الهدنة اللاإنسانية
بقلم// د. فاطمة بخيت
ثمانية أعوام روت تفاصيلها بشاعة عدوان بربري غاشم، قتلَ ودمر، جوّع وحاصر، تداعيات كارثية خلّفها على حياة الملايين من اليمنيين، شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، وستمتد لأجيال قادمة. أحداث فاقت الخيال في الوحشية والإجرام، وعكست الظلم في أبشع صوره، عدوان صودرت فيه إنسانية الإنسان وبيعت في سوق النخاسة بأبخس الأثمان، وحمل شعارات زائفة ما لبثت أن تكشّفت منذ أيامه الأولى.
وما إن أقبل العام الثامن حتى سارع أدعياء الإنسانية لوضع هدنة لاإنسانية، اتضح زيفها منذ بدايتها، بتنصل العدوان عن تنفيذ بنودها للتخفيف من معاناة اليمنيين، بل كانت استثماراً لمعاناتهم، ليحقق ما لم يحققه -في حربه العسكرية طيلة الأعوام الماضية- من مكاسب سياسية، بعد أن تلقى الضربات الموجعة في المنشآت النفطية والمواقع الحيوية في عمق أراضيه، حيث كان لتلك الضربات تداعياتها على مملكة البترودولار، وحلفائها في عدوانها على اليمن، لا سيما أمريكا الداعمة لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، وتأثير هذه الحرب في العلاقات الاقتصادية ما بين هذه الدول، مما اضطر حلف الشر للسعي لطلب الهدنة التي لم تلبي أدنى احتياجات اليمنيين الذين قبلوا بها مقابل الإفراج عن سفن المشتقات النفطية والغذائية، التي تسعى دول العدوان إلى حجزها لفترات طويلة لمضاعفة معاناتهم.
كذلك تسيير الرحلات الجوية المدنية من مطار صنعاء إلى مطاري مصر و الأردن، وتسفير آلاف المرضى الذين هم بأمس الحاجة للعلاج في الخارج، والتي أيضاَ لم تلبي سوى حاجة القليل من المرضى، وما زال البقية في كشف الانتظار، ومنهم من يكون قد غادر الحياة، قبل أن يغادر المطار للعلاج.
كما حُرم أبناء هذا الشعب خلال الهدنة من الحصول على أجهزة كشف الألغام، التي حصدت في أشهر الهدنة فقط أرواح العشرات من الأبرياء. عدا قتل وجرح العشرات من أبناء المناطق الحدودية على أيدي الجيش السعودي، إضافة إلى الخروقات المتتالية في الحديدة من قِبل المرتزقة والعملاء.
تجويع وحصار ذاق ويلاته الملايين من اليمنيين، ومع ذلك مازالوا يقاومون ويواجهون التحدي بالتحدي، وينهضون من بين الركام أكثر عزماً وإصراراً على مواصلة الطريق الذي بدأوه منذ بداية العدوان.
إنّ محاولة تمديد هذه الهدنة الهشة ليس حباً لهذا الشعب أو خوفاً على مصالحه، فقد تجلى زيف ذلك خلال سنوات العدوان وخلال الأشهر الماضية على وجه الخصوص؛ وإنّما للملمة الأوراق التي بعثرتها قوة وصلابة الجيش واللجان الذين سطروا أروع الملاحم والبطولات في التاريخ المعاصر.
وما زالت حكومة الإنقاذ تمد يدها للسلام الذي يكفل كرامة وسيادة الشعب اليمني، وهذا ما يؤكد عليه أيضاً كل أبناء الشعب، كما يطالبون بعدم تمديد الهدنة إلا بصرف مرتبات كافة الموظفين شهرياً، كحق من حقوقهم المسلوبة التي اتخذها العدوان ورقة ضاغطة لإثارة الفوضى والمشاكل، لكنه فشل في ذلك.
وما يزال مطلب دفع المرتبات من المطالب الأساسية للتخفيف من معاناة اليمنيين التي تسبب بها العدوان الغاشم وفاقم منها عندما قام بقطعها، ونقل البنك المركزي إلى عدن، ومنع توريد الإيرادات إلى البنك المركزي في صنعاء.
فلا جدوى من الهدنة وشعب بأكمله يعاني أشد المعاناة بسبب الحصار وانقطاع المرتبات، ويُحرم أدنى مقومات الحياة، فاستقراره في نيل حقوقه كاملة دون تنصل أو مماطلة، وإلا فالضربات الحيدرية لهم بالمرصاد، حتى يرضخوا لمطالب شعبنا المشروعة وهم صاغرون.