تجريم وزراء الداخلية العرب لـ”حزب الله” ووصفه بـ”الارهاب” أكبر هدية لإسرائيل
بقلم / عبد الباري عطوان
تجريم وزراء الداخلية العرب لـ”حزب الله” ووصفه بـ”الارهاب” اكبر هدية لإسرائيل.. وتشريع لحروبها المقبلة في لبنان وغزة ونهاية للعمل العربي المشترك المرتكز على المقاومة.. وانضمام اسرائيل الى الجامعة العربية بات وشيكا جدا.
كنا نعتقد أن المملكة العربية السعودية “تهيمن” فقط على مجلس التعاون الخليجي وقراراته، وتحدد له أصدقاءه وأعداءه، وبعض الدول العربية الأخرى المستفيدة من مساعداتها المالية، ولكن البيان الذي صدر بالأمس عن اجتماع وزراء داخلية الدول العربية في دورة انعقاده الاخيرة في تونس، ووضع “حزب الله” اللبناني على قائمة “الارهاب”، اثبت كم كنا مخطئين في اعتقادنا هذا.
دولتان عربيتان فقط هما اللذان تحفظتا على هذا القرار، أو بالأحرى بعض فقراته، الأولى هي العراق، والثانية هي لبنان، ولم يرد أي ذكر للجزائر، مما يعني الحكومات العربية “غير الفاشلة”، أو التي في طريقها إلى الفشل، وفق المخطط التفتيتي التقسيمي الذي يجتاح المنطقة، رضخت للإملاءات السعودية، والتحقت بموقف مجلس التعاون الخليجي في هذا الاطار.
السيد نهاد المشنوق وزير الداخلية اللبناني تحول الى “بطل وطني” في لبنان لأنه اعترض على “وصف حزب الله بأنه ارهابي”، مثلما جاء في البيان الختامي، وبرر مكتبه هذا الموقف بأنه جاء صونا لعمل المؤسسات الدستورية الباقية في البلد.
موقف السيد المشنوق، الذي ينتمي الى “تيار المستقبل” الذي يتزعمه السيد سعد الحريري، رجل السعودية الأول في لبنان، جاء براغماتيا، وينطوي على نضج سياسي كبير، والشيء نفسه يقال عن موقف السيد الحريري الذي اتخذه بمواصلة الحوار الاسبوعي مع “حزب الله” رغم القرار الخليجي باعتباره “ميليشيا” ارهابية، فالحزب يعتبر مكونا اساسيا من مكونات النخبة السياسية والطائفية اللبنانية، ويتمثل في مجلس النواب (البرلمان) والحكومة، ومؤسسات الدولة اللبنانية.
ليس للبنان ما يكسبه لو صوت لصالح القرار المدعوم سعوديا ضد “حزب الله”، لكن لديه الكثير مما يمكن إن يخسره داخليا، على صعيد وحدته الوطنية، وأمنه واستقراره، والتعايش القائم بين طوائفه، فالتصويت لصالح القرار ورغم مخاطره لن يعيد المنحة المالية السعودية، ومقدارها أربعة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني، لأن السعودية قررت الانسحاب من لبنان بعد أن أدركت أن وجودها فيه غير فاعل أولا، وغير مرحب به من قبل قطاع عريض من اللبنانيين ثانيا، وفوق هذا وذاك، اقترابها من حافة الافلاس بسبب تراجع العوائد النفطية، وزيادة أعبائها المالية بسبب حروبها المعلنة في سورية واليمن، وغير المعلنة في العراق ومصر وليبيا، وطابور طويل من المتطلعين الى “عطاياها” المالية، سواء على شكل منح وقروض، او صفقات أسلحة.
أخطر ما في قرار وزراء الداخلية العرب هو هيمنة “المال” السعودي على القرار العربي ومؤسساته، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وتحويل المقاومة للاحتلال الاسرائيلي الى “ارهاب”، الأمر الذي قد يشّرع أي عدوان اسرائيلي مستقبلي على لبنان وقطاع غزة، للقضاء على هذا “الارهاب”.
كان من الممكن تجنب هذه “السابقة” الخطرة لو جرى الفصل، في البيان الختامي، بين “حزب الله” كمقاومة مشروعة للاحتلال الاسرائيلي، وبين تدخلاته في شؤون بعض الدول العربية، لإرضاء السعودية وحلفائها في الخليج، ولكن غياب هذا الفصل يؤكد إن الهدف بالتجريم والصاق تهمة الارهاب، هو ثقافة المقاومة وأذرعها، ولهذا لم يكن غريبا، او مفاجئا حالة “الفرح” التي رأيناها في دولة الاحتلال الاسرائيلي، والتصريحات المرحبة بالقرار على لسان مسؤوليها، فهل هناك “هدية” أكبر وأغلى من هذه الهدية المجانية والاستسلامية التي أثبتت أن معظم العرب اكثر حرصا على أمن واستقرار اسرائيل من أكثر زعمائها اليمينيين عنصرية وتشددا.
العمل العربي المشترك بالصورة الوطنية المشرفة التي نعرفها انتهى، وبدأ يحل محله تدريجيا العمل العربي الاسرائيلي المشترك الذي سيكون طابع المرحلة الحالية، ولن نستغرب اذا ما شاهدنا تنسيقا امنيا وعسكريا عربيا اسرائيليا علنيا في الاسابيع أو الاشهر المقبلة ضد “المقاومة” تحت ذريعة التصدي للإرهاب، وحزب الله وإيران على وجه الخصوص، إنه “العهد السعودي” الذي يترسخ حاليا.
نحن في هذه الصحيفة “راي اليوم” نقف في خندق “المقاومة” للاحتلال الاسرائيلي، ونعتبرها حقا مشروعا لتحرير الارض والمقدسات بالوسائل كافة، ونعتبر قرار وزراء الداخلية العرب تخليا عن القيم والمبادئ العربية في هذا الصدد، وطعنة في الظهر لكل الشهداء العرب الذين انخرطوا فيها، ولكل الذين ما زالوا يؤمنون بهذا الخيار في ظل انهيار كل الرهانات السلمية بسبب رفض دولة الاحتلال لكل القرارات الدولية، وإجهاضها لاتفاقات السلام التي تعترف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، واستمرارها في تهويد المقدسات العربية والاسلامية، وبناء المستوطنات، وإذلال الملايين من العرب والمسلمين، وإعدامهم بدم بارد.
اليوم “حزب الله” إرهابي، وغدا حركة “حماس″، وبعد غد “الجهاد الاسلامي”.. وبعد كل هؤلاء، سيتم هدر دم كل من يقف في خندق هؤلاء ويؤيدهم، أو يتعاطف معهم، ضد دولة اسرائيل الصديقة المسالمة الوديعة المهددة من الذئاب العربية والاسلامية، حسب قيم ومبادئ وأعراف العهد “العربي” الجديد.
إن مثل هذا القرار يمهد الطريق لانضمام اسرائيل الى الجامعة العربية، ومؤسسة القمة، ولن نفاجأ إذا ما جرى انتخاب أمينا عاما اسرائيليا لها في المستقبل المنظور، وليس هناك أفضل من بنيامين نتنياهو لهذا المنصب، فلم نعد نستبعد، أو نستغرب أي شيء هذه الايام.