الخبر وما وراء الخبر

“أكثرُ المحافظات اليمنية تعليماً هي أكثرُها تغريراً بأبنائها”

128

بقلم / إسماعيل المحاقري


 

“أكثر المحافظات اليمنية تعليماً هي أكثرها تغريراً بأبنائها” عبارة مقتضبة أوردها الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الأستاذ محمد المقالح في منشور له على صفحته في الفيس بوك تعليقا على انسياق الآلاف من أبناء تعز في مشروع الاحتلال وهو ما بدا واضحاً من خلال عديد قتلاهم وأسراهم في جبهات مارب والجوف، وكذا ميدي في أقصى الشمال الغربي للبلد ومدى إقبالهم على معسكرات تحالف العدوان وهي العبارة التي ذيلها المقالح بعلامة تعجب؛ مع يقيني أن الرجل أكثر الناس معرفة ودراية بأبعاد ودلالات ما كتب.
والحقيقة أن هذه العبارة لافتة ومهمة بحكم الأحداث والوقائع في الميدان وقد استوقفتني وأثارت لدي تساؤلات عدة حول سياسة أو استراتيجية تحالف العدوان إنْ جاز التعبير في تعز القائمة على تأجيج الصراع وتوسعة دائرته وتشديد الخناق على المواطنين وقتلهم وتشريدهم، إضافة إلى التدمير الممنهج لكل مقومات الحياة في حين يجري استثمار الورقة الإنسانية في وسائل إعلامه المختلفة بصورة مغايرة إلى حد كبير عن بقية المدن اليمنية.
ومما لا شك فيه هنا أن الجميع يدرك خصوصية تعز العاصمة الثقافية لليمن والمعروفة بمدنيتها كما يدركون أهميتها إن من حيث موقعها الجغرافي الاستراتيجي كون ممر باب المندب يتبعها إدراياً إلى جانب ميناء المخا أحد أهم الموانئ وأقدمها في تاريخ اليمن القديم والمعاصر أو من حيث مخزونها البشري الكبير.
ولأجل هذه المعطيات والأسباب وعلى ضوئها يجري تنفيذ مخطط التآمر على أمن واستقرار تعز كما يجري استثمار كل المقومات فيها بما يخدم أجندات وأطماع قُوى الغزو والاحتلال.
وبقدر تركيز هذه القُوى على ضرب مدينة الحالمة عن طريق إغراقها في الفوضى والصراعات لإجبار سكانها على حمل السلاح بقدر ما يجري العمل على إثارة النعرات الطائفية والمناطقية بداخلها وفي محيطها لاستقطاب الآلاف من أبنائها إلى معسكرات دول الاحتلال ليكونوا رأس حربه في مواجهة الجيش واللجان الشعبية للنيل من مقدرات البلد والسيطرة على أهم المواقع الاسترايتجية فيه، وهو الأمر الذي أفصح عنه أحد منظري العدوان بقوله إنهم كانوا يتوقعون أن يخرج من تعز أكثر من 50000 مقاتل ولهذا نلحظ حجم التركيز على هذه المحافظة.
وبالاعتماد على سياسة الترغيب والترهيب يجري تطبيق هذا المخطط، تارة بتدمير بيوت المناهضين للعدوان وتعمد تجويع المواطنين وحصارهم، وتارة أخرى عن طريق شراء الذمم والولاءات بالمال السعودي والإماراتي، والحديث عن عمليات عسكرية برية واسعة لفك حصار المدينة، وإدخال المساعدات الإنسانية إليها، وهي الذريعة ذاتها التي يحاول النظام السعودي من خلالها صرف الأنظار عن حصاره الجائر على اليمن منذ ما يقارب العام.
وعلى ما يبدو أن هذه الخطط نجحت إلى حد ما، بحيث التحقت مجاميع كبيرة في صفوف قوات الاحتلال نتيجة تأثرها بحملة التضليل والتغرير التي رافقت المراحل العسكرية المعلن عنها لما أسموه تحرير تعز.
ففي منتصف شهر نوفمبر من العام الماضي وبعد عملية تحشيد وتجنيد أعلن تحالف العدوان عن بدء حملة عسكرية لتحرير تعز وبعدها بأسابيع وفي حين لازمهم الفشل، أعلنوا عن بدء ما أسموها مرحلة ثانية لنفس الهدف، وتلا ذلك عدة مراحل لم يحقق فيها العدوان أي إنجاز ميداني يذكر؛ لكنه تمكن من تدريب وإعداد وتجهيز أكثر من 5 ألوية، يتم توظيفها اليوم بما يخدم المشروع الأمريكي الرامي إلى تقسيم البلدان بعد إغراقها في آتون الفوضى والصراعات بأبعادها الطائفية والمناطقية، وتمكين القاعدة وداعش من مدنها كما يحدث في الجنوب؛ حيث يتم الزج بأبنائه لخوض المعارك في تعز على حساب الوضع الأمني المتفاقم في مدنهم وبلداتهم، فيما يجري الدفع بأبناء تعز إلى مارب والجوف وميدي، وأبعد من ذلك هو تواجدهم في جبهات عسير وجيزان إلى جانب الجيش السعودي.
وأمام هذه الوقائع والحقائق تتضح أبعاد وخفايا العدوان على اليمن وهو المشروع الأمريكي ليس في بلدنا وحسب؛ بل في المنطقة بكلها وهكذا أصبحت “أكثر المحافظات تعليماً هي أكثرُها تغريراً بأبنائها”.