الخبر وما وراء الخبر

السعودية وأوهام النفوذ والقوة

186

بقلم / بثينة عليق – نقلاً عن موقع العهد الإخباري


لا شك أن المملكة العربية السعودية عندما قدمت مساعدات مالية للبنانيين على شكل هبات أو ودائع مصرفية فهي لم تفعل ذلك انطلاقا من حب فعل الخير .

تؤكد الدراسات التي صدرت حول أوضاع المملكة أن هذا العامل لا وجود له في العقل السعودي أو ضمن الحسابات التي تحرك أمراء آل سعود .

يتحدث الكاتب كريستوفر دايفيدسون في كتابه “ما بعد الشيوخ : الانهيار المقبل للممالك الخليجية” عن هذه النقطة بالتفصيل.

فقد خصص جزءا من فصل معنون “تفسير أسباب البقاء” للحديث عن التقديمات المالية التي تخصصها السعودية لعدد من الدول ومن بينها لبنان .

يستنتج مما كتبه الكاتب البريطاني أن “فعل الخير “هو آخر ما تفكر به المملكة التي يحلو للبعض في لبنان تسميتها بمملكة الخير.

ببساطة السياسة التمويلية تهدف لشراء الولاءات والنفوذ.

ولا يمكن فصل هذه القضية عن ما يسميه ديفيدسون بـ”عملية توزيع الثروات الريعية الذي لم يكن محصورا بنطاق السكان المحليين بل يتم استخدامه بشكل متزايد لشراء التأثير والسمعة في أماكن أخرى “.

اللافت أن الكاتب يوضح بالأرقام والمعطيات والشهادات أن هذا الأسلوب لم يعد قابلا للاستمرار لا في الداخل ولا في الخارج.

فالأموال تقدمها السعودية دون الخضوع لأي سلطة قانونية منطقية ودون الخضوع لأي مساءلة .

هكذا “تبددت الموارد الوطنية فازداد الفقر لدى المواطنين السعوديين وارتفعت البطالة وازدادت الفجوة بين الاغنياء والفقراء”.

المهم أن الكاتب يجزم أن الرياض لن تكون قادرة على الاستمرار في توزيع الثروات لتحقيق ” الخضوع السياسي ” لا في الداخل ولا في الخارج.

والحق يقال إن عبارة الخضوع السياسي هي الكلمة المفتاحية التي تساعد على فهم القرار السعودي الأخير.

فالرياض عملت طوال السنوات الماضية لتحقيق هدف أساسي وهو ببساطة شراء خضوع اللبنانيين .

وهذا يعني في العقل السعودي، الانصياع الكامل وعدم الاعتراض وإسكات الأصوات وتحويل لبنان دولة وشعبا وجيشا إلى مجرد أبواق لدى طويل العمر . المطلوب أن يكرر اللبنانيون دون ملل مقولة شهيرة للرئيس رفيق الحريري وهي ” لحم كتافنا من خير ” المملكة وملوكها .

وأن يزور الإعلاميون ورؤساء التحرير ومالكو وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة أمراء السعودية لاستجداء الأموال وأن تمتنع المصارف اللبنانية عن الاستفادة من أي فرصة ضرورية واستثنائية لأن مصدرها لا يحوز رضى أمراء آل سعود وأن يأتي الأمراء السعوديين لممارسة الموبقات الأخلاقية في لبنان دون محاسبة أو مساءلة من أي نوع من الأنواع.

تاريخيا لم يكن لبنان بمعزل عن هذا النوع من العلاقات التي كانت أشبه بـ” صفقات تواطئية “بين السعودية من جهة وبعض اللبنانيين المنتفعين من ناحية أخرى .

مع الحريرية السياسية اتخذت الأمور مسارا أكثر خطورة .

جرت محاولات لإدخال الدولة بمؤسساتها ضمن هذا النسق .

كان المطلوب مقايضة ولكن بين طرفين غير متكافئين ،بين راع وتابع ، وبالتالي فإن إيقاف الهبة السعودية للجيش اللبناني يمكن اعتبارها خطوة طبيعية وتصب في مصلحة المؤسسة العسكرية اللبنانية لأن الجيش اللبناني جهة لا يمكن أن تنطبق عليها مواصفات المنتفع على أعتاب أمراء آل سعود.

ولكن في لبنان كثر تكسرت نفوسهم وقاماتهم أمام أعتاب العائلة المالكة ، يتولى هؤلاء مهمة التهويل من الخطوة ، يحضرون المسرح لحالة من التذلل أمام المال الأسود . يظهر من ردة فعلهم أن المطلوب إذلال لبنان وإدخاله إلى بيت الطاعة السعودي ، إلا أن رهاناتهم عبارة عن أوهام ، ليس الأمر مستغربا ” فالمال هو المطر الذي يملأ بحار الوهم”، ولطالما موّل المال الأوهام السعودية في المنطقة والعالم .

يتحدث الكاتب محمد حسنين هيكل عن هذه المسألة بالتفصيل في كتابه “حرب الخليج أوهام القوة والنصر ” ، يصف الدول العربية النفطية وخاصة السعودية و”حالة الغفلة التي عاشتها ومنعتها عن متابعة ما يجري في العالم ، والسبب هو انشغالهم الكامل بالثروة التي هبطت عليهم من السماء في حقبة من الأوهام “.

ويبدو أن هذه الحقبة لم تنته لأن آل سعود لا يتعلمون من دروس التاريخ وها هم يعيشون الوهم من جديد في أكثر من بلد ، لبنان أحد هذه البلدان وفيه ومعه يعيش السعوديون وأدواتهم “وهم النفوذ”.
لا يعرف السعوديون أن لبنان جزء من بلاد الشام التي تشكل مركزا حضاريا كبيرا ولا يمكن إلا أن يبقى عصيا على مالهم مهما كثر وازداد، لا يحسن هؤلاء قراءة المتغيرات والتحولات فالبلد الصغير لم تعد قوته في ضعفه ولا تنفع معه “تجارة التهديد” التي تمارسها السعودية تجاه دول كثيرة. ومن الطبيعي ألا تفهم السعودية أن في لبنان منسوب من الكرامة والعزة سيفيض رفضا للابتزاز السعودي كما أن السعودية تعيش وهم القوة .
لا تدرك أنها لم تعد كما في السابق وأن الهيبة والسمعة وصلت إلى مرحلة لم يعد بالإمكان ترميمها مهما بلغت الأثمان والأموال التي ستدفعها.