ومنطقة فوه ثم مديرية بروم الساحلية.

الفريق الفرنسي من المهندسين الذين وصلوا إلى منشأة بلحاف يتبعون شركة توتال الفرنسية ومعهم 20 من جنود وضباط القوات الفرنسية ، وقد ظل الفريق على مدى 48 ساعة وقام بقطع الاتصالات عن المديريات الساحلية للمحافظة، وقد طالب الفرنسيون من الإماراتيين مغادرة المنشأة، وحسم المعركة بأسرع وقت – بين المليشيات – كشرط لبدء استئناف تصدير الغاز اليمني المسال.

وبالتزامن تم رصد بارجة حربية فرنسية في القرب من سواحل رضوم بمحافظة شبوة وهذه البارجة العسكرية قدمت من خليج عدن مجهزة بأسلحة متطورة ولاتزال في وسط البحر وتشاهد بالعين المجردة، حيث قدمت إلى سواحل رضوم بالقرب من ميناء بلحاف في إطار الاستعدادات الفرنسية الأمريكية لإعادة نهب الغاز المسال وتصديره للأسواق الأوروبية .

أطماع أمريكا في حضرموت

الأطماع الأمريكية في محافظة حضرموت ليست وليدة اللحظة، بل ظهرت منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، والتي بدأت ترجمتها من خلال إرسال شركات للتنقيب عن النفط بالتعاون مع المستعمر البريطاني في المحافظات الجنوبية، وفي مقدمة تلك الشركات شركة “بان أمريكان” والتي أعلنت في العام 1961م وجود كميات كبيرة من النفط في صحراء ثمود.

إعلان الشركة النفطية أثار الأطماع الأمريكية، فوجهت السعودية، التابع الأكثر ولاءً لها، للعمل على ضم وإلحاق منطقة ثمود النفطية بأراضيها، وهو الأمر الذي عزز رغبة السعودية في ضم المديرية إليها ودفعها لاختلاق خلافات بين أبناء تلك المناطق.

ووفقاً للمصادر التاريخية، فقد أوعزت الرياض لتجار حضرموت الحاملين للجنسية السعودية، القيام بعملية شراء أراضٍ واسعة في ثمود، وبعد ذلك حاولت الرياض فصل منطقة ثمود عن حضرموت وضمها إليها، إلا أن تلك المحاولات أفشلتها الجبهة القومية عام 1967م، ولكن على مدى العقود الماضية وقفت السعودية عبر أياديها المختلفة أمام عدم استخراج الثروة النفطية في ثمود، كما سبق لها وأن أوقفت كافة أعمال التنقيب عن النفط في الشريط الحدودي بين شرورة وحضرموت طيلة العقود الماضية، وها هي اليوم تعود إلى المحافظة وتعيد معها أمريكا وأطماعهما في السيطرة على حضرموت.

الأطماع الأمريكية جعلت محافظة حضرموت تحتل واجهة اهتمام الإدارة الأمريكية المتعاقبة، والتي أظهرت اهتماماً استثنائياً بمحافظة حضرموت ليس منذ بدء العدوان على اليمن في الـ26 من مارس 2015 م، بل منذ العام 2011 وهو ما بدا جليا من خلال الزيارات المتكررة للسفير الأمريكي لحضرموت وتدخلاته في أمورها.

وترجمة لتوجهات واشنطن وسيناريوهاتها التوسعية، تحولت مدينة المكلا خلال الأعوام الأولى من العدوان إلى محطة رئيسية للأمريكيين، ووجهة لتحركاتهم المكثفة والمتلاحقة قام بها أمريكيون خلال الفترات الماضية إلى حضرموت التي استقبلت وفودا أمنية وعسكرية أمريكية، أظهر الأمريكيون خلالها أنهم ليسوا في حاجة لأخذ الإذن أو حتى إبلاغ حكومة الفار هادي بها.

الزيارات الأمريكية المشبوهة لحضرموت

في أكتوبر من العام الماضي ظهر جنود أمريكيين ترافقهم كلاب بوليسية ومدرعات في شوارع غيل باوزير بمحافظة حضرموت المحتلة، وكان هذا متزامناً مع تواجد القوات الأمريكية في مطار الريان ومؤسسات حكومية أخرى، وحين أثار الموضوع ضجة إعلامية وسخطاً على حكومة المرتزقة، وبدلاً من اتخاذ اجراءات عقابية ظهر مسؤولون في حكومة الارتزاق لتبرير تواجد الأمريكيين كان من أجل حماية فريق تابع للأمم المتحدة، ولكن كيف لقوات أمريكية مكونة من عشرات الجنود والمدرعات والعتاد والأسلحة المتنوعة والمتطورة أن تحمي فريق للأمم المتحدة فيما لا يحتاج هذا الفريق في محافظات أخرى سوى عدد من الجند بأسلحتهم الشخصية.

خلال النصف الثاني من العام 2019م، قام السفير الأمريكي لدى اليمن كريستوفر هنزل والمقيم في الرياض بزيارتين للمكلا يرافقه وفد أمني واستخباراتي رفيع المستوى، على متن طائرة سعودية هبطت في مطار الريان، وفور وصوله إلى المطار، توجّه هنزل إلى مقرّ قيادة «المنطقة العسكرية الثانية» وترأس اجتماعاً للمحافظ المعين قائدا للمنطقة من قبل الفار هادي، وضم مختلف القيادات العسكرية والأمنية.

كما شهدت المكلا وفوداً أمريكية عدة قبل ذلك، وقام مسؤولون أمريكيون بزيارات بعضها سرية ، مثل وصول السفير الأمريكي السابق ماثيو تولر إليها أواخر عام 2017م، في زيارة جاءت عقب وصول أولي لقوات أمريكية إلى مطار الريان الذي تستخدمه كقاعدة عسكرية إماراتية – أمريكية مشتركة أنشأتها أواخر العام 2016م.

وتتواجد قوات أمريكية بمطار الريان في المكلا منذ العام 2017م، إلى جانب قوات إماراتية تتواجد في المطار ، بعدما قامتا بتحويله إلى ثكنة عسكرية وأوقفت الرحلات المدنية من المطار وإليه ، وقامت بتسريح الموظفين والعاملين في المطار.

وفي يوم 29 سبتمبر 2020م، قامت قوات من المشاة في البحرية الأمريكية بالانتشار في أنحاء مختلفة من مدينة غيل باوزير وقاموا بالانتشار على متن المدرعات الأمريكية (هامر) وهي من الطراز الحربي الحديث واستقرت القوات الأمريكية حتى نهاية اليوم.. وفي اليوم نفسه وصلت قوات أمريكية إلى مطار الريان الذي تتخذه القوات الأمريكية قاعدة عسكرية في حضرموت منذ أعوام.

كما قام السفير الأمريكي السابق ماثيو تولر نفسه ورفقة محمد آل جابر سفير السعودية ، في حضور احتفال لمشاركة تسليم الإماراتيين «قوات إماراتية» مهامّ حماية سواحل حضرموت إلى قوات دربها أمريكيون بتمويل إماراتي وأسميت «قوات خفر السواحل» إذ تلقّى قرابة 1000 عنصر منها تدريباً عسكرياً مكثّفاً من قِبَل مدرّبين أمريكيين.

وفي أواخر العام 2018م، وصل وفد أمريكي أمني برئاسة القائم بأعمال السفارة الأمريكية لدى اليمن، جنيد منير، بعد انتهاء فترة السفير تولر ، وصل الوفد إلى مدينة المكلا مطلع فبراير من ذات العام ويحمل حزمة من الأجندة التي طرحها في حينه.

ومع بداية عام 2017 ظهر علنا التحرك الأمريكي لإنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون الواقعة في باب المندب بمحافظة تعز بموجب اتفاقا انسحبت بموجبه الإمارات من الجزيرة لصالح القوات الأمريكية..

وفي يونيو من العام 2021م وصل وفد أمريكي رفيع المستوى رأسته مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الصراعات ودعم الاستقرار، دينيس ناتالي إلى المكلا في 25 يونيو ، لتكرر ما طرحه القائم بالأعمال وتظهر حزمة الأجندة نفسها التي تتمحور حول “القاعدة “والإرهاب المزعوم في حضرموت.

وقامت السفارة الأمريكية في نفس العام بالتواصل مع شباب من حضرموت والنشاط في حركة استقطاب واسعة النطاق ، حيث استخدمت السفارة منصات التواصل الاجتماعي وقامت من خلالها بتجنيد واستقطاب عملاء في وادي حضرموت حسب المعلومات.

ولعل أهم المحطات التي قامت بها قوى العدوان لتعزيز تواجدها العسكري، حينما دعا الخائن عبد ربه هادي إلى عقد جلسة لمجلس نواب الخونة في المكلا بحضرموت وحينها عمدت قوى العدوان إلى تجهيز وفد عسكري متكامل لمرافقة كل عضو في مجلس النواب وكل وفد مكون من المدرعات والأطقم العسكرية المجهزة بالعتاد والعدة، وما إن عقدت الجلسة الأولى حتى أتت طائرة عسكرية سعودية لنقل كل الأعضاء ولتبقى كل القوات التي دخلت لمرافقتهم.

وفي أكتوبر 2017م كشفت تقارير إعلامية تفاصيل ميدانية وبالأرقام، قيام السلطات السعودية بضم أراض يمنية إليها منذ بداية العدوان في مارس 2015م، واقتلاع العلامات الحدودية المرسمة سابقا بين البلدين, حيث تمكنت السعودية من ابتلاع 42.000كم مربع من الأراضي اليمنية في محافظة حضرموت .ولم يعد معسكر “الخراخير” أو “الخرخير” — كما سمته الرياض في صحراء الربع الخالي — الحد الفاصل بين اليمن والسعودية وفق معاهدة جدة عام 2000م.

واقتلعت السلطات السعودية أعمدة الاسمنت التي وُضعت كعلامات حدودية بين البلدين في الصحراء، ونقلها مسافة 700 كم إلى مثلث الشيبة على حدود عمان، لتقوم بغرسها ثانية داخل محافظة حضرموت بعمق 60 كم من العلامات الحدودية السابقة، ولم يتبق للرياض إلا بضعة كيلو مترات وسيكون لها منفذ إلى بحر العرب.

تواجد القوات الأمريكية

تكشف مصادر عن وجود عدد كبير من الجنود الأمريكيين داخل مطار الريان بحضرموت، مع قوات كبيرة من المدرعات والأسلحة والمعدات العسكرية والاستخبارية ، وتكشف عن وجود طائرات متعددة ، وتسجل المصادر رحلات عسكرية أمريكية شبه يومية من المطار وإليه ، بعدما حولته القوات الأمريكية إلى قاعدة محتلة.. ففي شهر يوليو 2021م ، وصل 100 جندي أمريكي إلى المطار ، و تمركزوا بداخله ضمن قوات أمريكية تتمركز داخله ، المصادر أوضحت أن عشرات العناصر من القوات الأمريكية الإضافية وصلت إلى مطار الريان نفسه وتمركزت فيه قادمة من مطار الغيضة الذي يعد هو الآخر قاعدة عسكرية أمريكية بريطانية في المهرة ، وقالت المصادر إن الانتقال حدث قبل شهر من وصول قوات بريطانية إلى مطار الغيضة أعلنت عنها وسائل إعلام عدة في أغسطس 2021م.

في أواخر 2021م قامت القوات الأمريكية بإنشاء مدرج عسكري في مطار الريان بطول يقدر بـ ٣٥٠م ، وقالت المصادر إن المدرج يتم استخدامه لقدوم أكثر من رحلة يومية ليلية وفي ساعات متأخرة بطائرات نوع C-130 والمعروفة بحمولتها الكبيرة والمخصصة للنقل العسكري.

وتتواجد عناصر من البحرية الأمريكية في معسكرات تتبع تحالف العدوان في مديريتي «رماه» و «ثمود» ، فعدما انسحبت القوات الإماراتية في أكتوبر من العام 2019م، وإحلال قوات سعودية بدلا عنها ، قامت هذه العناصر من البحرية الأمريكية باستلام هذه المعسكرات والإقامة فيها.

وصباح الثلاثاء 13 أكتوبر 2021م، قامت وحدة من البحرية الأمريكية تتمركز في مطار الريان باجتياح واسع لمدينة غيل باوزير بحضرموت، ونصبت نقاط تفتيش وحواجز، وقامت بإنزال كلاب بوليسية ومدرعات وسيارات اسعاف وتمشيط شوارع المدينة، هذا الانتشار أظهر الحجم الكبير للتواجد العسكري الأمريكي في مديريات الساحل.

سبق هذا الانتشار انتشار في أواخر سبتمبر 2021م ، فقد انتشر الجنود الأمريكيون بشكل مفاجئ بمدينة غيل باوزير، وتمركزوا في شوارع المدينة بالمدرعات لمدة ست ساعات، ثم غادروا على متن المدرعات نحو مطار الريان.

الاهتمام الأميركي بحضرموت ليس وليد اللحظة، بل يعود إلى ما قبل عام 2010، حيث تمكّنت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، من إنشاء غرفة عمليات لمكافحة ما يسمى “القرصنة” بعد «ثورة الشباب» التي أطاحت نظام الرئيس الخائن علي عبد الله صالح.