هل تفجيرُ لبنان باتَ وشيكاً؟
بقلم / عبدالباري عطوان
- أربعُ دول خليجية تُعلِنُ “الحرْبَ” على لبنان.. كُلُّ الاعتذارات والحجيج الى السفارة السعودية طلبا للغفران لم تعط أَية نتيجة.. فهل تفجيرُ لبنان بات وشيكاً؟ والحرب الطائفية اصبحت تدق أَبْوَابه؟
أعلنت أربع دول خليجية الحرب على لبنان وبقيادة المملكة العربية السعودية، ومنعت رعاياها من السفر إليه، وطلبت من المقيمين منهم على أراضيه العودة فورا، عقابا للحكومة اللبنانية التي “تحفّظت” على قرار لوزراء الخارجية العرب يدين تدخل إيْرَان في الشؤون الداخلية العربية، حفاظاً على مصلحة بلدها، والاستقرار الهش في أراضيه.
لان المملكةَ العربية السعودية تقدم مساعدات مالية لبعض حلفائها في لبنان، ووعدت بمنحة مالية قيمتها اربعة مليارات دولار لتسليح جيشه وقواته الامنية بأسلحة فرنسية، فانه بات مطلوبا منه وحكومته، وكل طوائفه، ان يضعوا سيادتهم وكرامتهم جانبا، وان يرضخوا لكل الاملاءات السعودية، وان يعلنوا الحرب على كُلّ اعدائها، بما فيهم إيْرَان وحزب الله، بغض النظر عما يمكن ان يترتب على ذلك من اخطار على أمن البلاد، وتعايشها ونسيجها الاجتماعي والسياسي الهش.
***
كان منظراً مؤلماً ومحزناً في الوقت نفسه، ان نرى المئات من الشخصيات اللبنانية، السياسية والدينية (معظمهم من الطائفة السنية)، “يحجون” الى السفارة السعودية في بيروت “معتذرين” وطالبين الغفران، وأصدر مجلس الوزراء اللبناني بيانا اكد فيه على اهمية الاجماع العربي في القضايا المشتركة، وقال إن لبنان لن ينس للمملكة دعمها السياسي والمالي طوال العقود الماضية، واعلن السيد تمام سلام رئيس الوزراء نيته للقيام بجولة خليجية بدءا بالسعودية لتقديم الاعتذار وتطييب الخواطر، ورغم ذلك لم تقبل السلطات السعودية كُلّ هذه الاعتذارات، وسخرت من بيان مجلس الوزراء اللبناني باعتباره ليس كافيا، وتمسكت بموقفها الرافض لإرْسَال دولار واحد للبلد الذي كان شقيقا، ولم ترد على طلب رئيس الوزراء زيارتها، حتى كتابة هذه السطور في اهانة متعمدة.
لا نعرف ماذا تريد القيادة السعودية من لبنان ورئيس وزرائها ونخبتها السياسية؟ هل تريد ان يذهب السيد سلام زاحفا على ركبتيه وبطنه من بيروت الى الرياض لكي تنظر بعد ذلك في مسألة الغفران وقبول الاعتذار، ولا نقول تقبل به، وتغفر له ما ارتكبه وزير خارجيته من كبائر؟
بات من الصعب علينا هذه الايام فهم السياسات السعودية وطابع “الحرد” الذي يشكل العمود الفقري فيها، حتى بات عدد اصدقائها يتناقص بشكل مضطرد، بينما يرتفع عدد اعدائها او المختلفين معها في المقابل، في وقت تخسر فيه اهم سلاح في يدها وهو “المال” بسبب تراجع اسعار النفط وعوائده، وتخوض حربين بلا قاع، واحدة في اليمن، جوارها الجنوبي، والثانية في سورية لاسباب ثأرية انتقامية.
لبنان لم يطلب المنحة المالية من المملكة، بل هي التي تطوعت بها، وللجيش اللبناني الذي يفترض فيه انه جيش لكل اللبنانيين، بغض النظر عن طوائفهم ومذاهبهم، وعقيدته الوطنية التصدي لاي عدوان إسْرَائيْلي، ووقف المنحة المالية السعودية هذه التي ستحرمه من تحديث اسلحته وسيصب في مصلحة إسْرَائيْل بالدرجة الاولى، وتقليص قدراته في مواجهة “الارهاب” التي تعلن السلطات السعودية انه سيترأس قمة اولوياتها.
المملكة تكره “حزب الله”، وكانت تأمل ان يقوم العدوان الإسْرَائيْلي عام 2006 بالقضاء عليه واجتثاثه تماماً، مثلما نجح الاحتلال الامريكي للعراق باجتثاث حكم الرئيس صدام حسين، وحزب البعث، ومثلما تحاول حاليا القضاء على التحالف “الحوثي الصالحي” في اليمن، ولكن 31 يوما من العدوان والقصف الإسْرَائيْلي بأحدث الطائرات والدبابات الامريكية الصنع لم تنجح في هذه المهمة، فهل تتوقع المملكة ان ينجح الجيش اللبناني فيما فشلت فيه إسْرَائيْل، القوة الاقليمية العظمى النووية في المنطقة؟
نعم.. “حزب الله” قوة اكبر في الدولة في لبنان الضعيفة، ويملك اكثر من مئة الف صاروخ من كُلّ الاوزان والاحجام والابعاد، والحكم في لبنان يقوم على التوافق والتوازن الطائفي، ووفق اتفاق الطائف الذي جرى توقيعه على ارض المملكة وبواسطتها، أَي ان قوة هذا الحزب ليست سرية، واذا كان هناك احد يتحمل مسؤولية قوة هذا الحزب فهي المملكة، التي ادت وساطتها الى اخراج القوات الفلسطينية “السنية” من لبنان بتحريض امريكي، واخلت الساحة كاملة للحزب والميليشيات الأُخْرَى الموالية لإيْرَان وسورية.
نعم ثانية.. وهي ان “حزب الله” حليف قوي لإيْرَان، زعيمه السيد حسن نصر الله يؤمن بالولي الفقيه، وأعلن ذلك مرارا على رؤوس الاشهاد بالصوت والصورة، ولكن تحريض السعودية حلفائها في لبنان للنزول الى الشوارع، وميدان الشهداء في بيروت على وجه الخصوص، او حتى السيد سلام الاستقالة، مثلما يطالب بعض الكتاب السعوديين، سيخدم هذا الحزب، وإيْرَان على وجه التحديد، وسيدخل لبنان في دوامة من الفتن وعدم الاستقرار، وربما الحرب الاهلية.
فاذا كانت حكومة المملكة نفسها تتودد الى الطائفة الشيعية في الإحساء ويذهب ولي عهدها شخصيا لتقديم العزاء لأهالي ضحايا تفجيرات المساجد على يد خلايا “الدولة الإسلامية وتصف هؤلاء بالشهداء، فلماذا تريد اهل السنة المسالمين الوادعين في لبنان أن “يثوروا” على هيمنة “حزب الله” والدخول في حرب دموية معه؛ لأنه لم يدن بشكل كاف حرق السفارة السعودية في طهران؟ وهل هذا الحرق يستحق كُلّ هذا الغضب السعودي، والنتائج التي يمكن ان تترتب عليه؟
تتهمون “حزب الله” بالإساءة الى المملكة وهذا صحيح.. ولكن هل قصرتم في الاساءات تجاهه ايضا.. من الذي اطلق عليه “حزب الشيطان”، و”حالش”، و”حزب اللات”، والمجوس، والرافضة وأبناء المتعة، وكل الاوصاف الأُخْرَى البذيئة التي يعف اللسان عن ذكرها، ومن قبل مسلمين موحدين يستضيفون على ارضهم المقدسات الاسلامية والكعبة المشرفة؟
القيادة السعودية تدرك جيدا ان السيد جبران باسيل هو وزير خارجية لبنان، وليس وزير في الحكومة السعودية، ولذلك فهو محكوم بسياسات وتوازنات طائفية، والشيء نفسه يقال عن السيد سلام رئيس الوزراء، ومن الخطأ دبلوماسيا وسياسيا وأخلاقياً، مطالبتهما بالخروج عن هذه التوازنات، فإذا اردت ان تطاع فأطلب المستطاع، واجد لأخيك عذرا، اذا كنت تعتبره اخا.
مثل هذه الخطوات السعودية الغاضبة والمتسرعة تخدم “حزب الله” وتصب في مصلحة النفوذ الإيْرَاني في لبنان، وتعطي نتائج عكسية سيئة على حلفائها في البلد، وعلاقاتهم التاريخية مع المملكة، ومن يقول غير ذلك “يغطي الشمس بغربال”، مثلما يقول المثل.
***
لا نجادل مطلقا في حق المملكة في ان تمنح المال لمن تشاء، وتحجبه عمن تشاء، واتخاذ اجراءات تخدم مصالحها، ولكن هناك اوجه عديدة لخدمة هذه المصالح، والتعبير عنها بطرق اقل “استفزازية”، وكان بمقدور السلطات السعودية ان تؤجل دفع هذه المنحة لسنوات، وبهدوء، ودون أَي إعْلَان، وهناك الكثير من الذرائع المتوفرة لها، مثل انخفاض دخلها من النفط بأكثر من 70 بالمئة، وانخراطها في حروب عديدة، ولكن يبدو ان هناك في المملكة من لا يؤمن بالهدوء والدبلوماسية والعقلانية، وكيفية كسب الاصدقاء، وتحييد الاعداء، او تقليص اخطارهم، وكل قيم الارث السعودي الأُخْرَى المتبعة منذ ثمانية عقود.
نسمع تهديدات بخطوات “انتقامية” جديدة يمكن ان تقدم عليها المملكة وحلفاؤها الخليجيون، مثل ابعاد اللبنانيين في أراضيها، او تسليح ميليشيات سنية لمواجهة “حزب الله”، مثلما لمح الى ذلك السيد نهاد المشنوق وزير الداخلية اللبناني، ولكن مثل هذه الاجراءات قد تؤثر بشكل سلبي على المواطن اللبناني البسيط، ولقمة عيشه، الامر الذي سيصّعد العداء ضد المملكة، ويوفر الذخائر للدعايات المعادية لها، وعلى رأسها الدعاية الإيْرَانية، وفي مثل هذا التوقيت الحرج.
نتفق مع السيد المشنوق في قوله امام السفير السعودي في بيروت بأن لا خيار للبنان الا بعروبته.. ونضيف قائلين، شريطة ان تكون بوصلة هذه العروبة فلسطين، وان تكون بوصلة وطنية جامعة وعابرة للطوائف، وتركز على التعايش المشترك.
لبنان لم يخطيء حتى يعتذر.. فهل الحفاظ على امن البلاد واستقرارها، وبذل كُلّ الجهود لتجنب حرب أهلية طائفية “خطيئة” تستحق الاعتذار؟
نطرح هذا السؤال ولا ننتظر جوابا.