الخبر وما وراء الخبر

السعودية: حين سالمتْ..حالفت، فخالفت، فحاربت!

93

بقلم / علي شرف المحطوري


 

للأمور أوائل دالةٌ على أواخرها، ومقدماتٌ شاهدة لعواقبها. تلك خلاصة من يريد فهم ما يجري في المنطقة من تمايز في المواقف لم تصل إليه منذ قرن من الزمان.
وحتى لا نعود إلى بدايات نشوء السعودية، فنكتفي بسرد أبرز مواقفها منذ ثمانينات القرن الماضي:
– شاركت في تحريض عراق صدام ضد إيران.
– فتحت على حسابها “الجهاد الأفغاني”، استجابة للحاجة الأمريكية لمواجهة الاتحاد السوفيتي.
وفي التسعينات:
– استقدمت القوات الأمريكية إلى المنطقة بذريعة إخراج قوات صدام من الكويت.
– طرد المغتربين اليمنيين من أراضيها على خلفية أزمة الخليج الثانية.
– ابتزاز العراق، وفرض الحصار عليه لثلاثة عشر عاما حتى وقوعه تحت الاحتلال المباشر عام 2003، واستبقت ذلك بعام واحد، أي عام 2002 بتبني مشروع سلام مع “إسرائيل” خلال قمة بيروت.
ولم يدرك أحد حينها إلى أي مدى يمكن أن تصل إليه السعودية في ذلك المسار المصادم للمصلحة العليا للأمة، خصوصا القضية الفلسطينية.
واستمرت..حتى كان منها عام 2006 أن طلبت من “إسرائيل” سحق حزب الله خلال حرب تموز،، وتم تعزيز ذلك الطلب بإعلان مشائخها الوهابيين فتوى بعدم جواز الدعاء لحزب الله.
وسكت العرب..وسكتت الشعوب.. ولم يدرك أحد المسار الخاطئ الذي تذهب إليه السعودية..
وعشر سنوات..مرت من 2006 إلى 2016…والمنطقة تسير باتجاهين متناقضين، ومتصادمين.
فكان الاشتباك الغير مباشر على أرض سوريا، وأرض العراق..وإلى حد ما أرض مصر.
فجاء التحول في اليمن بثورة الـ21 من سبتمبر 2014 ذات التوجه العروبي القومي الإسلامي الداعي إلى إعادة الاعتبار لفلسطين كقضية لا مجال للتنازل عنها. وذلك مسار مصادمٌ لمسار السعودية جملة وتفصيلا.
فكان الذي كان من السعودية في العام 2015 بتدشين عدوانها المباشر على اليمن لأول مرة تقدم على مثل ذلك منذ حروبها في زمن المؤسس عبدالعزيز في ثلاثينات القرن الماضي.
وهنا تكشف المستور…، وتحققت مقولة: أوائل الأمور تدل على أواخرها”، فظهرت إسرائيل أكثر المستفيدين من العدوان السعودي، وذلك بما يمكن أن يحققه من إخماد ثورة اندلعت جنوب الجزيرة العربية، في منطقة تطل على باب المندب..

وذلك في “الأمن القومي الإسرائيلي” خطر استراتيجي غير مقبول..، وعلى السعودية المحاذية لليمن أن تتولى تنفيذ مهمةٍ كانت ذات يوم على عاتق إسرائيل حين طلب منها سعوديا “سحق حزب الله في حرب تموز”.

والآن أعيد الطلب إلى أصحابه، وعلى السعودية 2015-2016 “سحق ثورة اليمن”، ومع امتداد ذلك العدوان المدمر لسنة كاملة دون أن يزعزع من إرادة اليمن.

كان من المنتصر في تخوم “فلسطين” إبان حرب تموز أن انحاز بكل شجاعة إلى جانب اليمن منذ أول يوم وبعد عام عاد وقالها مدوية: موقفي من اليمن هو أعظم وأشرف ما فعلته في حياتي”، مضيفا “ليس على وجه الأرض كمظلومية الشعب اليمني” حتى أنها فاقت “مظلومية الشعب الفلسطيني” وأن “معركة اليمن أعظم من حرب تموز”.

ومثلما أعاد السيد نصر الله تصويب الصراع في المنطقة، فماذا من المنتظر من الخليج إلا أن “يتأسرل” “ووزراء خارجية الأعراب” إلا أن يتصهينوا علنا حين كان ردهم بأن “حزب الله منظمة إرهابية” وهم بذلك إنما يريدون أن يقولوا: إسرائيل شرعية، وفلسطين قضية ماتت، وانتهت.
أو ليس من مد السلام إلى إسرائيل عام 2002 أن يكون في 2016 حليفها ضد حركات المقاومة وفي مقدمتها حزب الله، أو ليس أوائل الأمور تدل على أواخرها، وأنه حين سالمت السعوديةُ إسرائيلَ حالفتها، فخالفت مصلحةَ الأمة، فحاربت شعوبَها!
وبقيت كلمة: أنّ توقفَ العدوان على اليمن بالنسبة للسعودية أشدُّ عليها من استمرارها فيه، وذلك عائدٌ لتقييمها سنوات “الحروب الست” حيث كان “أنصار الله يخرجون من كل حرب أقوى من السابقة” وذلك هو مأزق السعودية في هذه الحرب الشاملة، فإن استمرت خسرت، وإن أوقفت فهي أخسر ولو على المستوى البعيد. وكلما كان الشعب اليمني وحدةً واحدة متماسكة، وقوةً حاضرة في كل الميادين؛ اشتد على السعودية مأزقُها، وضاق عليها خناقُها.