الخبر وما وراء الخبر

المسيحيون لن «يقاتلوا».. من أجل السعودية!

77

بقلم / غراسيا بيطار الرستم


 

 

في «الساعات السعودية» التي يعيش لبنان على حركة عقاربها في هذه الأيام، تقفز إلى الواجهة صور الملك فيصل بن عبد العزيز التي رفعت بعد حرب 1967 في قلب الأشرفية.

حينها كان الزعيم جمال عبد الناصر يصد حروب السعودية بعدما اتهم بالكفر والالحاد بعد تأميم السد العالي واستقدام الخبراء السوفيات، فاختار المسيحيون أن يقفوا إلى جانب المملكة ضد «الزعيم الأسمر» و «نكاية» بصور «محمد ديغول» التي رفعت في البسطة كون الرئيس الفرنسي كان داعما آنذاك لنظيره المصري.

رصد «سلوك» المسيحيين عبر التاريخ من شأنه أن يشرح الوضع الشائك اليوم.

فالمسألة ليست طائفية بل تتعلق بقاعدة تشبه إلى حد ما القاعدة الأميركية القائلة «عندما تكون على سلم الأولويات الأميركية فهذا يعني أن واشنطن مستعدة لأن تقاتل من أجلك».

وهذا ما أثبتته مرارا أميركا تجاه حليفيها الذهبيين إسرائيل ودول الخليج.

المفارقة أن الأولوية لدى المسيحيين، أمس واليوم، هي الدفاع عن أنفسهم، وقسم كبير منهم يقول للسعودية اليوم «من ليس معك لا يعني أنه ضدك فلماذا تتوقعين عندما تأتين في ثوب الحرب ضدنا أن نعادي الآخرين من أجلك وكأنك على سلم أولوياتنا؟».

من هذا المنطلق جاءت «مقاربة» كل من ميشال عون وسمير جعجع وسامي الجميل مع مسألة «سحب الهبة السعودية»، كل من موقعه. فرئيس «الكتائب» يعيش «نشوة» الرضى الحريري عليه ولو على حساب «العداء» الذي يكبر ضده من «الكتائبيين» أنفسهم والمسافات التي تبعد بين قياداته من ايلي ماروني إلى سجعان قزي وسليم الصايغ.

أما رئيس «القوات» فكل «الغزل» الذي أغدقه على المملكة ربطه دائما وأبدا بالانتقاد السياسي لـ «حزب الله» وبالدعوة إلى «تشريح كل المسألة على طاولة الحكومة وإلا فلتذهب الحكومة».

أما «تكتل التغيير والاصلاح» فقد عرض الموقف الذي يعد استكمالا لما بدأه الوزير جبران باسيل حيال «تقدم الوحدة الوطنية على الإجماع العربي»، لا بل أوضحه أكثر عندما أسف «لسوء استغلال موقف باسيل المؤيد من دون تحفظ لبيان الحكومة لا بل إن موقفه كان أكثر تقدما لجهة التضامن مع السعودية».

وعليه، فإن القسم الأكبر من المسيحيين يتعاطف مع السعودية ولكن من دون استعداد للقتال من أجلها.

فالمملكة، قبل «ضجة» المليارات الأربعة، لم تقدم يوما أسلحة للجيش اللبناني.

ففي عهد الرئيس أمين الجميل، فتح الجيش على أميركا بعد فرنسا.

وبعد انتهاء الحرب في بدايات التسعينيات، «فرملت» واشنطن مساعداتها مع دخول لبنان بمؤسساته كاملة في الكنف السوري.

ومذذاك، لم يحصل الجيش على أسلحة إلا ما قدمته له سوريا من سلاح سوفياتي الصنع.

إلى أن جاء الاتفاق الفرنسي السعودي لتزويد الجيش اللبناني بالسلاح. الملك السعودي الراحل عبد الله يقرر ما اصطلح على تسميته بـ «هبة شخصية».

مات الملك وعاش الملك فانعكس «صراع الأجنحة» في المملكة على الهبة الموعودة وكان القرار بسحبها.

خلال الحرب في لبنان، وزعت الأسلحة على الجميع إلا الجيش اللبناني. يستذكر أحد المخضرمين الأموال التي وصلت إلى الجيش اللبناني في عهد الجميل، وهي بقيمة 500 ألف دولار ومصدرها السفارة اللبنانية في بيرن.. وكانت موجهة إلى رئاسة الجمهورية ومنها الى قائد الجيش العماد ميشال عون.

وأما الممول آنذاك فكان الرئيس رفيق الحريري.

المملكة في الواقع، تعكس تناقضا واضحا في إجراءاتها ربما يكون مفهوما من زاوية «صراع النفوذ» داخلها.

وهذا بدا جليا بين قرار مجلس الوزراء السعودي الذي أكد أن المملكة «ستستمر في مساعدة لبنان والوقوف إلى جانبه»، وبين تعميم السلطات السعودية القاضي بمنع المواطنين السعوديين من زيارة لبنان.

حتى الآن، تشير المعطيات الى ان السعودية تعزف على لحن التصعيد في لبنان من دون استشارة حلفائها الاميركيين.. وكل «قوافل المعتذرين» الذين يؤمون السفارة السعودية يوميا لا تكفي لنيل الرضى الملكي الذي جعل جمهورا مسيحيا كبيرا يشعر بالاشمئزاز إلى حد الترحم على زمن «الوصاية».

بعد التحاق الإمارات والبحرين وقطر والكويت بركب التصعيد السعودي، عبر قرار منع مواطنيهم من السفر إلى لبنان، يقول رجل دين مسيحي: «الله ينجينا من شر هذه الموجة».

*نقلاً عن “السفير” اللبنانية