الخبر وما وراء الخبر

في الميزان: عُقدةُ التأريخ والبحثُ المشترك عن “هيكل سليمان” من القدس إلَى كوكبان

1٬663

صدى المسيرة|إبراهيم السراجي

يشتركُ الكيانُ الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية إلَـى جانب مملكة آل سعود بعدائهم للتأريخ والحضارات التي تفتقدُ إليها دولُهم وكياناتُهم، ويتسم عُـدْوَانهم على الدول العربية من فلسطين مروراً بالعراق إلَـى اليَمَن بتدمير الآثار التأريخية التي يبلغ عُمرُ بعضها عشرة أضعاف تأريخ نشوء مملكة آل سعود وأمريكا والكيان الصهيوني المزروع في المنطقة العربية.

كما تشترك مملكة آل سعود مع واشنطن والكيان الصهيوني في صنع وتمويل معول الهدم “داعش” الذي يغذي أحقادهم التأريخية ويدمر المدن التأريخية والقباب في سوريا والعراق واليَمَن.

وجاء استهدف العُـدْوَان الأمريكي السعُـوديّ للمعالم الأثرية في مدينة كوكبان التأريخية استكمالاً لهذا العداء والعقدة التأريخية التي يعاني منها النظام السعُـوديّ واستكمالاً لقائمة الأهداف المرتبطة بتأريخ اليَمَن من براقش في الجوف إلَـى آثار مملكة سبأ في مأرب ومدينة صنعاء القديمة، وأخيراً وليس آخراً تدمير البوابة الرئيسية لكوكبان التأريخية والقلعة الأثرية والمباني والمعالم التأريخية الكائنة في حارة القشلة بمدخل المدينة التي يعود تأريخها للقرن الميلادي الثاني بعد استهدافها بعدة غارات فجر الأحد الماضي ومعاودة استهدافها مساء الاثنين بنحو ثلاث غارات.

 

  • اليَمَن.. صداعٌ تأريخي يلازِمُ مملكة الرمال

تضاعفت عقدة نظام آل سعود من التأريخ بتأسيس مملكتهم في جغرافية ملازمة لبلد يعود تأريخه لما قبل أربعة آلاف عام وهو اليَمَن، وأكثر من ذلك أنه وفيما يقترن تأريخُ مملكة آل سعود بالصحراء والبداوة فإن اليَمَن يُعرف في تأريخ الأرض بالحضارات التي نشأت على ترابه مثل مملكة سبأ وحمير ومعين وقتبان وحضرموت، ويدين العالم لهذه الحضارات بأنها من علّمت وطورت الابجديات، ومنها ما يُعرف بخط المسند أحد أقدم الابجديات في العالم، فيما لا تزالُ مملكة آل سعود التي جاءت بعد آلاف السنين من تأسيس حضارات اليَمَن ورغم ثرائها بالنفط إلا أنها ما تزال بلداً تلازمه البداوة والتخلف.

بالمقابل فإن أقصى تأريخ يمكن لنظام آل سعود التفاخُرُ به هو تأسيس الدولة السعُـوديّة الأولى ومقرها مدين الدرعية قبل مائتين وخمسين عَاماً تَقريباً وهو أقل من عمر نافذة خشبية في صنعاء القديمة بينما يعود تأريخ الدولة السعُـوديّة الأخيرة إلَـى مائة عام وهو ما يجعلها خارج التأريخ.

انطلاقاً من هذه العقدة مارست مملكة آل سعود عداءَها تجاه التأريخ اليَمَني بشكل غير مباشر أي مرحلة ما قبل العُـدْوَان وبشكل مباشر بعُـدْوَانها على اليَمَن واستهداف طائراتها للمعالم الأثرية.

على مدى العقود الماضية إلَـى ما قبل العُـدْوَان موّل النظام السعُـوديّ عمليات مهربي الآثار اليَمَنية وقام بشراء عشرات القطع الأثرية اليَمَنية من المهربين، وباتت اليوم تعرض في متاحف سعُـوديّة وأمامها منشورات تنسب المخطوطات والقطع الأثرية لتأريخ مملكة آل سعود، وقد جرت إدانة مملكة آل سعود بالأدلة والبراهين بسرقة القطع الأثرية والمخطوطات اليَمَنية ونسبها لتأريخ آل سعود وبعضها تم إجبار النظام السعُـوديّ على إعادتها بعد ضغط إعْـلَامي محلي ودولي.

ومنذ العُـدْوَان الأمريكي السعُـوديّ على اليَمَن برزت المدن التأريخية والآثار القديمة كهدف لطائرات العُـدْوَان التي استهدفت حتى المعالم الموجودة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي التابعة للأمم المتحدة.

كوكبانوباشر العُـدْوَان مع اندلاعه باستهداف مسجد الإمام الهادي بصعدة الذي يعود إلَـى القرن الثالث الهجري وبعد ذلك استهدفت منازل صنعاء القديمة في مناسبتين، مما أدى لتدمير عدد كبير من المنازل وتضرر عشرات المنازل الأخرى دون أن يجد متحدثُ العُـدْوَان أي مبرر لهذه الجريمة.

ومع مرور شهرَين على العُـدْوَان الأمريكي السعُـوديّ على اليَمَن استهدفت طائراتها سدَّ مأرب التأريخي بعدة غارات، مَـا أَدَّى إلَـى أضرار بالغة في أحد أسواره، وبعد ذلك طال العُـدْوَان بغاراته القلاع والمعالم التأريخية في منطقة براقش التأريخية وعاد ليستهدف عرش بلقيس التأريخي بمديرية صرواح بمأرب والحصون المختلفة في محافظة حجة ومدينة زبيد التأريخية بالحديدة وغيرها الكثير من المعالم التأريخية في اليَمَن، وصولاً لاستهداف مدينة كوكبان بمديرية شبام التابعة لمحافظة المحويت.

وفي وقت سابق عبّرت المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا، عن قلقها من تدمير آثار اليَمَن والإضرار بها.

وقالت المديرة العامة لليونسكو “أنا قلقة للغاية إزاء الأنباء المؤسفة القادمة من اليَمَن حول مواصلة تدمير والإضرار بتراثها الثقافي الفريد، حيث تضرر سد مأرب العظيم، أحد أهم المعالم التأريخية اليَمَنية وكذا في شبه الجزيرة العربية، فهو شاهدٌ على التأريخ والقيم المشتركة للبشرية”.

 

  • أمريكا.. والنشأة المشبوهة على أنقاض تأريخ أبناء الأرض

 

واستقى النظامُ السعُـوديّ أسلوبَه في تدمير التأريخ اليَمَني من ظروف نشأة المملكة بدماء القبائل بطريقة تشبه تأسيسَ الولايات المتحدة الأمريكية في القرن السابع عشر ميلادي والتي نشأت بداية بإبادة السكان الأصليون لما يُعرف اليوم بالولايات المتحدة الأمريكية التي سعت لإلغاء تأريخ أولئك السكان وتدمير حضارتهم.

وفيما ينتمي السكان الأصليون لحضارة الازتك الذين جرى إبادتهم وإطلاق اسم “الهنود الحمر” عليهم رغم انهم السكان الأصليون، لتقوم الولايات المتحدة الأمريكية وتدمر المعالم الأثرية التي تنتمي لسكان حضارة الازتك وَيعود تأريخها لآلاف الأعوام والتي سبقت قيام الولايات المتحدة الأمريكية.

العُقدة التأريخية لدى الولايات المتحدة الأمريكية دفعت بها لممارسة ذات الأعمال التخريبية المباشرة من قبل طيران العُـدْوَان الذي يدمر الآثار التأريخية والحضارية باليَمَن، ومن هنا تتضح الصورة حول العلاقة الأمريكية السعُـوديّة العدائية تجاه التأريخ.

 

  • الكيان الصهيوني.. الضلع الثالث لمحور العداء للتأريخ

 

يعد الكيان الصهيوني الضلع الثالث والطارئ في تأريخ الأرض إلَـى جانب السعُـوديّة وأمريكا في مثلث العداء للتأريخ، حيث يحاول الكيان الصهيوني الأكثر حداثة من حيث النشوء في مثلث العقدة من التأريخ أن يُوجد لنفسه مكاناً في التأريخ ويتخذ رغبتَه تلك كذريعة لتدمير المعالم الأثرية التأريخية والإسْـلَامية في فلسطين وخُصُـوْصاً في مدينة القدس باحثاً عن هيكل سليمان المزعوم.

وفي إطار محاولة الكيان الصهيوني لتهويد القدس قامت سلطاته بتدمير كثيرٍ من المعالم الأثرية، محاولاً طمس الهُوية الفلسطينية الإسْـلَامية والعربية وإحلال الهوية اليهودية مكانها.

حفريات صهيونية تحت الاقصىوإلى جانب حرب التطهير العرقي الذي يمارسه الصهاينة ضد الفلسطينيين يمارس الكيان حرباً موازية على المعالم الأثرية الإسْـلَامية والعربية في الأَرَاضي العربي بفلسطين وقامت بحفر الانفاق تحت الأقصى الشريف وأسواره التي تتداعى بفعل الحفريات وقام الكيان أَيْضاً بهدم الكثير من المساجد والقباب والمعالم الأثرية التي تعود للحضارة الإسْـلَامية على مدى عقود انطلاقاً من أحقاده تجاه التأريخ، ويقفُ في هذا جنباً إلَـى جنب مع أمريكا والنظام السعُـوديّ.

وبحسب دراسة للدكتور الفلسطيني غازي حسين دأبت إسرائيلُ منذ عام 1948 على هدم وتدمير المساجد؛ لأنها تمثِّلُ جُذُورَ التراث والتأريخ والطابع العربي الإسْـلَامي المترسّخ في أعماق الأرض والبشر والشجر والحجر في فلسطين. وتمثل المساجدُ والكنائسُ الماضي والحاضر والمستقبل والهوية والانتماء والقيم والأخلاق والعزة والكرامة والحضارة العربية الإسْـلَامية.

 

  • داعش المعول الأمريكي-السعُـوديّ.. القضاء على التأريخ

 

ينطلقُ تنظيمُ داعش الإجرامي من العقائد الوهابية التي يتخذها ذرائعَ لهدم المعالم التأريخية العربية وآثار الحضارات التي قامت في الماضي سواء في سوريا أَوْ العراق أَوْ اليَمَن وهو بذلك يكمل بهمجية ومن خارج المساءلة تدمير الآثار.

وأقدم التنظيم الإجرامي على تدمير عدة مواقع ومنحوتات أثرية في العراق وسوريا، ولقد كانت هذه الآثار تعود لعصور قديمة ومنها من كانت مدرجة ضمن لائحة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو مثل مدينة الحضر وَآشور والتي تدعى بقعلة الشرقاط وَكالح في العراق، بالإضافة إلَـى مدينة تدمر الأثرية في سوريا، كما قام التنظيم بتدمير عدة مساجد قديمة مثل مسجد النبي يونس في الموصل، والتي يُعتقد بأنها تحوي رفاة النبي يونس أَوْ يونان وكذلك مسجد النبي شيث، بالإضافة إلَـى تدميره لعدة مساجد وكنائس ومعابد أيزيدية قديمة.

داعش يدمر اثار العراقوفي اليَمَن وتَحديداً في حضرموت وعدن قام القاعدة وداعش بتدمير العديد من المعالم الأثرية التأريخية والقباب والمساجد.

وعلى سبيل المثال قام مسلحو القاعدة باقتحام مسجد الشيخ “ابن إسماعيل” الواقع في منطقة مسيال سمعون في مدينة الشحر، وقاموا بتحطيم وهدم عدد من القباب الأثرية وتدمير ضريحه.

وشن مسلحو القاعدة حملةً معلنةً لتدمير ما اسموه “الشركيات” وبحسب مصدر محلي قام مسلحو القاعدة بتدمير ما يزيد عن 10 أضرحة، وبعض القباب التي تضم قبوراً لشخصيات دينية وسياسية شهيرة، حكمت حضرموت خلال القرن الماضي، أبرزها ضريح يعقوب بن يوسف، والذي سميت أقدم مقبرة في المدينة باسمه”.

وتبدو مملكة الرمال والنفط ممثلة بآل سعود على جانب الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في رحلة بحث عن “هيكل مزعوم” وباسمه يتم تدميرُ المعالم والآثار، فلم تقتصر جرائمُهم وجرائمُ ذراعهم المشترك “داعش” على ما سبق من تدمير للآثار الإسْـلَامية والعربية ومعالم الحضارات القديمة، وفيما يبدو أن العقدة التأريخية المشتركة تجاه الحضارات والتأريخ التي يفتقدونها ستظل دافعاً لهم في الأيام القادمة لتدمير التأريخ وآثار الحضارات العربية والإسْـلَامية من العراق إلَـى ليبيا مروراً بسوريا واليَمَن إلَـى جانب الأَرَاضي العربية بفلسطين.